الرابطة المحمدية للعلماء

ندوة علمية بالمحمدية حول “الثقافي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي”

الاختصاصات الواسعة التي مُنِحت للمجلس تُمكّن المغرب من تطوير قدراته الاقتراحية

كان الإجماع على ثقل رهان المسؤولين وصناع القرار والمعنيين على الدور المنوط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، من بين أهم خلاصات لقاء مناقشة احتضنته كلية الحقوق بالمحمدية (التابعة لجامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء ـ المحمدية) يوم الثلاثاء 2 مارس 2010 بمقر الكلية، في لقاء أشرف على تنظيمه مختبر البحث حول الاقتصاد الاجتماعي والتنمية التضامنية، بالتعاون مع مختبر البحث حول السياسات العمومية، وشعبة القانون العام ومختبر البحث في الاتصال السياسي والاجتماعي بذات الكلية، والائتلاف المغربي من أجل الثقافة والفنون.

وافتتح محمد الداسر، عميد كلية الحقوق بالمحمدية أشغال هذا اللقاء العلمي المتميز، بالتأكيد بداية على أن اللقاء يطرق باب موضوع هام جدا بالنسبة للمغرب الراهن، بالصيغة التي يُجسّدها الاهتمام الملكي بأن يتم الإعلان عن لائحة أعضاء المجلس في القريب العاجل، من خلال تعيين خبراء ومفكرين ساهموا في إرساء الأسس القانونية، وبالتالي، سيساهمون في تقديم الخبرة التي توجد لديهم في هذا المجال.

كما اعتبر العميد أن تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي يندرج في سياق تكملة أسس دولة المؤسسات، مُشدّدا على أن أساتذة كلية الحقوق بالمحمدية، مطلعون جيدا على أهمية الجودة في القانون، باعتبارها أهم ضمانة للإنصاف، وكون المغرب يعيش في زمن صناعة القوانين النوعية، ولهذا السبب بالذات، يحق لنا، يضيف محمد الداسر، اعتبر تأسيس المجلس بمثابة تطبيق عملي لهذه الصناعة القانونية النوعية، مضيفا في ختام مداخلته، أن تأسيس المجلس في هذه الظرفية الزمنية، يندرج قطعا في التأسيس للجودة في القانون، مما يُمثل مكسبا كبيرا للمغرب على الصعيدين العربي والدولي في آن.

من جهته، اعتبر إدريس لشكر، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، أن تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي يندرج ضمن منظومة الإصلاحات الجوهرية الكبرى التي عرفها المغرب منذ قدوم الملك محمد السادس، واصفا هذه الإصلاحات بأنها غير مسبوقة، مضيفا على أنه موازاة مع هذه الإصلاحات والتحولات، يأتي تأسيس المجلس استجابة للرهان الحقيقي للتنمية، ومُنَبِّها الحضور، إلى أن دستوري 1992 و1996، نصّا على تأسيس المجلس، وأنه كان علينا انتظار قدوم الملك محمد السادس حتى يتم تفعيل مقتضيات هذه النصوص الدستورية.

وأضاف لشكر أن تأسيس المجلس يندرج في سياق اعتبارين اثنين: أولهما أهمية المهمة الاستشارية التي يضطلع بها، والتي تضعه في قلب التحدي في وجوب تلازم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تبني الاختيارات الكبرى الدولة في العديد من القطاعات الحيوية؛ كما يندرج التأسيس في أوج التطور الديمقراطي المُميّز للعشرية الأخيرة، مكرسا بامتياز، تطبيق أسلوب “النهج التشاركي في التدبير”، بالصيغة التي جاءت في الخطاب الملكي المؤرخ في 15 أكتوبر 2008، والموجه للمسؤولين الأوروبيين.

أما محمد الحبيب المالكي، وزير التربية والتعليم السابق، والرئيس السابق لمجلس الشباب والمستقبل، فقد اعتبر بدوره أن تأسيس المجلس، يُترجم مطالب كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والثقافيين، مؤكدا على أن المغرب كان يعاني من تواضع “الثقافة الاستشارية” عموما، حيث غالبا ما كان يُنظر للمجالس الاستشارية، على أنها تقوم بأدوار شكلية وأنها سجينة المساطر الإدارية والقانونية، لولا أن تأسيس مجموعة من المؤسسات الاستشارية خلال العقد الأخير، ساهم في التأسيس لتحول نوعي بخصوص تعامل المسؤولين المغاربة والرأي العام مع دور هذه المؤسسات.

بالنسبة لسياق تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فقد أوجزه المتدخل في نقاط ثلاث: أولها تبعات العولمة التي أدت إلى نتائج متفاوتة التقييم، بين الإيجابي والسلبي حسب الدول والقطاعات المعنية، متوقفا تحديدا عند تبعات العولمة في شقها الليبرالي، أو الشق الذي ساهم تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعديد من الدول، وداعيا إلى حكامة عالمية جديدة لمواجهة تحديات هذا الشق من العولمة.

أما السياق الثاني، فقد ربطه الحبيب المالكي بعلاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، حيث أصبح المغرب معنيا ومهتما أكثر من مضى بالفضاء الأورو ـ متوسطي، كما أنه حظي بوضع مُتقدم ومُتميز مع القارة الأوروبية، معتبرا أن تأسيس المجلس يساعده على تعدّد قنوات التواصل والحوار مع صناع القرار في أوروبا.

وأخيرا، أشار المالكي، إلى أن المغرب يمُرّ بمرحلة انتقالية، مُركّبة ومُعقّدة، مثل جميع المراحل الانتقالية، لذلك يجب تدبير هذه المرحلة بكيفية سلِسة، حتى يصبح الانتقال خطوة إلى الأمام، ومن هنا تكمن أهمية تحصين الوظيفة الاستشارية لهذه المجالس، وهي الوظيفة التي تؤسس في آن، لما وصفه بـ”السلطة الاستشارية”، والتي تقدم خدمات وازنة في إطار تجنب العديد من الانزلاقات التي تميز المراحل الانتقالية.

وتوقف المتدخل في الأخير عند أهم شروط نجاح المجلس، وقد لخّصها في النقاط التالية: أهمية استقلالية المجلس عن السلطة التشريعية والتنفيذية وعن أي مجموعات ضغط؛ تحصيل مصداقية وازنة، من خلال السهر على وضع مسافة بينه وبين باقي المؤسسات الدستورية؛ وأخيرا، تأكيد نجاعته، حيث أشار في هذا الصدد إلى أن المواطن المغربي في حاجة إلى مؤسسات فاعلة، لأنه تعب من تعدّد المجالس والمؤسسات إذا لم يشعر بأن هذه المؤسسات تساهم في تحسين ظروفه، وداعيا لتضافر الجهود حتى لا يُصبح المجلس مجالا للصراع والاصطدام.

وفي تصريح لموقع “الرابطة المحمدية للعلماء”، أكد رضوان زهرو، مدير مختبر البحث حول الاقتصاد الاجتماعي والتنمية التضامنية، أن العامل الثقافي والمعرفي أصبحا اليوم، من أهم أسس اقتصاد التنمية، بحيث لا يمكن الحديث عن اقتصاد التنمية والتنمية المستدامة، بدون استحضار جميع مكونات هذه التنمية المستدامة، مُلخصا إياها على الخصوص في المكون الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي، مشيرا أيضا، إلى أن الخبراء يتحدثون اليوم عن “الاقتصاد الجديد” و”مجتمع المعرفة” و”الاقتصاد غير المادي”، وكون المنتوج الثقافي أصبح مصدرا للثروة المادية في أغلب الدول المتقدمة، كما أنه يؤسس لقيمة مضافة، ويساهم بشكل كبير في الناتج الوطني وتحقيق الدخل القومي.

وأضاف زهرو أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي المزمع الإعلان عن تركيبته عما قريب كما أكد على ذلك صناع القرار، يُراد منه بالدرجة الأولى، أن يكون مجلسا اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وثقافيا، وأن يرُدّ الاعتبار للمثقفين والعلماء ورجال الفكر وأيضا، الفنانين والكتاب والأدباء.

أما محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، فصرّح بدوره على أن تأسيس المجلس يأتي في سياق سياسي وإداري مُتميّز للغاية، حيث أنه مؤسسة استشارية وتشاورية، مُهمتها الأساسية حلّ الملفات العالقة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، مضيفا أن المجلس يكرس خيار توسيع دائرة الديمقراطية التشاركية من جهة، والإنصات لدائرة القرب من جهة ثانية، حيث يراهن عليه المجتمع المغربي اليوم، لعدة اعتبارات.

وأضاف محمد زين الدين، أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليس فضاء للعرض المطلبي، على غرار السائد لدى التنظيمات الجمعوية، وإنما فضاء للنقاش وإعطاء الدراسات حول أبرز الملفات والدراسات التي تهُمّ المملكة المغربية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، كما يتجلّى دوره أيضا، في كونه يُجَسّد قوة اقتراحية في التعامل مع العديد من الملفات، وخاصة الملف الاجتماعي، الذي كان يتم التعامل معه سلفا، من منظور سياسوي أو انتخابوي.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن الرهان على المجلس، رهان استراتيجي بامتياز، داعيا لتفعيل قراراته، ومُوجّها الدعوة في آن لتفعيل تواصل ذات المؤسسة الاستشارية مع المؤسسة الحكومية ومع غرفتي البرلمان، لأنه، يضيف محمد زين الدين، في غياب تفعيل قراراته، سيصبح هيكلا فارغا، مختتما تصريحاته بالتأكيد على أن إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي سيُمكّن المغرب من تطوير قدراته الاقتراحية على الصعيدين الوطني والدولي، نظرا للاختصاصات الواسعة والهامة التي مُنِحت له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق