مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من آداب العلم العمل من خلال كتاب: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي

   بسم الله الرحمن الرحيم

الحمْد لله ربِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الأولين والآخِرين، وعلى آل بيْته الطَّيبين الطَّاهرين، وأَزْوَاجه أُمَّهات المؤْمِنين، وأَصْحَابه من الأنْصَار والمُهَاجِرين.

وبعد؛

فلا شك أن غاية العلم ومقصده ليس هو بكثرة روايته، أو الاستزادة منه- وإن كان ذلك مطلوبا –  ولكن ثمرة العلم العمل به، وأن تتخذ مبادئه وأفكاره نبراسا يحتدى بها في هذه الحياة الدنيا، ولهذا ذم الله تبارك وتعالى علماء بني إسرائيل لاتكالهم على العلم دون العمل، فقال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) [1]. قال القرطبي في معنى هذه الآية: «ضرب مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم»[2].

ولقد ألف العلماء في باب كون العلم مرهون بالعمل عدة مؤلفات، من أحسنها وأنفسها كتاب: اقتضاء العلم العمل للإمام الحافظ، العلامة، المفتي، الناقد، محدث زمانه؛ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى عام (463هـ)؛ حيث  قسم كتابه إلى عدة أبواب وهي:

1- باب في التغليظ على من ترك العمل بالعلم، وعدل إلى ضده وخلاف مقتضاه في الحكم.

2- باب ذم طلب العلم للمباهاة به، وللمماراة فيه ونيل الأغراض، وأخذ الأعواض عليه.

3 – باب ما جاء من الوعيد، والتهديد والتشديد لمن قرأ القرآن للصيت والذكر، ولم يقرأه للعمل به واكتساب الأجر.

4 – باب ما قيل في حفظ حروفه وتضييع حدوده.

5 – باب ذم التفقه لغير العبادة.

6 – باب كراهية طلب الحديث للمفاخرة وعقد المجالس، واتخاذ الأتباع والأصحاب بروايته.

7 – باب من كره تعلم النحو لما يكسب من الخيلاء، والزهو.

8 – باب الأخذ بالوثيقة في أمر الآخرة.

9 – باب في أن الأعمال هي الزاد، والذخيرة النافعة يوم المعاد.

10 – باب اغتنام الشبيبة، والصحة والفراغ، والمبادرة إلى الأعمال قبل حدوث ما يقطع عنها.

11 – باب ذم التسويف.

وقد أورد فيه الخطيب البغدادي عدة نصوص، وآثار، وأقوال حول ارتباط العلم بالعمل؛ ولأهمية الكتاب أحببت أن أستخلص  منه بعض هذه الآثار فأقول وبالله التوفيق:

1- عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه »[3].

2- عن علي رضي الله عنه ، قال: «يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل، وسيكون قوم يحملون العلم، يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره، أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء»[4].

3- عن ابن مسعود رضي الله عنه: «تعلموا تعلموا فإذا علمتم فاعملوا»[5].

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه قال: «مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل»[6].

5- عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال: «إنك لن تكون عالما حتى تكون متعلما، ولن تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا»[7].

6- عن الزهري، قال: «لا يوثق للناس عمل عامل لا يعلم، ولا يرضى بقول عالم لا يعمل»[8].

7- عن الزهري أيضا قال: «لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل، ولا عامل لا يعلم»[9].

8-عن سهل بن عبد الله، قال: «العلم كله دنيا، والآخرة منه العمل به»[10].

9-وعن سهل بن عبد الله قال: «الدنيا جهل وموات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به»[11].

10- عن أبي بكر الرازي، قال: «سمعت الخواص، يقول: «ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن، وإن كان قليل العلم»[12].

11- عن أبي القاسم الجنيد، قال: «متى أردت أن تشرف بالعلم، وتنسب إليه، وتكون من أهله قبل أن تعطى العلم ما له عليك، احتجب عنك نوره وبقي عليك رسمه وظهوره، ذلك العلم عليك لا لك، وذلك أن العلم يشير إلى استعماله، فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته»[13].

12- عن مطر الوراق، قال: «خير العلم ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من علمه ثم عمل به، ولا ينفع به من علمه ثم تركه»[14].

هذا ما تيسر لي ذكره في هذا الموضوع، فأسأل الله تعالى أن ينفع به ويتقبله مني إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين

*******************

هوامش المقال:

[1]–   الجمعة: 5.

[2]–   الجامع لأحكام القرآن (18 /81).

[3]–   أخرجه الترمذي في كتاب: أبواب صفة القيامة، باب: في القيامة (2417) بلفظ: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. وقال:”هذا حديث حسن صحيح”.

[4]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 22) ح 9.

[5]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 22) ج 10.

[6]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 22) ح 10. 

[7]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 26) ح 16.

[8]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 24) ح 13.

[9]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 25) ح 14.

[10]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 28) ح 20.

[11]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 29) ح 22.

[12]–  اقتضاء العلم العمل (ص: 30) ح 24.

[13]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 31) ح 28.

[14]–   اقتضاء العلم العمل (ص: 33) ح 34.

********************

ثبت المصادر والمراجع:

اقتضاء العلم العمل: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط5، 1404هـ/1984م.

الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1384هـ – 1964م.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق