مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي من خلال لسان العرب لابن منظور (الحلقة العشرون)

[5] إيقاد النار:  يقال:” وَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ وَقْداً وقِدةً ووَقَداناً وَوُقُوداً […] وقَدَتِ النارُ تَقِدُ وُقُوداً، بِالضَّمِّ، ووَقَداً وقِدَةً ووَقِيداً ووَقْداً ووَقَداناً أَي تَوَقَّدَتْ. والاتِّقادُ: مِثْلُ التَّوَقُّد. والوَقُود، بِالْفَتْحِ: الْحَطَبُ، وَبِالضَّمِّ: الاتِّقادُ […] وَيُقَالُ: أَوقَدْتُ النَّارَ واستَوْقَدْتُها إِيقاداً واسْتِيقاداً. وَقَدْ وقَدَتِ النارُ وتَوقَّدَتْ واستَوْقَدتِ اسْتِيقاداً”(1)، ومن دلالات إيقاد النار في التراث العربي: 

1- إرشاد الساري: وشاهده قول الخنساء في أخيها:

فإذا أضَاءَ وجَاشَ مرجله               فلنِعْمَ ربُّ النارِ والقدرِ(2) 

قال ثعلب في تفسير البيت:” أضاء، أي أضاء ناره، أي: إذا أضاء ناره للساري”(3)

2- طلب القِرَى والضيافة: قالت الخنساء في صفة أخيها صخر:

 ولم يتنور ناره الضيف موهنا                  إلى علم لا يستكن من السفر(4) 

وقال عوف بن الأحوص:

ومستنبح يخشَى القواء ودُونه       من الليل بابا ظلمة وستورها

رفعتُ له ناري فلما اهتَدَى بها        زَجَرتُ كِلابي أن يَهِر عُقُورُهَا (5) 

وقول مزرد بن ضرار:

فَأبصَر نَاري وهي شقراءُ أوقدت         بعلياء نَشزٍ، للعُيونِ النواظرِ(6) 

قال الجاحظ:” جعلها شقراء ليكون أضوء لها. وكذلك النار إذا كان حطبها يابساً كان أشد لحمرة ناره، وإذا كثر دخانه قل ضوءه”(7).

وَهَذِه النَّار كما يقول البغدادي كانت تسمى نَار الضِّيَافَة كَانُوا يوقدونها على الْأَمَاكِن المرتفعة لتَكون أشهر، وَرُبمَا يوقدونها بالمندلي الرطب وَهُوَ عطر ينْسب إِلَى منْدَل وَهُوَ بلد من بِلَاد الْهِنْد وَنَحْوه مِمَّا يتبخر بِهِ ليهتدي إِلَيْهَا العميان(8)، أو نَار الْقرى وَهِي نَار توقد لاستدلال الأضياف بهَا على الْمنزل(9).

وقيل كان أبو حباحب من محارب خصفة، وكان بَخِيلاً، فكان لا يُوقِدُ نارَه إِلاَّ بالحَطَب الشَّخْتِ لئلا تُرَى،  وقيل اسمه حُباحِبٌ، فضُرِبَ بِنارِه المَثَلُ لأَنه كان لا يُوقِدُ إِلا ناراً ضَعِيفةً، مَخَافةَ الضِّيفانِ(10)، وصار يضرب مثلا للذم والهجاء، وإن كان العكس صار مثلا للمدح والثناء كما قال الشاعر:

ألسنَا أكرمَ الثقلينِ طرا             وأعظمهم ببطنِ حراء نارَا(11) 

وقال الراجز أيضا:

لَا يُوقِدُونَ النَّارَ إِلَّا لِسَحَرْ،

ثُمَّتَ لَا تُوقَدُ إِلَّا بالبَعَرْ،

ويَسْتُرون النَّارَ مِنْ غيرِ خَدَرْ (12) 

أي من غير غيم ولا مطر يمنع بقاءها موقدة فيقصدها الضيف. والعرب تسمي الذي ينزل وحده ويأكل وحده بالنهار، فإذا كان الليل أكل في ضوء القمر لئلا يراه الضيف: الدنيق والكيص والصوص(13). 

3- الشهرة: قال زهير:

وتوقَدْ نَاركم شَرَراً ويُرفَعْ                       لَكُم في كُلِّ مَجمَعَة لِوَاءُ(14) 

وذكر الأعلم الشنتمري أن قوله « وتوقد ناركم شررا » أي: يظهر أمركم في الناس، وينتشر خبركم. وقوله «شررا» أي: ليست بنار حرب، إنما هي نار شهرة، يطير لها شرر في الناس. وضرب الشرر لما ينتشر عنهم، ويشهر من أمرهم. والنار يضرب بها المثل في الشهرة(15).

4- عدم الخوف من العدو: قال جرير:

ونحن الموقدون بكل ثغر                 يخاف به العدو عليك نارا (16) 

5- الكَرَم: قال القطامي يمدح يزيد بن معاوية:

وأشرق أجبال العوير بفاعل          إذا خبت النيران بالليل أوقدا (17) 

قال الأعشى يمدح المحلق بن خنثم بن شداد بن ربيعة:

لعمري لقد لاحت عيون كثيرة              إلى ضوء نار باليفاع تحرقُ

تشب لمقرورين يصطليانها            وبات على النار الندى والمحلقُ (18) 

قال الشارح:” اليفاع: الأرض المرتفعة. وإنما يوقد الكريم النار على التلال والجبال ليعرف مكانه، وليراها الناس من بعيد فيقصدوا إلى ضيافته”(19).

[6] إخمادُ النار: يقال “خمدت النار تَخْمُد خُموداً سكن لهبها ولم يُطْفأْ جمرها وهمَدت هموداً إِذا أُطفئَ جمرها البتة وأَخْمد فلان نارَه وقوم خامدون لا تسمع لهم حساً”(20)، وإخماد النار عند العرب يدل على:

1- الخوف من الضيوف: قال لبيد يمدح أباه بإكرامه الضيفَ إذا أخمَد غيره النَّار:

وجدتُ أَبي ربيعًا لليتَامَى          وللأضيافِ، إذ حُبَّ الفَئِيدُ(21) 

قال ابن منظور:” الفئيد: النار أي سكن لهبها بالليل لئلا يضوي إليها ضيف أو طارق”(22).

2- البُخْل: قال الأخطل:

قَوْمٌ إِذا اسْتَنْبَحَ الأَضْيافُ كَلْبَهُمُ                      قالوا لأُمِّهِم: بُولي على النَّارِ

فتمسك البول بخلا أن تجود به                        وما تبول لهم إلا بمقدارِ (23) 

قال الأَصمعي وغيره:” البَيْتُ الأَوَّل من هذين البَيْتَيْنِ أَهْجَى بيت قالته العَرَبُ لأَنه جَمَع ضُرُوباً من الهِجاءِ لأَنه نَسَبَهم إِلى البُخْل لكونهم يُطْفِئُون نارَهم مَخافةَ الضِّيفان وكونِهم يَبْخَلُون بالماءِ فيُعَوِّضُونَ عنه البولَ وكونِهم يَبْخَلُون بالحَطَبِ فنارُهُمْ ضَعِيفَةٌ يُطْفِئُها بَوْلَة وكونِ تلكَ البَوْلَة بَوْلَة عَجُوزٍ وهي أَقلُّ مِن بَوْلَةِ الشابة ووصَفَهم بامْتِهانِ أُمِّهم وذلك لِلُؤْمِهِم وأَنهم لا خَدَمَ لَهم”(24).

وقال عمرو بن قميئة:

صبرت على وطْء الموالي وحَطْمِهِم           إذا ضَنَّ ذُو القُربى عليهم وأخْمَدا (25) 

والمعنى إذا أخمد ناره بخلا.

[7] أَخْذُ رميح أَبي سَعْد: يقال “أَخذ الشيخُ رُمَيْحَ أَبي سَعْدٍ: اتَّكَأَ على العصا من كِبَره، وأَبو سعد أَحدُ وَفْدِ عاد، وقيل هو لقمان الحكيم” (26)، وصار أخذُ رُمَيْح أَبي سَعْد عند العرب رمزا دالا على:

1- الكِبَر والهَرَم: وحُكِي أن أبَا طاهر، قال: صرت إلى الجاحظ ومعي جماعة، وقد أسن واعتل في آخر عمره، وهو في منظرة له، وعنده ابن خاقان جاره، فقرعنا الباب فلم يفتح لنا، وأشرف من المنظرة فقال: ألا إني قد حوقلت، وحملت رميح أبي سعد، وسقت الغنم، فما تصنعون بي؟ سلموا سلام الوداع، فسلمنا وانصرفنا (27).

قال ابن نباتة في شرح قول الجاحظ:” وقوله: «رميح أبي سعد» هو رجل من العرب، أسن فاستعان بالعصا، وهو أول من فعل ذلك، فقيل لكل من شاخ:« أخذ رميح أبي سعد »” (28)، وإن لم يحمل العصا حقيقة.

وقال ذو الإصبع العدواني واسمه حرثان:

إن تزعما أنني كبرتُ فلم                         ألفَ بخيلاً نكساً ولا وَرَعَا

أَجْعَلُ مَالِي دُونَ الدَّنَا غَرَضاً                    وما وَهَى مِلأُْمُورِ فَانْصَدَعَا

إما تري شكتي رميحَ أبي                   سعدٍ فقد أحملُ السلاحَ معا(29) 

قال محقِّقا المفضليات: “أبو سعد: لقيم بن لقمان الحكيم، كبر حتى مشى على عصا. فيقول: إن كنت كبرت حتى مشيت على عصا فصار رميح أبي سعد شكتي فقد كنت أحمل السلاح معه “(30).

وقال عباس بن مرداس:

جزى الله خيرا خيرنا لصديقه                     وزوّده زادا كزاد أبي سعدِ

وزوّده صدقا وبرا ونائلا                 وما كان في تلك الوفادة من حمدِ (31) 

والعرب تقول  لمن انحنى ظهره من الكبر ” قد قاد العنز ” و ” رقع الشنّ “. ” وحمل رميح أبي سعد”(32)، قال أبو العلاء المعري:

رميحَ أبي سعدٍ حملت وقد أرى            وإني بلدن السمهري لرامحُ 

قال إبراهيم ناصيف اليازجي:” ورأْيته شَيْخا يَدِبُّ عَلَى العَصَا، وَقَدْ أَخَذَ رُمَيْح أَبِي سَعْد أَيْ اِتَّكَأَ عَلَى العَصَا هَرَماً، وَقَدْ أَصْبَحَ يَقُومُ عَلَى الرَّاحَتَيْنِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَنَالَ الأَرْض بِوَجْهِهِ مِنَ الكِبَرِ”(33)

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 15/255.

2- ديوان الخنساء بشرح ثعلب ص:111.

3- ديوان الخنساء بشرح ثعلب ص:111.

4- المصدر نفسه ص:133.

5- المفضليات ص:176.

6- في الحيوان 5/63،  والبخلاء ص:243، لمزرد بن ضرار ولم أجده في ديوانه.

7- البخلاء ص:243. 

8- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 7/147.

9- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 7/147.

10- لسان العرب 4/11.

11- البيت في لسان العرب 4/102، منسوب لجرير ولم أجده في ديوانه بطبعاته المعتمدة. 

12- الأبيات في لسان العرب 5/26.

13- لسان العرب 5/308. 

14- شعر زهير بن أبي سلمى ص:145. 

15- شعر زهير بن أبي سلمى ص:146. 

16- ديوان جرير 2/889.

17- ديوان القطامي ص:181. 

18- ديوان الأعشى ص:223-225.

19- ديوان الأعشى ص: 223. 

20- لسان العرب 5/152. 

21- شرح ديوان لبيد ص:40، وفي بعض الروايات « خمد الفئيد». 

22- لسان العرب 5/152. 

23- ديوان الأخطل ص:166. 

24- لسان العرب 6/131. 

25- ديوان عمرو بن قميئة ص:12. 

26- لسان العرب 6/221. 

27- سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ص: 253. 

28- سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ص: 253. 

39- المفضليات ص: 154. 

30- المفضليات ص: 154، الهامش رقم: 7.

31- ديوان عباس بن مرداس ص:60. 

32- سمط اللآلي في شرح أمالي القالي 1/333. 

33- نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد 1/24.

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

– البخلاء، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، حقق نصه وعلق عليه طه الحاجري، الطبعة التاسعة عام 2010م، منشورات دار المعارف.

– الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، منشورات دار الجيل، لبنان، بيروت، سنة النشر 1416هـ / 1996م.

– خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الطبعة الرابعة عام 1418هـ/1997م، مطبعة المدني، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة.

– ديوان الأخطل، شرحه وصنف قوافيه وقدم له مهدي محمد ناصر الدين، الطبعة الثانية عام 1414هـ /1994م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، شرح وتعليق الدكتور محمد حسنين،  منشورات مكتبة الآداب بالجماميز والمطبعة النموذجية.

– ديوان الخنساء، تحقيق أنور أبو سويلم، شرحه ثعلب، أبو العباس، أحمد بن يحيى بن سيار الشيباني النحوي، حققه الدكتور أنور أبو سويلم، الطبعة الأولى عام 1409هـ/1988م، دار عمار للنشر والتوزيع.

– ديوان العباس بن مرداس السلمي، جمعه وحققه الدكتور يحيى الجبوري، الطبعة الأولى 1412هـ /1991م، منشورات مؤسسة الرسالة.

– ديوان القطامي، تحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، الطبعة الأولى عام 1960م، منشورات دار الثقافة، بيروت، لبنان.

– ديوان عمرو بن قميئة، عني بتحقيقه وشرحه والتعليق عليه حسين كامل الصيرفي، منشورات جامعة الدول العربية معهد المخطوطات العربية، عام الطبعة 1385هـ/1965م.

– سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، تأليف جمال الدين بن نباتة المصري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، منشورات دار الفكر العربي.

– سمط اللآلي في شرح أمالي القالي، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، نسخه وصححه ونقحه وحقق ما فيه واستخرجه من بطون دواوين العلم: عبد العزيز الميمني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، حققه وقدم له الدكتور إحسان عباس، منشورات التراث العربي وهي سلسلة تصدرها الإرشاد والأنباء في الكويت، عام الطبعة:1962م.

– شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، عام الطبعة 2002م، المطبعة العلمية، دمشق.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المفضليات، للمفضل بن محمد بن يعلى الضبي، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد عبد السلام هارون، الطبعة التاسعة عام 2006م، دار المعارف، القاهرة، مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق