مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

موضة الإثارة المفرطة

بشرى لغزالي

 


أصدرت مارييت جيليانMariette Julien ، كاتبة وأستاذة في المدرسة العليا للموضة بمونتريال، كُتيبا من أربعة فصول يحمل عنوان “موضة الإثارة المفرطة” عن دار النشر “سيسيف”(Sisyphe)، في ظل الأهمية المبالغ فيها التي يحظى بها المظهر الخارجي والموضة التي تتجدد وتختلف باختلاف المواسم والمناسبات. وذيلت الكتاب بقائمة مصطلحات تتردد في عالم الأزياء وأرفقتها بالتعريف أو المصدر أو الهدف من التسمية.

بدأت الكاتبة بتعريف عنوان الكتاب المركب، حيث تعني بالإثارة المفرطة الاستعمال المبالغ فيه لاستراتيجيات ترتكز على الجسد بهدف الإغواء، في حين أن موضة الإثارة المفرطة هي الاهتمام بجمالية المظهر مع التركيز على الإثارة الجنسية. وتتجسد موضة الإثارة المفرطة في مجموعة من الملابس (التي تجلب النظر إلى مناطق معينة من الجسد) وأدوات الزينة (قلادة مرصعة تُعلق في عنق الحيوانات) والتغييرات والتعديلات التي يُخضَع لها الجسد (تسمير البشرة الدائم) وطريقة تصفيف الشعر (شعر غير مرتب) ولون الأظافر ومساحيق التجميل.

نجد في هذا السياق مظهر “المومس” الذي استُمد من أوساط الدعارة مستهدفا النساء والفتيات والمراهقات، إذ عرف نجاحا عالميا منذ سنة 1990. ولم يسلم الأطفال والرُضع من هذه الموجة من خلال كتابات تُخاط على ثيابهم تُحيل على الجنس. وللرجال نصيب من هذه الموضة تظهر في طريقة لباس تدعو إلى العنف، حيث ترجع أصوله إلى ثقافة الهيب هوب التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي على يد شباب أمريكيين أفارقة كانوا يعيشون في الأحياء اليهودية بنيويورك، وكذا إلى أوساط السجون التي يُمنع فيها ارتداء الأحزمة وتنتشر فيها العلاقات الجنسية بين الرجال. ويتم في الغالب ارتداء هذه الملابس مع حلي كبيرة مذهبة ترمز إلى المال أو الجريمة.

تضيف الكاتبة بأن موضة الإثارة المفرطة ليست مجرد تيار يهتم بالجمال، بقدر ما هو تسويق للخلاعة في مجتمعات ما بعد الحداثة. كما تستمد هذه الموضة أفكارها من نمط لباس الأجيال السابقة مثل الهيبيين والبانك (Punk) الذين أرادوا أن يتميزوا عن الأجيال التي سبقتهم وحاولوا فرض رؤيتهم الخاصة لعالم مثالي.

يدعو الهيبيون إلى السلام والحب ويدافعون عن قيم المساواة بين الجنسين والمتعة والتحرر الجنسي وتعدد التجارب الجنسية والانفتاح على العالم، من خلال ارتداء زي لا يفرق بين الجنسين (الجينز والشعر الطويل للرجال والنساء). أما البانك (1970-1980) فإنهم يحتفلون بالعنف والكره. لقد غيروا جذريا قيم المجتمع والنظرة للجمال عبر تحبيب حلق الرؤوس وإطلاق اللحي وتلوين خصال الشعر والوشم والثقب. ويهدفون من خلال هذا النوع من اللباس إلى جلب الانتباه وخرق القواعد المعمول بها في المجتمع وإثارة مشاعر الخوف والاشمئزاز. وقد نجحت هذه الصورة اليوم في اقتحام عالم الموضة مع تجاهل المعايير المعمول بها في المجتمع وعدم الامتثال لها.

في بداية 1980، كانت المغنية مادوناMadonna  رمزا للحرية والاستقلالية والإثارة الجنسية المبالغ فيها. وقد أثرت دون شك في مصممي الأزياء من خلال مظهرها “المثير بشكل مبالغ فيه”. وكان أيضا لبعض المجموعات الموسيقية تأثير إلى حدود اليوم على موضة الإثارة المفرطة مثل مجموعة الهيبيز والهارد روك، إذ قدموا نموذج لباس عالمي للشباب من خلال التيشورت والجينز اللذان يرمزان بالنسبة إليهم للشباب والسلوك الثائر والديمقراطية (يرتديه الفقير والغني). بالإضافة إلى ذلك، كانت الفتيات المنتميات إلى البانك أول من ارتدى ملابس داخلية في أماكن عامة باعتبارها ملابس عادية، وأول من لبس على طريقة “عاملات الجنس”. وقد استمد مصممو الأزياء أفكارهم من طريقة لباس وظهور هذه المجموعات، وشجعوا على المزايدة بالجنس في مجتمعنا.

كما شاركت الدمى أيضا في الترويج لنموذج نسائي يرمز لجسد المرأة، مثل باربي Barbie وبراتزBratz  التي جعلت الفتيات يستمتعن بارتداء الملابس وخلعها وتصميم الشعر ووضع مساحيق التجميل وارتداء الحلي وأدوات الزينة. وفي هذا السياق، أعلنت إحدى الجمعيات الأمريكية (الجمعية النفسية الأمريكية) عن التأثير السلبي لدمى براتز على الفتيات الصغيرات وإسهامها في التمييز الجنسي.

وفيما يتعلق بالعوامل الاجتماعية لهذه الموضة، تؤكد الكاتبة على أن هذه الأخيرة مؤشر يدل على القيم السائدة في المجتمعات، وتعكس النزعة الاستهلاكية والفردانية والبحث عن الشهرة والنفور من الدين وعدم الرضا الدائم.

في هذا الإطار، تحصر وسائل الإعلام قيمة المرأة في جاذبيتها الجنسية، حيث تساهم بذلك في تعزيز موضة الإثارة المفرطة، ولاسيما عند المراهقات والفتيات الصغيرات اللواتي تستهدفهن صناعة الموضة. لقد استرجعت اليوم هذه الصناعة الملابس وأدوات الزينة التي كانت تُنسب فيما مضى لفضاءات هامشية ومجموعات منحرفة، إذ أصبح يرتديها اليوم بكل براءة النساء والرجال الذين يحرصون على اتباع موجات الموضة دون إدراك خلفيتها.

بعد القفزة النوعية التي عرفها هذا القطاع، بدأت شركات مستحضرات التجميل تستثمر مبالغ مالية كبيرة من أجل الترويج لسلعهم التي تستهدف الشباب. وتركز الإعلانات على أهمية جمال المرأة الذي يُمكنها من الإغواء معتمدين على مشاهير ونجوم السينما الذين يتميزون بسلوكهم أو لباسهم المثير للجدل.

وفي سياق آخر، تضيف الكاتبة بأن الرغبة التي نشهدها اليوم لرؤية كل شيء أدت إلى المجون وانتشار موضة الإثارة المفرطة، وظهور برامج تلفزيون الواقع التي تروج لحياة غير أخلاقية وتعْرض الخصوصيات والأسرار على العموم. وأشارت الكاتبة إلى أن وسائل الإعلام لا تولي اهتمامها بالأشخاص المحافظين والصدوقين والمتوازنين نفسيا، وإنما بأولئك الذين اقترفوا أخطاء وجرائم تجعلهم يجلبون اهتمام الآخرين.

يتأثر الشباب بالمشاهير نظرا للاعتراف الذي يحظون به من لدُن مجتمعهم ومحيطهم الذي يعطي قيمة للنساء المثيرات والغنيات والمشهورات. لهذا السبب لا يستوعب الشباب الخطاب الأخلاقي الذي يتلقونه من البالغين. فالبحث عن الشهرة يشجع موضة الإثارة حيث تسعى الفتيات على نحو يومي لارتداء ملابس كتلك التي تظهر بها نجمات هوليود من أجل جلب أكبر قدر من الانتباه. وللحد من هذا التوجه، أحدثت إعدادية في لندن سنة 2006 درسا بعنوان “السعادة 101” لمساعدة المراهقين والمراهقات على التحرر من هوسهم المرضي بالشهرة.

عندما يقلد البالغون -الذين يرفضون فكرة تقدمهم في السن- مظهر الشباب، فإن هؤلاء الشباب يسعون إلى التميز عن الآخرين والإثارة عبر تعديل جسدهم ووشم جلدهم. بالإضافة إلى ذلك، ترتدي النساء لباسا مثيرا للتعبير عن استقلالهن عن الرجال وحريتهن وامتلاك جسدهن دون غيرهن، بيد أن الكاتبة ترى أنهن يضعن أنفسهن بهذه الطريقة في وضع استعباد أكبر لأنهن يسعين للحصول على استحسان الرجال عبر إثارتهم. وفي نفس السياق، أشارت الكاتبة إلى أن تعري جزء من جسم المرأة ارتبط منذ سنة 1920 بشكل جديد من أشكال الحرية.

وتتساءل الكاتبة في الختام عن الوقت الذي سيتم فيه طرح لباس يثور على هذه القيم ويشجعنا على الخروج من دائرة الإثارة والشهوانية لاكتشاف ما خفي من العالم.

لقد كشفت الكاتبة في هذه الدراسة عن ظاهرة نشهدها أيضا في مجتمعنا العربي ونجهل خلفيتها، إذ أصبحت المراهقات والشابات يركضن وراء موضة الإثارة ويحرصن على اتباعها على اعتبار ذلك دليلا على التحضر ومواكبة متغيرات العصر.

لا بد في هذا السياق أن نُذكر بالثورة التي أحدثها الإسلام على قيم وسلوكيات جاهلية معطيا قيمة لعقل الإنسان وروحه لأنهما سبب رقيه وسموه، بيد أن ذلك لا ينفي أن الإسلام يحث على الاعتناء بالمظهر دون جعله من الأولويات على حساب بقية القيم الإسلامية الجوهرية. ويمكن أن نستحضر هنا مجموعة من الأحاديث النبوية التي تزكي هذا الطرح، نذكر منها قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال لا الحصر: “إن الله جميل يحب الجمال[1]، “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده[2].

ونختم بأبيات شعرية لعلي ابن أبي طالب كرم الله وجهه يقول فيها:

أجد الثياب إذا اكتسيت فإنهـا *** زين الرجال بها تعز وتكرم 
دع التواضع في الثياب تحرياً *** فالله يعلم ما تجن وتـكـتـم 
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلـفة *** عند الإله وأنت عبد مجـرم 
و بهاء ثوبك لا يضرك بعد أن ***  تخشى الإله وتتقي ما يحـرم

 


[1] أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131: http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=292&idto=297&bk_no=53&ID=48

[2]  سنن الترمذي: http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=7109&idto=7110&bk_no=74&ID=3092

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق