مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

نساء فقيهات (7) فاطمة بنت عباس البغدادية (714هـ): حياتها وفقهها

  • حياتها الخاصة:
  • نسبها ومولدها ونشأتها:
أم زينب، فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح البغدادية كذا ذكر أغلب أهل التراجم. ولقد جاء في "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لابن حجر، و" مرآة الجنان وعبرة اليقظان" لليافعي، و" المعين في طبقات المحدثين" للذهبي أنها فاطمة ‌بنت ‌عَيَّاش.ولعل في الأمر تصحيفا، والراجح بنت عباس؛ وذلك لاعتبارين:
  • أحدهما؛ كثرة القائلين به: ذلك أن أكثر المترجمين نسبوها إلى عباس بن أبي الفتح.
  • والآخر؛ اللقيا والمعاصرة: إذ إن من القائلين بهذه النسبة من عاصر البغدادية واتصل بها؛ نحو ابن كثير، الذي كانت فاطمة شيخة لزوجه وأمها. والصفدي، الذي حكى في ترجمتها أخبارا مفصلة، وتوخى في الثناء عليها ألفاظا منمقة، تنم عن معرفة بها محققة.
ولا يشوش على هذا الرأي نسبتها لعياش في كتاب "المعين في طبقات المحدثين"  عند الذهبي الذي ثبتت زيارته لها، إذ إن ضَبطَ نسبها عنده في كل من "العبر" و"التكملة"، بنتُ عباس.لا نملك إلا النزر اليسير من تفاصيل حياة البغدادية الخاصة، وكل ما تناقلته كتب التراجم إنما كان بعد ذيوع صيتها العلمي، واعتلائها منابر الوعظ والإصلاح الإجتماعي.ومما لم يرد له ذكر صريح، تاريخ مولدها، على أننا إذا اعتبرنا ما ذكره الذهبي والصفدي وبامخرمة وابن العماد والسيوطي وغيرهم، من أنها ماتت عن " نيف وثمانين سنة"، وعرفنا أن ذلك كان سنة أربع عشرة وسبعمائة، خلصنا إلى أن مولدها كان بين سنتي 631 ه و 633ه أو قريب من ذلك.ولقد عاشت أم زينب في دمشق إلى حدود سنة سبعمائة للهجرة، وبها تتلمذت على أساطين المذهب الحنبلي، وأفادت نساء دمشق تعليما وتوجيها، ثم انتقلت إلى مصر فبَعُدَ صيتُها، حتى صارت مقصد الطالبين وبغية المتفقهين.
  • وفاتها:
اتفقت كلمة أهل التراجم على أن فاطمة البغدادية توفيت في شهر ذي الحجة، ‌‌سنة أربع عشرة وسبعمائة، وزاد بعضهم أن ذلك كان ليلة يوم عرفة "بالحسينية بظاهر القاهرة"، "وكان لها يوم مشهود"[1].
  • حياتها العلمية:
سما نجم فاطمة البغدادية في سماء العلم، وعُرِف فضلها بين أهله؛ حتى قال الذهبي في وصفها: " الشيخة المفتية، الفقيهة العالِمة، الزاهدة العابدة، أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح، البغدادية الحنبلية، الواعظة...قل من أنجب من النساء مثلها، رضي الله عنها»"[2]. وقال الصفدي: " مؤنثة قد تفردت بالتذكير، وعارفة لم يدخل على معرفتها تنكير"[3]. وقال ابن كثير: " كانت من العالمات الفاضلات"[4].تبرز الجهود العلمية والفقهية لمُترجَمتنا من خلال أمور ثلاثة:
  • أولها: تكوينها الفقهي:
تتلمذت البغدادية على بعض أهم أعيان المذهب الحنبلي؛ إذ " تفقَّهت عند المقادسة بالشيخ شمس الدين وغيره "[5].وكان من أبرز شيوخها، ابن تيمية؛ جاء في البداية والنهاية: "كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين"[6].وبالرغم مما كان لهذه التلمذة من أثر في بعض اختيارات أم زينب، إلا أن الظاهر أنها لم تحضر مجالسه إلا بعد أخذها حظا وافرا من العلم؛ قال ابن كثير: " سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرا من (المغني) أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها"[7].
  • ثانيها: الإسهام العلمي:
كان لفاطمة البغدادية حضور بارز في الأوساط العلمية، فقد انبرت للفتيا، فوصفت في كتب التراجم بالمفتية.كما كانت لها مناظرات مع بعض العلماء، من أشهرها ما جرى بينها وبين شيخ الشافعية في زمانه صدر الدين بن الوكيل (716ه)؛ قال الصفدي: "بحثت مع الشيخ صدر الدين بن الوكيل في الحيض وراجت، وزخرت بحور علومها وماجت، فلو عاينتها لقربت من الشيخ تقي الدين في تفضيلها"[8] . وقال:"حُكي لي أيضا أنها بحثت مع الشيخ صدر الدين بن الوكيل في الحيض، وراجت عليه. ثم قالت: أنت تدري هذا علما، وأنا أدريه علما وعملا"[9].ولقد ذكر غير واحد أن البغدادية قد اشتغلت بالتدرس، وتتلمذ على يديها نساء كثير، منهن: عائشة زوج الشيخ جمال الدين المزي، وابنتها أمة الرحيم زينب زوج ابن كثير.
  • ثالثها: تفرد شخصيتها واشتغالها بالإصلاح الاجتماعي:
كانت  البغدادية واعظة لا يشق لها غبار؛ جاء في أعيان العصر أنها كانت "تصعد المنبر وتعظ النساء، فينيب لوعظها، ويقلع من أساء، وانتفع بوعظها جماعة من النسوة، ورقت قلوبهن للطاعة بعد القسوة، كم أذرت عبرات، وأجرت عيوناً من الحسرات كأنها أيكة على فننها، وحمامة تصدح في أعلى غصنها".وجاء في العبر: " كانت وافرة العلم، قانعة باليسير، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف. انصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زائد، ووقع في النفوس"[10].ولقد حكى الصفدي أن ابن تيمية لم يكن يروقه اعتلاؤها المنابر، وهَمَّ بنهيها، إلى أن رأى رؤيا فأحجم عن ذلك؛ قال: " حكى لي غير واحد أن الشيخ تقي الدين بن تيمية قال: بقي في نفسي منها شيء، لأنها تصعد المنبر، وأردت أن أنهاها، فنمت ليلة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عنها. فقال: امرأة صالحة، أو كما قال"[11].[1] تاريخ البرزالي (4/171)[2]  تكملة سير أعلام النبلاء (30/151).[3] أعيان العصر وأعوان النصر (4/28).[4] البداية والنهاية (17/140).[5] التكملة (30/151).[6] البداية والنهاية (17/141).[7]  نفسه.[8] نفسه.[9] نفسه.[10]الذهبي  (4/40).[11] أعيان العصر وأعوان النصر (4/28).
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق