مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الخامسة والعشرون)

[26]  خَطُّ الحازي: و” الخَطُّ الكتابة ونحوها مما يُخَطُّ”(1)، ومن أنواع الخطوط التي جعلتها العرب رموزا الخط الذي يخطه الحازي وهو ضرب من ضروب الكهانة وله دلالتان متناقضتان ومختلفتان في التراث العربي:

1- اليُمْنُ وقضاءُ الحاجةِ بنَجَاح: حيث يأْتي صاحِبُ الحاجةِ إِلى الحازِي فيُعْطِيه حُلْواناً فيقول له: اقْعُدْ حتى أَخُطَّ لك وبين يدي الحازي غُلام له معَه مِيلٌ له ثم يأْتي إِلى أَرْضٍ رخْوَةٍ فيَخُطُّ الأُسْتاذ خُطوطاً كثيرة بالعجلة لئلا يَلْحَقها العدَدُ ثم يرجِعُ فيمحو منها على مَهَلٍ خَطَّيْنِ خطين فإِن بقي من الخُطوط خَطَّانِ فهما علامة قضاء الحاجة والنُّجْح قال والحازِي يمحو وغلامه يقول للتفاؤل ابنَيْ عِيان أَسْرِعا البَيان(2).

ومن طرائف هذا الباب أي الخط في الأرض ما ذكره صاحب «المستطرف» قال:” قال رجل: شَرَدَتْ لي إبل، فجئت إلى حلبس[الأسدي] فسألته عنها، فأمر بنته أن تخط لي في الأرض، فخطت، ثم قامت، فضحك حلبس ثم قال: أتدري قيامها لأي شيء ؟ قلت: لا؛ قال: قد علمت أنك تجد إبلك وتتزوجها، فاستحيت ثم خرجت؛ فوجدت إبلي ثم تزوجتها. وخرج عمر بن عبد الله بن معمر، ومعه مالك بن خداش الخزاعي غازيين، فمرا بامرأة وهي تخط للناس في الأرض، فضحك منها مالك هزؤًا، وقال ما هذا ؟ فقالت: أما والله لا تخرجُ من سجستان حتى تموت، ويتزوج عمرو هذا زوجتك؛ فكان كما ذكرت”(3).

2- الخيبَة والشؤم وعدم قَضَاء الحَاجَة: أما إِذا مَحا الحازِي الخُطوطَ فبقي منها خَطٌّ واحد فهي علامة الخَيْبةِ في قضاء الحاجة؛ وكانت العرب تسمي ذلك الخطّ الذي يبقى من خطوط الحازي الأَسْحَم، وكان هذا الخط عندهم مشْؤُوماً.

قال جواد علي:” ويدخل في ضروب التنبؤ “الخط” وهو الذي يخطه الحازي. يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا، فيقول له: اقعد حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: «ابني عيان، أسرعا البيان»، فإن بقي خطان فهما علامة النجح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة … وقيل: الخط هو أن يخط ثلاثة خطوط، ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا. وهو ضرب من الكهانة. وكانت العرب تسمي ذلك الخط الذي بقي من خطوط الحازي الأسحم. وكان هذا الخط عندهم مشؤومًا. وقد كان الخط من علوم العرب القديمة”(4).

[27]  الخَيَالُ: ” قال الأصمعي: الخيال خشبة توضع فيلقى عليها الثوب للغنم إذا رآها الذئب ظن أنه إنسان، وعن الجوهري في «الصحاح» أنها تنصب للطير والبهائم فتظنه إنسانا ولا تسقط فيه”(5)، ومن دلالاتها أنها:

1- تُوهمُ الذِّئْب: قال الراجز:

تَخَالها طائرة ولم تطرْ              كأنها خيلان راع محتظرْ(6) 

أي أنها تشبه خيلان الراعي الذي يصنعه ليوهم الذئب بأن الراعي موجود وإن كان غير موجود في الحقيقة. 

-د-

[28]  الدردبيس: الدردبيس” خَرَزَةٌ سوداءُ كأَن سوادَها لونُ الكَبِدِ، إِذا رفعتها واستَشْفَفْتَها رأَيتها تَشِفُّ مِثْلَ لَوْنِ العِنَبَةِ الحَمْرَاءِ، تَتَحَبَّبُ بِهَا المرأَة إِلى زَوْجِهَا، تُوجَدُ فِي قُبور عادٍ […] قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مِنَ الخَرَزِ الَّتِي يُؤَخِّذ بِهَا النساءُ الرجالَ “(7)، ومن دلالات هذا الرمز عند العرب أن:

1- المرأة تَتَحَبَّب بها إلى زوجِها: قال الشاعر:

قَطَعْتُ الْقَيْدَ وَالْخَرَزَاتِ عَنِّي،               فَمَنْ لِي مِنْ عِلَاجِ الدَّرْدَبِيسِ؟(8) 

وقال آخر:

جَمَعْنَ من قَبَلٍ لَهُنَّ وَفَطْسَةٍ                        وَالدَّرْدَبِيسِ مُقَابَلًا فِي المنْظمِ(9) 

ومن مقولاتهن في تأخيذ الرجل بالدردبيس «أَخَّذْتُهُ بالدردبيس تُدِرُّ العِرْقَ اليَبِيس»(10).

[29] خَلْطُ الدم: ” الدم من الأخلاط: معروف”(11)، وعدم خلط الدماء مع بعضها البعض في التراث العربي رمز يدل على:

1- شِدَّة العَدَاوة والبُغض: قال المثقب العبدي:

لَعَمْرُك إِنَّنِي وَأَبا رَبَاحٍ                   عَلَى طُولِ التَّهَاجُرِ مُنْذُ حِينِ

لَيُبْغِضُنِي وَأُبْغِضُهُ وَأَيْضًا                     يَرَانِي دُونَهُ وَأَرَاهُ دُونِي

فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا                 جَرَى الدَّمَيَانِ بِالخَبَرِ الْيَقِينِ(12)

قال:” والمعنى أنه لشدة ما بينهما من العداوة لا تختلط دماؤهما، فلو ذبحا على حجر لافترق الدميان”(13). ومثله قول المتلمس الضبعي يخاطب الحارث بن التوأم اليشكرى:

أَحَارِثُ إِنَّا لَوْ تُشَاطُ دِمَاؤُنَا            تَزَيَّلْنَ حَتَّى لَا يَمَسَّ دَمٌ دَمَا(14) 

وكانت العرب تزعم أن الرجلين المتعاديين إذا ذبحا لم تختلط دماؤهما لشدة عداوتهما وتباغضهما.

-ذ-

[30]  الذُّبَاب: ” الذُبابُ الأَسْوَدُ الَّذِي يَكُونُ فِي البُيوتِ، يَسْقُط فِي الإِناءِ والطَّعامِ، الواحدةُ ذُبابةٌ، وَلَا تَقُلْ ذِبَّانة “(15)، والعرب تقول الذباب في موضع تدل به على:

1- الشؤم والتطير: وفي الحديث: «أن النبي[صلى الله عليه وسلم] رأى رجلا طويل الشعر، فقال ذباب»(16)؛ أي هذا شؤم.

[31] ذَبَائِحُ الجن: ذبائح الجن” أَن يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّارَ أَو يَسْتَخْرِجَ مَاءَ العَيْنِ وَمَا أَشبهه فَيَذْبَحُ لَهَا ذَبِيحَةً للطِّيَرَة” (17)، ومن دلالة هذا الرمز أو هذه العادة عند العرب أنها تذبح:

1- مَخَافَة أن تصيبهم الجن وتؤذيهم: ولذلك أضيفت الذبائح إليهم، وفي الحديث «أَنَّهُ نَهى عَنْ ذَبائح الجِنِّ»(18)؛ ومعنى الحديث أنهم يتطيرون إلى هذا الفعل، مخافة أنهم إن لم يذبحوا أو لم يطعموا أن يصيبهم فيها شيء من الجن يؤذيهم، فأبطل النبي [صلى الله عليه وسلم] هذا ونهى عنه(19).

يقول جواد علي:” وكان الرجل في الجاهلية إذا اطَّرَف دارا ذبح فيها ذبيحة، يتقي بها أذى الجن، لاعتقادهم أن في كل دار جنا يقيمون بها فلترضيتهم وللتقرب إليهم، يذبحون ذبيحة عرفت عندهم بـ “ذبائح الجن”. ولا تزال عادة الناس ذبح ذبيحة عند الابتداء ببناء دار، وعند الانتقال إليها. وكانوا أيضًا يذبحون ذبيحة عند استخراجهم عينا، أو شرائهم دارا، أو بنيانهم بنيانا، مخافة أن تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح إليهم لذلك”(20).

[32] ذَاتُ الرِّمَاح:” ذاتُ الرِّماحِ فَرَسٌ لأَحَدِ بني ضَبَّة وكانت إِذا ذُعِرَتْ تَباشَرَتْ بنو ضَبَّة بالغُنْمِ”(21)، وهو عند بني ضبة رمز يدل على:

 – البُشْرَى والغُنْم: قال الأصم الضبي:

إِذَا ذُعِرَتْ ذَاتُ الرِّمَاحِ جَرَتْ لَنَا                أَيَامِنُ بِالطَّيْرِ الْكَثِيرِ غَنَائِمُهْ(22) 

قال ابن زياد الأعرابي:” ومن بني ضبة ثم من بني كوز فارس ذات الرماح، وكانت فرسه إذا ذعرت تباشرت بنو ضبة بالغنم، ففي ذلك يقول الأصم، وهو قيس بن عسعس، أحد بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة”(23) ثم ذكر البيت أعلاه.

ـــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 5/101 .

2- لسان العرب 5/101 .

3- المستطرف في كل فن مستظرف 2/396.

4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/359.

5- لسان العرب 5/193 .

6- البيت في لسان العرب 5/194 ، منسوب لراجز.

7- لسان العرب 5/240.

8- لسان العرب 5/240، بدون نسبة.

9- لسان العرب 5/240، و 11/198، بدون نسبة.

10- لسان العرب 5/240.

11- لسان العرب 5/305.

12- ديوان المثقب العبدي ص: 282-283.

13- ديوان المثقب العبدي ص: 283.

14- ديوان المتلمس الضبعي ص:16.

15- لسان العرب 6/16.

16- النهاية في غريب الحديث والأثر 2/152.

17- لسان العرب 6/18.

18- النهاية في غريب الحديث والأثر 1/308.

19- لسان العرب 6/18.

20- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/296.

21- لسان العرب 6/221.

22- شعر الخوارج ص:126، أسماء خيل العرب وفرسانها ص:100.

23- أسماء خيل العرب وفرسانها ص:100.

******************

المصادر والمراجع:

– أسماء خيل العرب وفرسانها، لأبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي، تحقيق ودراسة الدكتور محمد عبد القادر أحمد، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م، منشورات مكتبة النهضة المصرية.

– ديوان المتلمس الضبعي، عني بتحقيقه وشرحه والتعليق عليه حسين كامل الصيرفي، منشورات جامعة الدول العربية معهد المخطوطات العربية، عام 1390هـ /1970م.

– ديوان المثقب العبدي، عني بتحقيقه وشرحه والتعليق عليه حسين كامل الصيرفي، منشورات جامعة الدول العربية معهد المخطوطات العربية، عام 1391هـ /1971م.

– شعر الخوارج، جمع وتقديم الدكتور إحسان عباس، الطبعة الثانية 1974م، منشورات دار الثقافة، بيروت، لبنان.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المستطرف في كل فن مستظرف، لبهاء الدين أبي الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي، عني بتحقيقه إبراهيم صالح، الطبعة الأولى عام 1999م، منشورات دار صادر، بيروت، لبنان.

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م.

– النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي، منشورات المكتبة العلمية، بيروت عام: 1399هـ / 1979م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق