مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

هل ولد فيكم الليلة مولود؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 والصلاة والسلام على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

تعددت القصص والأخبار عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها الباطل الموضوع الذي وضعه القصاصون، ورواة الإسرائليات في عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم، ولكن حسبي أن أذكر ما روي بسند حسن عن ابن إسحاق، قال: «كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقالوا: والله ما نعلمه، قال: الله أكبر أما إذا أخطأكم فلا بأس، فانظروا واحفظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذلك أن عفريتا أدخل أصبعيه في فمه، فمنعه الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم، وهم متعجبون من قوله وحديثه، فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه: محمدا، فالتقى القوم فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودي؟ وهل بلغكم مولد هذا الغلام؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي، فأخبروه الخبر قال: فاذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة، فقال: أخرجي إلينا ابنك، فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى تلك الشامة، فوقع اليهودي مغشيا عليه، فلما أفاق، قالوا: ويلك ما لك؟ قال: ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل، فرحتم به يا معشر قريش، أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب.

وكان في النفر يومئذ الذين قال لهم اليهودي ما قال: هشام بن الوليد بن المغيرة، ومسافر بن أبي عمرو، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة شاب فوق المحتلم في نفر من بني مناف، وغيرهم من قريش».

روى هذا الخبر عن ابن إسحاق غير واحد من أئمة الحديث رحمهم الله تعالى، منهم: الحاكم في مستدركه، والبيهقي في في دلائل النبوة، ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، وأبي نعيم في دلائل النبوة مختصرا[1].

هذا الخبر اختلف فيه المحدثون بين الصحيح والحسن ، فقد قال الحاكم رحمه الله تعالى: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”، وعقَّب الذهبي على تصحيح الحاكم للحديث فقال: “لا” نافيا صحته[2]، وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح، فقال: “روى يعقوب بن سفيان بإسناد حسن عن عائشة”[3].

اختلف العلماء في زمان مولد النبي صلى الله عليه، هل ولد ليلا أم نهارا؟ وهل ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر؟

نقل محمد بن يوسف الشامي (المتوفى سنة: 942هـ) عن ابن دحية الكلبي، والبدر الزركشي رحمهما الله تعالى قولهما: “وأما ما روي من تدلّي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا. قال الزركشي: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلاً فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهاراً”[4].

وقال العلامة حسين بن محمد الدِّيار بَكْري (المتوفى سنة: 966هـ): “فإذا قلنا: إنه صلّى الله عليه وسلم ولد ليلا، فليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة:

أحدها: أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلّى الله عليه وسلم، وليلة القدر معطاة له، وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه، ولا نزاع في ذلك، فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أفضل.

الثاني: أن ليلة القدر تشرفت بنزول الملائكة فيها، وليلة مولده تشرفت بظهوره فيها صلّى الله عليه وسلم، ومن تشرّفت به ليلة المولد أفضل ممن تشرّفت به ليلة القدر، على الأصح المرتضى، فتكون ليلة المولد أفضل.

والثالث: أن ليلة القدر وقع فيها التفضل على أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، وليلة المولد الشريف، وقع التفضل فيها على جميع الموجودات، فهو الذى بعثه الله رحمة للعالمين، فعمت به النعمة على جميع الخلائق، فكانت ليلة المولد أعمّ نفعا، فكانت أفضل، فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه بديعا. شعر

يقول لنا لسان الحال منه***وقول الحق يعذب للسميع

فوجهي والزمان وشهر وضعي***ربيع فى ربيع فى ربيع”[5]

وقال العلامة محمد الخضر الجكني الشنقيطي (المتوفى سنة: 1354هـ): “لا يحكم ببطلان الأحاديث إلا بدليلٍ قاطع على بطلانها، وتدلي النجوم ليلة ولادته، ويكون هو عليه الصلاة والسلام إنما يُولد نهارًا، تقدمة على ولادته ممكن غيرُ مُنافٍ لولادته نهارًا على ما هو الصحيح”[6].

إن زمان المولد النبوي الشريف كان ليلا أو نهارا، وقع التفضل فيه على جميع الموجودات، وفضله على جميع المخلوقات، فهو المبعوث رحمة للعالمين، فعمت به النعمة على جميع الخلائق، فكانت ليلة المولد النبوي الشريف أعم نفعا، وآية من آيات الله تعالى بأن أرسل رسوله للعالمين مبشرا ونذيرا، فكانت أفضل الليالي، فسبحان من جعل مولده الشريف منيرا للقلوب، فاللهم صل وسلم على أفضل الرسل والأنبياء وإمامهم، صلاة ننعم بها بمرافقته في الفردوس. آمين.

******************

هوامش المقال:

[1] – المستدرك على الصحيحين (2/601-602)، دلائل النبوة للبيهقي (1 /108-109)، دلائل النبوة لأبي نعيم (1 /612).

[2] – المستدرك على الصحيحين (2 /602).

[3] – فتح الباري (6 /583).

[4] – سبل الهدى والرشاد (1 /333).

[5] – تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (1 /224).

[6] – كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (1 /70).

******************

جريدة المراجع

تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس لحسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، مطبعة عثمان عبد الرزاق، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1302.

دلائل النبوة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، تحقيق: محمد رواس قلعه جي، وعبد البر عباس، دار النفائس، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1406 /1986.

دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي الخراساني البيهقي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، دار الريان للتراث، القاهرة-مصر، الطبعة الأولى: 1408/ 1988.

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1414 /1993.

فتح الباري شرح صحيح البخاري لأبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، اعتناء: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت- لبنان (طبعة مصورة).

كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري لمحمد الخضر بن عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1415 /1995.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة الأولى: 1340-1341-1342.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق