تقريب مفاهيم التأصيل في المذهب المالكي(ج2) 2

- مفهوم الظاهر في النسق المالكي.
أ- تحديد المفهوم:
الظاهر في الاصطلاح اللغوي الواضح، وهو مشتق من الظهور، ومن معانيه الوضوح والانكشاف(42).
أما في الاصطلاح الأصولي فقد وردت في شأنه تعاريف متقاربة منها:
أنه "المتردد بين احتمالين فأكثر، هو في أحدهما أرجح"(43). ومنها أنه "المعنى الذي يسبق إلى فهم السامع من المعاني التي يحتملها اللفظ، ومعنى ذلك أن يكون اللفظ يحتمل معنيين فزائدا، إلا أنه يكون في بعضها أظهر منه في سائرها، إما لعرف استعمال في لغة أو شرع أو صناعة. ولأن اللفظ موضوع له، وقد يستعمل في غيره، فإذا ورد على السامع سبق إلى فهمه أن المراد به ما هو أظهر منه"(44). وبعبارة أخصر إن الظاهر "هو اللفظ الدال في محل النطق على معنى لكنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا" (45).
من خلال هذه التعاريف يتضح أن قوام الظاهر أمور ثلاثة هي:
أ - احتمال اللفظ الدلالة على معنيين فأكثر.
ب - كونه أرجح في الدلالة على أحد هذه المعاني، وتكون المعاني الأخرى مرجوحة.
ج- أن للظهور مراتب تناسبها درجات في الاحتياج إلى التأويل، فكلما "كان اللفظ أظهر احتيج في تأويله إلى دليل أقوى، وبالعكس متى كان اللفظ قليل الظهور انصرف إلى التأويل بأيسر دليل"(46).
ب- أقسام الظاهر:
ميز الباجي بين أضرب ثلاثة في الظاهر هي:
- الظاهر بالوضع.
- والظاهر بالعرف.
- ثم الظاهر بالدلالة.
أما الأول "فهو كل لفظ وضع في اللغة بمعنى واستعمل فيه على حسب ما وضع له كأوامر الشرع ونواهيه"(47).
وأما الثاني فينقسم إلى قسمين:
- ظاهر بعرف الشرع وهو اللفظ الدال على معنى عام في أصل اللغة، ثم ورد في الشرع محمولا على معنى هو من جنس المعنى العام، كلفظ الصلاة موضوع في اللغة للدلالة على مطلق الدعاء، ثم جاء في الشرع دالا على دعاء مخصوص مقترن بركوع وسجود(48).
- وظاهر بعرف اللغة والاستعمال وهو اللفظ الدال على معنى عرفي خاص يكون أظهر من غيره بعرف الاستعمال ومثاله (الإتيان من الغائط) يطلق في اللغة على "المجيء من المطمئن من الأرض على أي وجه كان لقضاء حاجة أو غيرها، ثم جرى العرف باستعماله عند العرب لكل من جاء من ناحية قضاء الحاجة حتى شهر ذلك وعرف به واستعمل فيه مع الإطلاق"(49).
والضرب الثالث هو قيام الدليل على أن المعنى الذي وضع له اللفظ في اللغة غير مراد، وشاهده قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"(50). "فهذا لفظه لفظ الخبر إلا أن الدليل قد قام على أن المراد به الأمر، لأنا لو جعلناه لوقع بخلاف مخبره، لأنا نرى من المطلقات من لا تتربص، وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره، فثبت أنه أريد به الأمر"(51).
ج- نــمـاذج الظــاهــر:
ومن نماذج الظاهر ما يلي:
أ - الأمر والنهي لدوران الأول بين الوجوب والندب، والوجوب أرجح فيه من الندب، إلا إذا وجدت قرينة صارفة له عن الوجوب، والثاني دائر بين التحريم والكراهة، والتحريم أظهر فيه من الكراهة، إلا إذا استوجبت قرينة خلاف ذلك.
ب - العموم لاحتماله التخصيص، فاللفظ العام دائر بين إفادة العموم وإفادة الخصوص، غير أنه أرجح في الدلالة على الاستغراق. يقول القرافي: "إن اللفظ متى رجح في احتمال من الاحتمالات قلت أو كثرت سمي ذلك اللفظ ظاهرا بالنسبة إلى ذلك المعنى، كالعموم بالنسبة إلى الاستغراق، فإن اللفظ ظاهر فيه دون الخصوص"(52).
ج – الإطلاق، ووجه اعتباره نموذجا للظاهر، احتماله للتقييد "وهو لا يعمل به في المذهب قبل البحث عن المقيـد كالعام لا يعمل به قبل البحـث عن المخصص(53).
الهوامش:
(42)- لسان العرب، ابن منظور، 4/2764.
(43) - شرح تنقيح الفصول، القرافي، ص 37.
(44)- الحدود في الأصول، الباجي، ص 43، تحقيق د نزيه حماد، ط 1، 1973، مؤسسة الزعبي، بيروت.
(45)- أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي، د محمد رياض، ص 374، مرجع سابق.
(46)- الضروري في أصول الفقه، ابن رشد، ص 108، ط 1، 1994، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
(47)- المنهاج في ترتيب الحجاج، ص 16.
(48)- نفسه، ص 16.
(49)- المنهاج في ترتيب الحجاج، ص 17.
(50)- البقرة، 228.
(51)- المنهاج، ص 17.
(52)- شرح تنقيح الفصول، ص 37.
(53)- أصول الفتوى والقضاء، د محمد رياض، ص 353.