مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

من فضائل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه (1)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«اثْبُت أحد فإن عليك نبي وصديق وشهيدان»([1]).

إنّ الصّحابة الكِرام رضي الله عنهم هم الذينَ تولّوا نَشْـرَ الدّين وحمل الأمانَة وبسْطَها للنّاس كافّةً، وهم الذينَ حَفظوا القراءاتِ القُرآنيةَ والأحاديثَ النبويةَ الشّريفةَ من الضَّياعِ والتَّحريف وعَبثِ الأيدي، ففضلُهم بعد الله عز وجل  ورَسولِه صلى الله عليه وسلم لا يُدرِكُه إلاّ أولو العلم، ولم يتردّدْ العُلَماءُ في تحرير الصحائفِ وتصنيف المُصنّفاتِ والتّراجم لبيانِ فضلِ الصّحابَة على الأمّة؛ وكلُّ ذلِكَ للذّبِّ عنهُم وكَشْفِ مَن ناصبَهُم العَداءَ، من غُلاةِ الشيعَةِ الذينَ أعلَوْا من شأن آلِ البَيْت وأبطَلوا عَدالَةَ غيْرِهم من الصّحابَة كأبي بَكر وعُمَرَ رضي الله عنهما ومن النّواصبِ الذينَ آذَوْا آلَ البيتِ على عهد الأمويّين والعَبّاسيّينَ، ومن الخَوارِجِ الذين اجتَمَعَت فيهم مَثالبُ الفَريقَيْن الأوّليْن، فناصَبوا جلّ الصّحابةِ العَداءَ وأخرَجوهم من الملّةِ. ولا شكّ في أنّ الطّعنَ على الصّحابةِ الكرامِ جَميعِهم ثلمٌ في أصلِ الدّين وإبْطالٌ للشـّريعةِ؛ ولا تُجدي محبّتُهم نَفعاً إذا خالَطَها بُغضُ بَعضٍ منهُم؛ (إذ بدون الصّحابةِ تَبْقى نُصوصُ الشّـريعةِ للمُسلمينَ مُجْمَلَةً غيرَ قابلةٍ للبيان، ونظراً لما في الطّعنِ في الصّحابةِ من إطاحةٍ بالقُدوةِ التي اختصّوا بِها، حيثُ سيجدُ المسلمونَ أنفُسَهم أمامَ إسلامٍ لم يتَحقَّقْ في واقعٍ ولا دَخَلَ في تاريخٍ، نظراً لهذه العَواملِ مُجتمعةً أجمَعَ أهلُ السّنّةِ والجَماعةِ على حمايةِ الدّينِ بحمايةِ نَقَلَتِه وحَمَلَتِه من الصّحابةِ)([2]).

إنّ محبّة الصحابة هو ثمرة الإيمان بفضلهم، وأنهم خير الناس، وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة دالة على فضلهم، يقول الله تعالى عنهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([3])، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}([4]) إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([5]).

ومن السنة ما روى مسلم في الصحيح عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيهِمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحَدًا رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ»([6]).

فقد دأب علماء المسلمون في التنافس على تدوين أخبار وفضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفرد الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه، توضيحا جليلا، وفائدة عظيمة حيث جمع فيه أوائل من صنفوا في أخبار الصحابة بقوله: «فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبدالله البخاري، أفرد في ذلك تصنيفا، يَنْقُلُ منه أبو القاسم البغوي وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضموما إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه، كخليفة بن خياط ومحمد بن سعد، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان، وأبي بكر بن خيثمة، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن داوود، وعبدان...، وأبي حاتم بن حيان، وكالطبراني ضمن معجمه الكبير، ثم كأبي عبدالله بن منده، وأبي نعيم، ثم كابن عبدالبر...»([7]).

قال عبدوس بن مالك العطار([8]): سمعت أحمد بن حنبل يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يختلفوا في ذلك، ثم بعد هؤلاء أصحاب الشورى الخمسة: علي والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد رضي الله عنهم، كلهم يصلح للخلافة، وكلهم إمام، نذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعدّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وأصحابه متوافرون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت، ثم بعد أصحاب الشورى، أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار، من أصحاب رسول الله، على قدر الهجرة والسابقة أولا فأولا، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء، أصحاب رسول الله، القرن الذي بعث بينهم، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه، ونظر إليه نظرة، فأدناهم صحبة، أفضل من القرن الذين لم يروه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي ورأوه وسمعوا منه، أفضل لصحبتهم من التابعين، ولو عملوا كل أعمال الخير. ومن انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه، لحدث كان منه، أو ذكر مساوئه، كان مبتدعا، حتى يترحم عليهم جميعا، ويكون قلبه لهم سليما([9]).

أثنى الله سبحانه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأَحَدٍ بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك، ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، فهم أدوا لنا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما وخاصا وعزما وإرشادا ،وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر واستدرك به علم واستنبط به ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم.

وقد تميز الصحابة الكرام بصفات وأخلاق عالية جعلتهم خير من اصطفاهم الله لصحبة سيدي الخلق أجمعين، لذا يَلزَمُ المُسلمَ أن يتأدّبَ مع صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ بيتِه بالتّرضّي عليهم ومعرفةِ فضلهِم وحقِّهم، والإمساكِ عمّا شَجرَ بينهُم مع نَزاهةِ كلٍّ منهُم عن ارتكابهِم شيئاً يُعتقَدُ حِرمَتُه، بل كلٌّ منهم مُجتهدٌ، فهم كلُّهم مجتهدونَ مُثابونَ، المُصيبُ بعشـرةِ أجورٍ، والمُخطئُ منهم بأجرٍ واحدٍ، والعقابُ واللّومُ والنّقصُ مرفوعٌ عن جَميعهِم؛ فتفطَّنْ لذلِك وإلاّ زلَّت قَدمُك، وحَقَّ هلاكُك ونَدمُكَ. ألا وإنّ فَضيلَتَهم على مَن سواهُم من الأمّةِ إنّما هي بفوزِهم بتلكَ الصُّحبةِ الشّـريفةِ، وفضيلةِ المُشاهدةِ التي لا تكونُ لغيْرِ الصّحابةِ... كيفَ لا وهُم الذينَ بَذَلوا أرواحَهُم في محبّةِ المُصطفى، وآثروا رِضاه على هَوى نُفوسهِم، فَنالوا بذلِك رِفعةً وشَرفاً.

وفي هذا المقال نورد باقة من بعض الفضائل المنسوبة إلى عثمان رضي الله عنه وهي كفيلة بإدراك قيمة الرجل الذي تتلمذ مباشرة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي، أحد العشـرة المبشـرين بالجنة وأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق ، أسلم بعد البعثة بقليل، فكان من السابقين إلى الإسلام، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة الأولى والثانية. كان رضي الله عنه غنياً شريفاً في الجاهلية.

 إذ تشير الروايات أنه اعتنق الإسلام قبل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم في السنة الثالثة للبعثة تقريبا، وقد عانى ما عانى منه المسلمون الأوائل، فقد أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص وأوثقه لتركه دين آبائه واعتناقه الدين الإسلامي قائلا له: (والله لا أطلقك حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان رضي الله عنه والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه، فلما رأى الحكم صلابته وإصراره على دينه تركه)([10]). توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ صلى إلى القبلتين وهاجر الهجرتين وبمقتله كانت الفتنة الأولى في الإسلام . وكان أخوه من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان.

كان في الجاهلية يُكنَّى أبو  عمر، وفي الإسلام وُلد له من رُقِيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد سماه عبدالله فتكنى بأَبِي عبدالله، كانت ولادته في السنة السادسة بعد عام الفيل على أرجح الأقوال.

وقد وقعت محبَّته في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فزوّجه ابنته رقية، ولما جاء الأمر بالهجرة إلى الحبشة كان عثمان رضي الله عنه أول من هاجر، وهاجرت برفقته زوجته رقية رضي الله عنهما وكذلك لما بدأت الهجرة إلى المدينة كان عثمان رضي الله عنه من الذين هاجروا، وبذلك نال فضل الهجرتين، وفي المدينة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن ثابت أخو حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومنذ أسلم عثمان رضي الله عنه وهو ملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم تابعا له، مستنا بسنته، فكانت رفقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير بناء لشخصيته الإيمانية زهدا وتقى وورعا، وخوفا من الله عز وجل وإرضاءً لله ورسوله في كل ما يتقرب به لله من العبادات، فكان بذلك من أشبه الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في ذلك من الأحاديث.

عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الْفَهْمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: (لَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْـرًا: إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الإِسْلامِ، وَلَقَدْ جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْـرَةِ، وَلَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلَقَدِ ائْتَمَنَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَتِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فَأَنْكَحَنِي الأُخْرَى، وَمَا تَغَنَّيْتُ، وَلا تَمَنَّيْتُ، وَلا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى فَرْجِي مُذْ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ الله  صلى الله عليه وسلم وَلا مَرَّتْ سَنَةٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلا وَأَنَا أُعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً إِلا أَلا تَكُونَ عِنْدِي فَأُعْتِقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلا زَنَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلا الإِسْلامِ) ([11]).

وما جاء في حسنه من أحاديث كلها تدل على حسن خَلقه رضي الله عنه وفي ذلك، ما جاء عن حماد بن زيد قال حدثني مولى لعثمان، عن أسامة بن زيد قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فيها لحم إلى عثمان، فدخلت عليه وقد كان جالسا مع رقية، ما رأيت زوجا أحسن منهما، فجعلت مرة أنظر إلى عثمان، ومرة أنظر إلى رقية، فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أدخلت عليهما؟» قلت: نعم. قال: «هل رأيت زوجا أحسن منهما ؟» قلت: «لا، يا رسول الله، وقد جعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان رضي الله عنهما»([12]).

وقد ذكر عن أبي الحسن، قال: «دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان بن عفان متكئ على ردائه، فنظرت إليه فإذا رجل حسن الوجه، وإذا بوجنتيه نكتات جدري، وإذا شعره قد كسى ذراعيه»، وجاء عن عبدالله بن حزم المازني، قال: «رأيت عثمان بن عفان، فما رأيت قط ذكرا  ولا أنثى أحسن وجها منه»([13]).

ومن فضائل عثمان رضي الله عنه التي رصدتها كتب الفضائل بأحاديث نبوية شريفة، منها ما جاءت تبشـره بالجنة مع سائر ما بشـر به الصحابة مثل العشـرة المبشـرين بالجنة، أو الأحاديث الواردة في أهل بدر، أو بيعة الرضوان، ومنها ما اختص به رضي الله عنه بمفرده.

ومن الأحاديث التي جاء ذكره فيها مع سائر من ذكر من الصحابة رضي الله عنهم حديث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل وكيف ذلك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، فقال: «اثبت حراء، فإنه ليس عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيد قيل ومن هم؟ قال: «رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبدالرحمن ابن عوف، قيل: ومن العاشر، قال: فَتَلَكَّأَ هُنَيَّةً، ثم قال: أنا»([14])، وقد روى هذا الحديث جماعة عن سعيد بن زيد رضي الله عنه مثل أبو داود واللفظ له. وابن ماجه والإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى، وكذلك رواه الطبراني في الأوسط.

وجاء في حديث عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»([15]).

وجاء في سنن أبي داود عن قتادة على هذا النحو، أن أنس بن مالك حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا، فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه نبي الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: «اثْبُت أحد فإن عليك نبي وصديق وشهيدان» ([16]).

وقد خص عثمان رضي الله عنه بأحاديث نبوية تزكي عثمان وبأنه من أهل الجنة، منها ما جاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة» فطلع عثمان بن عفان رضي الله عنه([17]).

وساق عبدالله بن أحمد بن حنبل حديثا طويلا وصف فيه فضل عثمان بن عفان وخيريته، وجوده وكرمه، وأنه أفضل أمة محمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما من طريق أبيه أحمد بن حنبل، وعزاه إلى سالم بن عبدالله أن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: جاءني رجل من الأنصار في خلافة عثمان رضي الله عنه فكلمني فإذا هو يأمرني في كلامه أن أعيب على عثمان رضي الله عنه فتكلم كلاما طويلا، وهو امرؤ في لسانه ثقل فلم يكد يقضي كلامه في سريع، فلما قضى كلامه قلت له: إنما كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق ولا جاء من الكبائر شيئا، لكن هو هذا المال، فإن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، وإنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يتركون لهم أميرا إلا قتلوه، قال: ففاضت عيناه بأربع من الدمع ثم قال: اللهم لا نريد ذلك([18]).

قال عنه عبد الله بن عمر: «كنا ‌في ‌زمن ‌النبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌لا ‌نعدِل ‌بأبي ‌بكر ‌أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم»([19]) .

وقال عنه أبو نعيم: ذو النورين عثمان ذاك الصحابي الذي قيل فيه: «وثالث القوم القانت ذو النورين، الخائف ذو الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، هو عثمان بن عفان رضي الله عنه كان من الذين {اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقوا وأحسنوا }([20])، فكان ممن {هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}([21])، غالب أحواله الكرم والحياء، والحذر والرجاء، وحظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، منعم بالنجوى»([22]).

وهذه باقة من بعض الفضائل المنسوبة إلى عثمان رضي الله عنه وهي كفيلة بإدراك قيمة هذا الصحابي الجليل والخليفة الراشد الذي تتلمذ مباشرة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد حاول خصومه اتهامه في دينه والنيل منه رضي الله عنه فعيروه بعدم حضور البيعتين: الرضوان والفتح. وقد رد عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن هؤلاء بقوله: >فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس تحت الشجرة وكان بعث عثمان في سرية وكان في حاجة الله عز وجل  وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم  وحاجة المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >ألا إن يميني يدي وإن شمالي يد عثمان< فضـرب بشماله على يمينه فقال: >هذه يد عثمان، وإني قد بايعت له<، ثم كان من شأن عثمان في البيعة الثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمان إلى علي رضي الله عنهما ــ وكان أمير اليمن ــ فصنع به مثل ذلك< ([23]). كما عيروه بعدم حضور بدر والفرار يوم أحد: روى أحمد أن رجلا من أهل مصر حج البيت >فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء ؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: ابن عمر، فأتى فقال: يا ابن عمر، إن سألتك عن شيء تحدثني؟ قال: نعم، قال: أنشدك الله بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان فَرَّ يوم أُحُد؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهده، قال: نعم. قال: فتعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها، قال: نعم. قال: فَكَبَّرَ، قال: فقال له ابن عمر: تعال حتى أخبرك وأبين لك كل ما سألتني عنه؛ أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تبارك وتعالى قد عفا عنه وغفر له. وأما تغيبه عن بدر، فإنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: >إن لك أجر رجل شهد بدرًا وسهمه لك<، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لوكان أحد أَعَزَّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: >هذه يد عثمان<، فضرب بها على يده الأخرى عليها فقال: >هذه لعثمان<<([24]).

...يتبع

----------------------------------------------------------------------------

([1]) أخرجه أبو داود في: السنن: 7/47.

([2]) اتّباع السّنّة عند المالكيّة وموقفهم من منتقصي الصّحابة... محمد المعلّمي، منشور ضمنَ كتاب: نَدوة الصّحابة الكِرام في تُراث المَغاربَة والأندلسيّينَ، نشر: مَركز الدّراسات والأبحاث وإحياء التّراث، سلسلة نَدوات ومُحاضَرات (3)، الرّابطَة المحمّدية للعُلَماء، ط.1، 1431-2010،  1/543.

([3]) سورة التوبة آية 101.

([4]) سورة الأنفال آية 73.

([5]) الأنفال: 74.

([6]) رواه مسلم في الصحيح-  كِتَابُ فضائل الصحابة -بَابُ  فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ-4/1962 رقم: 2532.

([7]) الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 6، تحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي.

([8]) عبدوس بن مالك، أبو محمد العطار. صاحب الإمام أحمد. كانت له عند أحمد بن حنبل منزلة. قال أبو عبدالله: سألت عنه أبي، فقال: اكتب عنه. (تاريخ بغداد12/417).

([9]) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص159.

([10]) ابن سعد، الطبقات: 3/40.

([11]) رواه الطبراني، معجم الطبراني الكبير: 1/ 85، رقم الحديث: 124، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي. والخرائطي: اعتلال القلوب: 2/101، رقم الحديث: 195، تحقيق حمدي الدمرداش.

([12]) رواه البغوي، معجم البغوي: 4/328. والطبراني، المعجم الكبير: 1/76.

([13]) رواه أبو نعيم الأصفهاني، معرفة الصحابة: 1/ 60. والطبراني، المعجم الكبير: 1/ 75.

([14]) رواه أبو داود: السنن: 7/ 45. وذكره سعود الصاعدي: الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة من الرجال:6/11.

([15]) رواه الترمذي: السنن. باب المناقب، رقم الحديث: 3747.

([16]) رواه أبو داود: السنن: 7/47.

([17]) رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل: فضائل عثمان بن عفان، ص: 62.

([18]) رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل، فضائل عثمان، ص: 68.

([19]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-باب مناقب عثمان بن عفان-5/14 رقم: 3697.

([20]) سورة: المائدة، الآية:95.

([21]) سورة: الزمر، الآية:10.

([22]) أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء:1/55.

([23]) فضائل عثمان. حديث رقم:76. ص: 123.

([24])  فضائل الصحابة. حديث رقم: 737 ـ 1/ 557، 558.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق