مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

هل نجح كورونا في تحقيق المساواة/العدل في توزيع الأدوار بين الجنسين داخل الأسرة المغربية؟

 

في ظل استمرار تفشي وباء كوفيد-19 في مختلف بقاع العالم، ومع تمديد حالة الطوارئ الصحية وتفضيل العديد من الناس البقاء في البيوت تجنبا للعدوى، تستمر الحياة اليومية بشكل مختلف يمس تدبيرنا للوقت وللعلاقات اليومية على الصعيد المهني والاجتماعي والأسري. يركز هذا المقال على التأثير الذي يحدثه فيروس كورونا المستجد على العلاقات بين الجنسين وتمظهرات تدبير الوقت والأدوار بينهما في إطار التفاعل اليومي داخل الأسرة المغربية. ينطلق المقال من التساؤل عن مدى مساهمة التقارب والتواصل المستمر بين الجنسين في ظل الحجر الصحي في خلق واقع جديد يتضمن إعادة اقتسام مسؤوليات البيت بين أفراد الأسرة وضبط الأدوار الجندرية بما يحقق مزيدا من المساواة/العدل.

استكمالا للمقال السابق، الذي سلط الضوء على العنف الأسري كأحد الآثار المترتبة عن الحجر الصحي بفعل أزمة كورونا، يحاول هذا المقال الكشف عن تأثير الاحتكاك اليومي والمستمر بين أفراد الأسرة على إعادة التفكير في الأدوار التي يقوم بها الذكر والأنثى في الأسرة. اعتمادا على المقاربة الجندرية (Gender/Genre) أو النوع الاجتماعي، يستحضر المقال مسألة تدبير الحيز الخاص (الأسرة) ونسق التضامن وروابط التواصل الاجتماعية الممكن تجديدها بين الجنسين في ظل هذه الأزمة.

الأعباء الأسرية في ميزان النوع الاجتماعي

في معظم الدراسات السوسيولوجية، يتم توصيف أغلب المجتمعات بأنها تنظم علاقاتها الجندرية في الأسرة بشكل تقليدي حيث تتولى الأنثى المهام المنزلية ويتولى الذكر المهام الخارجية المرتبطة بتأمين لقمة العيش. رغم أن ولوج المرأة لسوق العمل والتحولات الاجتماعية التي رافقت ذلك قد خلخل إلى حد ما النظام الأسري التقليدي، إلا أن الأعباء الأسرية استمرت موزعة بشكل قائم على التمييز الجندري المعتمد على ربط المرأة بالمجال الخاص والرجل بالمجال العام. وإذا كان هذا الوضع يعتبر عاديا في ظل ظروف ما قبل جائحة كورونا، فإلى أي مدى فرضت الجائحة واقعا جديدا وما أشكال التأقلم مع هذا الواقع؟

جائجة كورونا وتدبير الوقت والأعباء: من يستفيد أكثر؟

تشير كثير من الدراسات والتقارير التي تم إنجازها خلال فترة الحجر الصحي إلى أن هناك تفاوتا بين أعباء النساء والرجال على اعتبار أن كثيرا من النساء وجدن أنفسهن محاصرات بأعباء إضافية غير تلك التي اعتدن على القيام بها. ففي ظل الإغلاق التام وإغلاق المدارس ومراكز رعاية الأطفال، تتولى كثير من النساء مهمة رعاية الأطفال والتدريس بجانب القيام بأعباء البيت.

كما تشير تقارير أخرى إلى أنه حتى قبل أزمة كوفيد-19 كانت النساء تقوم بأعمال مضاعفة ثلاث مرات من الرعاية والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر مقارنة بالرجال. وتمثل هذه الأعمال اقتصادا غير مرئي له تأثيرات حقيقية على الاقتصاد الرسمي وحياة المرأة، نظرًا لأن النساء غالبا ما يتأرجحن بين التعهد بالرعاية المنزلية والعمل خارج البيت، خاصة بالنسبة للأسر التي تعولها نساء.[1] وبجانب العبء المادي والجسدي، فقد بين استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “كيسر” للأسرة أن النساء يتضررن نفسيا أكثر من الرجل حيث وجد أن النساء أكثر ميلا للقلق من العواقب السلبية لفيروس كورونا ويتخذن احتياطات أكبر من الرجال.[2]

في المغرب، أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا والبنك الدولي إلى أنه عندما تكون النظم الصحية ضعيفة، فإن عبء الرعاية المنزلية يقع إلى حد كبير على عاتق النساء، اللائي يقضين في المتوسط ​​سبعة أضعاف الوقت في العمل المنزلي مقارنة بالرجال وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط. وبخصوص مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية بالمغرب فهي تعتبر من بين أدنى المعدلات في العالم (22٪ في 2018 مقابل 48٪ من المتوسط ​​العالمي، بما في ذلك 10٪ في ريادة الأعمال النسائية) وتتراجع منذ 20 عامًا (29٪ في 2000). كما تبلغ فجوة الأجور بين الجنسين للوظائف المتساوية 20٪ على الأقل.[3]

وفي بحث أعدته المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية)، ضمن المرحلة الثانية من دراسة حول “تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر”، توصل الباحثون إلى أن 73.2% من النساء النشيطات المشتغلات اللواتي استمررن في العمل خلال فترة الحجر الصحي تمكن من التوفيق بسهولة بين عملهن المهني وأعبائهن المنزلية، في مقابل 17.9% تمكن من ذلك بصعوبة، و8.9% استطعن القيام بذلك بصعوبة بالغة. ويلفت البحث الانتباه إلى أن العمل المنزلي يثقل كاهل النساء كيفما كانت وضعيتهن المهنية أو الاجتماعية، حيث تبلغ المدة الزمنية المخصصة له 3 ساعات و54 دقيقة لدى النشيطات المشتغلات، مقابل 5 ساعات و30 دقيقة لربات البيوت، و5 ساعات و13 دقيقة للمتزوجات مقابل 3 ساعات و17 دقيقة للعازبات.

جدير بالذكر أن فترة الحجر الصحي شكلت مرحلة استثنائية شهدت ارتفاعا في مسببات الصراع بين الأزواج حيث خلُص البحث إلى أن تربية الأطفال وتدبير ميزانية الأسرة بالإضافة إلى الأشغال المنزلية شكلت محور الصراع بين الزوجين. وفي هذا الصدد، صرح قرابة 9% بأن المشاركة في الأعمال المنزلية بين الزوجين كانت سبب نزاعات بينهم وذلك بشكل يفوق المعتاد بالنسبة لـ63% منهم. كما سجل البحث أن نقص المال والمشاكل المادية قد شكلت مصدر توتر ونزاع بين الزوجين بالنسبة لـ21.7% من الأشخاص وذلك بشكل يتجاوز المعتاد بالنسبة لـ72% منهم.[4]

تحويل الأزمة إلى فرصة

وإذا كان الحجر الصحي قد تسبب في تزايد حالات الصراع بين الجنسين فإنه كان سببا أيضا في خلق أجواء ساهمت في تحقيق مزيد من التضامن والعدل والمساواة. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرأة أصبحت تتقاسم مع الرجل الأعمال خارج المنزل فإنه من صميم المنطق الخالص أن يتقاسم الرجل مع المرأة الأعمال المنزلية داخل البيت، وهذا الوضع هو الذي عمل الحجر الصحي على تكريسه  نتيجة الحضور اليومي للرجل داخل المنزل، و هو ما سيجعل كلا من الجنسين يعيدان ترتيب و توزيع الأعمال المنزلية بشكل عادل و مقبول، الأمر الذي سيعمل على توثيق الروابط الاجتماعية بينهما و السير نحو تحقيق الذات البشرية من دون أي تمييز.

في هذا الصدد سجل نفس البحث الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط أن 19.3% من الرجال صرحوا بقيامهم بالأشغال المنزلية لأول مرة خلال فترة الحجر الصحي، بينما صرح 40.1% بأنهم خصصوا لها مزيدا من الوقت، مقابل 32.5% خصصوا لها نفس الوقت، و8.1% خصصوا لها وقتا أقل.

تقول ميشيل تيرتيلت، الخبيرة الاقتصادية بجامعة مانهايم في ألمانيا، أن الإغلاق العام أسهم في تحقيق شيء من المساواة بين الجنسين، حيث أصبحت أنظمة العمل الجديدة تتيح للموظفين مزاولة أعمالهم من المنزل، وهو الأمر الذي سيجعل كل أفراد الأسرة متساوين في الوضعية (مهما كان جنسهم) وبالتالي متساوين في الأدوار والأعباء حيث لا شيء يمنع من قيام كل جنس بما يمكن أن يقوم به الآخر. وتتوقع تيرتيلت في ضوء هذه النتائج أن يُخلف الحجر الصحي، إذا استمر لشهر أو شهرين، آثارا طويلة الأمد، منها زيادة انخراط الآباء في مسؤولية رعاية الأطفال.

وقد ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن العائلات التي يعيش فيها كلا الوالدين في المنزل خلال هذه الفترة، حيث تتأرجح الأعباء بين العمل ورعاية البيت والأطفال، سيكون فيها للآباء الذين يتولون أدوارًا أساسية أو مشتركة داخل البيت تأثير كبير على أطفالهم من حيث تغيير مفاهيم تقسيم العمل وأدوار الجنسين الراسخة منذ مدة.[5] ويشير تقرير آخر أعدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حول تأثير كورونا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن الأزمة تمثل لحظة فاصلة في طريق المساواة بين الجنسين حيث تشكل فرصة لإعادة التفكير في دور المرأة في الاقتصاد والمجتمع. كما أن انتعاش المنطقة على المدى الطويل سيعتمد على القدرة الاستفادة الكاملة من إمكانات رجالها ونسائها.[6]

وارتباطا بالاقتصاد وسوق العمل، أشار مقال شارك فيه عدة باحثين إلى أن هناك عوامل مرتبطة بأزمة كورونا قد تعزز في نهاية المطاف المساواة بين الجنسين في سوق العمل. أولاً، سرعة تبني الشركات لظروف عمل أكثر مرونة، وهو ما يكون غالبا في صالح النساء. ثانيًا، وجود العديد من الآباء الذين يتعين عليهم الآن تحمل المسؤولية في البيت ورعاية الأطفال، مما قد يؤدي إلى تراجع الأعراف الاجتماعية التي تؤدي حاليًا إلى توزيع غير متوازن لتقسيم الأدوار.[7]

خاتمة

على العموم، يبقى توزيع الأدوار بين الجنسين خلال أزمة كورونا عاملا مهما في تحولات الحياة التي يعرفها المغاربة. وفي هذا السياق، أشار 78.6 في المئة من المغاربة الذين شاركوا في استطلاع للرأي قامت به مؤسسة “منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية” إلى حدوث تغييرات على حياتهم الاجتماعية بسبب الجائحة، مقابل 57.9 في المئة قالوا إن علاقتهم بالمحيطين بهم قد تطورت نحو الأفضل، بينما ذكر 7.3 في المئة أن العلاقات ساءت.[8]

جدير بالذكر أن العلاقات بين المغاربة، سواء تغيرت خلال الأزمة أو لم تتغير، فإن الأكيد هو أنها تشمل العلاقة بين الجنسين وكيفية تدبير وتوزيع الأدوار بينهما داخل وخارج الأسرة. وهو ما يلعب دورا أساسيا في تحديد مسارات التغيير سواء في اتجاه مزيد من التضامن والتعاون المرتكز على قيم العدل والمساواة أو في اتجاه تكريس مزيد من الفردانية والأنانية المرتكزة على التمييز واللامساواة.

ليبقى الجواب على السؤال حول مدى تحقيق المساواة والعدل خلال فترة الحجر الصحي و استمرارها بعد رفعه رهين بالدراسة الميدانية التي ستنتج  لنا لا محال معرفة بمسارات التغيير على المستوى الجندري والاجتماعي بالمغرب.

[1] https://www.un.org/sexualviolenceinconflict/wp-content/uploads/2020/06/report/policy-brief-the-impact-of-covid-19-on-women/policy-brief-the-impact-of-covid-19-on-women-en-1.pdf

[2] https://gearingroles.eu/gender-roles-in-the-framework-of-covid19/

[3] https://marokko.ahk.de/fileadmin/AHK_Marokko/Dokumente/Economic_and_Social_Impact_of_COVID_19_Morocco_UN_Impact_Assessment.pdf-2.pdf.pdf

[4] https://www.hcp.ma/file/217073/

[5] https://www.un.org/sexualviolenceinconflict/wp-content/uploads/2020/06/report/policy-brief-the-impact-of-covid-19-on-women/policy-brief-the-impact-of-covid-19-on-women-en-1.pdf

[6]  https://read.oecd-ilibrary.org/view/?ref=134_134470-w95kmv8khl&title=COVID-19-crisis-in-the-MENA-region-impact-on-gender-equality-and-policy-responses

[7] https://faculty.wcas.northwestern.edu/~mdo738/research/COVID19_Gender_March_2020.pdf

[8] https://menassat.org/admin/uploads/articles/20200703005600-2020-07-03articles005119.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق