وحدة الإحياءدراسات عامة

مقاصد الشريعة ووسائل التفعيل المؤسساتي.. المصالح والمؤسسات العامة أنموذجا

مقدمة: في ضرورة الاهتمام بالمصالح العامة ووسائل التنزيل

لقد تكاثر الحديث في العقود الأخيرة عن علاقة المقاصد بتدبير الشأن العام، وتسيير المؤسسات العمومية للدولة؛ والتي كانت تسمى بالولايات العامة في مدوناتنا الفقهية، وقد تخللت هذا الحديث دعوى مفادها: عناية الفقه المقاصدي بالمصالح الخاصة دون المصالح العامة[1].

وعليه؛ فإلى أي حد يمكن التسليم بهذه الدعوى؟ وهل الأولوية؛ للمصالح العامة (مصالح الأمة) أو للمصالح الخاصة (مصالح الأئمة وغيرهم من المسؤولين والموظفين)؟ وما علاقة مؤسسات الدولة (الولايات العامة) بخدمة المصالح العامة؟ وما هي الضمانات الكفيلة  بحفظ مصالح موظفي المؤسسات العامة؟ ومن يتولى خدمة مصالحهم الخاصة متى تفرغوا لتدبير المؤسسات العامة؟ وكيف السبيل إلى تخريج الأطر الكفيلة بخدمة المصالح العامة ابتداء؟ فهذه الأسئلة وغيرها؛ هي مما نروم مقاربة الإجابة عنه في ما يلي:

1. من المعلوم من فقه الشريعة أنها مقاصد ووسائل[2]. وهي قاعدة لخص فيها القرافي مضامين الشريعة برمتها بشكل دقيق؛ فهي ليست مجرد مقاصد نظرية معزولة عن الواقع، ولا مجر وسائل ميكانيكية تعمل في فراغ، وإنما هي مزيج متكامل منهما معا؛ بحيث لا يمكن إعمال الوسائل دون اعتبار المقاصد، ولا يمكن تحقيق المقاصد دون اعتماد الوسائل؛ فالمقاصد ترتكز في تنفيذها على الوسائل، والوسائل تتوقف في اعتبارها على المقاصد.

2. إذا كانت الشريعة لا تخرج في مجموع أحكامها عن المقاصد والوسائل، فلابد من العناية بهما معا، وأن لكل منهما قيمته وأهميته. ولذلك لا ينبغي الاهتمام بالمقاصد على حساب الوسائل، ولا العكس؛ لأن كلا منهما مقصود بقدر ما يحقق من مقاصد الشارع، ويحفظ من مصالح الإنسان.

3. لا يمكن لأي مقصد أن يتحقق على مستوى الواقع العملي دون وسائل. ولا يمكن لأية وسيلة أن تعتبر؛ متى عادت بالفساد على مقاصد الشارع ومصالح الإنسان. ولهذا لابد من تدبير الشأن العام، بما يعود على الناس بالنفع العام في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات الخاصة والعامة، وإلا فلا معنى لقصد الشارع في وضع الأحكام للامتثال العام، ولا معنى لقصد الشارع في وضع الشريعة لرعاية مصالح الإنسان ابتداء.

أولا: تحديد المفاهيم (المقاصد – المصالح العامة – الوسائل)

1.مفهوم المقاصد

أ. المقاصد لغة؛ هي: الأغراض والنتائج والغايات، والمراشد والحكم والمصالح المرجوة، والمهمات المقصودة. والمقاصد؛ جمع مَقْصِد ومَقْصَد.[3]

ب. المقاصد اصطلاحا؛ قال القرافي: “المقاصد هي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها.[4]” وهذا التعريف؛ هو مدار جميع التعاريف منذ بدء الكلام في المقاصد إلى اليوم.[5]  ولذلك اكتفينا به دون غيره.

2.مفهوم المصالح العامة

أ. المصالح العامة لغة

فأما المصالح؛ فهي خِلاف المفاسد.[6] وأما العامة؛ فهي كلُّ ما اجتمع وكَثُرَ… والعامّةُ خلاف الخاصَّة[7].

وبهذا يظهر أن لفظ “العامة” يفيد التمام والاستغراق الشمولي الذي يتناول جميع الناس، أو الجماهير الغفيرة منهم.

ب. المصالح العامة اصطلاحا

قال الغزالي: “المصالح العامة؛ هي ما يتعلق بمصلحة الخلق كافة، أو بمصلحة الأغلب[8]“.

 وعرفها أبو بكر بن العربي بقوله: “هي كل معنى قام به قانون الشريعة، وحصلت به المنفعة العامة في الخليقة[9] “.

وجاء في المعجم الوسيط: “المنافع العامة: ما كانت فوائدها مشتركة بين الناس[10] “.

وبالجملة؛ فـالمصالح العامة هي: كل ما يعود بالنفع العام على كافة الناس أو أغلبهم، سواء تعلق الأمر بمصالحهم الضرورية، أو الحاجية، أو التحسينية.  

3.مفهوم الوسائل

أ‌. الوسائل لغة؛ هي: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به.[11] وتأتي بمعنى الذريعة. يقال: تذرع فلان بذريعة؛ أي توسل[12]. والحاصل: أن الوسيلة في وضعها اللغوي؛ هي: “كل ما يتوصل به من الأسباب أو الطرق إلى مقصود ما.”

ب. الوسائل في الاصطلاح؛ هي: “الطرق المفضية إلى المقاصد المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها[13] “؛ أي كل الآليات الإجرائية العملية الكفيلة بحفظ المصالح الخاصة والعامة من جانبي الوجود بتوفيرها وتنميتها، ومن جانب العدم بحمايتها ووقايتها مما قد يلحقها من ضرر في الحال أو المآل.

وبالجملة؛ إذا كانت المقاصد هي: مجموع ما جاءت الشريعة لرعايته من المصالح الخاصة والعامة بمختلف مراتبها الضرورية والحاجية والتحسينية، وفي جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ فإن الوسائل؛ هي: مجموع الآليات العملية والمؤسسات التنفيذية الموضوعة لحفظ المصالح العامة، وتنميتها من جانب الوجود، وحمايتها ودرء الاختلالات الواقعة أو المتوقع فيها من جانب العدم. وتلك هي مهمة مختلف المؤسسات والولايات العمومية.

ثانيا: المقاصد الضرورية رافعة المصالح العامة

من المعلوم أن المقاصد الضرورية هي المصالح الكلية التي “لا تختص ببعض المكلفين من حيث هم مكلفون دون بعض، ولا ببعض الأحوال دون بعض[14]“. ولذلك فهي أم “المصالح العامة[15]” التي “لابد منها؛ بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة؛ بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والرجوع بالخسران المبين[16].”

ولهذا كانت المصالح الضرورية الخمس؛ هي العمدة الأساس في جميع “الأحكام التكليفية التي وضعها الشارع على العباد من أول الأمر تمهيدا للمصالح الكلية العامة[17]“. وقد وسمها بـ”المقاصد الأصلية” “التي لا حظ فيها للمكلَّف[18]“؛ أي لم تترك لاختيار الإنسان يتصرف فيها كما يريد؛ دونما ضوابط ولا شروط؛ وذلك لا لشيء إلا “لأنها قيام بمصالح عامة مطلقة، لا تختص بحال دون حال، ولا بصورة دون صورة، ولا بوقت دون وقت[19]“.

ولذلك كانت “الأعمال الخارجة عن الحظ دائرة على الأمور العامة؛ لأن العامل على وفقها عامل على الإصلاح العام لجميع الخلق والدفع عنهم على الإطلاق… وإذا فعل ذلك جوزي على كل نفس أحياها، وعلى كل مصلحة عامة قصدها… فمتى كان قصده أعم، كان أجره أعظم، ومتى لم يعم قصده، لم يكن أجره إلا على وزان ذلك. 

والعامل على مخالفتها؛ عامل على الإفساد العام، وهو مضاد للعامل على الإصلاح العام، وقد مر أن قصد الإصلاح العام يعظم به الأجر، فالعامل على ضده يعظم به وزره[20]“.

وعليه؛ فإن القيام بالمصالح العامة لا يدانيه عمل في الأجر، كما أن التفريط فيها لا يوازيه جرم في الوزر؛ ولذلك ليس من المستغرب أن يحكي العز إجماع المسلمين على أفضلية الوظائف الحكومية والمناصب السياسية؛ قائلا: “وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات؛ فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم؛ لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل، فإن أحدهم يقول الكلمة الواحدة؛ فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما دونها، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها، فيا له من كلام يسير وأجر كبير. وأما ولاة السوء وقضاة الجور؛ فمن أعظم الناس وزرا وأحطهم درجة عند الله، لعموم ما يجري على أيديهم من جلب المفاسد العظام، ودرء المصالح الجسام، وإن أحدهم ليقول الكلمة الواحدة؛ فيأثم بها ألف إثم وأكثر على حسب عموم مفسدة تلك الكلمة، وعلى حسب ما يدفعه بتلك الكلمة من مصالح المسلمين، فيا لها من صفقة خاسرة وتجارة بائرة…

فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام؛ لأنهم يقومون بجلب كل صالح كامل، ودرء كل فاسد شامل؛ فإذا أمر الإمام بجلب المصالح العامة ودرء المفاسد العامة، كان له أجر بحسب ما دعا إليه من المصالح العامة، وزجر عنه من المفاسد ولو كان ذلك بكلمة واحدة لأجر عليها بعدد متعلقاتها[21]“.

وهذا هو الواقع الذي لا يحتاج إلى شاهد؛ فإن صاحب الولاية العامة يمكنه بظهير أو مرسوم أو بقرار أو بمجرد خطاب أو تعليمات هاتفية أن يغير أحوال شعب أو جماعة أو مؤسسة بكاملها في اتجاه الصلاح العام، أو في اتجاه الفساد الشامل؛ وهو ما يقطع بجسامة المسؤولية التي يتحملها كل الذين هم في مراكز القرار وغيرها من المؤسسات الحكومية.

وبالجملة؛ إن رعاية المصالح الضرورية التي انبنت عليها “سائر المصالح العامة والخاصة[22]” هي أساس كل ما سواها مما هو في خدمتها بالتيسير ورفع الحرج عنها من المصالح الحاجية، أو ما يزينها ويجملها حتى تكون في أبهي صورة من المصالح التحسينية؛ ولذلك قلنا: إنها رافعة المصالح العامة بكل ما في الكلمة من معنى.

ثالثا: المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة

وهذا يعني؛ أن رعاية المصالح العامة للمواطنين لها الأولية على المصالح الشخصية للمسؤولين. وقد توقف الإمام الشاطبي طويلا في بحث هذه القضية، وانتهى فيها إلى “ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة[23]“. عملا بمبدأ “أولية اعتبار الضرر العام[24]“. وقد مثل لها: بالقاضي والعالم المفتقر إليهما، إلا أن الدخول في الفتيا والقضاء يجرهما إلى ما لا يجوز، أو يشغلهما عن مهم ديني أو دنيوي، وهما إذا لم يقوما بذلك، عم الضرر غيرهما من الناس، فقد نشأ هنا عن طلبهما لمصالحهما المأذون فيها والمطلوبة منهما فساد عام[25]. ولذلك كانت “المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة[26]“.

وعليه؛ فكل من تعينت ولايته، (حاكما كان أو وزيرا أو واليا أو قاضيا أو عالما أو معلما أو خطيبا أو طبيبا أو جنديا أو أي موظف كان)، وليس هناك من ينوب منابه، ما عليه إلا أن يقوم بواجبه فيما أسند إليه من ولاية عامة، ويلتزم بأداء ما أنيط به من مهام، وتعين في حقه من خدمات لفائدة العموم. وإن لحقه من عمله ذاك بعض المشاق، أو فاته شيء من المصالح؛ فذلك ما تقتضيه أولوية اعتبار الصالح العام، وإلا عاد عليه من الضرر، بتخليه عن وظيفته العامة، ما يعود على عامة الناس؛ وكل ذلك مناقض لقصد الشارع من وضع الولايات العامة. ومعلوم أن كل ما ناقض قصد الشارع؛ فهو باطل مردود.

ولهذا ما فتئ العز بن عبد السلام يؤكد على أن من تعينت ولايته وجب عليه القيام بها، بحيث لا يقال ولا يستقيل إلى أن يوجد من يقوم مقامه؛ وذلك قوله: “وأما الولايات؛ فإن تعين المتولي، ولم يوجد من يقوم مقامه؛ فإنها لازمة في حقه؛ لا يقبل العزل ولا الانعزال إلى أن يوجد من يقوم مقامه؛ فينفذ العزل والانعزال، فلو عزل الإمام أو الحاكم أنفسهما، وليس في الوجود من يصلح لذلك؛ لم ينفذ عزلهما أنفسهما لوجوب المضي عليهما[27]“.

وقد مثل الشاطبي لتعارض المصلحة الخاصة للمسؤولين مع المصالح العامة للأمة بـ”العالم يعتزل الناس خوفا من الرياء والعجب وحب الرياسة، وكذلك السلطان أو الولي العدل الذي يصلح لإقامة تلك الوظائف، والمجاهد إذا قعد عن الجهاد خوفًا من قصده طلب الدنيا به أو المحمدة، وكان ذلك الترك مؤديًا إلى الإخلال بهذه المصلحة العامة؛ فالقول هنا بتقديم العموم أولى؛ لأنه لا سبيل لتعطيل مصالح الخلق البتة؛ فإن إقامة الدين والدنيا لا تحصل إلا بذلك[28]“.

ولهذا ما فتئ العز بن عبد السلام يؤكد على “أن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفر وأكمل من اعتنائه بالمصالح الخاصة[29]“، ومن ثم؛ “فلا ترجح مصالح خاصة قليلة على مصالح عامة كثيرة[30]“.

ولأهمية المصالح العامة؛ فقد ذهب سلطان العلماء إلى اعتبار “المصلحة العامة كالضرورة الخاصة[31]“. وهي التي تتوقف عليها مصالح جميع الناس من الخدمات الكلية التي فيها مصالح كلية؛ كالفلاحة والتجارة والصناعة والتعليم والطب والحكم والقضاء والأمن، وما شابه ذلك من المصالح الأساسية التي متى فقدت عاد فقدانها بالضرر العام على الناس جميعا. أو التي تكون مصالح معظم الناس مرهونة بها أكثر من آحادهم؛ كمنع صاحب السلع من احتكارها؛ لمصلحة المحتاجين إليها. وإلزام صاحب الأرض بترك الطريق لفائدة المرور، أو نزع الملكية الخاصة لفائدة المصلحة العامة؛ كبناء المدارس والمستشفيات، وشق الطرقات وبناء السدود، وغيرها من المرافق العمومية. ومنح السقاء لمن احتاجوا إليه؛ إذا لم يمكنهم جلب الماء إلى مزارعهم إلا عبر أراضي الغير. والحجر على السفهاء ومنعهم من التصرف في الأموال؛ لمصلحة الأسرة أو المجتمع إلى أن يرشدوا. وإرغام صاحب الطعام أو الماء أو اللباس أو السكن على تقديمه لمصلحة المحتاجين إليه متى زاد على حاجته. عملا بقاعدة: إذا احتاج الناس فلا مال لأحد. وهو ما مثل له العز بما “لو دعت ضرورة واحد إلى غصب أموال الناس لجاز له ذلك؛ بل يجب عليه إذا خاف الهلاك لجوع أو حر أو برد، وإذا وجب هذا لإحياء نفس واحدة، فما الظن بإحياء نفوس[32].” . ولهذا قال إمام الحرمين الجويني: “الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر[33].” . و”نزول الحاجة في حق العامة مَنزلةَ الضرورة في حق الآحاد[34].” و”عموم الحاجة في حق الناس كافة كالضرورة المتحققة في حق الشخص المعين[35].”

 رابعا: المقاصد الكفائية في خدمة المصالح العامة

لقد اعتاد العقل الفقهي التمثيل للمقاصد الكفائية بما له علاقة بعالم الأموات؛ من قبيل تغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم؛ إلى أن أصبح أصل الشريعة الأعظم؛ وهو القرآن الكريم مرتبطا في كثير من الأذهان بولائم المآتم، وجنبات المقابر، وما عاد جمهور المخاطبين به يعلمون أن علاقة القرآن الحقيقية؛ هي بعالم الأحياء، وما يجب عليهم من القيام بمصالحهم الخاصة العينية، وبمصالحم العامة؛ وهي المسماة عند أهل العلم بالمقاصد الكفائية. وفيما يلي تقريب هذه الجملة.

فما المراد بالمقاصد الكفائية؟

قال العز بن عبد السلام: “المقصود بفرض الكفاية: تحصيل المصالح ودرء المفاسد دون ابتلاء الأعيان بتكليفه[36]“؛ أي هو ما لا يكلف بإنجازه كل فرد بعينه، وإنما يخاطب به مجموع المكلفين دون تحديد فاعل بذاته؛ كما قال القرافي: «فرض الكفاية: مُهِمٌّ مُتحتِّمٌ مقصودٌ حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله[37].”

والمهم؛ هو ما يحرك الهمة لأهميته، فهو معتنى به[38]. وهو ما يقتضي التركيز على تحصيل مصلحة الفعل دون الاهتمام بشخص الفاعل من يكون؛ فردا أو جماعة أو مؤسسة من المؤسسات العمومية. المهم هو القيام بواجب المصلحة المتعينة خاصة كانت أو عامة كإنقاذ غريق أو إطفاء حريق أو إسعاف مريض أو إغاثة محتاج. أو تعليم أمي أو إيواء من لا مأوى له، وقس على ذلك، وما ينطبق على خاصة هؤلاء الأشخاص فهو على جموعهم أولى.

وأما طلب الكفاية عند الشاطبي؛ فهو “متوجه على الجميع، لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين[39]“؛ بمعنى أن الأمة بأسرها مطالبة بإقامة المقاصد الكفائية (المصالح العامة)؛ لكن متى تولاها البعض؛ رفع التكليف عن الباقين.

وقد تعقب أبو إسحاق هذا المعنى بالمراجعة، ووافق علماء الأصول عليه متى كان مرادهم به مجموع الفروض الكفائية في الجملة؛ وهو معنى قوله: “من جهة كلي الطلب[40].” وأما إذا كان مقصودهم به؛ هذا الفرض الكفائي أو ذاك بعينه. وهو مؤدى قوله: “من جهة جزئيه[41]“؛ ففيه تفصيل طويل ليس هذا محله.

وضابط هذه الجملة؛ أن المطالبين بالمقاصد الكفائية في الحقيقة؛ هم المؤهلون لها؛ كفاءة (الخبرة العلمية)، وصلاحا (الاستقامة السلوكية)؛ وليس كل الناس. وهذا معنى قول الشاطبي: “إن الطلب وارد على البعض، ولا على البعض كيف كان، ولكن على من فيه أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب، لا على الجميع عموما[42].”

ولهذا؛ فمن الواجب على من آنس من نفسه القدرة على القيام بهذا الفرض الكفائي أو ذاك، وكان أهلا له بما معه من علم وممارسة، وهو مغمور لا يعرفه أحد، وقد أصبح متعينا في حقه؛ فعليه أن يعلن عن كفاءته فيه، ويرشح نفسه للقيام به عن جدارة؛ كما قال العز: “ولا يمدح المرء نفسه إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثل أن يكون… خاملا فيعرف بأهليته للولايات الشرعية، والمناصب الدينية؛ ليقوم بما فرض عليه عينا أو كفاية، كقول يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْاَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: 55)[43]” وجاء عنه في موطن آخر ما يؤكد هذا المعنى؛ إذ قال: «ومن تعين عليه القيام بفرض من فروض الكفايات، وهو خامل لا يعرف بأهليته لذلك؛ لزمه أن يسعى في تعريف نفسه؛ لأنه سبب إلى واجب متعين[44].”

وهذه المطالبة؛ بالفروض الكفائية التي تتعلق بها المصالح الدنيوية[45]؛ هي بحسب نوعية كل ولاية عامة على حدة؛ لأن الولايات العامة؛ ليست على درجة واحدة في أهميتها وسهولة القيام بها، والنهوض بتدبير ما هي معدة له من المصالح العامة؛ بدءًا من رئاسة الدولة إلى ما دونها من الولايات؛ وذلك بدليل “ما ثبت من القواعد الشرعية القطعية في هذا المعنى؛ كالإمامة الكبرى أو الصغرى، فإنهما إنما تتعين على من فيه أوصافها المرعية لا على كل الناس، وسائر الولايات بتلك المنزلة؛ إنما يطلب بها شرعا باتفاق من كان أهلا للقيام بها والغناء فيها… إذ لا يصح أن يطلب بها من لا يبدئ فيها ولا يعيد؛ فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلف، ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلبة أو المفسدة المستدفعة، وكلاهما باطل شرعا[46].” 

وهذا لا يعني إقصاء عامة الناس عن التكليف بالفروض الكفائية بالمرة؛ بل الجميع مطالبون بها؛ كل حسب استطاعته؛ إذ ما دام “القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة؛ فهم مطلوبون بسدها على الجملة؛ فبعضهم قادر عليها مباشرة، وذلك من كان أهلا لها، والباقون إن لم يقدروا عليها؛ قادرون على إقامة القادرين؛ فمن كان قادرا على الولاية؛ فهو مطلوب بإقامتها، ومن لا يقدر عليها؛ مطلوب بأمر آخر، وهو إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها؛ فالقادر، إذن، مطلوب بإقامة الفرض، وغير القادر مطلوب بتقديم ذلك القادر؛ إذ لا يتوصل إلى قيام القادر إلا بالإقامة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به[47].”

وهذا ملحظ دقيق من الشاطبي؛ بل إنه جد متقدم وفي غاية من الأهمية؛ فهو دعوة صريحة إلى إشراك جميع أفراد الأمة في خدمة المصالح العامة عن طريق الفروض الكفائية، إما بشكل مباشر، وذلك واجب من كانوا أهلا لها وقد تعينت في حقهم؛ أن يتولوها. وإما بشكل غير مباشر؛ وذلك واجب من ليسوا أهلا لها؛ أن يقدموا من هم أهل لها؛ إما بترشيحهم وتزكيتهم، أو بانتخابهم والتصويت عليهم، أو بغير ذلك مما يشهد لهم بالأحقية والأهلية، أحبوا أم كرهوا، ما دام ليس لهم مانع حقيقي من ولاية هذا المرفق العام، أو ذلك المنصب الحكومي.

 لأن ما يطلب من الشروط في التكاليف العينية؛ يطلب في الفروض الكفائية؛ وجامعها شرط القدرة؛ كما قال الشاطبي: “الولايات وأشباهها، من القضاء، والإمامة، والشهادة، والفتيا في النوازل، والعرافة والنقابة[48]، والكتابة، والتعليم للعلوم وغيرها، من الوظائف العمومية؛ راجعة إلى النظر في شرط التكليف بها، وجامع الشروط في التكليف: القدرة على المكلف به، فالقادر على القيام بهذه الوظائف مكلف بها على الإطلاق والعموم، ومن لا يقدر على ذلك سقط التكليف عنه بإطلاق، كالأطفال والمجانين بالنسبة إلى الطهارة والصلاة ونحوها، فالتكليف عام لا خاص[49].”   

ولمزيد من التأكيد على أهمية “المقاصد الكفائية” في تدبير الشأن العام؛ ذكرها هذا الإمام رديف “المقاصد العينية” مباشرة فقال: “فأما كونها عينية، فعلى كل مكلَّف في نفسه، فهو مأمور بحفظ دينه اعتقادا وعملا، وبحفظ نفسه قياما بضروريات حياته، وبحفظ عقله حفظا لمورد الخطاب من ربه إليه، وبحفظ نسله التفاتا إلى بقاء عوضه في عمارة هذه الدار، ورعيًا له عن وضعه في مضيعة اختلاط الأنساب العاطفة بالرحمة على المخلوق من مائه، وبحفظ ماله استعانة على إقامة تلك الأوجه الأربعة، ويدل على ذلك أنه لو فرض اختيار العبد خلاف هذه الأمور لحجر عليه، ولحيل بينه وبين اختياره، فمن هنا صار فيها مسلوب الحظ، محكوما عليه في نفسه.

وأما كونها كفائية: فمن حيث كانت منوطة بالغير أن يقوم بها على العموم في جميع المكلفين، لتستقيم الأحوال العامة التي لا تقوم الخاصة إلا بها[50]“؛ أي أن “المقاصد الكفائية“؛ هي الخدمات العامة التي لا تتم المصالح العامة ولا الفردية إلا بها؛ لأن “الفروض الكفائية مكملة للفروض العينية، فهي لاحقة بها في كونها ضرورية؛ إذ لا يقوم العيني إلا بالكفائي؛ وذلك أن الكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق[51].”

وهذا التصنيف له دلالته ومغزاه. ومؤداه؛ أن المقاصد الأصلية الضرورية؛ بقسميها العيني (الخاص). والكفائي (العام)؛ هما معا جوهر مقاصد الشريعة ومصالح الإنسان، وركيزة العمران البشري التي لا يمكن أن تقوم له قائمة بدونهما أصلا كما تبين قبل وهو أمر مشاهد.

وعليه؛ فكل من ولي ولاية عامة ما؛ فولايته ليست لأجل ما يعود عليه من نفعها على وجه الخصوص؛ بل لما يتحقق بها من نفع عام له وللناس كافة بقدر استطاعته وفي حدود تخصصه؛ لأن الفرد الواحد مهما كانت قدراته، وتعددت كفاءاته، وتنوعت تخصصاته؛ لا يستطيع الاستقلال بنفسه في تحصيل جميع مصالحه؛ فكان في أمس الحاجة إلى من يعينه عليها؛ كما قال العز: “اعلم أن الله، تعالى، خلق الخلق وأحوج بعضهم إلى بعض؛ لتقوم كل طائفة بمصالح غيرها… وهذا القيام منقسم إلى جلب مصالح الدارين أو أحدهما، أو إلى دفع مفاسدهما أو أحدهما… ومن حكمته، سبحانه وتعالى، أن وفر دواعي كل قوم على القيام بنوع من المصالح؛ فزين لكل أمة عملهم وحببه إليهم؛ ليصيروا بذلك إلى ما قضى لهم وعليهم[52].” وهذا المعنى هو ما يستفاد من قول أبي إسحاق أيضا: “فالمأمور به (الفرض الكفائي من جهة قيامه بمصالح عامة الخلق)؛ مأمور بما لا يعود عليه من جهته تخصيص؛ لأنه لم يؤمر إذ ذاك بخاصة نفسه فقط، وإلا صار عينيا، بل بإقامة الوجود، وحقيقته أنه خليفة الله في عباده على حسب قدرته وما هيئ له من ذلك.

فإن الواحد لا يقدر على إصلاح نفسه والقيام بجميع أهله، فضلا عن أن يقوم بقبيلة، فضلا عن أن يقوم بمصالح أهل الأرض، فجعل الله الخلق خلائف في إقامة الضروريات العامة، حتى قام الملك في الأرض، ولم يجعل الله له قدرة على القيام بذلك وحده… فطلب التعاون بغيره، فصار يسعى في نفع نفسه، واستقامة حاله بنفع غيره، فحصل الانتفاع للمجموع بالمجموع، وإن كان كل أحد إنما يسعى في نفع نفسه[53].”

وإذا كانت “المقاصد الكفائية” بهذه الأهمية في إقامة “المصالح العامة“، ولها كل هذا الدور في صلاح الحياة البشرية عامة؛ فقد منع الشارع جميع الموظفين من استغلالها لحسابهم الخاص؛ سواء بأخذ الرشاوى، أو بتلقي الهدايا، أو باستغلال النفوذ، والاستفادة من الخدمات والامتيازات غير المستحقة؛ لأن كل ذلك مضاد لمقاصد الشارع من وضع الولايات العامة؛ كما قال الشاطبي: “فلا يجوز لوالٍ أن يأخذ أجرة ممن تولاهم على ولايته عليهم، ولا لقاضٍ أن يأخذ من المقضي عليه، أو له أجرة على قضائه، ولا لحاكم على حكمه، ولا ما أشبه ذلك من الأمور العامة التي للناس فيها مصلحة عامة، ولذلك امتنعت الرشا والهدايا المقصود بها نفس الولاية؛ لأن استجلاب المصلحة هنا مؤدٍ إلى مفسدة عامة تضاد حكمة الشريعة في نصب هذه الولايات. وعلى هذا المسلك يجري العدل في جميع الأنام، ويصلح النظام، وعلى خلافه يجري الجور في الأحكام، وهدم قواعد الإسلام[54].”

وبهذا البيان يتضح أن خدمة المصالح العامة؛ هي الأصل المقصود الذي شرعت الوظائف العامة لأجله؛ لا للتكبر والتعالي على الناس بهيبة السلطان؛ كما قال الشاطبي: “وهكذا شرعت أعمال الكفاية؛ لا لينال بها عز السلطان، ونخوة الولاية، وشرف الأمر والنهي ابتداء[55].” فذلك كله مناف للقصد الأول منها؛ وهو أن “الولايات العامة والمناصب العامة للمصالح العامة[56].”  

خامسا: ضمانات مصالح موظفي الولايات العامة

إذا كان من واجب موظفي الولايات العامة أن يقدموا ما في وسعهم من خدمات لكافة المواطنين بالمجان، دونما استغلال لمناصبهم الحكومية؛ لأغراضهم غير المشروعة؛ فما هي الضمانات الكفيلة برعاية مصالحهم؟

من قواعد الاجتماع السياسي الإسلامي؛ أن “الولاية العامة هي المبرَّأة من الحظوظ[57]“؛ بمعنى أن الوظائف الحكومية لم توضع تحت تصرفات ولاتها ليوظفوها حسب رغباتهم وما يلبي حظوظهم الشخصية المادية ابتداء؛ كما قال ابن خلدون: “الإمارة ليست بمذهب طبيعي للمعاش[58]“، بل كل من تولى ولاية عامة؛ فمن واجب الأمة في “شخص بيت مالها العام” أن توفر لهم كل ما يفي بأغراضهم الخاصة؛ كما قال أبو إسحاق: “فكما يجب على الوالي القيام بمصالح العامة، فعلى العامة القيام بوظائفه من بيوت أموالهم[59].”

وهذا يعني؛ أن من واجب الدولة أن ترصد من المال العام ما يكفي لتسديد أجور الموظفين. وهو ما نبه إليه الشاطبي في سياق آخر قائلا: “فإذا كان من هذا وصفه؛ قائما بوظيفة عامة لا يتفرغ بسببها لأموره الخاصة به في القيام بمصالحه ونيل حظوظه؛ وجب على العامة أن يقوموا له بذلك، ويتكلفوا له بما يفرغ باله للنظر في مصالحهم، من بيوت أموالهم المرصدة لمصالحهم إلى ما أشبه ذلك مما هو راجع إلى نيل حظه على الخصوص، فأنت تراه لا يعرى عن نيل حظوظه الدنيوية في طريق تجرده عن حظوظه، وما له في الآخرة من النعيم أعظم..[60].”

وهذا يعني؛ أنه ما دام الموظفون قد تفرغوا لخدمة المصالح العامة؛ فمن الواجب على الأمة أن تصرف لهم من المستحقات ما يكفيهم بالمعروف من الميزانية العامة، وأن تمكنهم من الأعوان؛ ليساعدوهم في مهامهم، ويقوموا لهم بمصالحهم الخاصة؛ متى عجزوا عن الجمع بين وظائفهم العامة ومصالحهم الشخصية؛ حتى يتمكنوا من القيام بولاياتهم على أحسن وجه. وكل هذا من مقاصد الشرع؛ كما قال العز: “لما علم (الشارع) أن الولاة والقضاة لا يقدرون على القيام بما وُلُّوهُ؛ أوجب على أهل الكفاية مساعدتهم على جلب مصالح ولاياتهم ودرء مفاسدها[61].” وكل ذلك من الميزانية العامة للدولة كما قال الشاطبي: “جَعلَ الشرع في الأموال ما يكون مرصدا لمصالح المسلمين، لا يكون فيه حق لجهة معينة، إلا لمطلق المصالح كيف اتفقت، وهو “مال بيت المال”[62].”

وهذا النمط من الإجراءات الإدارية؛ ليس جديدا على حضارتنا الإسلامية؛ بل هو قديم، وأصله فيما جرى به العمل على عهد “التراتيب الإدارية في الحكومة النبوية“؛ كما هو المستفاد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان لنا عاملا؛ فليكتسب زوجة، وإن لم يكن له خادم؛ فليكتسب خادما، ومن لم يكن له مسكن؛ فليكتسب مسكنا[63].” وهو ما يفيد بأن من واجبات الدولة الإسلامية أن تزوج من لا يستطيع الزواج من موظفيها أو تعينهم عليه، وأن تمكنهم من الأعوان، ومن السكن الوظيفي؛ كل ذلك من بيت المال العام (خزينة الدولة)؛ وذلك لما لهذه الضمانات المصلحية الاجتماعية الكفائية من أثر إيجابي في استقرارهم النفسي والاجتماعي، وتحفيزهم على المزيد من العطاء، وكف أيديهم عن الطمع في المال العام.

وكل هذه الإجراءات من أهم ما يسهم في الحد من التلاعب بالمصالح العامة، واتخاذ الولايات الحكومية وسيلة للثراء غير المشروع. وإلا فالأصل؛ أن الأجرة مقابل العمل. وتبقى الكلمة الأخيرة للمراقبة والمحاسبة والمتابعة القضائية؛ لكل من ضبط متلبسا بالفساد الإداري أو المالي، ومعاقبته طبقا للقوانين والقرارات الشرعية الجاري بها العمل، عملا بـ”قاعدة: ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

‍‍وحاصل القول: إذا كانت المصالح العامة في أبعادها الكفائية بهذه الأهمية في حفظ مصالح الأمة؛ فلابد من العناية بها والمحافظة عليها من جانب الوجود؛ بما يقيم أركانها ويثبت قواعدها. ومن جانب العدم؛ بما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها؛[64] لأن المصالح العامة في أبعادها الكفائية؛ كما أنها مقاصد؛ فهي وسائل أيضا. ومعلوم أن الوسائل بمقاصدها، ومن ثم فهي غير مقصودة لذاتها، وإنما هي تبع للمقاصد العينية في أحكامها، تقوم بقيامها وتسقط بسقوطها؛ مثل العلل مع معلولاتها؛ تدور معها وجودا وعدما[65].

ومن تأمل المقاصد الضرورية العامة في علاقتها العملية بجميع المقاصد الكفائية، وجدها لا تخرج عن هذا الترتيب. ولهذا وجدنا العز بن عبد السلام يؤكد في غير ما مناسبة على أن رئاسة الدولة وما دونها من الولايات العمومية؛ ما هي إلا وسائل لتحقيق المصالح العامة، ووقاية المجتمع من المفاسد الشاملة في الحاضر المعيش، أو المستقبل المرتقب؛ ومن ذلك قوله: “والإمامة العظمى وسيلة إلى جلب المصالح الناجزة والمتوقعة وإلى دفع المفاسد الناجزة والمتوقعة، وكذلك القضاء والشهادة، وإعانة الأئمة والحكام على ما يتولونه من ذلك[66].” وجاء عنه في مورد آخر ما نصه: “إن نصب القضاة والولاة من الوسائل إلى جلب المصالح العامة والخاصة[67].”

وبالجملة؛ إن قصد الشارع من وضع المقاصد الكفائية؛ إنما هو لحفظ المصالح العامة؛ جلبا لمصالحها ودرءا لمفاسدها بقدر الإمكان.

خاتمة: معالم خطة لتخريج الأطر الكفائية

هذه معالم خطة لتخريج الأطر الكفائية الكفئة حتى يكون للأمة منها ما يكفي في مختلف التخصصات العامة؛ وهي خطة تقدم بها الإمام الشاطبي منذ ما يناهز ستة قرون ونصف؛ ولعل الغرب قد استفاد منها في الوقت الذي أهملناها نحن ولم نعرها ما تستحق من الاهتمام.

وخلاصتها: إن من واجب الدولة أن تقوم بانتقاء النبغاء والمتفوقين من التلاميذ، والعناية بالعناصر المتميزة بالفطنة والذكاء، والسهر على تكوينها وتربيتها وتأهيلها على يد الخبراء، وتوجيه كل منها إلى ما يرغب فيه من العلوم، ومساعدته ماديا ومعنويا؛ حتى يتخرج فيما هو نابغ فيه من التخصصات والمهام التي تحتاجها لتدبير الشؤون العامة، وتسيير الولايات والمؤسسات الحكومية. وهذا نص الخطة التي تقدم بها، رحمه الله، منذ قرون.

قال رحمه الله: “ولابد من بيان بعض تفاصيل هذه الجملة؛ ليظهر وجهها، وتتبين صحتها بحول الله. وذلك أن الله، عز وجل، خلق الخلق غير عالمين بوجوه مصالحهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة… ثم وضع فيهم العلم بذلك على التدريج والتربية… فطلب الناس بالتعلم والتعليم لجميع ما يستجلب به المصالح، وكافة ما تدرأ به المفاسد… لأن ذلك كالأصل للقيام بتفاصيل المصالح[68].”

وهذا يعني؛ أن تعلم جميع العلوم النافعة هو المدخل الحقيقي لامتلاك كل ما تقوم به المصالح البشرية، وما تدفع به المفاسد عنها؛ لأنه لا صلاح ولا إصلاح بدون علم. ومن خلال العناية بتربية المتعلمين وتعليمهم ما يجلب المصالح ويدفع المفاسد يظهر تفوق بعضهم على بعض، كل حسب قدراته وكفاءاته، وما تخرج فيه من تخصص علمي أو مهني؛ كما قال أبو إسحاق: “وفي أثناء العناية بذلك يقوى في كل واحد من الخلق ما فطر عليه، وما ألهم له من تفاصيل الأحوال والأعمال؛ فيظهر فيه وعليه، ويُبَرَّزُ فيه على أقرانه ممن لم يهيأ تلك التهيئة؛ فلا يأتي زمان التعقل[69] إلا وقد نجم على ظاهره ما فطر عليه في أوليته[70]، فترى واحدا قد تهيأ لطلب العلم، وآخر لطلب الرياسة، وآخر للتصنع ببعض المهن المحتاج إليها، وآخر للصراع والنطاح، إلى سائر الأمور[71].”

 وهنا لابد من التنبيه إلى أن جميع المتعلمين فيهم القابلية لتعلم جميع العلوم، إلا أن الواقع يشهد بتفوق هذا المتعلم أو ذاك في هذا التخصص العلمي أو ذاك، دون باقي التخصصات في نهاية المطاف، وهو ما يقتضي العناية بكل وما تفوق فيه؛ فيعلم ويربى ويعتنى به أكثر فيما هو متميز فيه من تخصص علمي أو عملي؛ كما قال الشاطبي: “وإن كان كل واحد قد غرز فيه التصرف الكلي؛ فلابد في غالب العادة من غلبة البعض عليه[72]؛ فيرد التكليف عليه معلما مؤدبا في حالته التي هو عليها؛ فعند ذلك “ينتهض الطلب على كل مكلف في نفسه من تلك المطلوبات بما هو ناهض فيه[73]“؛ بمعنى أن يطالب كل مكلف بما هو متفوق فيه من العلوم أو الحرف والصناعات. وهذه مهمة القائمين على التوجيه العلمي في جميع المؤسسات التربوية والتعليمية، وكل مراكز التكوين المهني والتقني من أدناها إلى أعلاها؛ فمن المتعين عليهم أن ينتبهوا إلى مواطن التفوق لدى الطلبة، ويأخذوها بعين الاعتبار عند توجيههم إلى أن تؤتي ثمارها، وأن تتولى الدولة مساعدتهم:

ماديا؛ بالمنح الدراسية، وضمان الشغل المكافئ لتخصصات المتخرجين في وطنهم؛ حتى لا يضطروا إلى هجرته وتقديم خدماتهم العلمية لفائدة البلدان التي تعرف قيمتهم، وتقدم لهم من وسائل العيش ما يناسب كفاءاتهم!

ومعنويا؛ بتحفيزهم وتهييء الأجواء العلمية المناسبة لمتابعة أبحاثهم العلمية؛ وأن يدفع بهم إلى أصحاب الكفاءات العلمية، والخبرات الميدانية العالية من الأساتذة المبرزين والعلماء المتمرسين؛ ليأخذوا عنهم ما يؤهلهم للعطاء والانتفاع العام أثناء توليهم لهذه الوظيفة أو تلك. وهذه هي نتائج التربية المؤملة ابتداء في نظر الشاطبي؛ كما هو المستفاد من قوله: “ويتعين على الناظرين فيهم الالتفات إلى تلك الجهات؛ فيراعونهم بحسبها، ويراعونها إلى أن تخرج في أيديهم على الصراط المستقيم[74]، ويعينونهم على القيام بها، ويحرضونهم على الدوام فيها[75]؛ حتى يبرز كل واحد فيما غلب عليه ومال إليه من تلك الخطط[76]، ثم يخلى بينهم وبين أهلها، فيعاملونهم بما يليق بهم ليكونوا من أهلها، إذا صارت لهم كالأوصاف الفطرية، والمدركات الضرورية؛ فعند ذلك يحصل الانتفاع، وتظهر نتيجة تلك التربية[77].” 

 ولتقريب هذه الخطة ضرب لها الإمام مثالا افتراضيا؛ فقال: “فإذا فرض، مثلا، واحد من الصبيان ظهر عليه حسن إدراك، وجودة فهم، ووفور حفظ لما يسمع، وإن كان مشاركا في غير ذلك من الأوصاف، ميل به نحو ذلك القصد[78]، وهذا واجب على الناظر فيهم من حيث الجملة[79]؛ مراعاة لما يرجى فيه من القيام بمصلحة التعليم؛ فطلب بالتعلم وأدب بالآداب المشتركة بجميع العلوم، ولابد أن يمال منها إلى بعض فيؤخذ به، ويعان عليه، ولكن على الترتيب الذي نص عليه ربانيو العلماء[80]“؛ أي أن يتدرج به فيما يتلقاه من تربية وتعليم؛ عملا بمنهج الحكماء من العلماء.

ومتى توجه الطالب نحو ما يراه مناسبا له من التخصصات العلمية وأحبه أكثر من غيره؛ فله ذلك؛ على أن يتولى الإشراف عليه متخصصون، قادرون على العناية به والأخذ بيده فيه إلى أن يبلغ ما قدر له؛ فإن وقف به جهده عند مرتبة علمية معينة فجميل ما بلغ. وإن أراد أن يتخصص في مجال علمي آخر؛ أو وجه إليه من القائمين عليه عني به كما عني به من قبل إلى أن يتخرج نهائيا على حد قول أبي إسحاق: “فإذا دخل في ذلك البعض؛ فمال به طبعه إليه على الخصوص، وأحبه أكثر من غيره؛ ترك وما أحب، وخص بأهله؛ فوجب عليه إنهاضه فيه حتى يأخذ منه ما قدر له، من غير إهمال له ولا ترك لمراعاته. ثم إن وقف هنالك فحسن، وإن طلب الأخذ في غيره أو طلب به؛ فعل معه فيه ما فعل فيما قبله، وهكذا إلى أن ينتهي[81].”

وبناء على هذا المنهج التربوي الشاطبي يتكون في كل تخصص من التخصصات الكفائية، أو في كل وظيفة من الوظائف العامة فوج أو أفواج؛ كما قال: “وبذلك يتربى لكل فعل هو فرض كفاية قوم؛ لأنه سير أولا في طريق مشترك، فحيث وقف السائر وعجز عن السير؛ فقد وقف في مرتبة محتاج إليها في الجملة[82]“؛ أي من وقفت به مؤهلاته عن متابعة الطريق؛ فباقي ميادين الشغل الأخرى تنتظره، وكثير منها في حاجة إلى ما يوازي مستواه ويليق بقدراته. ومن آنس من نفسه القدرة على الاستمرار في متابعة دراسته إلى أن يحصل على أعلى الوظائف العامة بما في ذلك نيل درجة الاجتهاد والفوز برئاسة الدولة؛ فله ما أراد عن جدارة واستحقاق؛ كما قال أبو إسحاق: “وإن كان به قوة زاد في السير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات في المفروضات الكفائية، وفي التي يندر من يصل إليها؛ كالاجتهاد في الشريعة، والإمارة[83]” ومتى حرصت الأمة على السير في هذا النهج الذي رسمه الشاطبي فقد جمعت بين خيري الدارين؛ كما قال: “فبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة[84].”

وبهذا يظهر أن التوجه العلمي نحو المطالب الكفائية من الأهمية الاجتماعية بمكان؛ وهذه المطالب ليست على درجة واحدة، والمطالبون بها ليسوا صنفا واحدا؛ وأن ما يطلب منها؛ قد يكون من المقاصد، وقد يكون من الوسائل؛ ولذلك لا ينبغي أن ينظر إليها نظرة واحدة؛ بل لابد أن يتم البحث فيها بشكل مفصل، وأن توزع على أبناء الأمة بحسب ما يتناسب مع احتياجاتها من التوزيع؛ كما قال الشاطبي: “فأنت ترى أن الترقي في طلب الكفاية؛ ليس على ترتيب واحد، ولا هو على الكافة بإطلاق، ولا على البعض بإطلاق، ولا هو مطلوب من حيث المقاصد دون الوسائل، ولا بالعكس؛ بل لا يصح أن ينظر فيه نظر واحد حتى يفصل بنحو من هذا التفصيل، ويوزع في أهل الإسلام بمثل هذا التوزيع. وإلا؛ لم ينضبط القول فيه بوجه من الوجوه، والله أعلم وأحكم[85].”

وبالجملة؛ فمن غير المجدي في النظر المقاصدي أن يبقى جوهر مقاصد الشارع مهملا؛ وهو رعاية المصالح العامة، ولذلك فمن واجب الوقت أن ينصرف العقل الفقهي المقاصدي اليوم إلى النظر في الفرائض الكفائية وينكب عليها بما تستحقه من الدراسات والبيان على أوسع نطاق ممكن؛ لأن أي تقصير أو تفريط في هذا المجال الحيوي يفضي بالضرورة إلى المزيد من ضياع مصالح الأمة بأسرها، ويبقي عليها في أدنى درجات السلم الحضاري، وهو ما يناقض مقاصد الشارع، ولا يعود على الأمة بشيء من النفع العام. وإنما الأعمال بالمقاصد والحمد لله رب العالمين.  

 الهوامش

[1]. هذه الدعوى أطلقها كل من الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والأستاذ جمال الدين عطية. فأما ابن عاشور قد نفى أن يكون للفقهاء جميعا اهتمام بالمصالح العامة؛ إذ قال: “وقد استشعر الفقهاء في الدين كلهم هذا المعنى في خصوص الأفراد، ولم يتطرقوا إلى بيانه وإثباته في صلاح المجموع العام.” (مقاصد الشريعة الإسلامية)، تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي، دار الفجر، ط1، (1420ﻫ/1999م)، ص299.

ولست أدري كيف انجر د. محمد شيخ محمد أحمد إلى القول: “ولعل ابن عاشور بهذا يكون أول من ترجم لهذا المصطلح “المقاصد العامة”.” مقاصد الشريعة العامة عند العز بن عبد السلام والشاطبي: دراسة مقارنة، ص90. والغريب أن هذه الدراسة كلها في الإبانة عن إمامة العز والشاطبي في الترجمة عن “المقاصد العامة” قبل ابن عاشور بقرون؛ سواء بمعناها الذي تحدث عنه الباحث، ممثلا في المقاصد الكلية الثلاث: الضرورية والحاجية والتحسينية. وهي محصل ما راعاه الشارع في مجموع الأحكام الشرعية. أو بمعناها الذي تحدثت عنه ضمن المصالح العامة بمعناها الجماعي الكفائي!

وأما د. جمال الدين عطية فقد نفى أن يكون الشاطبي قد اعتنى بالمقاصد الجماعية عنايته بالمقاصد الفردية؛ إذ قال: “ولكن الشاطبي وقف عند هذا الحد، ولم يتابع الفكرة حتى نهايتها بتحديد مقاصد للجماعة إلى جانب مقاصد الفرد.” نحو تفعيل مقاصد الشريعة. المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ودمشق: دار الفكر/سورية، ط1، (1422ﻫ/2001م)، ص94.

[2]. القرافي، الفروق، تحقيق خليل المنصور، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، (1418ﻫ/1998م)، 2/59.

[3]. ابن منظور، لسان العرب، مادة: قصد، بيروت: دار صادر، ط1. د. ت، 2/141، و8/53.

مرتضى الزبيدي. تاج العروس، مادة: قصد، تحقيق مجموعة من المحققين. دار الهداية. د، ط. ود. ت. 1/1250، 5167.

الرازي، محمد بن أبي بكر. مختار الصحاح، مادة: قصد، تحقيق محمود خاطر، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، د. ط. (1415ﻫ/1995م)، 1/560.

المقري الفيومي (أحمد بن محمد بن علي)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، بيروت: المكتبة العلمية، د. ط، ود. ت، 2/504-505.

[4]. الفروق، م، س، 2/59.

[5]. لأخذ فكرة واضحة عن المصطلحات المقاصدية المشتقة من مادة: (ق. ص. د)؛ يمكن مراجعة:

فريد الأنصاري. مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات للشاطبي: “مادة (ق. ص. د.) نموذجا، بحث لنيل شهادة الدراسات الجامعية العليا. تحت إشراف: د. الشاهد البوشيخي، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط: شعبة الدراسات الإسلامية، تكوين المكونين، السنة الجامعية (1406- 1407ﻫ/1986-1987م)، ص4-35.

مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات للشاطبي، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا، تحت إشراف؛ د. الشاهد البوشيخي، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، شعبة الدراسات الإسلامية، سنة (1410/1989-1990م)، ص206-238.

[6]. أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة صلح، تحقيق عبد السلام محمد هارون، بيروت: دار الجيل، (1420ﻫ/1991م)، 3/303. لسان العرب، م، س، مادة (صلح) 2/516.

[7]. المصدر نفسه، 12/423.

الجوهري (إسماعيل بن حماد). الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، ط4، (1407ﻫ/1987م)، 5/1993.

إبراهيم مصطفى. وأحمد الزيات. وحامد عبد القادر. ومحمد النجار، المعجم الوسيط، دار الدعوة، تحقيق مجمع اللغة العربية، د، ط. ود. ت، 2/629.

[8]. أبو حامد، الغزالي، شفاء الغليل، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1420ﻫ/1999م)، ص101.

[9]. أبو بكر بن العربي، كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، دراسة وتحقيق محمد عبد الله ولد كريم، بيروت: دار الغرب الإسلامي/لبنان، ط1، 1992م، 2/779.

[10]. المعجم الوسيط، م، س، 2/942.

[11]. لسان العرب، م، س، 11/724.

الجرجاني، على بن محمد، التعريفات، تحقيق إبراهيم الأبياري، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1405ﻫ، 1/326.

[12]. الجوهري «إسماعيل بن حماد)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق، أحمد عبد الغفور عطار، بيروت: دار العلم للملايين، ط 4، (1407ﻫ/1987م)، 3/1211.

[13]. الفروق، م، س، 2/61 بتصرف.

[14]. الشاطبي، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1421ﻫ، 2/21-302.

[15]. المصدر نفسه، 2/21-302.

[16]. المصدر نفسه، 2/17465.

[17]. المصدر نفسه، 1/465.

[18]. المصدر نفسه، 2/300.

[19]. المصدر نفسه.

[20]. المصدر نفسه، 2/342-343.

[21]. عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام، تحقيق: نزيه كمال حماد، ود. عثمان جمعة ضميرية، دمشق: دار القلم، دمشق: وبيروت: الدار الشامية، ط1، (1421ﻫ/2000م)، 1/198-199.

[22]. الموافقات، م، س، 3/33.

[23]. الشاطبي، الاعتصام، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار التوحيد، د. ط، ود. ت، 3/23.

[24]. الموافقات، م، س، 3/57-89-92.

[25]. المصدر نفسه، 2/266.

[26]. المصدر نفسه، 3/57-89-92.

[27]. قواعد الأحكام، م، س، 2/257.

[28]. الموافقات، م، س، 3/95.

[29]. المرجع نفسه، 2/158.

[30]. المرجع نفسه، 2/318.

[31]. المرجع نفسه، 2/314.

[32]. قواعد الأحكام، م، س، 2/314

[33]. الجويني، عبد الملك بن عبد الله، غياث الأمم، تحقيق مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، د. ط. 1979م. ص295.

[34]. غياث الأمم، م، س، ص304.

[35]. المرجع نفسه، ص 311.

[36]. قواعد الأحكام، م، س، 1/71.

عقد العز فصلا خاصا بالفروض الكفائية؛ بعنوان: “في انقسام جلب المصالح ودرء المفاسد إلى فروض كفايات وفروض أعيان” قواعد الأحكام، م، س، 1/71.

[37]. الفروق، م، س، 1/211.

[38]. العطار، حاشية العطار على شرح المحلي، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، ود. ت، 1/237.

[39]. الموافقات، م، س، 1/278.

أفرد الشاطبي «فروض الكفاية» بالنظر في المسألة الحادية عشرة من كتاب الأحكام من الموافقات، 1/ 278.

[40]. الموافقات، م، س، 1/278.

[41]. المصدر نفسه، 1/278.

[42]. المصدر نفسه، 1/278.

[43]. قواعد الأحكام، م، س، 2/346.

[44]. عز الدين بن عبد السلام، الفوائد في اختصار المقاصد، تحقيق إياد خالد الطباع، بيروت: دار الفكر المعاصر، ودمشق: دار الفكر/سورية، ط 1، (1416ﻫ/1996م)، 1/71.

[45]. قواعد الأحكام، م، س، 1/258.

[46]. الموافقات، م، س، 1/279-280.

[47]. المصدر نفسه، 1/283-284.

[48]. قال مشهور بن حسن آل سلمان: “النقابة والعرافة منصب دون الرئاسة، ويطلق على صاحبه “النقيب” و”العريف””. انظر: الهامش 7 في الموافقات، م، س، 2/305.

[49]. المصدر نفسه، 2/411.

[50]. المصدر نفسه، 2/300، 301.

[51]. المصدر نفسه، 2/301.

[52]. قواعد الأحكام، م، س، 2/120-122.

[53]. المرجع نفسه، 2/301–303.

[54]. المرجع نفسه، 2/301-302.

[55]. الرجع نفسه، 2/309.

[56]. المرجع نفسه، 2/312.

من أمثلة الفروض الكفائية ما نص عليه العز بقوله: «أحدهما: فرض على الكفاية؛ كتعلم الأحكام الشرعية الزائدة على ما يتعين تعلمه على المكلفين إلى نيل رتبة الفتيا، وكجهاد الطلب، وجهاد الدفع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإطعام المضطرين، وكسوة العارين، وإغاثة المستغيثين، والإمامة العظمى، والشهادات، وتجهيز الأموات، وإعانة الأئمة والحكام، وحفظ القرآن.” قواعد الأحكام، م، س، 1/70-71.

[57]. الموافقات، م، س، 2/327.

[58]. مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون. تحقيق علي عبد الواحد وافي. شركة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. د. ط. 2004م، 2/836.

[59]. الموافقات، م، س، 2/309.

[60]. المصدر نفسه، 2/311.

[61]. الفوائد في اختصار المقاصد، م، س، ص120-142.

[62]. الموافقات، م، س، 3/90.

[63]. الحاكم، المستدرك على الصحيحين، تحقيق، مصطفى عبد القادر عطا، كتاب العلم، باب: ما يكون للوالي الأعظم ووالي الإقليم من مال الله. وما جاء في رزق القضاة وأجر سائر الولاة، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1411ﻫ/1990م)، 1/563.

أبو داود، سنن أبي داود، بيروت: دار الكتاب العربي، كتاب: السنة، باب: في أرزاق العمال، 3/95.

ابن خزيمة، محمد بن إسحاق. صحيح ابن خزيمة، باب: إذن الإمام للعامل بالتزويج، واتخاذ الخادم والمسكن من الصدقة، تحقيق، محمد مصطفى الأعظمي، بيروت: المكتب الإسلامي، د. ط، (1370ﻫ/1970م)، 4/7.

[64]. الموافقات، م، س، 2/18.

[65]. الموافقات، م، س، 2/353.

[66]. الفوائد في اختصار المقاصد، م، س، ص54.

[67]. قواعد الأحكام، م، س، 1/80.

[68]. الموافقات، م، س، 1/284.

[69]. يصل سن البلوغ.

[70]. في خلقته الأصلية.

[71]. الموافقات، م، س، 1/285.

[72]. أن يتفوق أكثر في بعض التخصصات.

[73]. الموافقات، م، س.

[74]. على المكلفين بالتوجيه العلمي أن يهتموا بهم وبما توجهوا إليه من التخصصات العلمية حتى ينهوا دراستهم فيها بنجاح.

[75]. يشجعونهم على الاستمرار في مجالات تميزهم.

[76]. إلى أن يتميز كل منهم أثناء سنوات التدريب فيما سيتخصص فيه من الوظائف.

[77]. الموافقات، م، س، 1/285.

[78]. إذا كان من بين التلاميذ نابغة متفوق؛ عني به أكثر ووجه نحو ما هو متفوق فيه.

[79]. وهذه مهمة الموجه التربوي عموما.

[80]. الموافقات، م، س.

قال الشاطبي: “ويسمى صاحب هذه المرتبة الرباني والحكيم، والراسخ في العلم والعالم، والفقيه، والعاقل؛ لأنه يربي بصغار العلم قبل كباره، ويوفى كل أحد حقه حسبما يليق به.” الموافقات، م، س، 5/233.

قال مجاهد: “الرباني فوق الحبر؛ لأن الحبر هو العالم، والرباني: هو الذي جمع إلى العلم والفقه، البصر بالسياسة والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم.” ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، تحقيق المجلس العلمي بتارودانت، طبعة وزارة الأوقاف المغربية، (1411ﻫ/1991م)، 1/450.

[81]. إلى أن ينهي دراسته ويتخرج.

[82]. الموافقات، م، س، 1/186.

[83]. المصدر نفسه.

[84]. المصدر نفسه.

[85]. المصدر نفسه.

الوسوم

ذ. عبد النور بزا

ثانوية عمر بن عبد العزيز/مكناس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق