مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أبو العباس أحمد بن علي المداسي (ت 1130هـ)

اسمه ونسبه:

هو الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن محمد بن مسعود بن علي بن صالح المداسي[1] المراكشي الشهير بالسوسي لقبا.[2]

ولادته وأخذه لطريق التصوف:

ولد رحمه الله بمراكش في حدود الخمسين وألف للهجرة، وسافر به جده لأمه للحجاز، فحج به وهو صبي، ثم رجع به للمغرب، فلبث بمراكش يعاني بعض الصنائع، ثم تاقت همته للسلوك على يد شيخ يصفيه من رعونات نفسه، ويرقيه عن أطوار حسه، فتجول في بلاد المغرب يلتمس شيخا تجتمع عليه همته، ويسلم له باطنه، وعلى عادة الباحثين عن الحقيقة الربانية، والتواقين إلى العشق الذي يسكن قلوبهم، فجال في ربوع المغرب كله لعله يظفر بمراده، فلم يجد عند أحد منهم ضالته المنشودة، وأمنيته المقصودة، إلى أن أدته خاتمة المطاف للشيخ أبي القاسم ابن اللوشة السفياني، فقصده ولبث عنده أياما فلم يظهر له ما يقنعه، فرجع إلى فاس، فأقام بجامع الأندلس مشمرا للعبادات وعمر أوقاته بالطاعات، وبقي على ذلك الحال مدة إلى أن التقى ببعض أهل البصائر فكان يتعاهده ويفاوضه في مسائل الطريق، فذكر له أنه بحث عن شيخ كامل في الوقت يتوجه إليه بكليته، ويداوي به عضال عيوب نفسه، فلم يجده، فقال له إن هذا في وقتك لموجود على وفق ما قصدته، وهو أبو القاسم ابن اللوشة، فقال له أحمد بن علي المداسي: “قد جئت من عنده فما رأيت شيخا، فقال له: لو رأيت أصحابه وما هم عليه من المحبة والاجتهاد في العبادة لظهر لك مصداق ما أشرت به عليك، فسار به إلى رابطتهم التي يجتمعون فيها، فعاين من أحوالهم عجبا عجابا”،[3] ورأى عليهم ما جعله يطمئن ويوقن أن هناك نتائج ملموسة للتربية، لم تظهر له فالأول عند مصاحبته للشيخ، وذلك لاعتبارين أساسين الأول أن الباحث عن التربية والسلوك لا ينبغي له أن يبحث عن شيخ يكون حسب مواصفات ينسجها له عقله أو حسب ما تريده له نفسه، فتلك الحمولات المعرفية ستصطدم مع منهجية الشيخ في التربية ويقع النفور، وهذا ما حصل لأحمد بن علي المداسي في بداية أمره بحيث لم يقتنع بالشيخ، الاعتبار الثاني هو أن ينظر إلى أحوال وسلوك مريدي الشيخ الذي سيرغب في صحبته هل هناك أثر واضح وايجابي في التربية والتزكية، وهو ما نبهه عليه المريد الذي خبر الطريق قبله، وبما أن أحمد بن علي المداسي اقتنع في الأخير بأن الشيخ أبا القاسم ابن اللوشة من أهل التربية والإصلاح باعتماده على النظر في أحوال مريديه، ذهب إليه للأخذ عنه، فاستقبله الشيخ ورحب به قائلا: مرحبا بالسوسي، وهذا هو سبب شهرته بالسوسي، وضرب الشيخ بيده إلى صدر أحمد بن علي المداسي، “وأخذ منه بسويداء لبه، ووجه إليه الشيخ همته، فاستنار باطنه، واستقام أوده، وتمكنت محبة الشيخ منه بحيث صار أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه”، [4]  وهنا يبدأ مشوار أحمد بن علي المداسي في التربية والترقي فكان مكلفا باستقاء الماء، وأعمال الطبخ وخدمة الفقراء والزائرين، وبقي على ذلك الحال مدة إلى أن أمره الشيخ أن يذهب إلى المشرق، فذهب هو وعلي بن عزوز المكناسي، ثم استقر بهما الرحل بتونس، وبعدها بقي علي بن عزوز المكناسي في تونس ورجع الشيخ أحمد بن علي المداسي إلى مراكش، “وانثال الناس لزيارته وقصدوه من كل جهة، وطار له بها طائر الاشتهار”،[5] فتتلمذ على يديه العديد من المريدين واهتدى على يديه العديد من الناس، “وكان رحمه الله عاكفا على العبادات مثابرا على أفعال الخير حريصا على إطعام المساكين محسنا للعفاة والأرامل مولعا بكثرة الطعام، وكان يحدث  أنه وقف بمصر على سماع فيه جماعة من الأولياء، فخرج من بينهم رجل فأخذ بيده وقال مسكين أحمد زاوية في ظهره أينما سار تتبعه، فكان كذلك حيث قصد رحمه الله يطعم صنوف الطعام يبدي من ذلك ما هو خرق العادة، وزاويته بمراكش أكثر زوايا المغرب إطعاما للصادر والوارد”.[6]

فأهل المغرب معروفون بالجود والكرم وإطعام الطعام أينما حلو وارتحلوا، وهو سبب كبير في الترقي وبلوغ مراتب كبيرة في الولاية.

ومن بين تلامذة الشيخ أحمد بن علي المداسي: محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله الصغير الإفراني، صاحب كتاب: صفوة من انتشر قال عنه: “وقد لازمته مدة ورافقته حضرا وسفرا وانتفعت بمجالسته وشملني دعاؤه”.[7]

وفاته:

توفي رحمه الله عام ثلاثين ومئة وألف، ودفن قريبا من ضريح الشيخ الجزولي.

المصادر المعتمدة:

  • الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، راجعه: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.
  • صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، محمد بن الحاج بن عبد الله الصغير الإفراني، تقديم وتحقيق: عبد المجيد خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م، 367.
  • طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تقديم وتحقيق: أحمد بومزكو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1427هـ/2006م.
  • السعادة الابدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية، محمد بن محمد بن عبد الله بن المبارك الفتحي المراكشي، مطبعة: مصطفى البابي الحلبي، مصر، سنة الطبع: ذو الحجة، 1341هـ.

الهوامش:

[1] المداسي بنو مداس شعب من شعاب المصامدة، ينظر: طبقات الحضيكي، 1/ 95.

[2] ينظر ترجمته في:

  • الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، راجعه: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م. 2/ 364.
  • صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، محمد بن الحاج بن عبد الله الصغير الإفراني، تقديم وتحقيق: عبد المجيد خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م، ص: 367.
  • طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تقديم وتحقيق: أحمد بومزكو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1427هـ/2006م. 1/ 95.
  • السعادة الابدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية، محمد بن محمد بن عبد الله بن المبارك الفتحي المراكشي، مطبعة: مصطفى البابي الحلبي، مصر، سنة الطبع: ذو الحجة، 1341هـ. ص: 130.

[3] صفوة من انتشر، 368.

[4] الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، 2/ 364.

[5] المصدر السابق نفسه.

[6] الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، 2/ 364-365.

[7] صفوة من انتشر، 370.

Science

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق