تنقيح تقريب الوصول إلى علم الأصول، للعلامة لُطْف الله بن محمد الأَرْضُرُومي(ت1202هـ)،

تقديم وتحقيق: د.لحسن بن علي الرحالي، و: د. مصطفى عكلي التمكروتي.

سلسلة: نوادر التراث 34

إن علم أصول الفقه من العلوم جليلة القدر، عظيمة النفع، إذ به يُتوصَّل إلى فهم خطاب الشرع، وبواسطته تحصل عملية استنباط الأحكام الشرعية، وإتقانُ مسالك هذا العلم ومباحثه، يُـجَنِّب العالِمَ سوء الفهم عن الله تعالى، وعن رسوله ﷺ؛ لأنه هو العلم الذي يُبين له الطريق الصَّحيح إلى استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية، ويُزَوِّدُه بالأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، كما أنه يمكن المجتهد من التنزيل السليم للأحكام الشرعية، على الوقائع المختلفة في الزمان والمكان، ولهذا اشتدت عناية العلماء به، وحَــثُّـوا على دراسته والاجتهاد في تحصيله، وكثرت التآليف فيه وفي مسائله وفروعه.

 ومِن أَجَلِّ التآليف الأصولية المتداولة بالمغرب والأندلس، كتاب «تقريب الوصول إلى علم الأصول»، للإمام العالم النّظّار الأصولي المفسر، أبي القاسم محمد بن أحمد بن جُزَي الكلبي الغرناطي المالكي(ت741ﻫ)، ♫، وهو كتاب جليل حفيل، محكم الترتيب، متقن الترصيف، أحاط فيه مؤلفه بمختلف أبواب هذا العلم ومباحثه، فلا غرابة إذن، أن يشكل هذا الكتاب - إلى جانب كتاب «الموافقات»، لأبي إسحاق الشّاطبي مرحلة مهمة في تطور الفكر الأصولي لدى علماء الغرب الإسلامي.

ولنفاسة كتاب تقريب الوصول، ومكانته بين الكتب المصنفة في فنه؛ انبرى إلى اختصاره واستخلاص مهماته؛ العلامة لُطْف الله بن محمد الأَرْضُـرُومي، نسبة إلى مدينة «أرضُرُوم» الواقعة في شمال شرق تركيا، التي ولد بها، ثم خرج منها طالبا للعلم، نهما في تحصيله، وطاف في سبيله مختلف البلدان والبقاع، فدخل مكة والمدينة وصنعاء اليمن، ومصر، وتونس والعراق وغيرها قبل أن يستقر به المقام بمدينة حلب التي توفي بها ♫ سنة(1202ﻫ)، وقد كان شديد العناية بالقرآن الكريم، دائم التلاوة له، راغبا في استكشاف المعاني من حقائقه، متقنا للقراءات العشر، ضابطا لعلوم كثيرة تدريسا وتأليفا، كأصول التفسير، وعلوم الحديث، والفقه وأصوله، والسيرة والتاريخ، والعربية، والعلوم الطبيعية، والكلام، والتصوف، وغيرها.

ويعتبر مختصره هذا المسمى «تنقيح تقريب الوصول إلى علم الأصول»، من أنفع المختصرات الأصولية، فقد رَامَ من خلاله تقريب كتاب ابن جُزي، وتسهيل تناول أبوابه ومقاصده، وذلك بحذف ما لا حاجة إليه، وزيادة ما لا بد منه، بأسهل عبارة وألطف إشارة، بحيث يكون مختصره هذا جامعا لرؤوس مسائل علم الأصول المتفرقة في غيره من المصنفات، وقد سلك من أجل ذلك، منهجا يقوم على ضم المسائل بعضها إلى بعض، وتقديم ما حقه التقديم، وتأخير ما حقه التأخير، دون إغفال ما في المسألة المعروضة، من فوائد وتنبيهات تزيدها تحريرا ووضوحا، فجاء بحمد الله نافعا، وافيا بضفاء، بالمقصد من وضعه.

وما كان لهذا المؤلف أن يخرج في هذه الصورة، بعد تيسير الله عز وجل وتوفيقه، لولا عناية الباحثين الفاضلين: الدكتور لحسن بن علي الرحالي والدكتور مصطفى عكلي التمكروتي حفظهما الله، اللذين بذلا جهدا مشكورا في تحقيق هذا الكتاب وضبط نصه والتعليق عليه، مـمَّا يعتبر إضافة علمية في المكتبة الأصولية الإسلامية الغنية.