منهج الاستمداد من الوحي لتحقيق الشهود الحضاري للأمة الإسلامية في الفكر الإسلامي المعاصر
أريد أن أعرض في هذه الورقة أهم المقدمات المنهجية المستمدة من الوحي التي اعتمدها الفكر الإسلامي المعاصر للإسهام في تحقيق الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، وذلك في أربع مقدمات أساسية:
المقدمة المنهجية الأولى: شمولية الرؤية الحضارية
يرى عدد من الباحثين أن المهمة التغييرية في البناء الجديد قد آن أوانها، وأن التجديد الحضاري للأمة العربية الإسلامية أضحى مطلبا ملحا وضروريا1، حتى أن الأستاذ مصطفى السباعي أكد على أن ليس هناك من يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا أمة الإسلام، وعزى ذلك إلى الأسباب التالية:
أولا: إن الأمة تحمل عقيدة من أرقى العقائد التي تساهم في بناء الحضارات، فهي عقيدة توحيد من أصفى أنواع التوحيد وأكثره إشراقا وسموا وكمالا، وهي عقيدة علم تحترم العقل وتدفعه دفعا حثيثا وراء المجهول ليصبح معلوما، وهي عقيدة خلق إنساني معتدل كريم، وتشريع يهدف إلى السير ويتوخى المصلحة الإنسانية كلها من غير محو لفضائل الشعوب وخصائص الأمم وقضاء على كرامتها.
ثانيا: إن العناصر المكونة للأمة أصحاب روحانية إيجابية بناءة، روحانية إلهية تلازم الجندي والعامل والعالم والفيلسوف والقاضي والموظف والرئيس، كل في عمله، لا تمنعه في حال عن حال، بل تنقله من كمال إلى كمال.
ثالثا: إن الأمة قد أثبتت في الماضي قدرتها على إنشاء مثل الحضارة المرتقبة، ومهما قيل عن حضارتنا من قبل الخصوم والجاحدين فإن أحدا لا ينكر أنها كانت أكثر من الحضارة الحديثة رحمة بالناس... وما دامت الأمة الإسلامية قد استطاعت أن تقيم تلك الحضارة الإنسانية الرائعة في عصور التخلف العلمي والفكري، فإنها أقدر على أن تقيم مثل تلك الحضارة في عصور التقدم العلمي وانكشاف المجهول من الكون شيئا بعد شيء2. ومن هنا نشأ الحديث عن مفهوم الإمكان الحضاري، حيث يعتبر مفهوما من المفاهيم الأكثر تداولا في الكتابات الفكرية المعاصرة التي تهتم بالقضايا الحضارية، وهو يعبر عن القدرة المتميزة التي تتصف بها الشريعة الإسلامية على النهوض بالإنسان، وتحقيق البناء والعمران.
ومن الأمور المنهجية التي صاحبت مناقشة مفهوم (الإمكان الحضاري) في الكتابات الإسلامية المعاصرة هو طابع الموضوعية والتحليل المنطقي لقضية استرداد المكانة التي كانت عليها الأمة من قبل، مما أخرج الصيحات والدعوات والمطالب التي تدعو إلى التغيير الحضاري من إطارها النظري التجريدي إلى شكلها العملي التطبيقي. وفي هذا الإطار أبدى الأستاذ عماد الدين خليل ملاحظاته حول المشروع الحضاري للأمة الإسلامية، وناقش كيفية تحويل مطالب المشروع من مستوياته التنظيرية إلى واقع الحياة اليومية الإسلامية، لكي ينسج خيوطها بمقاصد شريعة الله. ثم تحدث عن خطط العمل الواقعية التي تحول (المشروع الحضاري) إلى أمر متحقق في الزمان والمكان، ليشير في عرضه إلى أن هذا كله ينبني على جهد مركب: يمضي أحدهما باتجاه الإصلاح والتقويم وإعادة تعديل الوقفة التاريخية الجانحة، ويسعى الآخر إلى إبداع أو تصميم صيغ جديدة تستجيب للمتغيرات وتتعامل معها بأقصى درجات المرونة والوعي... والمشروع والحالة هذه، يتطلب فقهاء مفكرين أو مفكرين متفقهين... إذ لا يكفي أن يكون هناك مفكرون لا يملكون آليات الاجتهاد، ولا مجتهدون لا يملكون خبرات العصر المعرفية3.
وقد نبه بعض الباحثين إلى أن (المشروع الحضاري) الذي تبنته الأمة قد يصطدم بجمود الواقع التاريخي الديني، أو بالروح السلبية المتفشية في الأوساط الاجتماعية، أو بعصبية التقليد التي تأبى الانفتاح أمام التغيير والتجديد الحضاري، مما دفعه إلى القول بأن حال الأمة يستدعي «ثورة» تبدل التغييرات التي تضاعفت وترسخت، مع إيمانه العميق بأنه مهما يكن الشطط في هذا التكيف فإن حاجة المجتمع تستدعي تحولا عاجلا شاملا وثورة حضارية تامة، وتبديلا لأمر الدين والحياة من غير تغيير لثوابت الأصول والأحكام التي شرعها الله وسنها رسوله في تاريخ المجتمع البشري4.
وساهمت في هذه المناقشة كذلك الأستاذة منى أبو الفضل ببحث قيم يهدف إلى تحديد الهوية الحضارية للمنطقة العربية، وهو محاولة مصاغة برؤية إسلامية ناقدة، ومبنية على منهجية علمية دقيقة، بلورت فيها نظرتها الفلسفية للأمة العربية الإسلامية، وخلصت فيها إلى مجموعة من الآراء نذكر منها بعضها:
أولا: إن المنطقة العربية مع سائر أجزاء العالم الإسلامي منطقة حضارية واحدة ذات طابع مشترك حفظ لها تضامنها ووحدتها على الرغم مما تحفل به من مظاهر التعدد والتنوع.
ثانيا: إن عصب هذه المنطقة الحضارية الإسلامية هو العروبة، ولب هذا العصب وجوهره هو الإسلام، فالمنطقة العربية تحتل وسط أو قلب المنطقة الحضارية الإسلامية، وقد نجد هذا الدور المحوري تاريخيا كما هو قائم بالفعل جغرافيا، ومستمر بصفة دائمة لغويا حيث العربية، لكونها لغة التراث الإسلامي الأعظم، هي المرجعية المعرفية للمسلمين جميعا.
ثالثا: تحتل المنطقة العربية في ذاتها موقعا وسطا، جغرافيا وسياسيا وتجاريا، في قلب العالم القديم، فهي بمنزلة القلب النابض للعالم، وهذه الوسطية تنفي عن هذه المنطقة صفة الحيادية، فهي ليست بالمنطقة الهامشية أو القابلة للتشكل أو التجاهل، وإنما هي منطقة تفاعل، فإما أن تكون صاحبة المبادرة ومصدر الفعل أو أن يفعل بها، فتكون مجالا لصراع القوى المناوئة لها ونفوذها، فالمنطقة العربية بمعطياتها التكوينية بؤرة الوسط أو قلب القلب، وهذه المركزية في الموقع السياسي والحضاري والاقتصادي والمعنوي والتاريخي والجغرافي تلقي على منطقتنا العربية عبء القيام بمهمة قيادية في محيطها الحضاري5.
وكما تمت مناقشة (المشروع الحضاري) للأمة فإن مقومات الإمكان الحضاري عرفت بدورها اختلافا في الرأي وتنوعا في تتبع أشكالها وأنواعها، فمن الباحثين من يرى أن أهم عوامل الإمكان والارتكاز الحضاري يتجلى في امتلاك الأمة المسلمة للقيم السماوية السليمة، التي لم يدخلها تحريف ولا تبديل، إلى جانب امتلاكها نموذج الإقتداء والتجسيد والعطاء لهذه القيم التي استوعب جميع الأحوال التي تمر بها الأمة، من سقوط ونهوض، واستضعاف وتمكين، ودعوة ودولة، على مستوى الفرد، والمجتمع، والأمة، والدولة... إنها أمة تمتلك القيم، وتمتلك الأنموذج التطبيقي ليكون دليلها في كل حالة تمر بها6.
ويضيف الأستاذ أحمد علي الإمام إلى هذه المقومات أصنافا أخرى، اعتبرها تنبئ بحقيقة أن المستقبل لحضارة الإسلام، ومن هذه المقومات:
- امتلاك الأمة الإسلامية لمصادر الطاقة والحياة، مع كونها وسطا جغرافيا وتاريخيا.
- اعتماد الأمة الإسلامية على دينها الخاتم، المهيمن على الأديان.
- إفادة الأمة من حكم الآخرين وتجاربهم وحضارتهم.
- وحدة الأمة، وإحياء روابط الأخوة الإيمانية والقوة التي تنتج عن ذلك.
- العدالة ورعاية الحرمات، التي هي أوثق للدلالة من كونها مجرد حقوق للإنسان، تواضع عليها قبيل من الناس.
- صحوة الأمة واستشعارها، ودعوتها إلى ضرورة التوجه الكلي نحو الدين بما يقويها ويحفظ كيانها...7.
ومهما يكن من اختلاف حول المشروع الحضاري أو حول مقومات الإمكان الحضاري للأمة الإسلامية، فإن الإطار الذي يجمعها وينظمها ويجعل منها الأسس والقواعد التي ينبني عليها الشهود الحضاري، هو شمولية الرؤية الحضارية التي تتميز بها الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم التي تجعلها قادرة على التجدد الذاتي باستمرار، وتبعث فيها روح قابلية النهوض وإعادة البناء والإقلاع والإعمار من جديد، وتزيح عنها أغلالها المادية والمعنوية التي أثقلت كاهلها، وتكسر نيرها وقيدها الذي منعها من استرداد مجدها التليد وماضيها المجيد. وحينما نتحدث عن شمولية الرؤية الحضارية، فإننا نتحدث بذلك عن شمولية الوسائل، وشمولية المنهج، وشمولية المجال الذي يتحقق فيه التصور الحضاري الذي تحمله الأمة، وهذا ليس غريبا عنها، فقد سبق لها أن عرضت حضارتها في شموليتها هذه لقرون خلت وأهدت خيراتها إلى كثير من الأمم الأخرى. ومن هنا تأتي أهمية الفكر الإسلامي المعاصر في توضيح جوانب هذه الرؤية الحضارية الشاملة، وضبطها، وتنقيتها على أساس منهجي سليم، وهذا ما يلاحظ بالفعل في الساحة الفكرية، حيث بدأت تظهر كتابات في مختلف مجالات الدراسات العلمية توضح المقاصد والغايات والتوجهات والقيم الحضارية التي كانت وراء قيام حضارة شامخة، أصبحت اليوم أثرا بعد عين.
وهذا التوجه هو الذي يتناسب مع مفهوم (الأمة) من حيث استقلالها ووحدتها وقوتها ونهضتها وعمرانها، كما يتناسب مع موقعها المتميز بين الأمم في شهادتها عليها وخيريتها بينها، فهي الشاهد على الناس والمعلمة والمربية والمزكية للأمم والرؤوفة الرحيمة بها، وكل ما يقتضيه قيامها بهذا الدور واجب من واجباتها وفريضة من فرائض الله تعالى عليها تقتضيه طبيعة إخراجها للناس، وانبعاثها إليهم ووسطيتها وشهودها الحضاري وكونها نواة عالمية شاملة وقطب رحى دائرتها8.
وليس هناك ما يمنع من توسيع دائرة شمولية الرؤية الحضارية التي نتحدث عنها، وتسليط مزيد من الأضواء على بعض الجوانب التي يظن أنها مفيدة وضرورية، وهذا ما يلاحظ عند بعض المفكرين المعاصرين كما هو الشأن بالأستاذ عبد الحميد أبو سليمان الذي دعا إلى دراسة شمولية للفكر والحضارة المعاصرة وتاريخها ومجمل قيمها وغاياتها، كما دعا إلى الفهم الشمولي الصحيح لها والانفتاح المنضبط تجاهها، والاستفادة العلمية والفنية الصحيحة دون مساس بالقيم والعقائد والمبادئ والهوية9.
كما ذهب الأستاذ عماد الدين خليل إلى التأكيد على الدخول في حوار حضاري مع الغرب، والتعامل مع معطياته العلمية والمعرفية ووضعها في مكانها المناسب من خارطة المنظور الإسلامي للحقائق والنواميس والأشياء، كذلك العمل على محاولة إقناعه بمشروعنا الحضاري ونظمه وأنساقه الفكرية وفلسفاته... ثم أعطى بعد ذلك بعض (التأشيرات) على منهج العمل في هذا الإطار10.
المقدمة المنهجية الثانية: ربط عملية التحضير بعلم السنن
هذه المقدمة الثانية تعتبر نقطة الارتكاز للشهود الحضاري للأمة الإسلامية التي تأتي بعد شمولية الرؤية الحضارية. ويلاحظ على جل الباحثين في قضايا الحضارة إغفالهم لأمرين مهمين: أولهما؛ عدم إعطاء (علم السنن) الأهمية التي يستحقها في هذا الإطار، وتصنيفه ضمن قضايا القضاء والقدر، والإعراض عن ربطه بقيام الأمم أو زوالها. وثانيهما؛ أنه إذا تم تناول هذا العلم بشكل من الأشكال فإنه يقيد بقيود التاريخ وأحداثه، فيصبح الحديث عن الأمم الغابرة مجرد قصص وذكريات وأحداث، لا علاقة لها بالحاضر أو المستقبل لا من قريب ولا من بعيد.
وفي بداية مناقشة هذه المقدمة الثانية، نقف أولا على التعريف الاصطلاحي لـ(علم السنن)، أو (علم السنن الإلهية)11، أو (علم السياسة الدينية)، أو (فقه الآيات والسنن)، أو ما إلى ذلك من الأسماء والمصطلحات التي يعرف بها. فالمعلوم عند الباحثين أن (السنن) مجموعة من القوانين التي يسير وفقها الوجود كله وتتحرك بمقتضاها الحياة، وهي بذلك تنقسم إلى قسمين: سنن إجبارية وهي التي تجري على كل الكائنات الحية، وسنن اختيارية وهي التي للإنسان قدرة إدارية فيها، وكل منهما تخضعان لقوانين إلهية مما يجعلها تمتاز بالخصائص التالية:
أولا: إنها حيادية لا تحابي أحدا بغض النظر عن معتقداته ولونه وعرقه، فهي دائما في صالح من يأخذ بها.
ثانيا: إنها العامل الأساسي في البناء الحضاري، وهذا يقتضي اكتشافها وتسخيرها في عملية البناء.
ثالثا: إنها مبنية على منظومة عقدية يجب مراعاتها ونحن نتعامل معها؛ (أي السنن).
رابعا: قوانين ربانية وليست حتميات ولا جبريات، أي أنها تتحقق بإرادة الله عز وجل12.
ويحفل القرآن الكريم بالحديث عن السنن، ويوجه نظر القارئ له إلى شيء مهم جدا، وهو انضباط الأحداث التاريخية والاجتماعية بقوانين تشبه تلك التي تحكم الظواهر الطبيعية، وهي بذلك سنن ثابتة لا تتجلى إلا بالتأمل في حال الأمم والسير في الأرض واكتشاف المعالم التي توجه إليها، وفي هذا يأتي قوله سبحانه وتعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النساء: 26)، وقوله عز وجل: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (آل عمران: 137).
يقول الإمام محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآية: "إن إرشاد الله إيانا إلى أن له في خلقه سننا يوجب علينا أن نجعل هذه السنن علما من المعلوم، لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أكمل وجه. فيجب على الأمة في مجموعها أن يكون فيها قوم يبينون لها سنن الله في خلقه، كما فعلوا في غير هذا العلم من العلوم والفنون التي أرشد إليها القرآن بالإجمال، وقد بينها العلماء بالتفصيل، عملا بإرشاده، كالتوحيد، والأصول، والفقه. والعلم بسنن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها، والقرآن يحيل عليه في مواضع كثيرة، وقد دلنا على مأخذه من أحوال الأمم إذ أمرنا أن نسير في الأرض لأجل اجتلائها، ومعرفة حقيقتها"13.
فمن سننه سبحانه وتعالى أن شيوع الانحلال يدمر الأمم ويعجل بخرابها: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 40).
ومن سننه أيضا أن المنكر إذا ظهر ولم يغير، وتداوله الناس وسكتوا عنه، نزلت نقمة الله بهم جميعا: الفاعلين لفعلهم، والساكتين لسكوتهم: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: 25). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه"14.
ومن سننه كذلك أن الحق منصور وإن طالت محنة أهله، وأن الباطل زهوق، وإن استعلى وتجبر: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81).
ومن سننه عز وجل أن هذه الأمة لا تجتمع كلها على ضلالة، فلابد أن يكون هناك من يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف: 181)، ويقول في هذا الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"5 1.
وقد أشار عدد من علماء السلف إلى أهمية السنن والعلم بها في سير الأمم وقيامها، فكان منهم ابن سعد (230هـ) في كتابه الطبقات، وابن مسكويه (421هـ)، والبيروني (440هـ)، وابن حيان (469هـ) الذي قدم تحليلا سياسيا لسقوط قرطبة، وابن خلدون الذي أصل في (مقدمته) لنظرية الدورة الحضارية وارتباطها بعلم السنن.
بيد أن الفكر الإسلامي المعاصر لم يوف علم السنن حقه، أو بعضا من حقه، وهذا ما دفع أحد الباحثين إلى القول: "وأعتقد أن من أعظم الخلل الذي لحق بالعقل المسلم المعاصر، يكمن في عدم التأصيل والتأسيس لعلم السنن من خلال نضج الرؤية القرآنية وتنزيلها على الواقع في السيرة والسنة، ومن خلال استقراء محركات الصراع في تاريخ البشرية، وعوامله، وأسبابه، ونتائجه... إن هذا الخلل هو غياب عن الوعي، تطيش معه السهام، وتضل معه العقول، ويقع الإنسان معه فريسة للمفاجآت والعجز عن التعامل معها، لأنه عاجز ابتداء عن فهم المقدمات، والأسباب الموصلة لها"16.
ولو تأمل المسلمون تاريخ أمتهم مليا، لأدركوا أن عزتها ومجدها وسمو حضارتها كان مرتبطا بسنن وقواعد وضوابط محددة لا تتخلف إلا بقدر ما يتخلفون هم عنها، فهي ثابتة مستقرة، فإذا ما اتبعوها وأخذوا بها تحقق لهم ما ينشدون، وإذا هم أهملوها وأغفلوها تقطعت بهم السبل وقصر دونهم الوصول إلى مبتغاهم، فيحق عليهم بذلك أن يتنحوا عن موقع الشهادة على الناس إلى موقع المشهود عليهم، ومن موقع الريادة إلى موقع التبعية. وإن تحقق الشهادة على الناس تكليف عام للأمة الإسلامية مبني على معنى الاختيار الحر شأن سائر التكاليف، ومحكوم بقوانين وسنن في تحقيقه، فإذا اجتمع فيه الاختيار واتباع القوانين والسنن تحقق في الواقع، وإن تخلف أحدهما تخلف وقوعه، فهو إذن مندرج ضمن القدر الجماعي للمسلمين في الجهاد بمظهريه: جهاد النفوس، وجهاد التعمير في الأرض، وعلى قدر إخلاص هذا الجهاد يكون تحقق الشهود الحضاري17.
وقد تنبه مجموعة من الباحثين المعاصرين لقضية (السنن) وأثرها في قيام الحضارات أو سقوطها، منهم الأستاذ أبو الأعلى المودودي الذي يرى أن الأمم تسقط بعوامل داخلية وأسباب ذاتية، وأن أية حضارة تنشأ تحمل فنائها في داخلها.
كما اهتم بهذه المسألة أيضا الأستاذ مالك بن نبي الذي تبنى منهج ابن خلدون في التأصيل السنني لقيام الحضارات وأصولها، بيد أنه أضاف سنة (التغيير) كمقوم أساسي يجب إعطاؤه مزيدا من الاهتمام والاعتبار في هذا الإطار18.
ونذكر هنا كذلك الأستاذ عمر النجار الذي ركز بحثه في هذه المسألة على ثلاثة عوامل: عامل الفكرة، وعامل الدافع، وعامل البيئة19. ويبدو أن آراءه مستلهمة من آراء الأستاذ مالك بن نبي.
أما الأستاذ محمد هيشور فقد ربط التجدد الحضاري للأمة بسنتين رئيسيتين:
أولهما: سنة التغيير الذاتي؛ مستدلا بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 54).
وثانيهما: سنة الإعداد الذاتي؛ وينطلق في ذلك من الآية الكريمة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 61). ورأي الأستاذ هيشور لا يختلف كثيرا عن الآراء السابقة20.
وهكذا يتضح أن الفكر الإسلامي المعاصر مطالب بمزيد من البحث والدراسة الخاصة بالسنن والقوانين المصاحبة لنشوء الحضارة وأفولها، وإيجاد مكان مناسب لها ضمن شمولية الرؤية الحضارية. وأما التجزيء والتبعيض، واعتبار سنن دون أخرى، فمرده إلى اجتهادات فردية أملتها ظروف خاصة، أما حال الأمة اليوم فيستدعي مجهودات جماعية منظمة، وكفاءات علمية متخصصة لدراسة علم السنن، تستقرئ طبيعة الحال والمآل للحضارة الإسلامية، وتنظر في أصول الفكر الإسلامي ومنهجيته، فتجلي قضاياها ومجالاتها، وتقدم للناس الرؤية الحضارية التي تتحقق فيها الأصالة والمعاصرة في أبهى صورها وأجمل أشكالها، فيتحقق بذلك فينا قوله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 142). وفي هذا قال الأستاذ مصطفى السباعي: "وإذا كنا استجبنا لنداء القدر فحملنا اللواء مرة واحدة، وقدنا الإنسانية إلى مراتع الأمن والهدى والنور، ثم تركنا اللواء، وتهربنا من أداة الرسالة، فإن هذه الآية الكريمة لتستحث اليوم خطانا لنحمل اللواء مرة أخرى، ونرفع المشعل من جديد ننقذ به الشعوب التي تتيه اليوم في ظلمات الخوف والقلق والشهوة والظلم واليأس المميت"21.
المقدمة المنهجية الثالثة: إحياء القيم الحضارية الإسلامية
تعيش الأمة الإسلامية اليوم على مخلفات التبعية الحضارية الغربية، مما أكسبها أنماط حياة ومفاهيم ومعايير وقيم جعلتها تجتث من قرارها المكين، فتلعب بها رياح الزمن ذات اليمين وذات الشمال، تلتقط فتات الحضارات الأخرى، وتقف على عتاب الأمم المتقدمة والمتمدنة، دون أن يسمح لها بالولوج، أو يأذن لهم باقتباس من نور حضارتها على علاتها! هذه الحالة المزرية دفعت المفكرين والباحثين إلى تشخيص حالة أمتهم وما اعتراها من نقائص، فاتضح لهم أنه لا مخرج ولا ملجأ مما هي عليه الآن إلا إذا عادت إلى منظومة قيمها وأخلاقها وشمائلها، فأحيتها وبعثت فيها روح التجديد، فينتقض الجسد المثقل بمخلفات التبعية والتخلف، وتكسر القيود المكبلة للعقل والنفس والفكر، وتزول الغشاوة عن الأبصار والبصائر، وتعود الحياة والحركة إلى القلوب، فتسري الدماء بالإيمان والعلم في جميع الشرايين، فيحق لهذا الكائن المفعم بكل معاني الإنسانية أن يرتفع درجات في سلم الرقي الحضاري.
ويبرر الباحثون هذا المسلك بكون الأمة تعيش اليوم تحت هيمنة تكاد تكون شاملة للفكر الغربي وحضارته، سواء كانت هيمنة سياسية أو اقتصادية، أو عسكرية، أو ثقافية، وهي لا تقوى على النهوض بأي شكل من الأشكال، وليس أمامها إلا ذلك الشيء الذي لم يستطع الغرب أن يصل إليه، وهي قيمها: أساس هويتها ووجودها. بل إن هذه القيم هي التي ستكون المعيار الذي ستقيس به (حضارة) الغرب، وتنظر إلى(قوته) و(تمدنه) نظرة فاحصة، وتطرح الأسئلة الحاسمة التالية: هل يعتبر ظلم الناس، واستعباد شعوبهم واضطهاد المستضعفين وأكل المال الحرام، واغتصاب أراضي الآخرين، ونهب ثرواتهم وأتعابهم، وسفك دمائهم، وحكمهم بالحديد والنار، وكم أفواههم تقدما حتى لو تم في ظل أرقى العلوم الطبيعية والتقنيات، وأعلى مراحل تطور أساليب الإنتاج، والاقتصاد المبرمج؟
وهل يعتبر الفسق والانحلال والدعارة والفجور والفساد وانعدام القيم النبيلة والأخلاق القويمة تقدما، حتى لو تم ذلك تحت أضواء النيون وأرقى منتجات العلوم والتقنيات؟
وهل يعتبر الغدر والخداع والتلاعب والنفاق والاعوجاج واللامبدئية والتعالي والاستكبار والتجبر والطاغوت تقدما حتى لو جرى ذلك في ظل ما يسمى بالعنصرية والتمدن والرقي والتطور والعلمية والموضوعية...!22.
فهذه هي قيم الحضارة الغربية التي تحاول إشاعتها بين الأمم والحضارات، حتى تبقى سيدة الموقف وأستاذة الآخرين!
لذلك نبه أهل الفكر إلى نبذ هذه الصورة القاتمة، وتعويضها بصورة الأمة التي تمتلك القيم السماوية السليمة التي لم يدخلها تحريف ولا تبديل، إلى جانب امتلاكها أنموذج الاقتداء، والتجسيد، والعطاء لهذه القيم، الذي استوعب جميع الأحوال التي تمر بها الأمة، من سقوط ونهوض، واستضعاف وتمكين، ودعوة، ودولة، على مستوى الفرد، والمجتمع، والأمة والدولة... إنها أمة تمتلك القيم، وتمتلك النموذج التطبيقي، ليكون دليلها في كل حالة تمر بها32.
ولقد قام هذا الدليل مرات عديدة على أهمية دور إحياء القيم في النهوض بالأمم والحضارات، وأعطت القيم الإسلامية أحسن نموذج لذلك. فما وصلت إلى ما وصلته سلفا من رقي وتقدم إلا بسعيها إلى نشر المبادئ السامية والشمائل الرفيعة بين الناس.
ولعل ما تتميز به القيم الحضارية الإسلامية هو قيامها على أساس معنوي عقيدي أخلاقي، يرتبط بضمير الإنسان، فيكون هو السلطة الضابطة المنظمة لشؤون حياته كلها، ولا يحتاج فيها إلى من يراقبه وينبهه ويوجهه. وهذه الميزة تعبر بحق عن طبيعة المجتمع الحضاري الراقي، أو (حضارة الضمير المؤمن) كما سماها الأستاذ محمد فتحي عثمان24، حيث أحكام الشريعة يقوم إنفاذها على أساس من ضمائر الحاكم والمحكوم والقاضي والمتقاضي25، عملا بمفهوم (الإحسان) الذي كتبه الله عليهم في كل شيء26، وهو في حد ذاته قيمة حضارية تقترن بالإيمان، وتشهد لصاحبها بصدق سريرته، وصفاء طويته، ونقاء قلبه، وأصالة جوهره.
وفي حال غياب الضمير لسبب من الأسباب، نجد في الحضارة الإسلامية مؤسسة للرقابة العامة لحفظ القيم وتعددها، وهو ما تمثله مسألة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة"، حتى قال أحد الباحثين المعاصرين: لقد بلغ أمر المناصحة والمراجعة، والنقد والتقويم لحراسة القيم الإسلامية والمجتمع الإسلامي مرتبة يمكن أن نقول معها: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمرار المعايرة للواقع بالقيم، هذه المسؤولية الوسيلة أصبحت من القيم نفسها، وارتقت إلى مرتبتها... أصبح ذلك من التدين السليم، الذي تتميز به الأمة المسلمة، ويكون سببا في خيريتها، ولم يعد وسيلة لحماية القيم وحراستها، وضمان شيوعها واستمرارها في المجتمع فقط، يقول تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾27 (آل عمران: 110).
وقد شملت الحماية والمراقبة (القيمية) جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للأمة كما يؤكد ذلك الباحثون، فصلح أمرها، وتحققت نهضتها، وتحدثت بشيمها الركبان، وطارت سيرتها فبلغت شتى البلدان، فحج إليها الناس أرسالا، واعتنقوا الإسلام أفواجا أفواجا، أمنوا على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم، فأصبحت الكرامة والنبل والشرف والإخلاص والإخاء والرفق والرحمة، وغيرها من القيم السامية الأخرى، العملة المتداولة في أوساط الأمة وأبنائها الذين نذروا أنفسهم لما نذرت إليه نفسها: أن تكون خير أمة أخرجت للناس، وأن يكونوا خير من يحمي هذه (الخيرية)، ويمثلها أحسن تمثيل، وهم لها خير حارس وحافظ.
وقد كتب عدد من المفكرين المعاصرين يتحدثون عن القيم الحضارية التي ينشدها العالم اليوم، فدق عقلاء الغرب أجراس الإنذار، يحذرون من العواقب الوخيمة التي تنتظر المجتمع الغربي. كما دعا علماء الإسلام إلى الرجوع إلى حضارة الإسلام وقيمها، فالبشرية اليوم في أمس الحاجة إلى حضارة تعيد إليها إيمانها بالله وبرسالاته، وبلقائه وبحسبانه وعدالة جزائه، وبالقيم العليا التي لا يكون الإنسان إنسانا بغيرها، ولا يكون للحياة مذاق ولا معنى بسواها.
والبشرية في حاجة ماسة إلى حضارة جديدة تعطيها الدين ولا تفقدها العلم.. تعطيها الإيمان ولا تسلبها العقل..تعطيها الروح ولا تحرمها المادة... تعطيها الآخرة ولا تحرم عليها الدنيا... تعطيها الحق ولا تمنعها القوة... تعطيها الأخلاق ولا تسلبها الحرية.
إنها في حاجة إلى حضارة تتصل بها الأرض بالسماء، وتتعانق فيها المعاني الربانية والمصالح الإنسانية، ويتآخى فيها العقل المفكر والقلب المؤمن، ويمضي فيها الإنسان قدما إلى الأمام مستضيئا بنور الوحي الإلهي، ونور الفكر البشري، فكلاهما من فضل الله ورحمته بالإنسان ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ (النور: 35) وليست الحضارة إلا حضارة الإسلام، التي يتجلى فيها التوازن والتكامل بصورة لا يقدر عليها إلا العليم الحكيم، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة من الأرض أو السماوات28.
ونشير إلى أن القيم الحضارية للأمة الإسلامية التي يستمد معظمها من مصادر التشريع الإسلامي قد يتغير فهمها من عصر لآخر، بل قد تضاف إليها قيم أخرى يستفاد منها في بناء مسيرة الأمة الحضارية، ولهذا جاءت دعوة بعض المفكرين إلى اقتران إحياء القيم وتجديدها مع متطلبات «المعاصرة»، بحيث لا تجمد عند أشكال تاريخية في زمان محدد، أو فترة معينة، أو تتعارض مع قيم إنسانية نبيلة نبتت خارج أرض الأمة الإسلامية. فالإنسانية في أمس الحاجة إلى الحضارة الإسلامية المعاصرة، فحذار أن نحجبها عنها (بافتقاد المعاصرة) من تفكيرنا، وفي عرضنا لأفكارنا، وفي ظننا ما نظنه هو الحق المقطوع به الذي لا يحتمل معه أي رأي أو أدنى خلاف! ويوم ننصف أنفسنا وعقولنا وحضارتنا، فإننا نمهد السبيل أمام هذه الحضارة لتخلص الناس من جراثيم (المادية) و(النمطية) و(الشيئية) و(السطحية) التي تكاد تقضي على (روح) الإنسان و(ذاتيته) و(كيفيته) المتفردة أو جوهره المتميز الأصيل29.
ويذهب علماء الغرب المعاصرون، ومن هم على شاكلتهم، مذهبين اثنين حين حديثهم عن القيم وعلاقتها بالحضارات الإنسانية: أولهما وحدة منظومة الحضارة الغربية، وهذا يعني أن عملية الاقتباس التي تمارس في حق هذه الحضارة غير نافعة أو مجدية، ذلك أن الذي يأخذ الجانب الصناعي والتقني، ويعرض عن الجوانب القيمية في الحضارة الغربية، يغفل أن هذه الجوانب هي وليدة القيم التي صاحبتها منذ البداية، ومن ثم فلن يفلح (اقتباسه) و(غربلته)، ولن يتقدم أو يتحضر! وإذا ما تم دحض هذا الرأي الذي لا قرار له ولا أساس، فإنهم يذهبون المذهب الثاني القائل بنسبية القيم في عالم الحضارات الإنسانية، وهم بذلك يعيدون نفس الرأي الذي قال به السفسطائيون في الفلسفة اليونانية القديمة!
وقد انبرى لمناقشة هذه القضايا ثلة من المفكرين والدارسين المعاصرين، ودلت شواهد تاريخية وعلمية عديدة على ضعف حجتها، وفساد القول بها، وبذلك لن نقف بها، وسنحاول بدلا من ذلك رصد نماذج من قيم الحضارة الإسلامية التي ساهمت بشكل فعال في نفي وحدتها وخصوصيتها وانتمائها لأمة دون أخرى، كما نفت نسبيتها وقلة أثرها في بناء الإنسان السوي الذي آمن حق الإيمان بقول الله سبحانه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (المائدة: 17-18).
وفيما يلي نماذج من القيم الأساسية لسبل السلام:
أ. القيم الروحية
وتأتي القيمة الإيمانية على رأسها، ويقصد بها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهي القيمة التي تنبني عليها أواصر عديدة، بدء من آصرة العقيدة، وانتهاء بآصرة القرابة، مرورا بآصرة الإخاء والمحبة، والتآلف، وكل الأواصر التي تنبثق من وجدان الإنسان وعميق إيمانه، كما أنها هي المقياس الذي يقوم عليه الحب والكره والوئام والخصام... فإذا انفصمت هذه الرابطة لم تفد في تعويضها أواصر الدم والقربى، فالأخوة الحقة إنما تنحصر في نطاق الإيمان بالله، عز وجل، مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (الحجرات: 10) ويكون ولاء المؤمنين فيما بينهم قائما على رابطة الإيمان وما يقتضيه من تبعات لا تنفك عنه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾30 (الأنفال: 73).
وترتبط بالقيمة الإيمانية قيم روحية أخرى مثل الإخلاص والطاعة، ووحدة الخالق، وتوحيده في العبادة، والخوف، والرجاء والأمل والاطمئنان والثبات، والقضاء، والقدر، والحب، والرضى، وغيرها من القيم التي توثق الصلة بالله، عز وجل، وتحيي القلوب، وتعالج أمراض النفس والروح، والتي كان لها أثر عظيم في نفوس المؤمنين على تبيان مستوياتهم الثقافية، وتمايز أعمارهم، وتنوع أذواقهم، واختلاف بيئاتهم، من حيث صياغة شخصياتهم، وتشكيل بنيتها النفسية وقيمتها الروحية والجمالية، وتحديد مقاييسها الخلقية وضوابطها الاجتماعية، ووعيها بمكانها من الكون والتاريخ... إن قراءة كتاب كبير مثل (سير أعلام النبلاء) للذهبي يمكن أن توضح البعد التاريخي لهذه المسألة31.
ب. القيم العلمية
وتنقسم في عمومها إلى ثلاثة قيم أساسية: أولها ترتبط بفعل (التعلم) والحرص على طلب العلم، حتى أضحت الأمة العربية الإسلامية رائدة العلوم في فترة وجيزة، وكانت عصورها الذهبية تشهد قيام ثورة علمية شاملة، قادها العلماء وثمن مسيرتها الحكام والأمراء والوجهاء32، كل ينفق مما عنده، فلم يكتموا علمهم أو يؤثروا به أنفسهم عن غيرهم، كما هو حال الحضارة الغربية المعاصرة، بل فتحوا الأبواب لكل طالب علم، ويسروا السبل لمن ينشد المعرفة بكل أشكالها.
أما ثاني هذه القيم فهي (الإتقان)، وقد تعددت الأدلة والشواهد على إضفاء الرقابة الذاتية في تحقيق أحسن الأعمال وأدق الصناعات وأكمل الأشياء، وهذا هو ما يعرف اليوم (بفن الأعمال)، فيخرج بذلك الغش والخداع والتدليس والتزوير والتحريف والرداءة في الإنتاج، تحقيقا لكرامة الإنسان الذي يستهلك المنتوج، معنويا كان أو ماديا.
وثالث هذه القيم العلمية العامة هي (الأمانة) التي تحكم سير العلم في الحضارة العربية الإسلامية، وهي على شكل رقابة تحمي المجتمع والفرد من تسلط العلم عليهما، وتوجهه الوجهة التي تجلب المصلحة وتدفع المفسدة، وتسخر نتائج العلم لكل ما يعود بالنفع والخير العميم على الإنسان. وهذا الذي لم تفطن إليه الحضارة الغربية إلا بعد أن ألمت بها أنواع الدمار والتخريب، وعاشت ويلات النتائج العلمية المعكوسة، فبدأت بتشكيل منظمات وجمعيات مدنية وهيئات للمراقبة الصحية والنفسية والغذائية والبيئية وما شابه ذلك، علها تخفف من وطأة ما حل بها من مآسي ومشاكل وكوارث.
جـ. القيم السياسية
وهي تتعدد بتعدد أمور السياسة وقضاياها، ويمكن إجمالها في أربع قيم: العدل، والشورى، وتحقيق الأمن، وإقامة النظام. وتكون هذه القيم معروفة بالضرورة عند كافة أفراد الأمة، بل ويحرصون أشد الحرص عليها، تفاديا لما من شأنه أن يحدث خللا في الحياة السياسية، ويستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، أو بصيغة أخرى الوالي والرعية.
ويدور مع القيم الأربع قيم أخرى من قبيل السمع، والطاعة، والانضباط والتواضع والتناصح، فيشكل هذا كله عقدا أساسيا واجتماعيا يربط بين مكونات الأمة ربطا ينتظم بدقة ليصل إلى السلطة العامة الحاكمة، وهي الشريعة الإسلامية.
وهذا ما أدركه الخليفة أبو بكر الصديق حين استخلافه إذ قال: "إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"33. وهو نفس الشيء الذي خاطب به الخليفة عمر بن الخطاب ولاة الأقاليم حين قال لهم: "إني لم أستعملكم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أشعارهم، ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا فيهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها"34. فاقترنت بهذا كله، وبما شهدت له كتب التاريخ والسياسة، رسالة الإسلام بتوفير أساس حضاري متين هو قيام الدولة بسلطاتها الضابطة المنظمة وإقامة شريعة الله العادلة، وتقرير الشورى والحقوق والواجبات التي لولي الأمر وللرعية، فكانت أمصار الإسلام منارات الهداية والرعاية والعدالة والحضارة. وكانت دولة الإسلام بحق دولة الرخاء والرفاهية العامة والتكافل الاجتماعي، لا تقنع فحسب بكفالة الأمن الداخلي والخارجي35.
د. القيم الاجتماعية
عددها الشيخ يوسف القرضاوي فجعلها قيما ثنائية كالآتي: الإخاء والمحبة، التعاطف والتراحم، التساند والتعاون، التكافل والتضامن، التواصي والتناصح، التطهر والترقي، ثم ختمها بقيمة العدالة التي تشمل عدالة التعامل بين الناس في شؤون الحياة... وتشمل العدالة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تقف في وجه الأقوياء حتى لا يمتصوا دماء الضعفاء... وتشمل العدالة القانونية والقضائية، بحيث يصل لكل إنسان حقه36...
أما الأستاذ محمد فتحي عثمان فقد ركز على قيمة أساسية قلما ينتبه إليها في الحضارات الأخرى ألا وهي العناية بالضعيف، وأورد نصا شيقا لأبي الحسن محمد بن يوسف العامري، المتوفى سنة 381 للهجرة، في كتابه (الإعلام بمناقب الإسلام) يقول فيه: "وأما الضعيف فإن لحقه الضعف من جهة التركيب؛ (أعني النساء) فليس دين من الأديان أزجر عن الاعتداء عليهم وأدعى إلى الرفق بهن من هذا الدين، وذلك ظاهر من آي القرآن وفي أخبار الرسول عليه الصلاة والسلام. وإن لحقه الضعف من جهة السن؛ (أعني اليتامى) فقد بالغ هذا الدين من الأمر بحفظهم وحماية أملاكهم وذلك أيضا ظاهر فيما تضمنه القرآن. وإن لحقه الضعف في معاشه؛ (وأعني الفقراء) فقد أمر هذا الدين بمواساتهم، وإن لحقه الضعف في وطنه؛ (أعني الغرباء) فقد وجدت الوصية لأبناء السبيل في القرآن مكررة"37.
وحتى لا تضيع القيم الاجتماعية، ذهبت الحضارة الإسلامية إلى التركيز على قيمة أخرى تحفظ المجتمع الإسلامي، وتقيه من التفكك، وتعصمه من الانحطاط، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث شبه المجتمع بالسفينة الوارد وصفها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها، إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن يأخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعا"38. وقد ربط الإمام ابن تيمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسألة المصالح والمفاسد التي يمكن أن تنجم عن هذه العملية القيمية، فإن حصلت مصلحة أعظم من المفسدة وجب الأمر بالمعروف والنهي عليه، وإن كانت المفاسد أعظم من المصالح لم يجب عليه بل قد يحرم، أما إذا حصل التساوي والتكافؤ بين المعروف والمنكر لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. أما عند اختلاط المعروف والمنكر فيدعى إلى المعروف دعوة مطلقة، وينهى عن المنكر نهيا مطلقا، هذا من جهة نوع المعروف ونوع المنكر، أما في الفاعل الواحد والطائفة الواحدة فيؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بالمعروف فوات معروف أكبر منه، أو حصول منكر، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أكبر منه39.
هـ. القيم الاقتصادية
يلاحظ قلة الأبحاث التي تناولتها في الفكر الإسلامي المعاصر، وكان جل التركيز حول الصيغ الإسلامية في الاقتصاد والمعاملات المالية. وقد بدأت بعض الدراسات المعاصرة تخطو خطوات إيجابية في تناول قيم الاقتصاد التي بنت الحضارة الإسلامية، وأبرز ما كتب في هذا مؤلف الشيخ يوسف القرضاوي: "دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي"40. وهو بحث موثق بأدلة من القرآن والسنة، بين فيه الشيخ أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي، وهو كونه اقتصاد قيم وأخلاق.
وقد جمع الشيخ يوسف القرضاوي القيم الاقتصادية الواردة في كتابه وحصرها في قيم أساسية أربع: الربانية، والأخلاقية، والإنسانية، والوسطية، وفي هذا يقول: "إن الاقتصاد الإسلامي يتميز بأنه (اقتصاد رباني)، وأنه (اقتصاد إنساني) أيضا، كما أنه بلا ريب (اقتصاد أخلاقي) و(اقتصاد وسطي)، وهذه المعاني أو القيم الأساسية الأربع: لها شروعها وثمارها وآثارها في كل جوانب الاقتصاد والمعاملات المالية الإسلامية: إنتاجا واستهلاكا، وتداولا وتوزيعا، فكلها مصبوغة بهذه القيم، معبرة عنها، مؤكدة لها، وإلا لم تكن إسلامية إلا بالتظاهر والادعاء"41.
وقد تحدثت كتب التاريخ عن الازدهار الاقتصادي الذي عرفته الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهرة، ولا يشك أحد في دور القيم الأخلاقية السامية في هذا النهوض، حيث جعلت العمل والإنتاج والإتقان مطالب شريفة ونبيلة، كما جعلت المال يتداول بين الناس دون أن يقتصر تداوله على الأغنياء، فالأمر بالتكافل والتصدق والعطاء مع تحريم الكنز وتحريم الربا والاحتكار ووسائل الثراء الفاحش الأخرى جعلت رؤوس الأموال تتجه نحو المشاريع التي تخدم الصالح العام، بل أوقف الأغنياء أموالا عظيمة خلال التاريخ لخدمة المجتمع الإسلامي، ولازالوا يفعلون ذلك حتى في الوقت الحاضر42...
وتبعا لهذا، فإن على الباحثين المعاصرين في قضايا الاقتصاد الإسلامي أن يستحضروا هذه القيم الحضارية ويجعلوها نصب أعينهم، حتى لا تنحرف أبحاثهم وتولي وجهها تلقاء عواصم الاقتصاد الغربي، ظنا منها أنها المصدر والمنبع الدفاق للتقدم الصناعي والزراعي والتجاري! فتتخبط الأمة بين الأنماط الواردة عليها من الشرق والغرب، علما أن اقتصاد الحضارة الغربية ليس صالحا للتمثل والإقتداء، فهو يقوم على قانون العبثية، ويبيح كل أشكال الإبادة والقتل، ويصب في خزائن تجار الموت، وسماسرة السلاح، وقادة العصابات المنظمة، والجريمة المنسقة. كل الهرم الاقتصادي الدولي، مقام على الجور، قاعدته ثروات المستضعفين، وإذلال الشعوب الفقيرة، وبث الفرقة بينها، وتوكيل الوكلاء على مصائرها، وإقرار سيادة الدول الكبرى على طاقاتها، وأسعار موادها الأولية... أما قمة الهرم، فتمثله المصارف العملاقة، بفخاخ قروضها، وفوائدها، يعلوها جميعا عرش البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي43. فيخيل للمرء أنه يعيش تحت وطأة نظام اقتصادي وحيد، تتحكم فيه الدول القوية، وتخضع له رقاب الدول الضعيفة، فيكون أول ما يفتقد من القيم التي تحدثنا عنها هو كرامة الإنسان وحريته، ولا سبيل لإحيائها إلا بالرجوع إلى الحضارة التي رفعت شأن المرء ومكنته من حريته، ورفعت شعار: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 110).
ونختم هذه المقدمة الثالثة من هذا العرض بما أشار إليه الشيخ يوسف القرضاوي حين تحدث عن دور الدولة في الإلزام بالقيم فقال: "فمهمة الدولة الإسلامية أن تحول الفكرة إلى عمل، وتحول القيمة إلى قانون، وأن تنقل المثاليات الأخلاقية إلى ممارسات واقعية، وأن تنشئ من المؤسسات والأجهزة ما يقوم بمهمة الحراسة والتنمية والتطوير لهذا كله، وأن تقوم بمراقبة التنفيذ بعد ذلك، ومدى قيامه بالواجب المطلوب أو تخلفه عنه، وأن تعاقب من تعدى وخالف، أو أهمل إهمالا مخلا"44. وكأنه يلمح بقوله هذا إلى ما ورد في الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 39).
المقدمة المنهجية الرابعة: تجديد الفقه الحضاري
إذا كان مفهوم الإمكان الحضاري يعني القدرة المتميزة التي تتصف الشريعة الإسلامية على القيام بالعمران وإنشاء الحضارة والرقي بالإنسان، فإن مفهوم الشهود الحضاري يرتبط بما ورد في الآية الكريمة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 142)، حيث تفيد (الشهادة على الناس) معنى النفاسة والعزة والخيار حتى قال زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعضم45
وقال الشيخ مصطفى المراغي في تفسير هذه الآية: "أي: وقد جعلنا المسلمين خيارا وعدولا، لأنهم وسط، فليسوا من أرباب الغلو في الدين المفرطين، ولا من أرباب التعطيل المفرطين). وقال في معنى الشهادة على الناس: (تشهدون على هؤلاء (الماديين) وهؤلاء (الروحانيين) وتكونون سباقين للأمم جميعا باعتدالكم وتوسطكم في جميع شؤونكم، وذلك هو منتهى الكمال الإنساني الذي يعطي كل ذي حق حقه، فيؤدي حقوق ربه، وحقوق نفسه، وحقوق جسمه، وحقوق ذوي القربى وحقوق الناس جميعا"46.
ويؤكد هذا المعنى ما قاله الأستاذ وهبة الزحيلي: "الشهادة على الأمم ميزانها وسببها وسطية الإسلام، ويؤكدها شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته بأنه يزكيهم ويعلم بعدالتهم"47.
ويزيد الأستاذ سيد قطب هذا الأمر تفسيرا وتوضيحا وبيانا فيقول: "إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعا، فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيا فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتصل في أمرها وتقول: هذا حق منها وهذا باطل، لا التي تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها. وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم والعدل بينهم..."48. ولقد كتب الكثير حول الوسطية والشهادة على الناس، وكذا تجلية حقيقة الشهود الحضاري الذي عرفته الأمة في أيام مجدها وعزها، بل إن هذا المفهوم قد يلتقي بمفهوم (الشهود الصحيح) الذي تحدث عنه الإمام ابن تيمية، فوصف الذين يصلون إليه بأن قلوبهم ليس فيها سوى محبة الله وإرادته وعبادته، وعندهم من سعة العلم والتمييز ما يشهدون الأمور على ما هي عليه، بل يشهدون المخلوقات قائمة بأمر الله، مدبرة بمشيئته، بل مستجيبة له قانتة له، فيكون لهم فيها تبصرة وذكرى، ويكون ما يشهدونه من ذلك مؤيدا وممدا لما في قلوبهم من إخلاص الدين، وتجريد التوحيد له، والعبادة له وحده لا شريك له49... فهذا (شهود) البصيرة والفؤاد، أما (الشهود الحضاري) فشهود البصر والعين والأثر.
ولعل المطلوب من الفكر الإسلامي اليوم هو الجمع بين (الشهودين) جمعا تكامليا، أو بصيغة أخرى: إن إقامة حضارة إنسانية رفيعة يتطلب أولا إقامتها في النفوس والقلوب، ليسهل بعد ذلك إقامتها على الأرض وبين الناس.
وقد عرف الأستاذ عمر بن عبد المجيد النجار مفهوم (الشهود الحضاري) بقوله: "هو مفهوم مفعم بمعاني الشهود التي أشرنا إليها، فهو تحضر قائم على العلم بحقائق الوجود غيبا وشهادة، وهو ظاهر في منجزات عملية حاضرة في حياة الناس مؤثرة فيها، وهو مبين للعالمين ومبلغ إليهم حقائقه ومنجزاته على سبيل تعميم الخير للناس كافة، ثم إنه محقق للأمة عزتها ومناعتها. ويقتضي هذا القران بين التحضر وبين الشهود أن يكون البحث في التحضر الإسلامي وأسبابه متناولا إياه من حيث هو تحضر شاهد على الناس بما يقوم عليه من العلم والحضور العملي والتبليغ والعزة، وليس باعتباره تحضرا مطلقا من هذه القيود، فهو إذن اقتران يحمل معنى معياريا، إذ هو يحدد الأوصاف التي ينبغي أن يكون عليها التحضر الإسلامي المنشود بناء على المبادئ العقدية، واستنارة بالتجربة التاريخية للتحضر الإسلامي"50.
وظهرت في الساحة الفكرية الإسلامية المعاصرة كتابات عديدة تعتبر أن الأمة تحتاج إلى الشهود الحضاري أشد من حاجاتها إلى الغذاء والهواء، وإن اتخاذها لهذا الموقع هو جوهر رسالتها، وفريضة يجب القيام بها، فكانت الدعوات إلى إصلاح مناهج الفكر، وأسلمة المعرفة، وإعادة النظر في كثير من القضايا المعرفية، وكل ذلك سيساعد في تقديم مشروع معاصر يقوم على فكر سليم دون أزمات، ومنهج واضح دون خطأ أو انحرافات، وثقافة بانية دون آفات، وحضارة شاهدة دون قصور أو معوقات51.
وقد صاحبت هذه الكتابات والدعوات دراسات نقدية لما يمكن تسميته (بمشاريع الإشهاد الحضاري) التي بدأت مع الحركة الإصلاحية الحديثة. ومن البحوث التي صدرت مؤخرا في هذا الشأن، كتابات الأستاذ عبد المجيد عمر النجار التي ناقش فيها مشاريع الفقه الحضاري التي اتخذت أسماء وصفات أخرى من قبيل: (مشروع التحضر)، أو (المشروع الإصلاحي)، أو (المشروع النهضوي). وركز في بحثه على ثلاثة مشاريع:
- المشروع السلفي المتمثل في الحركة الوهابية والسنوية والمهدية.
- المشروع التحرري الذي تزعمه كل من رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني والسيد أحمد خان ومحمد عبده وغيرهم.
- مشروع الإحياء الإيماني الشامل، وتمثله حركة الإخوان المسلمين، وحركة الجماعة الإسلامية.
وبعد دراسة نقدية مستفيضة لهذه المشاريع الثلاثة خلص إلى أنها لم تحقق الشهود الفعلي للتحضر الإسلامي، وإنما ساعدت على إبراز شيء من اليقظة والوعي والشوق نحو هذا «التحضر»، وبذلك فإن هذه الخطوة التي وقفت عندها حركات الإصلاح طيلة قرنين ونصف من الزمن، ولم تتجاوزها إلى أحداث النهضة الحقيقية تبدو خطوة قصيرة من ناحية، وعقيمة غير منتجة لخطوة بعدها من ناحية أخرى52.
ويرى الأستاذ النجار أن الوضع الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية قد بلغ درجة من العطالة الحضارية بحيث أصبح لا يحركه إلا مشروع إصلاحي من حجم الثورة الشاملة التي تهز جميع أركان هذا الوضع المتأزم، وتحاول صياغة مشروع حضاري يعود بالأمة إلى استئناف مهمة الشهود الحضاري.
وقد أدلى الأستاذ النجار بدلوه في هذا المشروع من خلال كتابه (فقه التحضر الإسلامي) الذي انتهت خطة بحثه فيه إلى اعتبار ثلاث قضايا أساسية هي محور التحضر الإسلامي: (الخلافية لله)، وهو الإطار العقدي لهذا التحضر، و(الشهادة على الناس)، وهو إطار البعد الإنساني فيه، و(ارتفاق السكون)، وذلك هو علاقة التحضر بالبيئة الكونية53.
والقارئ لهذه القضايا الثلاث يلاحظ أن (الثورة الشاملة) التي دعا إليها الأستاذ النجار لم تكن إلا صياغة (لثورة) سبق أن نودي بها من قبل. والقصد من ذلك أن ما ورد في كتابه (فقه التحضر الإسلامي) قريب جدا مما أورده الأستاذ مالك بن نبي في كتابه (شروط النهضة)، حيث تصور قيام الحضارة على ثلاثة أعمدة أساسية: الإنسان، والتراب، والوقت54.
ومفهوم الإنسان هنا يقابل مفهوم (الشهادة على الناس) عند الأستاذ النجار، كما يقابل مفهوم (التراب) مفهوم (البيئة الكونية)، ومحل الاختلاف البسيط هو أن الأستاذ النجار أغفل عامل (الوقت)، واستبدله بعامل (العقيدة)، في حين أن الأستاذ مالك بن نبي ركز على العناصر الثلاثة المذكورة، وأضاف إليها شرطا ضروريا يتمثل في (الفكرة الدينية)، أو (مركب الحضارة)، ويقصد بذلك الجانب العقدي الذي لا غنى عنه في إطار البناء السليم للحضارة. ومن هنا يتضح بأن أصل الفكرة واحد لا خلاف فيه، اللهم ما كان من مناهج التحليل والتفسير والتأصيل بين الأستاذين، وإلا فإننا أمام تجربتين متشابهتين، بل إن ما أورده الأستاذ النجار في كتابه (عوامل الشهود الحضاري)55 يحظى بالاعتبار أكثر مما أورده في كتابه (فقه التحضر الإسلامي).
أما الأستاذ القرضاوي فنظر إلى هذه القضية نظرة أخرى تتميز بنوع من التوسع والشمولية، وترتبط بتعريفه الخاص (للفقه الحضاري) حيث يرى أن المقصود منه هو الفقه الذي يعني بنقل الإنسان من فهم سطحي بدائي إلى فهم أعمق للكون والحياة، من عقل راكد إلى عقل متحرك، من عقل مقلد تابع إلى عقل متحرر مستقل، من عقل خرافي يتبع الأوهام إلى عقل (علمي) يتبع البرهان، من عقل متعصب إلى عقل متسامح، من عقل مدع متطاول إلى عقل متواضع يعرف حده فيقف عنده، ولا يبالي أن يسأل فيقول: لا أعلم، وأن يعترف بخطئه إذا ظهر له56.
وقد ذكر الشيخ القرضاوي بعض ملامح (فقه الحضارة)، منها فقه الآيات والسنن، وفقه المعرفة المؤسس على القيم الرفيعة، والأصول الراسخة، وفقه الحياة ومعرفة قيمتها، وفقه الواقع، وفقه مصادر الشريعة ومكارمها، وفقه الإنسان لنفسه وللغايات العليا التي من أجلها خلق، إلى غير ذلك من الأمور التي اعتبرها الشيخ ضرورية لقيام الفقه الحضاري الإسلامي المتميز.
ومن الأشياء الأساسية التي ركز عليها في بحثه، هو ربط الفقه الحضاري بنتائجه العملية المتمثلة في (السلوك الحضاري)، الذي يليق بإنسان راق في أمة راقية. وقد جاء كتابه القيم (السنة مصدرا للمعرفة والحضارة) نموذجا لتمثل السلوك الرفيع الذي رسمت معالمه السنة النبوية الشريفة.
ويكون الشيخ القرضاوي قد أضاف بهذا العمل لبنة أساسية للفكر الإسلامي المعاصر في إطار اعتماد سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته منهجا يتجدد على ضوئه الفقه الحضاري، الذي يؤسس لمشروع الشهود الحضاري للأمة الإسلامية.
وتبقى الدعوة قائمة لتعميق البحث في (الفقه الحضاري) بغية تجديده وبعثه، ولابد في ذلك من مراعاة الملاحظات المنهجية الأساسية التالية:
أولا: تنوع الواقع الإسلامي وتنوع وحداته المكونة له، فهناك الدولة والمجتمع والمؤسسات والأفراد، ولكل خصائصه التي تميزه.
ثانيا: تنوع الجوانب التي يتم التركيز عليها، فهناك الجوانب الروحية والنفسية والخلقية، وهناك الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكل هذه الجوانب مميزات يجب أخذها بعين الاعتبار.
ثالثا: فتح أبواب الاجتهاد والحوار بما يستوعب الآراء والتصورات التي ستضبط مسألة التغيير الحضاري المنشود وتقلص هامش الخطأ ما أمكن. ومن المؤكد أن البحوث الرصينة ستكشف عن حقائق ومعالم أخرى تضيء السبل أمام الباحثين والدارسين لقضية (الفقه الحضاري) وتجديده.
خاتمة
تجدر الإشارة في ختام هذه القراءة المختصرة في مساهمة الفكر الإسلامي المعاصر لتحقيق الشهود الحضاري أن امتلاك أمتنا لمصادر التشريع الإسلامي، وتوفرها على تراث معرفي ضخم وتجربة حضارية رائدة، واحتضانها لأصول القيم الإنسانية، وإيمانها بسنة الإحياء والتجديد لهو كفيل أن يكسبها القدرة على اكتشاف مواطن الخلل، وتحديد مواقع القصور والتقصير، مما سيسهل عليها الشهود الحضاري المنشود.
وهي في هذا محتاجة إلى منهج يجمع بين أسس العقيدة وحقائق الشريعة الحكيمة وخطوات التربية السلوكية الإسلامية، ويخطط للمجتمع كي يعود مؤمنا موحدا عالما عاملا عابدا مجاهدا، ينبه على الأخطاء، ويناقش العوائق، ويدعو إلى الاتفاق على الكليات وترك الجزئيات الاجتهادية للمناقشات العلمية الهادئة؛ وهذا هو عين المنهج الذي كان عليه السلف الصالح والعلماء المجددون.
إن الأمل أن يصح عود الأمة وينمو، فتستعيد صحتها وعافيتها وعزتها وكرامتها، وتأخذ دورها في الإصلاح والإعمار، وتحمل نبراس الهداية لتنير السبل أمام التائهين والحيارى لتقيهم من الانزلاق إلى مهاوي الفناء والبوار، وتعيدهم إلى جادة الحق والصواب وطريق الأبرار والأحرار.
ولهذا فإن الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، المؤمن بدور أمته الحضاري، يتحمل مسؤولية كبيرة في إدراك طبيعة هذا الدور ومواقع العمل فيه والإمكانات الضرورية لهذا الغرض. فعليه المعول لتهيئة المنطلقات السليمة والوسائل المناسبة للإقلاع الحضاري؛ وهو المطالب بتجلية الرؤية أمام أبناء الأمة وأجيالها، وحملهم على تجديد المعارف والأفكار والمفاهيم، وترجمة التصورات والنظريات، وتوجيه العمل نحو استشراف المستقبل والإعداد له.
وإني لم أجد لهذا الباحث الهمام من توجيه يتمثله لأداء "مهمته الشهودية" على الوجه المطلوب أحسن مما أورده الإمام الشاطبي شيخ علماء المقاصد في خطبته حين قال:(فقدم قَََدَمَ عزمك فإذا أنت بحول الله قد وصلت، وأقبل على ما قِبَلَك منه فها أنت إن شاء الله قد فزت بما حصلت، وإياك وإقدام الجبان، والوقوف مع الطرق الحسان، والإخلاد إلى مجرد التصميم من غير بيان؛ وفارق وهْد التقليد راقيا إلى يفاع الاستبصار، وتمسك من هديك بهمة تتمكن بها من المدافعة والاستنصار، إذا تطلعت الأسئلة الضعيفة والشبه القصار؛ والبس التقوى شعارا، والاتصاف بالإنصاف دثارا، واجعل طلب الحق لك نحلة، والاعتراف به لأهله ملة، لا تملك قلبك عوارض الأغراض، ولا تُغَر جوهرة قصدك طوارق الإعراض، وقف وقفة المتخيرين، لا وقفة المتحيرين، إلا إذا اشتبهت المطالب، ولم يلح وجه المطلوب للطالب، فلا عليك من الإحجام وإن لج الخصوم، فالواقع في حمى المشتبهات هو المخصوم، والواقف دونها هو الراسخ المعصوم، وإنما العار والشنار على من اقتحم المناهي فأوردته النار. لا تَردْ مَشرع العصبية، ولا تأنف من الإذعان إذا لاح وجه القضية أنفة ذوي النفوس العصبية، فذلك مرعى لسوامها وبيل، وصدود عن سواء السبيل)57.
الهوامش
- انظر: حسن الترابي: تجديد الفكر الإسلامي، ص111، وما بعدها.
محسن عبد الحميد: المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري، ص85-86.
عبد الحميد أبو سليمان: أزمة العقل المسلم، ص220، وما بعدها.
- مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، ص10-11، بتصرف.
- ملاحظات حول (المشروع الحضاري)، مجلة إسلامية المعرفة، ع: 9، ص116-117.
- انظر حسن الترابي: تجديد الفكر الإسلامي، ص113.
- انظر منى أبو الفضل: التعريف بماهية المنطقة العربية، مجلة إسلامية المعرفة، ع: 9، ص30.
- انظر تقديم عبيد حسنة لكتاب: (الإسلام وصراع الحضارات) لأحمد القديدي، ص9.
- المستقبل للإسلام، ص61-62، بتصرف.
- طارق البشري وطه جابر العلواني: مشكلتان وقراءة فيهما، ص66.
- انظر: أزمة العقل المسلم، ص168-169.
- انظر بحثه: ملاحظات حول المشروع الحضاري، مجلة إسلامية المعرفة، ع: 9، ص109-120.
- كتب الأستاذ مجدي عاشور بحثا قيما سماه "السنن الإلهية: مصادرها وضوابطها"، يرجع إليه في مجلة المسلم المعاصر، ع: 111، س: 28.
- انظر محمد هيشور: سنن القرآن الكريم في قيام الحضارات وسقوطها، ص27، وما بعدها.
- تفسير المنار، 4/139.
- رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر رضي الله عنه، 1/178.
- رواه البخاري في كتاب الاعتصام، وانظر ما أورده الشيخ القرضاوي حول هذه السنن في كتابه (السنة مصدرا للمعرفة والحضارة)، ص207-210.
- انظر تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب الإسلام وصراع الحضارات لأحمد القديدي، ص12-13.
- عمر بن عبد المجيد النجار: فقه التحضر الإسلامي، ص12.
- انظر كتابه: شروط النهضة، ص24، وما بعدها.
- انظر كتابه: فقه التحضر، ص26-35.
- انظر كتابه: (سنن القرآن الكريم في قيام الحضارات وسقوطها).
- من روائع حضارتنا، ص12.
- منير شفيق: الإسلام في معركة الحضارة، ص133.
- عمر عبيد حسنة: من مقدمة كتاب "الإسلام وصراع الحضارات" لأحمد القديدي، ص9.
- القيم الحضارية في رسالة الإسلام، ص123.
- المرجع السابق، ص124.
- مفهوم الإحسان يعرفه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كما تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، رواه البخاري وأصحاب السنة الأربعة إلا النسائي وأحمد. وحديث: (إن الله كتب الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، 3/1548.
- انظر تقديم عمر عبيد حسنة لكاتب (قيم المجتمع الإسلامي) لأكرم ضياء العمري، 1/18.
- يوسف القرضاوي: الإسلام... حضارة الغد، ص149.
- محمد فتحي عثمان: القيم الحضارية في رسالة الإسلام، ص152.
- عبد المجيد بن مسعود: القيم الإسلامية التربوية، ص78.
- أكرم ضياء العمري: قيم المجتمع الإسلامي، ص1/59.
- انظر في هذا كتب التاريخ والتراجم مثل:
- تاريخ بغداد للخطيب، 14/244-252.
- سير أعلام النبلاء للذهبي، 11/267-228.
- الإمام الطبري: تاريخ الأمم والملوك، 3/210.
- المصدر السابق: 4/204.
- محمد فتحي عثمان: القيم الحضارية في رسالة الإسلام، ص 108-109.
- انظر كتابه: الإسلام...حضارة الغد، ص 176-180.
- الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق أحمد عبد الحميد غراب، ص164، نقلا عن كتاب (القيم الحضارية في رسالة الإسلام)، ص128.
- رواه البخاري في صحيحه والترمذي في سننه، باب الفتن، 12.
- انظر ابن تيمية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص19-23.
- صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1415 هـ الموافق 1995م.
- دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، ص27.
- أكرم ضياء العمري: قيم المجتمع الإسلامي، ص134.
- أحمد القديدي: الإسلام وصراع الحضارات، ص96-97.
- دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، ص418-419.
- انظر الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، 2/17.
- تفسير المراغي، 1/193-194.
- التفسير المنير، 2/10.
- في ظلال القرآن، 113/1-130.
- انظر (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية)، 1/221.
- فقه التحضر الإسلامي، ص10-11.
- انظر طه جابر العلواني: إصلاح الفكر الإسلامي، ص71.
- انظر: مشاريع الإشهاد الحضاري، ص280-281.
- انظر كتابه: (فقه التحضر الإسلامي) الذي صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1999م.
- انظر شروط النهضة، ص45، وما بعدها.
- وهي عوامل خمسة: كشف العوائق، ورشاد الاعتقاد، وسداد الفكر، والنفير الحضاري، وسلطان الإنجاز.
- السنة مصدرا للمعرفة والحضارة، ص205.
- الموافقات: 1/17.
من علامات الأمّة الحيّة أنها لا تنسى تاريخها ولا تعتبره ماضيًا زائلًا أو تراثًا باليًا، معرفة الأمّة لماضيها خير وسيلة لتصوير المستقبل، لذلك اقرأ المقال الجميل الذي يحتوي على الأحداث المهمة