مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الرابعة والعشرون)

الفاء

[28] فرعون: ومن دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- الظلم والطغيان: قال الله تعالى: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه: 24]، قال الطاهر ابن عاشور: «لَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُ الْآيَتَيْنِ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْخِلَ الرَّوْعَ فِي نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ مُوَاجَهَةُ أَعْظَمِ مُلُوكِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بِالْمَوْعِظَةِ وَمُكَاشَفَتُهُ بِفَسَادِ حَالِهِ»(1).

وتكرر الأمر بالذهاب إلى فرعون والتنصيص على طغيانه في السورة نفسها، يقول الله تعالى: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [طه: 43]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَكَانَ فِرْعَوْنُ مِنْ أَهْلِ الطُّغْيَانِ»(2).

2- التكبر والتعالي: قال الله تعالى: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83].

ومنه قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَمَعْنَى الْعُلُوِّ هُنَا الْكِبْرُ، وَهُوَ الْمَذْمُومُ […] وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَسْتَشْعِرَ نَفْسَهُ عَالِيًا عَلَى مَوْضِعِ غَيْرِهِ لَيْسَ يُسَاوِيهِ أَحَدٌ»(3).

وقد صور لنا القرآن الكريم فرعون في صورة الطاغية، الفاسد، المتكبر، المتجبر، المتعالي، الظالم، المكذب بآيات الله، وكلها من قبيح الخلال وأبشعها، وأصبحنا نطلق على من هذه صفاته وتصرفاته فرعون تشبيها له به؛ لأن من عادة البشر تشبيهَ بعضهم البعض برموز الخير والشر، أو الصلاح والفساد.

وقد قيل: إن القرآن الكريم لم يحدد اسم ذلك الفرعون لكي يجعله رمزا لكل طاغية يصل به استبداده إلى التأله ثم إلى الهزيمة والخيبة هو وجنده وعسكره وملأُه.

القاف

[29] القلائد: ومن دلالات القلائد في القرآن الكريم:

1- حماية الهدي: قال الله عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلَائِدَ) [المائدة: 2]، قال الطاهر ابن عاشور: «والقلائد: جمع قِلادة، وهي ضفائر من صوف أو وَبَر، يربط فيها نعلان أو قطعة من لِحَاءِ الشجر، أي: قِشره، وتوضع في أعناق الهدايا مشبَّهة بقلائد النساء، والمقصود منها أن يُعرف الهدي فلا يُتَعرّض له بغارة أو نحوها»(4).

2- عدم التعرض للمحرم بسوء: قال الطاهر ابن عاشور: «قد كان بعض العرب إذا تأخّر في مكة حتّى خرجت الأشهر الحُرُم، وأراد أن يرجع إلى وطنه، وضع في عنقه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يُتَعرّضُ له بسوء»(5).

وهو من التدابير الوقائية للمحافظة على الهدي وسلامة المحرم.

الكاف

[30] الكعبة: من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- قبلة المصلي: قال الطاهر ابن عاشور: «وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الكَعْبَةِ فِي الحَنِيفِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا بَنَى الكَعْبَةَ اسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ وَعند الصَّلَاة، وَأَنه بَنَاهَا لِلصَّلَاةِ حَوْلَهَا، فَإِنَّ دَاخِلَهَا لَا يَسَعُ الجَمَاهِيرَ مِنَ النَّاسِ. وَإِذَا كَانَ بِنَاؤُهَا لِلصَّلَاةِ حَوْلَهَا فَهِيَ أَوَّلُ قِبْلَةٍ وُضِعَتْ لِلمُصَلِّي تُجَاهَهَا، وَبِذَلِكَ اشْتَهَرَتْ عِنْدَ العَرَبِ»(6). وبذلك فهي رمز للقبلة عند المسلمين وشرط من شروط صحة الصلاة كما سنرى في الدلالة الثانية.

2- شرط من شروط صحة الصلاة: فقد «اتفق علماء الإسلام على أن استقبال الكعبة، أي: التوجه إليها شرط من شروط صحة الصلاة المفروضة والنافلة إلا لضرورة في الفريضة كالقتال والمريض لا يجد من يوجهه إلى جهة القبلة أو لرخصة في النافلة للمسافر إذا كان راكبا على دابة أو في سفينة لا يستقر بها. فأما الذي هو في المسجد الحرام ففرض عليه استقبال عين الكعبة من أحد جوانبها ومن كان بمكة في موضع يعاين منه الكعبة فعليه التوجه إلى جهة الكعبة التي يعاينها فإذا طال الصف من أحد جوانب الكعبة وجب على من كان من أهل الصف غير مقابل لركن من أركان الكعبة أن يستدير بحيث يصلون دائرين بالكعبة صفا وراء صف بالاستدارة، وأما الذي تغيب ذات الكعبة عن بصره فعليه الاجتهاد بأن يتوخى أن يستقبل جهتها»(7). لأن القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، وفيها استحضار لوحدانية الله تعالى كما سنرى.

3- استحضار وحدانية الله تعالى: «بناء على أن الكعبة أجدر بيوت الله بأن يدل على التوحيد كما تقدم فهو أجدر بالاستقبال من بيت المقدس، ولأن في استقبالها إيماءً إلى استقلال هذا الدين عن دين أهل الكتاب»(8)، وقد «اتفق علماؤنا على أن الاستقبال لجهة معينة كان مقارنا لمشروعية الصلاة في الإسلام، فإن كان استقباله جهة الكعبة عن اجتهاد من النبيء صلى الله عليه وسلم فعلّته أنه المسجد الذي عظمه أهل الكتابين والذي لم يداخله إشراك ولا نصبت فيه أصنام، فكان ذلك أقرب دليل لاستقبال جهته ممن يريد استحضار وحدانية الله تعالى»(9).

اللام

[31] اللون الأبيض: من دلالات هذا اللون في القرآن الكريم:

1- النقاء والنعيم: ورد اللون الأبيض في القرآن الكريم في سياق ذكر جزاء أهل النعيم، قال الله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران: 107]، وفي سياقات أخرى لم يرمز فيها القرآن الكريم لدلالات معينة، ومن العجيب أنني وجدت أن المرأة من أهل المغرب تحد على زوجها المتوفى باللباس الأبيض عكس المشارقة، وفي ذلك الرمز دلالات لا تخفى.

يقول الطاهر ابن عاشور: «وَيُقَالُ حِدَادٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ تَرْكُ الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَمَصْبُوغَ الثِّيَابِ إِلَّا الْأَبْيَضَ، وَتَرْكُ الْحُلِيِّ»(10). فقد استثنى الأبيض من بين مصبوغ الثياب، وهذا أمر لا دلالة عليه من القرآن أو السنة، وإنما اتفق العرف في مكان ما عليه فسار عليه الناس، وإنما المتفق عليه غير الجميل من الثياب، غير أن هناك ما يعتبره عادة محمودة وليس أمرا شرعيا تأثم المرأة بتركه، بل فعله وتركه سواء.

وقد قيل في عرف المغاربة: إن المرأة التي تلبس غير الأبيض في حدادها ترغب في الزواج مرة أخرى.

وإن ارتبط الأبيض بالحزن والحداد تارة، فهو يرتبط بالفرح تارة أخرى، فعادة يكون ثوب العروس أبيضَ دالا على النقاء والصفاء، في جو يسوده الفرح والسعادة. وبذلك فهذا اللون يحمل دلالات متناقضة بين الحزن والفرح، وقد يحمل دلالات أخرى يقتضيها السياق.

[32] اللون الأسود: من دلالات هذا اللون في القرآن الكريم:

1- الحزن والهم: ورد اللون الأسود في القرآن الكريم في سياقين اثنين أولهما في سياق الغضب، قال الله تعال: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل: 58].

والثاني في سياق ذكر جزاء أهل الشقاء، يقول الله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 60]، ولورود اللون الأسود في هذا السياق، ارتبط عند العرب بالمآتم والأتراح، وخاصة في المشرق، فتجد المرأة المعتدة تلبس اللباس الأسود تعبيرا منها على الحزن، فهي تتنزه في عدتها عن الألوان الأخرى ذات دلالات مغايرة.

[33] اللون الأخضر: من دلالات هذا اللون في القرآن الكريم:

1- الحياة والخير والخصب: ورد اللون الأخضر في القرآن الكريم في سياق ذكر المنعمين في الجنة، قال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 31]، وهو سياق النعمة.

وكذلك في سياق ذكر مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ جَمَالِ الْمَصْنُوعَاتِ فِي الْمَرْأَى، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [الحج: 63]، وهو سياق الخصب.

كما ورد في سياق وصف الشجر، قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) [يس: 80]، قال الطاهر ابن عاشور: «إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَخْضَرِ اللَّوْنَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ لَازِمُهُ، وَهُوَ الرُّطُوبَةُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ أَخْضَرُ اللَّوْنِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا جَفَّ وَزَالَتْ مِنْهُ الْحَيَاةُ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ إِلَى الْغَبَرَةِ، فَصَارَتِ الْخُضْرَةُ كِنَايَةً عَنْ رُطُوبَةِ النَّبْتِ وَحَيَاتِهِ»(11)، وهو سياق الحياة.

وليس يخفى ما للون من دلالة رمزية وقدرة تعبيرية وإيحائية كبيرة انعكست على حياتنا اليومية وعلى سلوكاتنا في التواصل اليومي، فارتبط اللون الأبيض تارة بالأفراح، وارتبط اللون الأسود بالحزن والأتراح، وارتبط اللون الأخضر أيضا بالحياة والخير والخصب، وكذلك بالفرح والسرور والابتهاج.

ولما ورد الأخضر في سياق وصف الجنة كثيرا، سواء في لباس أهلها وأفرشتها، أثار انتباهي أن أغلب المساجد، وكذلك الأضرحة والزوايا، تستخدم اللون الأخضر إلى جانب اللون الأبيض غالبا في الكساءات والأغطية والزرابي، وتستخدمه أيضا لتلميع الأبواب والنوافذ، تشبيها للمسجد بجنة المسلمين، وتعبيرا منها عن أن مقام صاحب الضريح مقام محمود في الجنة، خاصة وأنه قد ارتبط في أذهاننا أن الجنة خضراء، وهو أيضا لون الخصب لارتباطه بفصل الربيع، وهو أخصب فصول السنة.

الميم

[34] المسجد الحرام: من دلالات المسجد الحرام في القرآن الكريم:

1- التعظيم والحُرمَة: فـ«المسجد الحرام المسجد المعهود عند المسلمين، والحرام المجعول وصفا للمسجد هو الممنوع، أي: الممنوع منع تعظيم وحرمة، فإن مادة التحريم تؤذن بتجنب الشيء فيفهم التجنب في كل مقام بما يناسبه. وقد اشتهر عند العرب وصف مكة بالبلد الحرام، أي: الممنوع عن الجبابرة والظلمة والمعتدين، ووصف بالمُحرم في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) [إبراهيم: 37]، أي: المعظم المحترم. وسمي الحرم، قال تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) [القصص: 57]»(12).

2- قِبلَة المسلمِين: قال تعالى: (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ) [البَقَرَة: 144].

فوصفُ الكعبةِ بالبيتِ الحرامِ وحرمِ مكةَ بالحرمِ أوصافٌ قديمة شائعة عند العرب، فأما اسم المسجد الحرام فهو من الألقاب القرآنية، جُعل عَلما على حريم الكعبة المحيط بها، وهو محل الطواف والاعتكاف، ولم يكن يعرف بالمسجد في زمن الجاهلية، إذ لم تكن لهم صلاة ذات سجود، والمسجد مكان السجود، فاسم المسجد الحرام علم بالغلبة على المساحة المحصورة المحيطة بالكعبة، ولها أبواب، منها: باب الصفا، وباب بني شيبة. ولما أطلق هذا العلم على ما أحاط بالكعبة لم يتردد الناس من المسلمين وغيرهم في المراد منه(13).

3- استقبال الملِك: ذلك أن استقبال القبلة «حكمة عظيمة، ذلك أن المقصود من الصلاة العبادة والخضوع لله تعالى، وبمقدار استحضار المعبود يقوى الخضوع له، فتترتب عليه آثاره الطيبة في إخلاص العبد لربه وإقباله على عبادته، وذلك ملاك الامتثال والاجتناب. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ولما تنزه الله تعالى عن أن يحيط به الحس تعين لمحاول استحضار عظمته أن يجعل له مذكرا به من شيء له انتساب خاص إليه، قال فخر الدين: «إن الله تعالى خلق في الإنسان قوة عقلية مدركة للمجردات والمعقولات، وقوة خيالية متصرفة في عالم الأجسام، وقلما تنفك القوة العقلية عن مقارنة القوة الخيالية، فإذا أراد الإنسان استحضار أمر عقلي مجرد وجب أن يضع له صورة خيالية يحسها حتى تكون تلك الصورة الخيالية معينة على إدراك تلك المعاني العقلية، ولما كان العبد الضعيف إذا وصل إلى مجلس الملك العظيم لا بد من أن يستقبله بوجهه ويبالغ في الثناء عليه بلسانه وفي الخدمة له، فاستقبال القبلة في الصلاة يجري مجرى كونه مستقبلا للملك، والقرآن والتسبيحات تجري مجرى الثناء عليه، والركوع والسجود يجري مجرى الخدمة»»(14). وهذه حكمة عظيمة من حكم الله تعالى المطلع على كل شيء، وهذا ما يفسر أيضا أن سجادات الصلاة غالبا ما تكون عليها صورة مرسومة للكعبة المشرفة مأخوذة من أحد جوانبها، إذ يستحضرها المصلي في صلاته؛ لأنه يبقى دائم النظر فيها، وذلك يعين على استحضار المعاني العقلية.

[35] المائدة: من دلالات المائدة في القرآن الكريم:

1- آية من آيات نبوءة عيسى: قال الله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 112]، وقد سأل الحواريون عيسى المائدة «لَيْسَ شَكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُمْ سَأَلُوا آيَةً لِزِيَادَةِ اطْمِئْنَانِ قُلُوبِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِأَنْ يَنْتَقِلُوا مِنَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ إِلَى الدَّلِيلِ الْمَحْسُوسِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ بِالْمَحْسُوسِ آنَسُ»(15)، «وَإِنَّمَا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ كَوْنَ الْمَائِدَةِ مُنَزَّلَةً مِنَ السَّمَاءِ لِأَنَّهُمْ رَغِبُوا أَنْ تَكُونَ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، فَلَا تَكُونُ مِمَّا صُنِعَ فِي الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ عَالَمٍ عُلْوِيٍّ»(16). وقد جعلها الله تعالى بقدرته آية من آيات نبوءة عيسى عليه السلام تأييدا له.

2- اطمئنان قلوب الحواريين: قال الله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة: 113]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ: (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا)، أَيْ: بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْحِسِّيَّ أَظْهَرُ فِي النَّفْسِ، (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)، أَيْ: نَعْلَمُ عِلْمَ ضَرُورَةٍ لَا عِلْمَ اسْتِدْلَالٍ، فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمَانِ، (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ)، أَيْ: مِنَ الشَّاهِدِينَ عَلَى رُؤْيَةِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ، فَنُبَلِّغُهَا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا. فَهَذِهِ أَرْبَعُ فَوَائِدَ لِسُؤَالِ إِنْزَالِ الْمَائِدَةِ، كُلُّهَا دَرَجَاتٌ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي يَرْغَبُ فِيهِ أَمْثَالُهُمْ»(17).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 16/209.

2- التحرير والتنوير 16/226.

3- التحرير والتنوير 20/66.

4- التحرير والتنوير 6/82.

5- التحرير والتنوير 6/82.

6- التحرير والتنوير 2/10.

7- التحرير والتنوير 2/10.

8- التحرير والتنوير 2/28.

9- التحرير والتنوير 2/33.

10- التحرير والتنوير 2/447.

11- التحرير والتنوير 23/77.

12- التحرير والتنوير 2/29.

13- التحرير والتنوير 2/29.

14- التحرير والتنوير 2/30- 31، انظر تفسير الرازي 4/ 81- 82.

15- التحرير والتنوير 7/105.

16- التحرير والتنوير 7/106.

17- التحرير والتنوير 7/107.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق