مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي من خلال «لسان العرب» لابن منظور

 

1- مقدمة حول علم المعجم عند العرب:
بدأ التأليف المعجمي منذ فترة مبكرة من التاريخ العربي الإسلامي، أي منذ القرن الثاني الذي عَرَف ظهور أول معجم عربي وهو «معجم العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي(1)، ويمثل هذا الكتاب الذروة التي وصل إليها التأليف في المعاجم عند العرب؛ إذ مَرَّ جمع اللغة بمراحل ثلاث: ” المرحلة الأولى: جمع الكلمات حيثما اتفق […] المرحلة الثانية: جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في موضع واحد […] وتُوجَت هذه المرحلة بكتب تُؤَلَّفُ في الموضوع الواحد، فألف أبو زيد كتابا في المطر، وكتابا في اللبن. وألف الأصمعي كتبا كثيرة كل كتاب في موضوع […] المرحلة الثالثة: وضع معجم يشمل كل الكلمات العربية على نمط خاص ليرجع إليه من أراد البحث عن معنى كلمة”(2)، فكان «كتاب العين» الذي يمثل خلاصة ما وصل إليه التأليف في المعاجم عند العرب منذ القرون الهجرية الأولى. 

1- مقدمة حول علم المعجم عند العرب:

بدأ التأليف المعجمي منذ فترة مبكرة من التاريخ العربي الإسلامي، أي منذ القرن الثاني الذي عَرَف ظهور أول معجم عربي وهو «معجم العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي(1)، ويمثل هذا الكتاب الذروة التي وصل إليها التأليف في المعاجم عند العرب؛ إذ مَرَّ جمع اللغة بمراحل ثلاث: ” المرحلة الأولى: جمع الكلمات حيثما اتفق […] المرحلة الثانية: جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في موضع واحد […] وتُوجَت هذه المرحلة بكتب تُؤَلَّفُ في الموضوع الواحد، فألف أبو زيد كتابا في المطر، وكتابا في اللبن. وألف الأصمعي كتبا كثيرة كل كتاب في موضوع […] المرحلة الثالثة: وضع معجم يشمل كل الكلمات العربية على نمط خاص ليرجع إليه من أراد البحث عن معنى كلمة”(2)، فكان «كتاب العين» الذي يمثل خلاصة ما وصل إليه التأليف في المعاجم عند العرب منذ القرون الهجرية الأولى. 

ولم يعرف العرب  التأليف المعجمي قبل العصر العباسي لأسباب عدة أهمها: 

أ- انتشار الأمية بينهم، فالذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة قبل الإسلام قليلون.

ب- طبيعة حياتهم الاجتماعية القائمة على الغزو والانتقال من مكان إلى آخر.

ج- إتقانهم للغتهم، فقد كانت العربية عندهم لسان المحادثة والخطابة والشعر، وكان إذا احتاج أحد إلى تفهم معنى لفظ استغلق عليه، لجأ إلى مشافهة العرب ، أو إلى الشعر(3). 

إن البحث في المعاجم من أهم أبواب العلم المؤدية إلى معرفة كلام العرب على الوجه الصحيح، وهو أيضا المدخل إلى فهم كلام الله تعالى وكلام نبيه [ صلى الله عليه وسلم] فيما يتعلق بجانب الهيئات والإشارات والرموز كالإشارات التي كان يستعملها نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] في حديثه الشريف وبعض الرموز التي كانت موجودة في المجتمع العربي وتستعمل لأغراض تَعَارَفَ الناس عليها وألِفُوهَا فيما بينهم واستغنوا بها عن ما يقابلها في الكلام وهي كثيرة.  

وعنوان البحث: «معجم الهيئات والإشارات والرموز في التراث العربي من خلال “لسان العرب” لابن منظور»، وهو بحث ينظر في جانب من جوانب التراث العربي وهي الهيئات والإشارات والرموز ولكل منها دلالات تدل عليها تعارفَ عليها العرب في تواصلهم اليومي، وَوُجِد بعض منها في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف وفي أشعارهم، ووُجِدت مبثوثة في المعاجم العربية، وقد رأينا أنه من كبير الفائدة جمعها في كتاب يحفظها وفي عقد ينظِمها، انطلاقا من «لسان العرب» لابن منظور لما لهذا المعجم من أهمية كبرى بين المعاجم العربية.  

ولم نجد في الأدب العربي مع كثرة المعاجم العربية المصنفة ما بين شرح وتأصيل وحاشية وأمالٍ أو اختصار للأصول المنقول عنها مَن اهتَمَّ بجمع هذه الأصناف الثلاث أو التأليف فيها في كتب مستَقلة تَفِي بالغرض الذي نتوخاه. وقد حاولت أن ألتزم في هذا البحث بأمور ثلاثة وهي:  

أولا: استخدام المنهج الاستقرائي؛ إذ إن طبيعة البحث في المعجم تفرض على الباحث منهجا معينا للسير عليه في كل مراحل البحث وقد اعتمدت المنهج الاستقرائي لما له من قدرة في نظري على تقصي مواد البحث المراد دراستها؛ فقد كان عملي في البحث يقوم على استقراء المواد اللغوية من المعجم انطلاقا من «لسان العرب» لابن منظور، بالتركيز على الهيئات والإشارات والرموز، وتعريفها لغة، ومن ثم تحديد دلالاتها التي تدل عليها في التراث العربي مع الاستشهاد. 

ثانيا: تنويع الشواهد ما بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، بالإضافة إلى الشعر العربي الفصيح بتقديم الأدق منه فالأقدم فالأوثق، بمعنى إذا وجد شاهدان لشاعرين مختلفين نقدم الأدق منهما دلالة على المادة المستشهد عليها، وإن تَسَاويَا في الدقة نقدم الأقدم منهما وإن كانا معا قديمين نرجح الأوثق منهما بغية الحصر والتدقيق المنهجيين. 

إضافة إلى مجموعة من مصادر الأدب العربي التي اعتمدتها لشرح شاهد أو التعليق عليه أو إيضاح فكرة مستغلقة وهي كذلك متنوعة بين المصادر القديمة والمراجع الحديثة.

ثالثا: تخريج الأحاديث النبوية الشريفة من بطون كتب التخريج بذكر اسم الكتاب إضافة إلى رقم الصفحة والجزء إن وُجِد وكَذَا رقم الحديث، وقد اعتمدت في توثيق الإحالات الأخرى على ذكر اسم الكتاب أو الديوان فقط واسم الصفحة، أما ما يتعلق بمعلومات الكتاب أو الديوان المأخوذ منه كسنة الطبعة والمطبعة وما إلى ذلك فوضعتها في فهرس المصادر والمراجع وعرضتها بالتفصيل. إلا في بعض الحالات النادرة عند وجود كتاب واحد مثلا لكن بتحقيقين مختلفين فأضطر إلى ذكر اسم المحقق وما إلى ذلك.

أما بالنسبة للبحوث أو المقالات المنشورة في المجلات فتعمدت فيها وضع اسم المقال واسم الكاتب معا بالإضافة إلى اسم المجلة والعدد المنشور ضمنها، للتفريق المنهجي بين ما أخذتُه من الكتب وما أخذتُه من المجلات.

2- في ترجمة المؤلف:

أ- اسمه ونسبه وولادته:

هو محمد بن مكرم بن أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي القاسم(4)، ولد بالقاهرة في المحرم سنة ثلاثين وستمائة(5)،  قال الذهبي:” القاضي الأديب البليغ، جمال الدين، أبو الفضل، ابن الصدر الأوحد جلال الدين الأنصاري الرويفعي من ولد رويفع بن ثابت الخزرجي رضي الله عنه”(6). 

ب- مصنفاته:

خلف ابن منظور – رحمه الله- تراثا علميا زاخرا تُطلعنا عليه المصادر العربية التي ترجمت له، قال الصفدي:” أخبرني قطب الدين المذكور بقلعة الجبل في ديوان الإنشاء أن والده تَرَكَ بخطه خمسمائة مجلد”(7)، غير أن معظم هذا التراث ضَاع أو فُقِد مع ما ضاع من تراثنا  العربي، والجزء الآخر ما زال مخطوطا لم ينفض عنه الغبار بعد، وهي كتب ذات أهمية كبرى خاصة فيما يتعلق بجانب المختصرات التي أُولِع بها ابن منظور وَلَعا كَبِيرا، قال الصفدي:” قلت: وما أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره. من ذلك: كتاب الأغاني الكبير، رتبه على الحروف مختصراً. وزهر الآداب للحصري. واليتيمة. والذخيرة. ونشوان المحاضرة. واختصر تاريخ ابن عساكر. وتاريخ الخطيب. أوذيل ابن النجار عليه. وجَمَعَ بين صحاح الجوهري، وبين المحكم لابن سيده، وبين الأزهري، في سبع وعشرين مجلدة. ورأيت أنا أولها بالقاهرة، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن: كالشيخ بهاء الدين بن النحاس، وشهاب الدين محمود، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وغيرهم. واختصر صفوة الصفوة. ومفردات ابن البيطار. وكتاب التيفاشي. فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب، اختصره في عشر مجلدات، وسماه سرور النفس. ورأيت كتاب الصحاح للجوهري، في مجلدة واحدة بخطه، في غاية الحسن. ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره. رحمه الله تعالى”(8)، وباب المختصرات باب من العلم قَلما طرقه العلماء العرب مع ما فيه من كبير الفائدة خاصة اختصار أو تلخيص أهم المصادر العربية من قبيل كتاب «الحيوان» للجاحظ و«العقد الفريد» لابن عبد ربه وغيرها كثير.   

ويمكن تقسيم مصنفات وآثار ابن منظور – رحمه الله- إلى ثلاثة أقسام: 

أ‌- المطبوعة: ومنها:

1- «لسان العرب» وهو أهمها وأشهرها، وطبع الكتاب طبعات عديدة.

2- «مختار الأغاني في الأخبار والتهاني»، والكتاب مرتب على حروف الهجاء، حققه الأبياري وآخرون في ثمانية مجلدات سنة 1385هـ/ 1960م، وطبع بالدار المصرية للتأليف والترجمة.

3- «أخبار أبي نواس تاريخه، نوادره، شعره، مجونه» وطبع مؤخرا بتحقيق محمد عبد الرسول إبراهيم بدار البستاني للنشر والتوزيع.

4- «نثار الأزهار في الليل والنهار»، طبع الكتاب بمطبعة الجوائب بالقسطنطينية عام 1298هـ/1880م.

5- «سرور النفس بمدارك الحواس الخمس» وهو عبارة عن تهذيب لكتاب « فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب» للتيفاشي، حققه الدكتور إحسان عباس، ونشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1980م.

6- «مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر»، وقد حقق الكتاب مجموعة من المحققين وجاء في واحد وثلاثين جزءا والأصل فيه كما وضعه ابن منظور تسعة وعشرون مجلدا، والمجلدان الأخيران للفهارس العامة، نشرته دار الفكر بدمشق لأول مرة عام 1404هـ/1984م.

7- «تهذيب الخواص من درة الغواص»، حققه الدكتور أحمد طه والدكتورة هبة رضوان ونشرته دار النشر للجامعات ، القاهرة سنة 1432 هـ / 2011 م ، في 344 صفحة.

ب- المخطوطة:  

آثاره المخطوطة هي عبارة عن مجموعة من المختصرات أو التهذيبات منها: 

1- « لطائف الذخيرة في محاسن الجزيرة» وهو عبارة عن تلخيص لكتاب « الذخيرة في محاسن الجزيرة» لابن بسام.

2- «مختصر مفردات ابن البيطار».

3- «مختصر كتاب الحيوان للجاحظ».

ج- المفقودة:

وهي أيضا عبارة عن مجموعة من المختصرات، لما يعثر عليها، ومنها:

1- «مختصر زهر الآداب للحصري».

2- «مختصر العقد الفريد لابن عبد ربه».

3- «مختصر يتيمة الدهر للثعالبي».

بالإضافة إلى كتب من تأليفه ومنها:

1- «ذخيرة الكاتب».

2- «تذكرة اللبيب ونزهة الأديب».

قال الصفدي يتحدث عن كثرة مختصراته :” قلت مَا أعرف فِي كتب الأَدَب شَيْئا إِلَّا وَقد اخْتَصَرَهُ جمال الدّين بن المكرم فمما اخْتَصَرَهُ كتاب الأغاني ورتبه على الحُرُوف وزهر الآدَاب وَكتاب الحَيَوَان فِيمَا أَظن واليتيمة والذخيرة ونشوار المحاضرة وَغير ذَلِك حَتَّى مُفْرَدَات ابن البيطار وَكَانَ يختصر وَيكْتب فِي ديوَان الإِنْشَاء وَاخْتصرَ تَارِيخ ابْن عَسَاكِر وتاريخ الخَطِيب وذيل ابن النجار”(9).

وقال ابن حجر العسقلاني يتحدث عن كثرة مختصراته أيضا:” وَكَانَ مغرى بِاختِصَار كتب الأَدَب المطولة اختصر الأغاني وَالعقد والذخيرة ونشوار المحاضرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكِبَار وَكَانَ لَا يمل من ذَلِك”(10).

قال ابن العماد: “وله نظم ونثر، وفيه شائبة تشيّع”(11)، فمن شعره:

ضع كتابي إذا أتاك إلى الأر              ض وقلبه في يديك لمامَا

فعلى ختمــــه وفي جانبيه             قبل قد وضعتهن تؤامَا

كان قصدي بها مباشرة الأر           ض وكفيـك بالتثامي إذا مَا 

وقال:

الناس قد أثموا فينا بظنهم            وصدقوا بالذي أدري وتدرينَا

ماذا يضرك في تصديق قولهم            بأن نحقق ما فينا يظنونَا

   حملي وحملك ذنباً واحداً ثقة         بالعفو أجمل من إثم الورَى فينَا(12) 

ج- وفاته:

مات في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة(13)، عن اثنتين وثمانين سنة(14).

3- مكانة «لسان العرب» وأهميته بين المعاجم العربية، ومصادره، وشواهده:

أ- مكانته:

«لسان العرب» هو المعجم الموسوعي الكبير والشامل الذي ألفه ابن منظور، فهو أهم أعماله التي وصلت إلينا، و هو أيضا المعجم الذي شاع ذكره بين الباحثين في لغة الضاد في كل قطر من أقطار عالمنا العربي مقارنة مع عدد لا بأس به من المعاجم العربية. 

” فقد بلغت أصول المواد اللغوية ثمانين ألف مادة، وليس هذا بالشيء اليسير، وذلك إذا ما قِيسَ بالمواد والأصول اللغوية التي تتضمنها اللغات الكبرى المعروفة في علم اللغات واللسانيات العامة”(15).‏

وكذا فمجموع هذه المواد يمثل ضعفَ ما في المعاجم التي سبقته وكذلك المعاجم التي تلته مثل معجم «القاموس المحيط» للفيروزآبادي، وبذلك يكون هذا المعجم من أوفَى المعاجم وأشملِها للغة العربية وهو المقصد الذي قصده من هذا الكتاب، يقول ابن منظور ذاكرا قصده من تأليف هذا الكتاب أو جمع مواده – إن صح التعبير-:” فإنني لم أقصد سوى حفظ أصُول هَذِه اللُّغَة النَّبَوِيَّة وَضبط فَضلهَا، إِذْ عَلَيْهَا مدَار أَحْكَام الكتاب العَزِيز وَالسّنة النَّبَوِيَّة؛ وَلِأَن العالِمَ بغوامضها يعلم مَا تُوَافق فِيهِ النيةُ اللسانَ،  وَيُخَالف فِيهِ اللسانُ النيةَ، وَذَلِكَ لِما رأيتُه قد غلب، فِي هَذَا الأوان، من اخْتِلَاف الأَلْسِنَة والألوان، حَتَّى لقد أصبح اللّحن فِي الكَلَام يعد لحنًا مردودًا، وَصَارَ النطقُ بِالعَرَبِيَّةِ من المعايب معدودًا. وتنافس الناسُ فِي تصانيف الترجمانات فِي اللُّغَة الأعجمية، وتفاصحوا فِي غير اللُّغَة العَرَبيَّة، فَجمعت هَذَا الكتاب فِي زمنٍ أهلُهُ بِغَيْر لغته يفخرون، وصنعته كَمَا صنع نوحٌ الفلكَ وقومُه مِنْهُ يسخرون، وسميته [لسانَ العَرَب]” (16).

فقد كان غرض ابن منظور من جمع هذا الكتاب وصنعته حفظ أصول اللغة العربية؛ لغة الكتاب العزيز ولغة نبينا محمد [ صلى الله عليه وسلم] تسليما كثيرا، وبعدما لاحظه من إقبال الناس في عصره على الفخر بإتقان اللغة الأعجمية أو الترجمة عنها، وهكذا هي همة العلماء الغيورين على لغتهم في كل عصر، تأبى همتهم أن تُهان لغتهم ويُسخَر منها، وأن تُعَزَّ لُغَة العجم ويُفتخر بها.

وقد رتبَ ابن منظور معجمه وفقا لترتيب الجوهري لمعجمه قال:” شرطنا فِي هَذَا الكتاب المُبَارك أَن نرتبه كَمَا رتب الجَوهَرِي صحاحَه، وَقد قمنا، والمنَّة لله، بِمَا شرطناه فِيهِ”(17) (18)، وخالفه في الفصل الذي عقده الجوهري لتفسير الحروف المقطعة، قال:” إِلَّا أَن الأَزْهَرِي ذكر، فِي أَوَاخِر كِتَابه، فصلا جمع فِيهِ تفسيرَ الحُرُوف المقطَّعة، الَّتِي وَردت فِي أَوَائِل سور القُرْآن العَزِيز، لِأَنَّهَا ينْطق بهَا مفرّقة غير مؤلّفة وَلَا منتظمة، فتَرِد كل كلمة فِي بَابهَا، فَجعل لَهَا بَابا بمفردها؛ وَقد استخرتُ اللهَ تَعَالَى وقدمتها فِي صدر كتابي لفائدتين: أهمهما مقدَّمُهما، وَهُوَ التَّبَرُّك بتفسير كَلَام الله تَعَالَى الخَاص بِهِ، الَّذِي لم يُشَارِكهُ أحد فِيهِ إِلَّا من تبرك بالنطق بِهِ فِي تِلَاوَته، وَلَا يعلم مَعْنَاهُ إِلَّا هُوَ، فاخترت الِابْتِدَاء بِهِ لهَذِهِ البركَة، قبل الخَوْض فِي كَلَام النَّاس؛ وَالثَّانيِة أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي أول الكتاب كَانَت أقرب إِلَى كل مُطالع من آخِره، لِأَن العَادة أَن يُطالع أول الكتاب ليكشف مِنْهُ ترتيبه وغرض مُصَنفه، وَقد لَا يتهيأ للمُطالع أَن يكْشف آخِره، لِأَنَّهُ إِذا اطلع من خطبَته أَنه على تَرْتِيب الصِّحَاح أيِس أَن يكون فِي آخِره شَيْء من ذَلِك، فَلهَذَا قدَّمتُه فِي أوّل الكتاب”(19).

ب- مصادره:

جمع ابن منظور مادته العلمية في معجمه الكبير «لسان العرب» من خمسة أصول وهي: 

– « تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري.

– « المحكم والمحيط الأعظم في اللغة» لابن سيدة.

– « تاج اللغة وصحاح العربية» للجوهري.

– « حواشي ابن بري على صحاح الجوهري» لابن بري.

– « النهاية في غريب الحديث والأثر» لمجد الدين ابن الأثير.

وجمعها الناظم بقوله:

إنَّ مَصَـــــادر لسَان العربِ               وجِدَّ كُلّ الجِدِّ خمسُ كتبِ

وهْي الصِّحَاح للإمَام الجَوهرِي                 مع حَواشِيه وسِفْر الأَزهَرِي

   كذلك المحكَمُ والنهـــايَهْ                 لابن الأَثِير المجْد ذي الدرايَهْ(20) 

والكتاب عبارة عن جمع لما تفرق في هذه الأصول الخمسة، قال ابن منظور:” وَلَيْسَ لي فِي هَذَا الكتاب فَضِيلَة أمتُّ بهَا، وَلَا وَسِيلَة أتمسك بِسَبَبِهَا، سوى أَنِّي جمعت فِيهِ مَا تفرَّق فِي تِلْكَ الكتب من العُلُوم، وَبسطت القَوْل فِيهِ وَلم أشْبع باليسير، وطالِبُ العلم منهوم. فَمن وقف فِيهِ على صَوَاب أَو زلل، أَو صِحَة أَو خلل، فعهدته على المصنِّف الأوّل، وحمده وذمه لأصله الَّذِي عَلَيْهِ المعول. لأنني نقلت من كل أصل مضمونه، وَلم أبدل مِنْهُ شَيْئا، فَيُقَال فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه بل أديتُ الأَمَانَة فِي نقل الأُصُول بالفص، وَمَا تصرفت فِيهِ بِكَلَام غير مَا فِيهَا من النَّص؛ فليعتدّ منْ ينْقل عَن كتابي هَذَا أَنه ينْقل عَن هَذِه الأُصُول الخَمْسَة، وليَغْنَ عَن الاهتداء بنجومها فقد غَابَتْ لما أطلعتُ شمسَه”(21).

قال ابن منظور متحدثا عن المصادر التي نقل عنها، ذاكرا ما أغفلته هذه المصادر وانتبهَ له، وما نقصته فزاده، وما أهملته فأثبته:” وَلم أجد فِي كتب اللُّغَة أجمل من تَهْذِيب اللُّغَة لأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد الأَزْهَرِي، وَلَا أكمل من المُحكم لأبي الحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن سَيده الأندلسي، رحمهمَا الله، وهما من أمّهات كتب اللُّغَة على التَّحقِيق، وَمَا عداهما بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا ثنيَّات للطريق. غير أَن كُلًّا مِنْهُمَا مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك، وكأنَّ وَاضعه شرع للنَّاس موردا عذبا وجلاهم عَنهُ، وارتاد لَهُم مرعًى مربعًا ومنعهم مِنْهُ؛ قد أخّر وقدّم، وَقصد أَن يُعرب فأعجم. فرّق الذِّهْن بَين الثنائي والمضاعف والمقلوب وبدّد الفِكر باللفيف والمعتل والرباعي والخماسي فَضَاعَ المَطْلُوب […] وَلَيْسَ لذَلِك سَبَب إِلَّا سوء التَّرْتِيب، وتخليط التَّفْصِيل والتبويب. وَرَأَيْت أَبَا نصر إِسمَاعِيل بن حَمَّاد الجَوْهَرِي قد أحسن تَرْتِيب مُخْتَصره، وشهره، بسهولة وَضعه، شهرة أبي دُلف بَين باديه ومحتضره، فخف على النَّاس أمره فتناولوه، وَقرب عَلَيْهِم مأخذه فتداولوه وتناقلوه، غير أَنه فِي جو اللُّغَة كالذرّة، وَفِي بحرها كالقطرة، وَإِن كَانَ فِي نحرها كالدرّة؛ وَهُوَ مَعَ ذَلِك قد صحّف وحرّف، وجزف فِيمَا صرّف، فأُتيح لَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن بري فتتبع مَا فِيهِ، وأملى عَلَيْهِ أَمَالِيهِ، مخرِّجًا لسقطاته، مؤرِّخًا لغلطاته؛ فاستخرت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جمع هَذَا الكتاب المُبَارك، الَّذِي لَا يُساهَم فِي سَعَة فَضله وَلَا يُشارَك، وَلم أخرج فِيهِ عَمَّا فِي هَذِه الأُصُول”(22).

ج- شواهده:

تنوعت شواهد لسان العرب تنوعا كبيرا ما بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف إضافة إلى الأمثال والحِكَم العربية والشعر العربي الفصيح وهو كثير في الكتاب، يقول الدكتور شوقي ضيف متحدثا عن المادة الشعرية التي حواها الكتاب”وأضاف ابن منظور إلى معجمه الذي يقع في عشرين مجلّدًا، والذي سمّاه بحق «لسان العرب» إضافة جديدة بارعة، ولا نقصد جمعه واستقصاءه لمادة اللغة وشواردها، فقد كانت مجموعة مستقاة قبله، وإنّما نقصد المادة الشعرية الغزيرة التي أضافها إلى معجمه”(23). 

وقد تصدى لفهرسة شعراء «لسان العرب » الدكتور ياسين الأيوبي في كتابه الموسوم بـ « معجم الشعراء في لسان العرب ».

ــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- على اختلاف في نسبة هذا الكتاب  انظر مقدمة كتاب العين 1/11، تحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي الذي عرض وجهات النظر حول هذه المسألة وفصلها وناقشها.

2- ضحى الإسلام 2/ 263 وما بعدها.

3- مقدمة كتاب الصحاح 1/9. 

4- معجم شيوخ الذهبي ص:575.

5- معجم شيوخ الذهبي ص:575.

6- معجم شيوخ الذهبي ص:575. 

7- نكث الهميان في نكت العميان ص:262.

8- نكث الهميان في نكت العميان ص:262.

9- الوافي بالوفيات 5/38.

10- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 6/15.

11- شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8/49.

12- فوات الوفيات 4/39.

13- معجم شيوخ الذهبي ص:576، الوافي بالوفيات 5/37.

14- شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8/49. 

15- الدكتور عمر موسى باشا، لسان العرب المعجم اللُّغويّ العربيّ الكبير في التراث العربيّ، بحث منشور في موقع طريق الإسلام.

16- لسان العرب 1/8، طبعة مذيلة بحواشي اليازجي.

17- لسان العرب 1/9، طبعة مذيلة بحواشي اليازجي.

18- تجدر الإشارة هنا إلى أنه قد تم ترتيب الطبعات الجديدة للكتاب على أول حرف من الكلمة بدل الترتيب على الحرف الأخير كما وضعه ابن منظور وذلك تيسيرا للبحث فيه.

19- لسان العرب 1/9، طبعة مذيلة بحواشي اليازجي.

20- الأبيات من نظم الأستاذ والباحث أبي مدين شعيب تياو  الطوبوي الأزهري. 

21- لسان العرب 1/7، طبعة مذيلة بحواشي اليازجي.

22- لسان العرب 1/7، طبعة مذيلة بحواشي اليازجي.

23- عصر إحياء التراث العربي وتجديده ص:11، مقال للدكتور شوقي ضيف منشور في مجلة (المجلة)، العدد  رقم (112).

***********

المصادر والمراجع:

– الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عبد المعيد ضان، الطبعة الثانية 1392هـ/ 1972م، منشورات مجلس دائرة المعارف العثمانية – حيدر اباد/ الهند.

– الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للإمام الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الرابعة : 1407هـ‍/1987 م، منشورات دار العلم للملايين، بيروت.

– الوافي بالوفيات، للصفدي، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، منشورات دار إحياء التراث، عام النشر 1420هـ/2000م.

– شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، تحقيق محمود الأرناؤوط، وخرج أحاديثه عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1406هـ/1986م، منشورات دار ابن كثير، دمشق، بيروت.

– ضحى الإسلام، لأحمد أمين، منشورات الهيئة المصرية للكتاب سنة 1998م.

– عصر إحياء التراث العربي وتجديده، مقال للدكتور شوقي ضيف منشور في مجلة (المجلة)، العدد رقم (112).

– فوات الوفيات، محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين، تحقيق الدكتور إحسان عباس، الطبعة الأولى: الجزء الأول 1973م، الجزء الثاني والثالث والرابع عام 1974م، منشورات دار صادر بيروت، لبنان.

– لسان العرب المعجم اللُّغويّ العربيّ الكبير في التراث العربيّ، مقال للدكتور عمر موسى باشا، بحث منشور في موقع طريق الإسلام.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– لسان العرب، لابن منظور، الطبعة الثالثة: 1414 هـ، منشورات دار صادر، بيروت.

– معجم شيوخ الذهبي، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق وتعليق الدكتور روحية عبد الرحمن السيوفي، الطبعة الأولى 1410هـ / 1990م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– نكث الهميان في نكت العميان، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، علق عليه ووضع حواشيه مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى: 1428 هـ/ 2007 م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق