مركز الدراسات القرآنيةقراءة في كتاب

مفردات ألفاظ القرآن

يُعد كتاب «مفردات ألفاظ القرآن» للراغب الأصفهاني (تـ 425هـ) من أجلِّ ما صنِّف في غريب القرآن، فهو مع صغر حجمه جم الفوائد كثير المسائل غزير المنافع، ومرجع عظيم الأهمية لجميع الباحثين والدارسين الذين يشتغلون في علوم اللغة العربية والتفسير، فالكتاب من تحقيق صفوان عدنان داوودي الذي قابله على خمس نسخ خطية، دبّجه بمقدمة أبان من خلالها منهجه المعتمد في التحقيق، مع إشارته إلى أن النسخ المطبوعة مليئة بالأخطاء، ومشحونة بالتصحيفات والتحريفات، وبها نقص في الأبواب والآيات والأشعار، ليترجم للمؤلف ذاكرا اسمه، ونسبه، وشيوخه، وتلامذته، ومؤلفاته، ووصفه، وخلقه، وعقيدته، ومذهبه الفقهي، وشعره، وفي هذا يقول: «وبدأنا أولًا بدراسة عن المؤلّف وحياته، وكتابه، وأتينا- بحمد الله- بما لم يأت به أحد قبلنا فيما يتعلق بالمؤلف وترجمته». وأتبع ذلك الحديث عن منهج الراغب في كتاب «المفردات» واصفا مسلكه: «قد سلك الراغب في كتابه منهجا بديعا، ومسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، وعمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.

وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها.

ويذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثا.

ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر

القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة» انتهى. ضاربا أمثلة على ذلك.

ليحدثنا بعده عن مصادره التي اعتمدها في كتابه «المفردات» قائلا: «اعتمد الراغب على مؤلّفات العلماء قبله، فبحث فيها، وناقش أصحابها، وارتضى أقوالا، وردّ أخرى، وأهم هذه المصادر:

1- كتاب «المجمل في اللغة» لابن فارس.
ويبدو أنّ الراغب قد اعتمد عليه كثيرا، مع أنه لم يذكره باسمه، ويتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب، والتشابه الكبير في العبارة، وربما ينقل عنه حرفيا، والموافقة في الأبيات الشعرية.

2- كتاب «الشامل في اللغة» لأبي منصور الجبان.
وقد ذكره المؤلّف صراحة في مادة (دلّى).

3- «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت.
وقد نقل عنه المؤلف في مادة (بقل) .

4- «المسائل الحلبيات» لأبي علي الفارسي.

نقل عنه المؤلف في عدّة مواضع دون ذكر اسم الكتاب

5- «معاني القرآن» للفرّاء». إلى جانب مصادر أخرى.

ليأتي بعد ذلك بثناء العلماء عليه، والناقلين عنه، والمتأثرين به، ويحدثنا عن محنته ووفاته، ليخلص إلى ملامح من شخصية الراغب العلمية رحمه الله قائلا: «كلّ هذه الأمور تدلّ على عدم انطواء الراغب على نفسه، وانعزاله عن المجتمع، بل تؤكد أنّه كان مشاركا لأهل العلم والأدب في مجالسهم، مراجعا لهم في أقوالهم، وأمّا عدم شهرته فلأنّه كان مع الحكماء، وللعامة نظرة معادية للحكماء، ولكن أبى الله إلّا أن يرفع ذكره، ويخلد أثره عن طريق كتبه ومؤلفاته، رحمه الله وأجزل مثوبته».

وقد ذكر المصنف رحمه الله في مقدمة الكتاب وجه الاحتياج للاشتغال بالعلوم اللفظية، وفي ذلك يقول مؤكدا: «وذكرت أنّ أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة».

وعن منهجه وسلوكه الذي سلكه في هذا الكتاب المميز في علم غريب القرآن الكريم يقول في مقدمته: «وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدّم ما أوله الألف، ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على «الرسالة» التي عملتها مختصّة بهذا الباب».

مع اشتمال الكتاب على فهارس علمية شاملة، جامعة وافية، عمل على إنجازها المحقق بغية التسهيل على الباحثين مهمة الرجوع إليه لمراجعة أي كلمة، وآية، أو مثل، أو حكمة أو بيت شعر، أو مسألة علمية من مسائل العلم المختلفة، فكان مجموعها 22 فهرسا.

إنجاز: طه الراضي
مركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق