فيما روي عن السلف و الأئمة من محبتهم للنبي صلى الله عليه و سلم و شوقهم له
قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى:
"حدثنا القاضي الشهيد، حدثنا الرازي، حدثنا الجلودي، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا مسلم ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "من أشد أمتي لي حباً يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله و ماله" . و مثله عن أبي ذر .
وتقدم حديث عمر رضي الله عنه ، و قوله للنبي صلى الله عليه و سلم : "لأنت أحب إلي من نفسي" . و ما تقدم عن الصحابة في مثله .
و عن عمرو بن العاص رضي الله عنه : ما كان أحد أحب إلي من رسول الله
صلى الله عليه وسلم . وعن عبدة بنت خالد بن معدان، قالت : ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا و هو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلى أصحابه من المهاجرين و الأنصار يسميهم و يقول : هم أصلي و فصلي، و إليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم فعجل رب قبضي إليك حتى يغلبه النوم .
وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم : "و الذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه، يعني أباه أبا قحافة، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .
ونحوه عن عمر بن الخطاب ، قاله للعباس رضي الله عنه : أن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و عن ابن إسحاق ان امرأة من الأنصار قتل أبوها و أخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قالوا: خيراً، هو بحمد الله كما تحبين . قالت : أرنيه حتى أنظر إليه . فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل .
و سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان و الله أحب إلينا من أموالنا و أولادنا و أبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ.
و عن زيد بن أسلم: خرج عمر رضي الله عنه ليلة يحرس الناس ، فرأى مصباحاً في بيت، و إذا عجوز تنفش صوفاً، و تقول :
على محـمد صـلاة الأبرار صلى عليه الطيبـون الأخيار
قد كنت قواماً بكاً بالأسحار يا ليت شعري و المنايا أطوار
هل تجمعني و حبيبي الدار
تعني النبي صلى الله عليه و سلم . فجلس عمر رضي الله عنه يبكي ، و في الحكاية طول .
وروي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله تعالى فقيل له : اذكر أحب الناس إليك يزل عنك . فصاح : يا محمداه ! فانتشرت .
و لما احتضر بلال رضي الله عنه نادت امرأته: و احزاناه ! فقال : واطرباه ! غداً ألقى الأحبة . محمداً و حزبه .
و يروى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها : اكشفي لي قبر رسول الله صلى
الله عليه و سلم، فكشفته لها فبكت حتى ماتت .
و لما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه قال ابو سفيان ابن حرب : أنشدك بالله يا زيد ، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك يضرب عنقه ، و إنك في أهلك ؟ فقال زيد : و الله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه
شوكة و إني جالس في أهلي .
فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً
وعن ابن عباس : كانت المرأة إذا أتت النبي صلى الله عليه و سلم حلفها بالله : ما خرجت من بغض زوج و لا رغبة بأرض عن أرض ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله .
ووقف ابن عمر على ابن الزبير رضي الله عنهما بعد قتله فاستغفر له ، و قال : كنت و الله ما علمت صواماً قواماً تحب الله ورسوله" .
"الشـفـا بتعـريف حقـوق المصطـفى"
تحقـيق وتقـديم عـامر الجزار
طبعة 1425 هـ -2004م
دار الحديث القاهرة
ص275