مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

هجيمة الوصابية: حياتها وفقهها. (الجزء الثاني).

 

  • حياتها العلمية:

إذا كنا لم نستطع تحصيل الكثير من المعلومات عن أسرة التابعية الجليلة أم الدرداء الصغرى، فإنه بمقدورنا أن نسجل بكل ارتياح تفاصيل مسارها العلمي الحافل، حتى شهد لها العلماء بعلو الكعب في فنون شتى ولقبت بالفقيهة العالمة كبيرة القدر.

  • دراسة القرآن الكريم:

حفظت أم الدرداء القرآن الكريم صغيرة، وعرضته على أبي الدرداء، وعنه أخذت القراءة[1]، ثم إنها انبرت لتعليم القرآن الكريم، وبرزت في ذلك، فعن أم جابر، وابن أبي العاتكة: “كانت أم الدرداء… تجلس في حلق القراء تعلم القرآن” وكان ممن أخذ عنها القراءة: إبراهيم بن أبي عبلة الذي قال: ” قرأت القرآن عليها سبع مرات”[2] وعطية بن قيس ويونس بن هبيرة[3].

وكانت مترجَمتنا حريصة على الإكثار من قراءة القرآن الكريم، داعية إلى ذلك؛ فعن “ابن أبي زكريا الخزاعي قال: خرجنا مع أم الدرداء في سفر، فصحبنا رجل، فقالت له أم الدرداء: ما يمنعك أن تقرأ أو تذكر الله كما يصنع أصحابك؟ فقال: ما معي من القرآن إلا سورة، وقد رددتها حتى قد أدبرتها. قالت: وإن القرآن ليدبر؟! ما أنا بالتي أصحبك، إن شئت أن تتقدم، وإن شئت أن تتأخر. فضرب دابته وانطلق”[4].

ولقد عنيت أم الدرداء بتفسير القرآن الكريم وتدبره؛ فعن ربيعة بن يزيد وعن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أنها قالت: “﴿ولذكر الله أكبر﴾ [العنكبوت:45]؛ وإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شيء تجتنبه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيح الله عز وجل”[5].

 

  • رواية الحديث الشريف:

لأم الدرداء الصغرى عناية خاصة بالحديث الشريف، روى ابن عساكر عن أبي القاسم بن مندة عن أبيه قال: “سمعت أبا أحمد العسال يقول في تسمية من يجمع حديثه أم الدرداء حديثها وكلامها وهي الصغرى واسمها هجيمة بنت حيي الوصابية من أهل دمشق التي روي عنها الحديث الكثير”. وجهيمة هي التي خرج حديثها في الصحيحين؛ “قال الحميدى فى آخر الجمع بين الصحيحين: قال أبو بكر البرقانى: أم الدرداء الصغرى هي التي روت في الصحيح، وأما أم الدرداء الكبرى الصحابية فليس لها في الصحيحين حديث”[6].

قال الذهبي: “روت عن: زوجها أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة. وكانت فاضلة عالمة زاهدة، كبيرة القدر”[7].

أما الرواة عنها فكثر، ذكر منهم الحافظ المزي في “تهذيب الكمال” ما يزيد عن الأربعين؛ منهم: “إبراهيم بن أبي عبلة، والأزهر بن الوليد الحمصي وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وجبير بن نفير الحضرمي وهو أكبر منها، والحارث بن عبيد الله الأنصاري، وحبيب بن أبي عمرة، وحكيم بن كيسان، ومولاها حيان الدمشقي، ومولاها خليل الدمشقي، وراشد بن سعد المقرائي، ورجاء بن حيوة، وزيد بن أسلم، وسالم بن أبي الجعد، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، وشهر بن حوشب، ومكحول الشامي…”.

 

  • العلم بالفقه:

اتفقت كلمة أهل العلم على وصف جهيمة “بالفقه، والعقل، والفهم، والجلالة”؛

قال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة.

وقال البخاري: “كانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل وكانت فقيهة”[8].

وقال الذهبي:” أم الدرداء الصغرى الوصابية من كبار العلماء”[9].

وقال ابن العماد: “لها نصيب وافر من العلم والعمل، ولها حرمة زائدة بالشّام”[10].

يذكر ابن كثير أنه قد كانت لأم الدرداء حلقة بجامع دمشق تعلم فيها الفقه والقرآن الكريم؛ قال: “أم الدرداء الصغرى اسمها هجيمة، ويقال: جهيمة، تابعية عابدة عالمة فقيهة، كان الرجال يقرءون عليها ويتفقهون في الحائط الشمالي بجامع دمشق، وكان عبد الملك بن مروان يجلس في حلقتها مع المتفقهة، يشتغل عليها وهو خليفة، رضي الله عنها”[11].

  • من اختياراتها الفقهية:
  • المسألة الأولى: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام؛

نقل بدر الدين العيني عن أم الدرداء أنها كانت تقول: ” المرأة ترفع يديها إلى ثدييها، ويبقى حال المرأة على القبض، ويبقى حال الرجل على البسط والتفرج”.

  • المسألة الثانية: صفة جلوس المرأة؛

يقول البخاري في صحيحه: “كانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل وكانت فقيهة”[12].

  • المسألة الثالثة: قبول الأعطيات ووضعها موضعها؛

روى عيسى بن يونس، عن ابن جابر، عن عثمان بن حيان قال: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه دينارا ولا درهما، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئا فليقبل، فإن كان عنه غنيا فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيرا فليستعن به”[13].

خاتمة:

لقد كانت جهينة ترى في مجالس العلم ومذاكرة العلماء أحب العبادات والقرب إليها؛ “فعن جسر بن الحسن عن عون بن عبد الله قال: جلسنا إلى أم الدرداء فقلنا لها أمللناك. فقالت: أمللتموني؟! لقد طلبت العبادة في كل شيء، فما أصبت لنفسي شيئا أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم. ثم اجتنبَت، وأمَرَت رجلا يقرأ، فقرأ: ﴿ ولقد وصلنا لهم القول﴾ [القصص:51]”[14]. ولعل كلفها بالعلم وأهله هو ما بوأها مرتبة في مصاف كبار العلماء، ذلك أن أحد أهم أسباب النبوغ مداومة النظر في مسائل العلم والشغف به.

[1]  ينظر: غاية النهاية في طبقات القراء، ابن الجزري (2/345).

[2]  نفسه (1/19).

[3]  نفسه(2/345).

[4]  تاريخ دمشق، ابن عساكر (70/160).

[5]   نفسه

[6]  تهديب الأسماء واللغات، النووي (2/360).

[7]  تاريخ الإسلام (6/233).

[8]  صحيح البخاري، كتاب الآذان، باب سنة الجلوس في التشهد.

[9]  المعين في طبقات المحدثين، الذهبي، ص:36.

[10]  شذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/333).

[11]  البداية والنهاية، ابن كثير (9/47).

[12]  صحيح البخاري، كتاب الآذان، باب سنة الجلوس في التشهد.

[13]  تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي (35/356).

[14]  تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي (35/355).

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق