مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

من رسائل الإمام الحسن بن مسعود اليوسي الرسالة الحادية عشرة: الدلالة الوافية في الرسالة الأسفية

(وهي رسالة إلى أهل ثغر آسفي يرشدهم فيها إلى ما يصلح عقيدتهم وسلوكهم في الطريق)

يقول علاّمة المغرب الحسن بن مسعود اليوسي(1102هـ): « من الحسن بن مسعود اليوسي عفا الله عنه (آمين)، إلى جملة من بثغر آسفي، حرسه الله ومن حوله من الإخوان والمحبين وسائر المومنين.
 سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
 فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد،
فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله العظيم، والاجتهاد في طاعة الله، واعلموا أن المطلوب من العبد عبادة الله -تعالى-، وهي مجموعة من علم وعمل.
والعلم علمان: علم بالمعبود، وعلم بما به يعبد، فهذه ثلاثة أقسام:
أما القسم الأول: وهو العلم بالمعبود؛ فهو التوحيد:
وهو معرفة الله -تعالى-، فإن الله -تعالى- هو المعبود ولا معبود بالحق سواه -تعالى-، فاعلموا أن الله -تعالى- موجود غير معدوم، وقديم غير حادث، وباقي لا يفنى، ومخالف للخلق لا مثل له ولا شبيه، وكلما يتوهم الإنسان في خاطره مما رأى وما لم ير فالله -تعالى- بخلاف ذلك، وقائم بنفسه؛ أي غني غير محتاج إلى شيء والخلق هم المحتاجون إليه -تعالى-،  وواحد في ملكه لا شريك له ولا معين، ولا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت ولا نافع ولا ضار سواه -تعالى-، وله -تعالى- الصفات العلية، وهو متصف بها ؛ وهي سبع: القدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام.
أما القدرة: فبها يخلق فيخرج الممكن من العدم إلى الوجود، وهي متعلقة بكل ممكن.
وأما الإرادة: فبها يخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه في الأزل، وهو معنى القدر، فكل ممكن في السماوات والأرض وما بينهما فقد قدر الله -تعالى- عليه كل ما يكون به، وما يقع عليه بإرادته ولا يتبدل ذلك ولا يتغير.
وأما العلم: فبه يطلع -تعالى- على كل شيء، فلا يغيب عن علمه -تعالى- موجود ولا معدوم، يعلم -تعالى- ما كان وما لم يكن وما سيكون وما لا يكون.
وأما الحياة: فبها صح اتصافه -تعالى- بالعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك.
وأما السمع والبصر: فبهما يطلع -تعالى- على كل موجود، فلا يغيب موجود عن سمعه -تعالى- وبصره.
وأما الكلام: فبه يخبر عما كان وما يكون وما لا يكون، وبه يأمر وينهى، فالقرآن كلامه -تعالى-.
وهذه الصفات كلها قديمة باقية كقدم ذاته -تعالى- وبقائها.
 واعلموا أن الله -تعالى- له الملك على عباده، فهو غالب غير مغلوب، آمر غير مأمور، فلا يتعاصى عليه شيء من الممكنات أن يفعله أو يتركه، ولا يجب عليه لعباده حق، ولا تثبت لهم عليه حجة إلا ما جعل لهم -تعالى- تفضلا وإحسانا.
وقد وعد سبحانه عباده بأن يروه في الجنة كما يليق بكرمه وجلاله، وجعل الجنة للمؤمنين خالدين فيها، كما جعل النار للكافرين خالدين.
وتفضل -تعالى- بإرسال الرسل إلى العباد ليرشدوهم، وآخرهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ودل على صدقه بالمعجزات الخارقة للعادة؛ كانشقاق القمر، وتسليم الحجر والشجر، فوجب صدقه في كل ما أخبر به عن الله -تعالى-،  ووجبت عصمته من الوقوع فيما نهى الله عنه، وكذلك سائر الرسل.
وكلما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الله فهو حق؛ ومن ذلك: السؤال في القبر، ويوم القيامة وما فيه من البعث والحشر، والموقف والعرض والميزان، والصراط والحوض والشفاعة، وغير ذلك من كل ما ثبت في الكتاب أو ثبت بدليل العقل فيجب اعتقاد جميع ذلك.
فهذه جملة ما يجب عليكم من علم التوحيد أن تعتقدوه اعتقادا جازما لا تردد فيه، ومن كانت له قابلية في الفهم والنظر، فحسن منه أن ينظر لكل عقيدة في دليل إجمالي تطمئن به النفس، ومن لا طاقة له بذلك فلا يطلب به، وإنما لم أذكر لكم الأدلة في هذه الرسالة مخافة أن أهول بها على من لا يقدر عليها.
وأما القسم الثاني: وهو العلم بما يعبد الله -تعالى- به: فهو معرفة أحكام الفقه:
وأولها: الصلاة: فلا بد من معرفتها بفرائضها وسننها وآدابها وما يفسدها وما يجبرها، ومعرفة مقدماتها من وضوء وتيمم وغسل، وستر عورة ودخول وقت، واستقبال.
وهكذا الزكاة في حق من له ما يزكي، إن لم يتوله العامل.
والصيام والحج في حق من يفعله وغير ذلك..
وكما يجب عليكم أن تتعلموا ما أمرتم به لتفعلوه، كذلك يجب عليكم أن تتعلموا ما نهيتم عنه؛ كالسرقة والغصب، والزنا والرياء، والكذب والزور، وغير ذلك لتتركوه، ومجموع ذلك هو الفقه المطلوب.
وأما القسم الثالث: هو العمل: فهو الامتثال بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والدوام على ذلك حتى يأتيه اليقين.
ويجب على كل من وقعت منه مخالفة للشرع بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به، أن يتوب لله -تعالى- على الفور.
 وتصح التوبة بثلاثة أشياء: الإقلاع؛ أي ترك المذموم والاشتغال بالمحمود، والندم على ما فات، والعزم على ألا يعود عليه، ولا بد من رابع: وهو جبر ما فات؛ وذلك بقضاء ما بقي عليه من حقوق الله -تعالى- مما يطلب قضاءه ويمكن: كالصلاة والصوم، والتخلص من مظالم العباد بالأداء والاستحلال فيما يمكن، والرجوع إلى الله -تعالى- بعد كل فعل ما أمكنه في غفران ما فوت من الأوقات، وما فوت على المظلوم من المنفعة وأن يرضى عنه الخصم.
وعليكم يا معشر الإخوان بالتناصح والتآلف على الخير، والتعاون على البر والتقوى، وإياكم والتدابر والتقاطع والتحاسد والتعصب على الباطل، وإياكم واتباع كل ناعق، فقد اتسع الخرق في الدين بكثرة المعتدين والمبتدعين والمدعين.
وعليكم بالاجتهاد فيما يثقل به الميزان يوم القيامة من الأعمال الصالحات؛ فرائض ونوافل، ولا تركنوا إلى البطالة والغرور كما وقع لأكثر من يتسمى بالفقر في هذا الزمان، نسأل الله العافية والتوفيق، فإنهم سمعوا بذكر النية والمحبة في طريق القوم فاكتفوا بهذين الاسمين عن المجاهدة التي هي طريق القوم، ولم يعلموا أن النية إنما سرها في العمل، فإذا لم يكن العمل فلا نية، والمحبة إنما امتدحت لاجتذابها المحب إلى اتباع المحبوب والتشبه به والانخراط في سلكه، فإذا لم يكن منه شيء من هذا فمحبته ليس لها كبير فائدة لأنها ناقصة قد غلب عليها محبات أخرى من الشهوات والكسل لم يبق لها حكم.
وعليكم مع ذلك بحفظ حرمة المسلمين، وخصوصا أهل الدين وسائر المنتسبين؛ فلا تبغضوا أحدا لذاته، ولا تروه بعين الاحتقار، وعليكم بحسن الخلق وحسن الظن بالله وحسن الظن بالناس، وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: سوء الظن بالله، وسوء الظن بالناس..».

[رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي- جمع وتحقيق ودراسة: فاطمة خليل القبلي-

دار الثقافة/الدار البيضاء-الطبعة الأولى/1401-1981-ج2/416]

 (رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الآداب/جامعة سيدي محمد بن عبد الله- تحت إشراف الدكتور عباس الجراري- فاس/1978) .

                                                       إعداد الباحث: منتصر الخطيب
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق