الرابطة المحمدية للعلماء

مونيكا بوباكو ترصد الفلسفة النسوية الغربية من منظور نقدي

في إطار الأنشطة التي يقدمها المركز المغربي للعلوم الاجتماعية، تم عقد لقاء بجامعة الحسن الثاني ، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق مع الباحثة البولونية مونيكا بوباكو التي قدمت عرضا بعنوان « Feminism, religions, and Islamophobie ».

 وقد تمحور هذا اللقاء، الذي حضره مجموعة من الباحثين المهتمين بالفكر النسوي المعاصر، حول النقاش القائم بخصوص العلاقة الموجودة بين الفكر العلماني والدين الذي أصبح يطرح جدلا كبيرا في الغرب، خصوصا مع بروز ما يسمى بالاسلاموفوبيا التي أسست لها مجموعة من العوامل أهمها: الصراعات التاريخية بين الأديان، الخطاب الاستعماري، تنامي هجرة المسلمين إلى أوروبا،  بالإضافة إلى الحرب ضد الإرهاب خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر كما ساهم في انتشارها الإعلام الغربي بشكل كبير في انتشارها.

من خلال هذه الحلقة الدراسية، قامت الباحثة بوضع خريطة للمواقف النسائية المختلفة تجاه الدين عموما، والإسلام على وجه الخصوص. والعلاقة الموجودة بينهما التي أصبحت في الآونة الأخيرة تتخذ شكلا جديدا في ظل تنامي الخوف المتزايد من الإسلام في الغرب. حيث أظهرت أن الحركات النسوية بُنيت في البداية على أفكار عصر التنوير في أوربا في القرن الثامن عشر، التي ارتبطت بالمشروع العلماني الداعي إلى تحرير الإنسان، والذي  كان شديد الانتقاد للهوة الشاسعة بين الجنسين التي رسخها الدين، وبالأخص الإسلام الذي يعتبر في نظر الغرب والحركة النسوية عدوا للمرأة، معللين ذلك باضطهاد الإسلام للمرأة،  المتمثل في فرض الحجاب والتفرقة بين الجنسين، مما يفسر أن العلاقة بينهما كانت ولا زالت متوثرة.

إلا أنه في السنوات الأخيرة تصاعدت أصوات بعض رائدات الحركة النسوية الغربية المعاصرة مثل الأمريكية " « Judith Butler », « Rosi Braidotti », « Saba Mahmood », اللاتي أصبحن يدعون إلى إعادة التفكير في مواقف الحركة النسوية العلمانية تجاه الدين. وقد أرجعت الباحثة موقفهم هذا إلى وعي هذه الفئة بـ "أن الخطاب العلماني المتطرف الذي يدَّعي الديمقراطية والتحرر وحقوق الإنسان كثيرا ما يستخدم كوسيلة لمكافحة الهجرة، وبالتالي يبرر العنصرية والسياسة المعادية للمسلمين". معتبرة أنه "تم استغلال قضية حقوق المرأة وحقوق الأقليات الجنسية، من أجل إضفاء الشرعية على التمييز ضد الأقليات المسلمة في أوروبا، فضلا عن التدخل العسكري في بلدان العالم الإسلامي" . حيث لعب الفكر النسوي دورا بارزا في الحملات الاستعمارية التي استهدفت العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، كما لعب هذا الفكر ومازال يلعب حتى الآن نفس الدور مع الاستعمار الغربي الجديد الذي يستهدف الأقليات المسلمة في الغرب.

كما تطرقت مونيكا بوباكو في عرضها على مواقف بعض الحركات النسائية الداعية إلى التوفيق بين الهوية الدينية وتحرر المرأة، وقد جاء تعريف الباحثة مونيكا لهذا الفكر النسوي الجديد بأنه يندرج ضمن الوعي لبعض متبني الفكر النسوي في دول العالم الإسلامي بالمعوقات التي وضعت أمام النساء بسبب كونهن إناثاً، ومحاولة إزالة تلك المعوقات من خلال تطوير منظومة للجندرً، تشتمل على أدوار جديدة للنساء، وعلى علاقات جديدة بين الجنسين، من خلال خطاب مستقل ينبني على خطابات التحديث الإسلامي.  

فلسفة الباحثة التي تبنت تحليلا نقديا في مناقشة "العلاقة بين الفكر النسوي والدين والإسلاموفوبيا في الغرب" لقيت تجاوبا كبيرا من طرف الحضور، حيث تمت مناقشة مختلف العوامل التي أدت إلى تنامي ظاهرة الاسلاموفوبيا والتي أرجعها البعض إلى جهل الغربيين بحقيقة الدين الإسلامي الذي يتم الترويج له بشكل مغلوط بسبب قلة الكتابات باللغات الحية الأخرى كالانجليزية بالإضافة إلى أن معظم الكتابات التاريخية عن المرأة كتبت من طرف الرجال. في حين كانت هناك مداخلات أخرى  للرد على سؤال الباحثة مونيكا بوباكو حول إمكانية الاشتغال من داخل الديانات الموحدة ذات تاريخ ذكوري قوي من أجل تحرر المرأة حيث أكدت الدكتورة مريم يافوت على  أنه مؤخرا برزت بعض المحاولات التي تتبنى خطاب نسوي جديد، ذو طابع إسلامي، جاء ردا على الخطاب المقابل الذي غلب عليه الطابع الغربي في معظم الأحوال، حيث ظهرت أبحاث وكتابات جديدة مؤخراً تتجه نحو أفق تحديد هوية جديدة لفكر نسوي يحمل خصوصيته وتمايزه عن الفكر النسوي الغربي. النقاش هذا ساهم في طرح مجموعة من الأسئلة، تصب في مجملها حول مقدرة الحركات النسائية المعاصرة التي تدعو إلى تحرر المرأة من منظور إسلامي مثل أسماء لمرابط، رئيسة مركز الدراسات والأبحاث حول القضايا النسائية في الإسلام،  على تمرير خطابها في ظل العقلية الذكورية السائدة بالمجتمعات الإسلامية التي لا زالت ترفض تقبل ما يسمى بالنضال النسوي حتى ولو كان من منظور إسلامي، كما تساءل بعض الحاضرين عن الآليات الكفيلة بتفعيل ذلك على المستوى السياسي، خصوصا أنه لا زال هناك صراع، حتى داخل الحركات النسوية نفسها، التي تتبنى الفكر النسوي، حول مجموعة من القضايا الخاصة بالمرأة المسلمة كالإجهاض، الإرث، زواج القاصر وما إلى ذلك من القضايا التي يطرح النقاش حولها على المستوى الدولي الإقليمي والمحلي أيضا.

يذكر أن مونيكا بوباكو حاصلة على دكتواه في الفلسفة، ماجستير في دراسات النوع الاجتماعي ودرجة الماجستير في الفلسفة، وتدرس مند 9 سنوات بجامعة آدم ميكيفيتش، ببولندا. لديها مؤلفات عديدة مثل كتاب « Democraty and difference »  و كتاب « Multiculturalism and Fémninsm in the Perspective of the Politics of Recognition »  باللغة البولونية لها أكثر من عشر مقالات أكاديمية. وتعكف حاليا على إعداد كتاب حول الجدل القائم حول الإسلام في أروبا وآثاره على الفلسفة السياسة الغربية والفكر النسوي بشكل عام.

إعداد: سمية شكروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق