نقد سند حديث النهي عن صيام النصف من شعبان عند علماء الجرح والتعديل

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
إذا انتصف شهر شعبان تداول بين الناس قضية صيامه من عدمه، فكل يدلي بدلوه في الموضوع، وقد جاء حديث كراهية الصوم في النصف الباقي من هذا الشهر، وهو حديث أبي هريرة، تعددت ألفاظه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يدخل رمضان»، وفي لفظ: «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا»، وفي لفظ: «إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا»، ، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان فلا يصوم أحد حتى يصوم رمضان»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان، فأفطروا»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان، فأمسكوا عن الصوم»، وفي لفظ: «إذا انتصف شعبان فأفطروا»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان»، وفي لفظ: «إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان».
ومدار هذا الحديث بتعدد ألفاظه وطرقه على العلاء بن عبد الرحمن، وهو: العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أبو شبل المدني، توفي في أول خلافة أبي جعفر، سنة: 132هـ أو 139هـ.
قال أبو داود: "سمعت أحمد قيل له: العلاء بن عبد الرحمن أليس ثقة؟ قال بلى هو ثقة[1]، وسئل الإمام أحمد عن محمد بن عمرو والعلاء، فقال: "العلاء أحب إلي، وذاك أن محمد بن عمرو ربما قال الأشباح"[2]، وقال الترمذي: "هو ثقة عند أهل الحديث"[3]، وقال الذهبي: "صدوق مشهور" ثم نقل أقوال العلماء فيه[4]، وكذا ابن حجر في تهذيب التهذيب[5]، وقال في التقريب: "صدوق ربما وهم"[6].
وقد روى الحديث عن العلاء جمع من الرجال، ذكر العلماء منهم:
1- أبو العميس؛ هو: عتبة بن عبد الله ابن عتبة ابن عبد الله ابن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي ثقة، مات في حدود سنة: 150هـ[7]، أخرجه أحمد من طريق وكيع، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان»[8].
2-ومسلم بن خالد؛ هو: مسلم بن خالد المخزومي المكي الزنجي فقيه صدوق كثير الأوهام، مات سنة: 179هـ، أو بعدها[9]، أخرجه: ابن ماجه، من طريق: هشام بن عمار، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان»[10].
3-وعبد العزيز بن محمد؛ هو: عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني المدني، صدوق، مات سنة: 186هـ، أو 187هـ[11]، أخرجه: أبو داود، من طريق: قتيبة بن سعيد، ولفظه: «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا»[12]، والدارمي، من طريق: الحكم بن المبارك، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان، فأمسكوا عن الصوم»[13]، والترمذي، من طريق: قتيبة بن سعيد، ولفظه: «إذا بقى نصف من شعبان فلا تصوموا»[14]، وابن ماجة من طريق: أحمد بن عبدة، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان»[15].
4-وابن عيينة؛ هو: سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخرة، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، مات سنة: 198هـ[16]، رواه عنه: عبد الرزاق، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان، فأفطروا»[17].
5-وعبد الرحمن بن إبراهيم؛ هو: عبد الرحمن بن إبراهيم القاص البصري، ضعفه الدارقطني، ووثقه البخاري، قال الذهبي: "من مناكيره: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً: «من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه»[18]، لم يؤرخ لوفاته[19]، رواه عنه: الدارمي، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، ولفظه: «إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم»[20].
كل أولئك الخمسة رحمهم الله رووا حديث النهي عن صيام النصف من شعبان، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، إذ أسند أبو داود: "قدم عباد بن كثير المدينة، فمال إلى مجلس العلاء، فأخذ بيده، فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا»، فقال العلاء: "اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك"[21].
وأبو العلاء هو: عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحرقة، مات سنة: 127هـ، نقل أقوال العلماء فيه ابن حجر في تهذيب التهذيب[22]، وقال في التقريب: "ثقة"[23].
وقد تكلم العلماء في حديث العلاء، فقد قال أبو داود: " وكان عبد الرحمن، لا يحدث به، قلت لأحمد: لم قال؟ لأنه كان عنده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه"، وقال: "وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء، عن أبيه"[24].
وقال المروذي: "ذكرت له –أي: الإمام أحمد- حديث زهير بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان نصف شعبان فلا صوم» فأنكره، وقال: سألت ابن مهدي عنه، فلم يحدثني به، وكان يتوقاه، ثم قال أبو عبد الله: هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم"[25].
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ"[26].
قال ابن عدي: "سمعت أحمد بن حفص السعدي يقول: قيل لأحمد بن حنبل رحمة الله عليه يعني، وهو حاضر حديث أبي هريرة: «إذا كان النصف من شعبان فلا يصوم أحد حتى يصوم رمضان»، قال: ذاك؛ أي: ضعيف، ثم قال: حديث العلاء كان يرويه وكيع عن أبي العميس، عن العلاء، وابن مهدي فكان يرويه ثم تركه، قيل عمن كان يرويه قال عن زهير ثم قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان يصله برمضان»"[27].
وقال الخليلي: "مديني مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليها، كحديث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان»، وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه، دون هذا، والشواذ"[28].
وقال ابن الأثير: "قد خرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في كتابه، وترك هذا وأشباهه، مما ينفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة"[29].
صفوة القول: إن سند حديث النهي عن صيام النصف من شعبان رجاله ثقاة، إلا أن العلماء أنكروا الحديث، وكانوا يتوقوه، وترك بعض العلماء روايته، لأن أبا العلاء عبد الرحمن بن يعقوب كان لا يحدث به؛ لمخالفته الأحاديث التي رويت عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم شعبان وإيصاله برمضان.
*******************
هوامش المقال:
[1]) سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم 1 /217.
[2]) العلل ومعرفة الرجال ص: 84-85.
[3]) سنن الترمذي 1/ 74.
[4]) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3/ 102-103.
[5]) تهذيب التهذيب 3 /345-346.
[6]) تقريب التهذيب ص: 435.
[7]) تقريب التهذيب ص: 381.
[8]) مسند أحمد 15 /441، رقم الحديث: 9707.
[9]) تقريب التهذيب ص: 529.
[10]) السنن 1 /528، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم، إلا من صام صوما فوافقه، رقم الحديث: 1651.
[11]) تقريب التهذيب ص: 358.
[12]) السنن 3/ 139، كتاب الصوم، باب: في كراهية ذلك -فيمن يصل شعبان برمضان-، رقم الحديث: 2330.
[13]) السنن 3 /106، كتاب: الصوم، باب: النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان، رقم الحديث: 1782.
[14]) السنن 3/106، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان، رقم الحديث: 738.
[15]) السنن 1/ 528، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم، إلا من صام صوما فوافقه، رقم الحديث: 1651.
[16]) تقريب التهذيب ص: 245.
[17]) المصنف 1 /528، كتاب: الصيام، باب: فصل ما بين رمضان وشعبان، رقم الحديث: 7325.
[18]) أخرجه الدارقطني في السنن 3 /169، كتاب: الصيام، باب: القبلة للصائم، رقم الحديث: 2312.
[19]) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 2 /545.
[20]) السنن 2 /1087، كتاب: الصوم، باب: النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان، رقم الحديث: 1781.
[21]) السنن 3 /139.
[22]) تهذيب التهذيب 2 /567-568.
[23]) تقريب التهذيب ص: 353.
[24]) السنن 3/ 139.
[25]) العلل ومعرفة الرجال ص: 159-160.
[26]) السنن 3/ 106.
[27]) الكامل في ضعفاء الرجال 3/ 1073.
[28]) الإرشاد في معرفة علماء الحديث 1/ 218.
[29]) جامع الأصول في أحاديث الرسول 1/ 165.
******************
جريدة المراجع
الإرشاد في معرفة علماء الحديث لخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني، تحقيق: محمد سعيد عمر إدريس، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1409 /1989.
تقريب التهذيب لأحمد بن علي بن ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، حلب – سوريا، دار القلم، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1411 /1991.
تهذيب التهذيب لأحمد بن علي بن ابن حجر العسقلاني، اعتناء: إبراهيم الزيبق، عادل مرشد، مؤسسة الرسالة، (د-ت).
جامع الأصول في أحاديث الرسول للمبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان، ابتداء من: 1389 /1969.
الجامع الصحيح (السنن) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق: (ج1) أحمد محمد شاكر، (ج3) محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1388-1398/ 1968-1978.
السنن لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: جماعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1424 /2004.
السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة- السعودية، مؤسسة الريان، بيروت- لبنان، المكتبة المكية- السعودية، الطبعة الأولى: 1419/ 1998.
السنن لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1421 /2000.
السنن لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، (د-ت).
سؤالات أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم، تحقيق: زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى: 1414 /1994.
العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل الشيباني، رواية: المروذي وغيره، تحقيق: وصى الله بن محمد عباس، الدار السلفية، بومباى – الهند، الطبعة الأولى: 1408/ 1988.
الكامل في ضعفاء الرجال لعبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني، دار الفكر، بيروت، 1404 /1984.
المصنف لعبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1403 /1983.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت – لبنان، (د-ت).
راجع المقال: الباحثة: خديجة ابوري، والباحث: محمد إليولو