مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

مظاهر عناية المغاربة بكتب السيرة وكتب الشمائل النبوية وأهم مصنفاتهم وشروحاتهم

  شهدت الحركة العلمية على عهد سلاطين وأمراء المغرب نشاطاً علمياً وازدهاراً كبيراً في مختلف العلوم النقلية والعقلية، وتميزت بتأسيس المدارس العلمية والكتاتيب القرآنية والإلتفاف حول حلقات العلم المتخصصة في تلقين علوم القرآن والحديث والفقه والتفسير والسيرة.. وغيرها، إلى جانب، تحبيس الكتب والمخطوطات على الخزانات العلمية وتشجيع العلماء والفقهاء على الاجتهاد ونشر العلم والمعرفة وتعميمها في مختلف المدن والقرى المغربية.

   وخير دليل على ذالك ما قام به السلطان أبو الربيع المريني المولود سنة: (689هـ- 710هـ/ 1290م- 1310م) على تحبيس نسخة من كتاب: الشمائل النبوية، تحت رقم: 2837 على مسجد الرصيف بمدينة فاس سنة: 1217هـ[1].

   وتعتبر خزانة جامع القرويين بفاس من أعظم الخزائن العلمية التي أسسها السلطان المريني أبي عنان المولود بفاس سنة: (1329م)، ووسعها السلطان أحمد منصور الذهبي، المولود سنة: (1549م) والمتوفى سنة: (1603م)،[2]، وتضم حوالي ألف وستمائة مخطوط[3]. إضافة إلى المكتبة العلمية التي أنشأها المولى الرشيد بالجانب الجنوبي من الجامع الأعظم بفاس الجديدة وأوقف عليها نفائس الكتب خدمة للعلم وأهله[4].

   وأورد محمد بن الطيب القادري في: "نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني" وهو يتحدث عن دور السلطان المولى الرشيد المولود سنة: (1040هـ-1631م)، والمتوفى سنة: (1082هـ-1672م)، ويقول:  (ومن مزاياه العظيمة، وعطاياه الفخيمة، وفطره السليمة، أنه كان حيثما دخل بلداً تعهَّد مساجدها ومدارسها، وسأل عن مجالس إقراء العلماء بها، وعمَّن يحضرها، وربما حضر مجلساً لبعض الكبراء، فرأينا في بعض التقاييد أنه حضر مجلس الشيخ اليوسي، وكان يدخل المساجد بنفسه، ودخل فاساً مرة على حين غفلة من أهلها، فدخل للقرويين، وتلك كانت عادته في دخولها، ثم دخل للمدرسة المصباحية، فتعرَّض له الإمام سيدي الحسن اليوسي مع فقيه آخر، فأعطى لكل منهما مائة مثقال، وما اجتمع مع علماء وقته إلا وحضَّ في مجلس اجتماعه معهم على نشر العلم وبثِّه وإتقانه وتحقيقه وتعظيم طلبته ... فأقبل الناس على التعلم والتعليم، وعمرت أسواق للعلم قد عفت منذ قديم)[5].

   وعمل المولى الرشيد موحد المغرب على تشيد مجموعة من المدارس العلمية، كمدرسة الصفارين بفاس التي كانت مقراً لتعليم الطلبة وإيوائهم ثم بنى الخزانة العلمية بإزاء الجامع الأعظم بفاس سنة (1979هـ/1668م)، وهي الخزانة المسماة: "الدار البيضاء"، ووقف عليها الكثير من المؤلفات القيمة، كأمهات التفسير والحديث والسيرة النبوية[6]، وذلك لحفظها وتمكين القراء من الاستفادة منها[7].

  وفي هذا السياق يقول العلامة أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي في "رسالته" الكبرى إلى السلطان مولاي إسماعيل حينما قال: (ثم جاء المولى الرشيد بن الشريف فأعلى مَنَارَه (أي العلم)، وأوضح نهاره، وأكرم العلماء إكراماً لم يُعهَد، وأعطاهم ما لا يُعَدُّ، ولا سيما بمدينة فاس، فَضَحَ مَن قبله، وأتعب مَن بعده، لو طالت مُدَّته لجاءته علماء كل بلدة)[8].

  وعمل السلطان المولى إسماعيل المولود سنة: (1065هـ/ 1645م) والمتوفى سنة: (1139هـ/1727م) على تأسيس خزانة علمية كبرى بقصره بمكناس، وتعتبر هذه الخزانة من أشهر الخزانات في العالم الإسلامي جمعت عدداً كبيراً من النسخ والمخطوطات العلمية الغزيرة، حتى قال في حقه محمد الصغير الإفراني: (وأما آلات العلم وجمع الكتب ونفائس الذخائر، فله نصره الله في ذلك المهمة البالغة، والرغبة السابغة، وقد جمع من الدفاتر ما يحير العاقل)[9]. (وبها من الكتب العلمية ألوف عديدة، فيها من كل فن ما تحصل به رغبة القاصدين من العلماء الأعلام: من جميع هذه الإيالة الشريفة)[10].

وعمل السلطان سيدي محمد بن عبد الله المولود سنة: (1134ﻫ- 1710هـ) والمتوفى سنة: (1204هـ- 1790م) على تحبيس خزانة كتب جده السلطان مولاي إسماعيل على المساجد الكبرى بالمغرب، قال ابن زيدان: (وحبس خزانة كتب جده السلطان الأعظم أبي النصر إسماعيل التي كانت بدويرة الكتب الشهيرة بمكناس، وفرقها على جميع مساجد المغرب، وكانت تزيد على الاثنى عشر ألف مجلد رجاء نفع عموم الناس، وسعيا وراء نشر العلم وتحصيله)[11].

(وأمر السلطان سيدي محمد بن عبد الله ابن عمه المولى إدريس بن المنتصر الذي كان خليفة له بفاس بتحبيس الكتب الاسماعيلية التي كانت بدويرة الكتب بمكناسة وعددها اثنى عشر ألف مجلد وزيادة، وزيادة على مساجد المغرب كلها)[12].

ومن تحبيسات السلطان سيدي محمد بن عبد الله على خزانة القرويين بفاس في مجال الشمائل النبوية: نسخة الشمائل تحت رقم: 2351 سنة 1156هـ. ونسخة أخرى، تحت رقم: 299، ونسخة أخرى تحت رقم: 3202 عام: 1156هـ[13]. وعمل المولى اليزيد على تحبيس (1750م/ 1792م)، كتاب: (صحيح الإمام البخاري). وكتاب: (الشفا)، للقاضي عياض. وكتاب: (الشمائل المحمدية)، للترمذي[14].

ومن بعده عمل السلطان المولى عبد الله بن إسماعيل بن مولاي علي الشريف العلوي والذي حكم المغرب حتى سنة: 1790م على تحبيس كتاب: (الجامع الصحيح للبخاري)، وكتاب: (الشفا)، للقاضي عياض، وكتاب (الشمائل المحمدية)، للترمذي[15].

وتجسدت عناية ملوك الدولة المغربية بالسيرة النبوية والشمائل المحمدية في ما قام به السلطان مولاي محمد بن عبد الرحمن بن هشام العلوي المولود سنة: (1873هـ-1789م) والمتوفى سنة: (1290هـ-1859م) والذي اشترط في انعقاد المجالس ضرورة ترتيب مجلس يومي يسمعون فيه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومغازيه، ومغازي الخلفاء الراشدين، وسلف الأمة وأخبار رؤساء العرب، وحكمائها وشعرائها، ومحاسنهم وسياساتهم..)[16]. وعمل السلطان مولاي المهدي اليزيد بن سيدي محمد بن عبد الله أواخر عام 1204هـ. على تحبيس نسخة أخرى من كتاب: الشمائل النبوية على خزانة القرويين بفاس، تحت رقم: 224[17].

وفي عهد المولى محمد بن عبد الرحمان بن مولاي اسماعيل بن الشريف: (1810م/ 1873م)، ظهرت المطبعة الحجرية والتي ساهمت بدورها في تنشيط الحركة العلمية بالمغرب، وهي: (أن يكتب على الحجر بالقلم أو الريشة نصوصاً وتصاميم ورسومات، يمكن أن تنسخ على الورق أو القماش بواسطة المطبعة)[18]، وسهامت هذه المطبعة في طبع عدد كبير من الكتب في صنوف مختلفة من العلوم وفي مجال السيرة النبوية والشمائل تم طبع: كتاب: "الشمائل الترميذية"، وهوالكتاب الوحيد الذي طبع في مكناس عام 1282ه/1865م)[19].

وفي عهد المولى الحسن الأول: (1831م/1843م) ازدهرت حلقات العلم، ونشطت كراسيه ومجالسه، سواء في القصور، أو المساجد، أو الزوايا، حيث كان يستدعي لها العلماء من كل حدب وصوب، يدرسون الكتب الستة والموطأ في نحو ستة وثلاثين مجلسا طوال عهد ملكه لا تنقطع أبدا)[20].

ومن نماذج تحبيس كتب السيرة والشمائل.. رسالة السلطان المولى الحسن الأول عن تنظيم خزانتي مراكش  وتحبيس مجموعة من الكتب العلمية ومن بينها نسخ شمائل الترمذي ونسخ الفوائد الجليلة البهية على الشمائل المحمدية. (خدامنا الأرضين: المحتسب مولاي عبد الله البوكيلي والقائد عباس ابن داوود وناظر الأحباس الكبرى في حينه والفقهاء الأرضين قضاة الحضرة المراكشية صانها الله، وفقكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فلما كان التحبيس من السنة القائمة والحسنات الدائمة ومن إحياء معالم الدين ونتائج عزائم المهتدين، شرح الله منا لمصلحته صدر الإلهام، وهو سبحانه ولي التوفيق وشامل الأنعام، وفاقتضى نظرنا السديد أن حبسنا جميع الكتب العلمية المسطرة أسماؤها تفصيلاً بكناشي الحوالتين المطبوع عليهما بطابعنا الشريف، المدفوعين للقيمين على ذلك، المشتملة تلك الكتب على العلوم المقصود والآلية على الخزانتين المباركتين: إحداهما خزانة جامع المواسين والثانية خزانة جامع ابن يوسف بهذه الحضرة المراكشية حرسها الله، وخصصنا كل واحدة منهما بما اشتملت عليه حوالتها من الكتب المذكورة.

فالمعين لخزانة جامع المواسين من كتب صحيح البخاري سبع عشرة نسخة. ومن شرح القسطلاني عليه أربع نسخ. ومن الشفا ثمان نسخ. ومن الشمائل خمس نسخ. ومن شرح جسوس عليها سبع نسخ...)[21].

  ومن هذا المنطلق نخلص إلى أنّ سلاطين وملوك المغرب كانت لهم يد قوية في العناية بالعلم والعلماء، وإنشاء الخزانات العلمية والكراسي العلمية، وتحبيس ووقف مجموعة من النسخ والمخطوطات التي تعنى بالسيرة النبوية والشمائل المحمدية على العديد من هذه الخزائن العلمية بالمغرب وأصبح المغرب قبلة للعلم وللعلماء في مختلف الأقطار.

الشروحات والمصنفات المغربية في مجال السيرة النبوية وشمائل الترمذي.

حازت جهود علماء المغرب قصب السبق وتنوعت عنايتهم بالسيرة النبوية عامة وبالشمائل النبوية خاصة من خلال كتاباتهم وشروحاتهم المتنوعة، وبفضل هذه المجهودات تدفقت الكتب والمصنفات والمنظومات والشروحات والحواشي والمولديات تناولت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله العطرة منذ ولادته إلى وفاته، واستنبطوا منها الدروس والعبر والحكم التي نورت للبشرية الطريق المستقيم بحكمها العط وحللها البهية.

  1. مصنفات عامة في مجال السيرة النبوية

 ومنها: كتاب: (جوامع السيرة)، للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي المغربي، المتوفى سنة: (456هـ). وكتاب: (الدرر في اختصار المغازي والسير)، لحافظ المغرب أبي عمر ابن عبد البر القرطبي، المتوفى سنة: (463هـ). وكتاب: (الروض الأنف شرح لسيرة ابن هشام)، الإلمام الحافظ الأديب أبي زيد عبد الرحمن ابـن الخطيـب السـهيلي الخثعمـي المـالكي، المتوفى سنة: (581هـ). وكتناب: (كتاب المغازي)، للإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن حبيش، المتوفى سنة: (584هـ(. وكتاب:  (سمط الجوهر الفاخرة مفاخر النبي الأول والآخر)، (كفاية المحتاج من خبر صاحب التاج واللواء والمعراج)، للشيخ العلامة أحمد بن علي الفاسي الفهري الصوفي الكتوفى في آخر شهر المحرم الحرام سنة (1106هـ). وكتاب: (الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البشرية تشفى بها القلوب الصدية)، للسلطان العالم محمد بن عبد اهلل العلوي المتوفى سنة: (1204هـ). وكتاب: (نفائس الدرر من أخبار سيد البشر)، (الدرر المضيئة من خبر سيد الخليقة)، للإمام العالمة الشيخ أبي سرحان مسعود بن محمد بن علي السجلماسي الفاسي الشهير بجموع المتوفى سنة: (1119هـ(. وكتاب: (دلائل الهائم الكئيب على أطلال ربوع الحبيب) للعالمة عمر بن عبد العزيز بن عبد المنعم الجرسيفي، المتوفى سنة: (1214هـ). وكتاب: (تحفة الإخوان بمختصر سيرة سيد الأكوان) للشيخ العالمة أحمد بن محمد الرهوني، المتوفى سنة: (1373هـ). وكتاب: (الشذرات الذهبية في السيرة النبوية) للشيخ الفقيه أبي أويس محمد بن الأمين بوخبزة الحسني.

  1. مصنفات في موضوع الشمائل النبوية

 ومن هذه المصنفات (زواهر الأنوار وبواهر ذوي البصائر واالستبصار في شمائل النبي المختار)، لعلي بن إبراهيم بن النِّفري الغرناطي المتوفى سنة: (557هـ)[22]. وكتاب: (روضة الأزهار في شمائل النبي المختار)، للشيخ عبد السلام بن أحمد العمراني الفاسي، المتوفى سنة: (1332هـ)[23]. وكتاب:  (الأحاديث المنتقاة في فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)[24]، للحافظ أبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري المتوفى سنة: (1413هـ). وكتاب: (نظم الشمائل المحمدية والسيرة المصطفوية)، للسلطان عبد الحفيظ بن الحسن العلوي، المتوفى سنة: (1356هـ(. وكتاب: (ختم الشمائل)، للشيخ محمد بن القاسم بن محمد القادري، المتوفى سنة: (1331هـ(. وكتاب: (تعليق الحمائل فيما أغفله شراح الشمائل)، للشيخ عبد الله بن الطاهر بن محمد بن حم الكرسيفي التازي، من أهل القرن 13 هـ)[25]، وكتاب: (مفتاح الشمائل المحمدية)، لمحمد بن محمد التهامي جنون الفاسي (1333). طبع.

  1. مصنفات في مجال الخصائص النبوية

  ومن أشهر هذه المصنفات كتاب: (الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم) لأبي الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي، المتوفى سنة: (544هـ). ويعتبر هذا الكتاب من أعظم المؤلفات العلمية الغزيرة في مجال الخصائص النبوية الشريفة جمع فيها القاضي عياض جملة من محاسنه صلى الله عليه وسلما خَلقا وخُلُقاً، وفضائله الدينية، والدنيوية وكل ما يستحيل في حقه - صلى الله عليه وسلم، وما يجوز علي، وما يمتنع، ويصح من الأمور البشرية أن يضاف إليه..

 ولقد اهتم علماء المغرب بكتاب الشفا اهتماماً كبيراً بين شارح له ومعلق عليه ومن ذلك: (شرح الشفا) لأبي عبد الله وأبي حامد محمد العربي الفاسي الفهري ت 1052هـ[26]. شرح الشفا لأبي عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمان الدلائي (ت 1088هـ) العلامة الإمام اخذ عن عم أبيه الشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي وغيره، من مؤلفاته درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان وحاشية على الكلاعي[27]. وشرح  أبي الحسن الحرالي المراكشي (637هـ) على الشفا[28].

ومن هذه المصنفات كذلك: (نهاية السول في خصائص الرسول)، للحافظ أبي الخطاب مجد الدين عمر ابن دحية الكلبي السبتي البلنسي، (تـ 633هـ)[29]، وكتاب: (الخصائص النبوية)، للشيخ محمد بن يوسف (تـ 663 هـ)[30]، وكتاب: (الروض المعطار في علم النبي المختار)، للشيخ أبي العباس أحمد بن عبد السالم البناني (تـ 1234هـ)[31]، وكتاب: (اليواقيت والمرجان في العلم النبوي): للشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني (تـ1327هـ)[32].

1 2الصفحة التالية
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق