ذة. أسماء المصمودي
باحثة بمركز دراس بن إسماعيل .
التوبة في الحديث النبوي الشريف :
جاءت الأحاديث كثيرة في باب التوبة، وفيها معان مختلفة منها :
أحاديث تبت في الآجال التي جعلها الله تعالى لقبول توبة العبد إلى ربه .
من ذاك ما جاء في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العُتْوارِي كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال إبليس: وعِزَّتِك لا أزَالُ أُغْوِيهم ما دامت أرْوَاحهُمْ في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لا أزال أغْفِرُ لهم ما اسْتَغْفَرُوني"[1]
وعن معاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تنقطع الهجرة ما قبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت ختم على كل قلب، وكفى الناس العمل"[2]
وعن عثمان بن عثمان الثقفي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: قال :" إن الله يقبل التوبة من عبده قبل موته بسنة، ثم قال بشهر، ثم قال بيوم، حتى قال : قبل أن يغرغر"[3]
وانطلاقا من الأحاديث السالفة الذكر يتبين لنا أن التوبة باب مفتوح بين العبد وربه إلى أن ينقطع العمل، ومن ذاك استغفاره، أما وما دام العبد متذللا لمولاه ومفتقرا لعفوه طالبا للمغفرة منه، فيظل باب التوبة مفتوحا وطريقه ميسرا لمن أراد أن يسلكه .
وهناك أحاديث دلت على أن كل ذنب هو مغتفر بشرط إخلاص التوبة لله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم"[4]
وجاء عن ابن عباس أن الحارث بن سويد بن الصامت رجع عن الإسلام، في عشرة رهط فلحقوا بمكة، فندم الحارث بن سويد، فرجع حتى إذا كان قريبا من المدينة أرسل إلى أخيه الجلاس بن سويد، إني ندمت على ما صنعت، فسل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني اشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فهل لي من توبة إن رجعت؟ وإلا ذهبت في الأرض ، فأتى الجلاس بن سويد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بخبر الحارث بن سويد، وندامته، وقد شهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فهل له من توبة؟ فأنزل الله : "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا" فأرسل الجلاس إلى أخيه ، إن الله قد عرض عليك التوبة ، فأقبل إلى المدينة، واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتاب إلى الله من صنيعه، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم"[5]
من خلال هذين الحديثين يظهر لنا جليا أن الله عز وجل يقبل توبة المذنبين ولو بلغ ذنبهم ترك الإسلام ثم العودة إليه، شرط أن تكون توبة صادقة مبنية على انخلاع العبد المذنب من ذنبه، وابتعاده عن شططه وعودته إلى الصواب والحكمة.
وقد سار السلف الصالح من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه، فكانوا يبشرون بالتوبة كل عاص تائب إلى الله، ففي حديث ابن المسيب أنه قال أن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق، فقال له إن الآخر زنا، فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال : لا ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فتب إلى الله ، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده"[6]
ومن الآثار التي ثبتت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالما: هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يَعْبد الله فيه، فهاجر إليه، فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة." [7].
إن الله عز وجل قد تاب على هذا العبد المذنب من بني إسرائيل وأكرمه برحمته وشمله بعفوه، فكيف يكون الأمر فيمن هو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المكانة الخاصة عند ربه، والديانة السمحاء، شرط أن تكون "توبة العبد إلى ربه، إنابتُه إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يَسْخَطه من الأمور التي كان عليها مقيمًا مما يكرهه ربه. فكذلك توبة الله على عبده، هو أن يرزقه ذلك"[8]
وآية صدق التوبة الإصلاح في العمل ، والتبيين في القول ، وإعلان الحق والاعتراف به والعمل بمقتضاه . ثم ليثق برحمة الله وقبوله للتوبة ، وهو يقول: "وأنا التواب الرحيم " وهو أصدق القائلين .[9]
[1] تفسير ابن كثير، الباب 17،ج2،ص238
[2] معرفة الصحابة لأبي نعيم،باب من اسمه عمر، ج.14، ص34
[3] معرفة الصحابة، لأبي نعيم، باب من اسمه عثمان، ج.14،ص.97
[4] سنن ابن ماجة، باب ذكر التوبة، ج.2، ص. 1419
[5] معرفة الصحابة لأبي نعيم، باب من اسمه جندب، ج.5،ص.235
[6] معرفة السنن والآثار للبيهقي، باب جلد البكر ونفيه، ج.13، ص.462
[7] ابن كثير الباب92،ج2،ص380
[8] تفسير الطبري، الباب37،ص547،ج1
[9] في ضلال القرآن،سيد قطب،الباب158، ج.1،ص.121