وحدة الإحياءمفاهيم

مرتبة العفو وعلاقتها بمقاصد الشريعة.. قراءة منهجية في تداوليات أبي إسحاق الشاطبي

اتجهت أنظار الكثير من العلماء إلى النظر المقاصدي في الفكر الإسلامي واعتبروه أطروحة بديلة قد تساهم في حل الأزمة المعرفية التي تعيشها منهجية الاجتهاد الأصولي الحديثة، ولكن بما أن أبعاد الأزمة المعرفية لا يمكن تحديدها علمياً من زاوية واحدة فقط؛ لأنها تمثل وحدة تتداخل فيها عدة عوامل بدرجات متفاوتة يصعب عزل أحدها عن الآخر، فإن الأمر يتطلب قراءة هذه الأنماط من الأفكار قراءةً معرفية ومنهجية نستطيع من خلالها أن نكتشف نسبة التأثير لكل عامل من تلك العوامل، ومدى إسهامه في مد الاجتهاد الأصولي المعاصر في سياقنا الكوني المعاصر، بجملة من الطرائق المرسخة لقواعد التيسير ورفع الحرج والضيق عن المكلفين على شتى المستويات.

ومما يرسخ قواعد التيسير ويوطد أركانه وجود منطقة تشريعية اصطلح عليها من لدن أرباب الصناعة الأصولية بمنطقة العفو، أو مرتبة العفو.

فقد ذهب أقطاب علماء الأصول والمقاصد إلى صحة وقوع مرتبة بين الحلال والحرام تسمى مرتبة العفو، وهي مرتبة لا تنسب إلى الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة لدى علماء الأصول، بل ذهبوا إلى اعتبارها مرتبة مستقلة عنها، لها مواضعها في البناء العام للشريعة الإسلامية، ولها مجالاتها التداولية، ومراتبها العلمية، وامتداداتها المعرفية تظهر؛ من خلال علاقاتها بالأحكام التكليفية الخمسة، وبالأحكام الوضعية، ومن خلال الكشف عن الفرق بينها وبين حكم المباح، وبينها ومرتبة رفع الحرج، وكذا مرتبة السكوت، بالإضافة إلى علاقتها بالبراءة الأصلية، وبالرخصة والعزيمة…

ويعد الإمام الشاطبي من أبرز الأصوليين الذين أبدعوا في تأصيل هذه المرتبة، حيث حرر محل النزاع فيها، وبين بوضوح حدود ومجالات وضوابط هذه المرتبة، مع بيان أوجه علاقاتها مع باقي الأحكام الشرعية. بشكل يجمع شتاتها ويحرر مقتضياتها، مقتفيا، على عادته، منهجا مقاصديا في الطرح والتحليل، بنَفس إبداعي ميزته الجدة في التنظير والجدية في التفعيل.

ـ ما المقصود بمرتبة العفو؟ وما هي مواضع مرتبة العفو؟ وطرق الكشف عنها؟ وما هي ضوابط اعتبار مرتبة العفو في محال الاجتهاد  وأثرهما العملي؟ وكيف يمكن الاستفادة من مرتبة العفو في استنباط الأحكام الشرعية وحسن تنزيلها؟

على ضوء ما تقدم يسعى هذا البحث إلى بيان مفهوم مرتبة العفو، وبيان امتداداتها في النظر الأصولي والمقاصدي عند الإمام الشاطبي، من خلال الكشف عن ما يلي:

أولا: مفهوم العفو عند الأصوليين

1. العفو لغة[1]

المحو والطمس والإسقاط، ويأتي بمعنى التجاوز عن الذنب والصفح، وترك العقاب عليه، ومنه قوله تعالى: ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ (التوبة: 43)؛ أي محا الله عنك، مأخوذ من قولهم: “عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها”.

كما يطلق العفو في اللغة، كذلك، على عدة معان منها: التسهيل والتوسعة كقوله عز وجل: ﴿فتاب عليكم وعفا عنكم﴾ (البقرة: 186)؛ يعني سهل عليكم. ويراد به أيضا التجاوز والإعراض عن العقوبة التي قد يستحقها المذنب، وشاهدها قوله تعالى: ﴿واعف عنا﴾ (البقرة: 285)، وقوله تعالى: ﴿فمن عفا وأصلح﴾ (الشورى: 37). وقد ترد كلمة العفو ويراد بها الكثرة من القوم: ﴿حتى عفوا وقالوا قد مسّ ءاباءنا الضرآء والسرآء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ (الأعراف: 94).

2.العفو عند أهل الأصول

أما أهل الأصول[2]، فإننا لا نظفر عندهم باصطلاح محدد للعفو عندهم؛ لأنهم لم يعدوه ضمن الأحكام الشرعية الخمسة المشهورة، والمتداولة.

 والناظر في استعمالاتهم يجدهم يقصدون به معنى الإسقاط والتجاوز، ولا يخرج في مجمله عن المعاني اللغوية، ويقترب عندهم من معاني المباح ورفع الحرج، وجعله أبو زهرة ضمن معاني المباح وجعل الإباحة فيه إباحة نسبية؛ بمعنى أن الله تعالى لا يعذب عليه؛ لأنه قد عفا عنه[3].

وقد أفرد الإمام الشاطبي مسألة خاصة ضمن كتاب “الأحكام الشرعية” من موسوعته الموافقات، سماها “مرتبة العفو”، وقد فصّل الكلام في هذه المرتبة بعد حديثه عن خطاب التكليف، وبعد كلامه عن المباح وكل متعلقاته، مع بيان أدلة إثباتها، وذكر وجوه الاعتراض عليها.

3.مرتبة العفو عند الإمام الشاطبي

ذهب الإمام الشاطبي إلى صحة وقوع مرتبة بين الحلال والحرام تسمى مرتبة العفو، وهي مرتبة لا تنسب إلى الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة لدى علماء الأصول، بل ذهب إلى اعتبارها مرتبة مستقلة عنها. وفي هذا يقول الشاطبي رحمه الله: “يصح أن يقع بين الحلال والحرام مرتبة العفو،  فلا يحكم عليه بأنه واحد من الخمسة المذكورة هكذا على الجملة[4].”

وقد بيّن الشيخ عبد الله دراز معنى اختيار أبي إسحاق فقال، تعليقا على مقولة الشاطبي: “لما كان لهذه المرتبة شبه بالحلال؛ لأنه لا طلب يتعلق بها، ولا إثم في فعلها، وشبه بالحرام؛ لأن مثلها لو تعلق به حكم، لكان اللوم والذم، قال، يعني الشاطبي، يقع بين الحلال والحرام، وليس لها شبه بما يطلب من الواجب والمندوب رأسا”[5]

4.أدلة إثبات مرتبة العفو

واستدل الشاطبي على اختياراته فيما يتعلق بمرتبة العفو في الشريعة بما يلي:

أ. ما هو مقرر من أن الأحكام الخمسة إنما تتعلق بأفعال المكلفين مع القصد إلى الفعل، وأما دون ذلك فلا، وإذا لم يتعلق بها حكم منها مع وجدانه، ممن شأنه أن تتعلق به، فهو معنى العفو المتكلم فيه، أي: لا مؤاخذة به[6].

ب. ورود نص من الشارع على وجود هذه المرتبة، فقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها[7].”

ج. ما روي عن الصحابة والتابعين، ومن أبرزهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “ما لم يذكر في القرآن فهو مما عفا الله عنه، وكان يسأل عن الشيء لم يحرم فيقول عفو”… وقال عبيد بن عمرو: أحل الله حلالا، وحرم حراما، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو[8].

د. ما يدل على معنى العفو في الجملة كما في قوله تعالى: ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ (التوبة: 43)؛ فهذا موضع الاجتهاد في الإذن عند عدم النص كما قال الشاطبي[9].

ﻫ. ما ثبت في الشريعة من العفو عن الخطأ في الاجتهاد، حسبما بسطه الأصوليون، ومنه قوله تعالى: ﴿لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم﴾ (الأنفال: 69).

و. كراهة النبي، صلى الله عليه وسلم، كثرة السؤال فيما لم يرد فيه حكم، بناء على حكم البراءة الأصلية؛ إذ هو يرجع إلى معنى العفو، ومعنى ذلك أن من الأفعال ما هو معفو عنه[10].

ثانيا: مواضع مرتبة العفو عند الشاطبي

إذا تقرر وجود مرتبة العفو، وأنها خارج الأحكام الشرعية الخمسة، فإن لها مواضع في الشريعة الإسلامية حصرها الإمام الشاطبي فيما يلي:

1.الخطأ والنسيان

فكل فعل صدر عن غافل أو ناس أو مخطئ، فهو مما عفي عنه وذلك بغض النظر عن صفة ورود تلك الأفعال وصيغها من أمر ونهي، ويدخل في هذا النائم والمجنون ومن في حكمهم.

وهو متفق على عدم المؤاخذة، فكل فعل صدر عن غافل أو ناس أو مخطئ فهو مما عفي عنه[11]، وسواء علينا أفرضنا تلك الأفعال مأمورا بها أو منهيا عنها أم لا؛ لأنها إن لم تكن منهيا عنها، ولا مأمورا بها، ولا مخيرا فيها فقد رجعت إلى قسم ما لا حكم له في الشرع، وهو معنى العفو، وإن تعلق بها الأمر والنهي؛ فمن شرط المؤاخذة به ذكر الأمر والنهي، والقدرة على الامتثال، وذلك في المخطئ والناسي والغافل محال،  ومثل ذلك النائم،  والمجنون،  والحائض، وأشباه ذلك[12].

2.الخطأ في الاجتهاد

وهذا النوع يدخل تحت الأول، إلا أن الخطأ في هذا النوع ليس مبنيا على الغفلة أو النسيان، الأول، وقد جاء في القرآن ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ (التوبة: 43)، وقال عز وجل: ﴿لولا كتاب من الله سبق﴾ (الأنفال: 69)، وإنما هو مبني على مجانبة الصواب في استنباط الحكم الشرعي، مع توفر كل القرائن.

3.الإكراه

كان مما يتفق عليه، أو مما يختلف فيه، إذا قلنا بجوازه فهو راجع إلى العفو، كان الأمر والنهي باقيين عليه أو لا؛ فإن حاصل ذلك أن تركه لما ترك، وفعله لما فعل لا حرج عليه فيه.

4.الرخص كلها على اختلافها

فإن النصوص دلت على ذلك؛ حيث نص على رفع الجناح،  ورفع الحرج،  وحصول المغفرة،  ولا فرق في ذلك بين أن تكون الرخصة مباحة أو مطلوبة؛ لأنها إن كانت مباحة فلا إشكال، وإن كانت مطلوبة فيلزمها العفو عن نقيض المطلوب، فأكل الميتة إذا قلنا بإيجابه فلابد أن يكون نقيضه، وهو الترك،  معفوا عنه، وإلا لزم اجتماع النقيضين في التكليف بهما، وهو محال، ومرفوع عن الأمة.

5.الترجيح بين الدليلين عند تعارضهما، ولم يمكن الجمع

 فإذا ترجح أحد الدليلين كان مقتضى المرجوح في حكم العفو؛ لأنه إن لم يكن كذلك لم يمكن الترجيح، فيؤدي إلى رفع أصله، وهو ثابت بالإجماع، ولأنه يؤدي إلى الخطاب بالنقيضين، وهو باطل، وسواء علينا أقلنا ببقاء الاقتضاء في الدليل المرجوح، وإنه في حكم الثابت، أم قلنا: إنه في حكم العدم؛ لا فرق بينهما في لزوم العفو.

6.العمل على مخالفة دليل لم يبلغه أو على موافقة دليل بلغه

وهو في نفس الأمر منسوخ أو غير صحيح؛ لأن الحجة لم تقم عليه بعد؛ إذ لابد من بلوغ الدليل إليه، وعلمه به، وحينئذ تحصل المؤاخذة به، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.

7.الترجيح بين الخطابين عند تزاحمهما، ولم يمكن الجمع بينهما

 لابد من حصول العفو بالنسبة إلى المؤخر حتى يحصل المقدم؛ لأنه الممكن في التكليف بهما،  وإلا لزم تكليف ما لا يطاق،  وهو مرفوع شرعا.

8.ما سكت عنه فهو عفو

 لأنه إذا كان مسكوتا عنه مع وجود مظنته، فهو دليل على العفو فيه، وما تقدم من الأمثلة في الأدلة السابقة فهو مما يصح التمثيل به، والله أعلم.

ثالثا: ضوابط مرتبة العفو عند الشاطبي

 بيّن الشاطبي ما يدخل تحت العفو، وقيده في ثلاثة أنواع:

1.الوقوف مع مقتضى الدليل المعارَض، قُصد نحوه، وإن قوي معارضه

وإنما قيل: “وإن قوي معارضه”؛ لأنه إن لم يقو معارضه لم يكن من هذا النوع، بل من النوع الذي يليه على إثر هذا، فإنه ترك لدليل، وهنا وإن كان إعمالا لدليل أيضا، فإعماله من حيث هو أقوى عند الناظر أو في نفس الأمر، كإعمال الدليل غير المعارض، فلا عفو فيه[13].

وقد مثل الشاطبي، رحمه الله، لهذا الضابط بشواهد، أذكر منها:

أ. كل قضاء قضى به القاضي من مسائل الاجتهاد، ثم يتبين له خطؤه ما لم يكن قد أخطأ نصا أو إجماعا أو بعض القواطع، ومثاله  حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: “لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدركهم وقت العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، ولم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يعنف واحدة من الطائفتين[14].”

ب. الترجيح بين الدليلين؛ فإنه مع وقوف مع أحدهما، وإهمال للآخر، فإذا فرض مهملا للراجح فذلك لأجل وقوفه مع المرجوح، وهو في الظاهر دليل يعتمد مثله. وكذلك العمل بدليل منسوخ أو غير صحيح؛ فإنه وقوف مع ظاهر دليل يعتمد مثله في الجملة[15].

ويدخل تحت هذا الضابط العمل بالعزيمة، وإن توجه حكم الرخصة ظاهرا، فإن العزيمة لما توخيت على ظاهر العموم أو الإطلاق؛ كان الواقف معها واقفا على دليل مثله معتمد على الجملة، وكذلك العمل بالرخصة، وإن توجه حكم العزيمة؛ فإن الرخصة مستمدة من قاعدة رفع الحرج، كما أن العزيمة راجعة إلى أصل التكليف، وكلاهما أصل كلي، فالرجوع إلى حكم الرخصة وقوف مع ما مثله معتمد.

لكن لما كان أصل رفع الحرج واردا على أصل التكليف ورود المكمل، ترجح جانب أصل العزيمة بوجه ما،  غير أنه لا يخرم أصل الرجوع، لأن بذلك المكمل قيام أصل التكليف.

ومن أمثلة هذا المحدد ما هو مشهور في مذهب إمام دار الهجرة؛ مالك بن أنس؛ من أن المسافر في رمضان أقل من مسافة القصر المعتبرة، فظن أن الفطر مباح به فأفطر، فلا كفارة عليه، وكذلك من أفطر فيه بتأويل، وإن كان أصله غير علمي، بل هذا جار في كل متأول.

ومن أمثلته كذلك شارب المسكر ظانا أنه غير مسكر، وقاتل المسلم ظانا أنه كافر، وآكل المال الحرام عليه ظانا أنه حلال له، والمتطهر بماء نجس ظانا أنه طاهر، وأشباه ذلك[16].

2.الخروج عن مقتضى الدليل عن غير قصد أو عن قصد، لكن بالتأويل

وهو على ضربين:

الضرب الأول: الخروج عن مقتضى الدليل من غير قصد

يندرج في هذا القسم، الجهل بوجود الدليل أصلا، أو الخطأ، أو النسيان، أو الإكراه، وقد استدل أبو إسحاق على هذا القسم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه[17].”

قال الشاطبي: “.. ومما يجري مجرى الخطأ والنسيان في أنه من غير قصد، وإن وجد القصد-الإكراه المضمن في الحديث… فإن صح الحديث، فذلك، وإلا فالمعنى متفق عليه[18]“، ويندرج تحت هذا القسم الرجل يعمل عملا على اعتقاد إباحته؛ لأنه لم يبلغه دليل تحريمه أو كراهيته، أو يتركه معتقدا إباحته إذا لم يبلغه دليل وجوبه أو ندبه، كقريب العهد بالإسلام لا يعلم أن الخمر محرمة فيشربها، أو لا يعلم أن غسل الجنابة واجب، فيتركه… ومثل هذا كثير يتبين للمجتهدين[19].

وقد زاد الشيخ دراز الأمر توضيحا، عندما فرق بين الخطأ في الاجتهاد، وخطأ الخروج عن مقتضى الدليل، حيث يقول، معقبا على ما سطره الشاطبي في المسألة العاشرة من كتاب الأحكام: ” يخرج عن مقتضى الدليل خطأ بأن لا يفهم الدليل مثلا على وجهه، أو نسيانا للدليل، أما خطأ المجتهد المعدود سابقا في النوع الأول؛ فقد وقف فيه مع دليل لكن ظهر خطؤه في التمسك به لضعفه بإزاء دليل آخر مثلا؛ فهذا خرج عن الدليل، وذاك وقف مع دليل ظهر خطؤه في الاعتداد به؛ فتنبه لتفرق بين النوعين في جميع الأمثلة فيهما[20].”

الضرب الثاني: الخروج عن مقتضى الدليل بقصد، لكن بالتأويل

وهذا الضرب من مواضع مرتبة العفو في الشريعة، يتخذ من التأويل، مدخلا للخروج عن مقتضى الدليل، وهو تأويل وجب أن يكون معتبرا. فمن بلغه الدليل لكن ترجح له العدول عنه إلى غيره بتأويل معتبر شرعا، في هذه الحالة فإن صنيعه يحمل على العفو حسب ما يراه الشاطبي[21].

ومن أمثلة هذا الضرب، ما وقع في الحديث في تفسير قوله تعالى: ﴿ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا﴾ (المائدة: 95) عن قدامة بن مظعون حين قال لعمر بن الخطاب: “إن كنت شربتها فليس لك أن تجلدني”، قال عمر: ولم؟ قال قدامة: لأن الله يقول: ﴿ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا﴾ (المائدة: 95)؛ فقال عمر: “إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله[22].”

ومما تجدر الإشارة إليه أن أبا إسحاق قد أورد تحت هذا الضرب من أضرب مرتبة العفو؛ العفو عن ذوي الهيئات، حيث قال: “وأبين من هذا؛ (أي العفو عن الخطأ والنسيان) العفو عن عثرات ذوي الهيئات؛ فإنه ثبت في الشرع إقالتهم في الزلات، وأن لا يعاملوا بسببها معاملة غيرهم، جاء في الحديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم[23]، وفي حديث آخر: تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة والصلاح، وروي العمل بذلك عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم؛ فإنه قضى به في رجل من آل عمر بن الخطاب شج رجلا، وضربه فأرسله؛ وقال: أنت من ذوي الهيئات[24].

لكن مذهب الشاطبي لم يلق قبولا عند شارحه، الشيخ دراز، وهو ما عبر عنه تعليقا على اختيار الشاطبي في هذه المسألة: “على فرض تسليم أصل الحديث، وما بعده، فليس هذا من العفو الذي فيه الكلام، وهو أنه لا حرج فيه شرعا، يعني لا إثم، وفيه المغفرة، أما كونه لا يقتص منه لعبده، أو لمن شجه فهذا غير موضوع مرتبة العفو التي فيها الكلام من أول المسألة[25].”

3.العمل بما هو مسكوت عن حكمه رأسا

يقول الشاطبي: “وأما النوع الثالث، وهو العمل بما هو مسكوت عن حكمه ففيه نظر، فإن خلو بعض الوقائع عن حكم لله  مما اختلف فيه، فأما على القول بصحة الخلو، فيتوجه النظر، وهو مقتضى الحديث وما سكت عنه فهو عفو، وأشباهه مما تقدم

وأما على القول الآخر فيشكل الحديث؛ إذ ليس ثم مسكوت عنه بحال، بل هو إما منصوص، وإما مقيس على منصوص، والقياس من جملة الأدلة الشرعية، فلا نازلة إلا ولها في الشريعة محل حكم؛ فانتفى المسكوت عنه إذاً، ويمكن أن يصرف السكوت على هذا القول إلى:

أ. ترك الاستفصال مع وجود مظنته؛ ومثاله قوله تعالى: ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾ (المائدة: 6)، فإن هذا العموم يتناول بظاهره ما ذبحوا لأعيادهم، وكنائسهم، وإذا نظر إلى المعنى؛ لأن في ذبائح الأعياد زيادة تنافي أحكام الإسلام، وقد علم الله ما يقولون، ولم يخص العموم، مع وجود مظنته[26].

ويندرج تحت هذا الباب سؤال الصحابة، رضوان الله عليهم، عن حكم الحج،  هل هو لكل عام، أم يكتفى مرة واحدة في العمر؟ حيث أمر نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بترك الاستفصال مع وجود المظنة[27]؛ المتمثلة في عموم اللفظ.

ب. السكوت عن مجاري العادات مع استصحابها في الوقائع؛ ومثاله ما فعله الصحابة من أعمال وقت التدرج قبل مرحلة التحريم النهائي مثل الربا المعمول به في الجاهلية، وفي أول الإسلام، وكذلك بيوع الغرر؛ مثل بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وبيع المضامين، والملاقيح، والتدرج المعلوم في تحريم الخمر[28].. وما أشبه ذلك مما نبه عليه العلماء، كلها كانت مسكوتا عنها، ثم حرمت بعد ذلك.

جدير بالذكر أن سكوت الشارع في العبادات عن أمر ما لا يعني جواز استحداثه والزيادة على المنطوق به، فإن سكوته في العبادات يدل على التوقف عندها، وليس في العادات والمعاملات، وفي هذا الصدد يقول الشاطبي: “العبادات ليس حكمها حكم العادات في أن المسكوت عنه كالمأذون فيه، إن قيل بذلك فهي تفارقها. إذ لا يقدم على استنباط عبادة لا أصل لها؛ لأنها مخصوصة بحكم الإذن المصرح به، بخلاف العادات والفرق بينهما.. اهتداء العقول للعاديات في الجملة، وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى الله تعالى، وبذلك كله يعلم قصد الشارع أنه لم يكِل شيئا من التعبدات إلى آراء العباد، فلم يبق إلا الوقوف عند ما جده، والزيادة عليه بدعة، كما النقصان منه بدعة[29].”

ج. السكوت عن أعمال أخذت قبل من شريعة إبراهيم عليه السلام[30]، كما في النكاح، والطلاق، والحج، والعمرة، وسائر أفعالهما، حيث أبقت شريعة الإسلام منها ما أبقت، فيفرقون بين النكاح والسفاح ويطلقون، ويطوفون بالبيت أسبوعا،  ويمسحون الحجر الأسود، ويسعون بين الصفا والمروة ويلبون، ويقفون بعرفات،  ويأتون مزدلفة ويرمون الجمار، ويعظمون الأشهر الحرم، ويحرمونها،  ويغتسلون من الجنابة، ويغسلون موتاهم ويكفنونهم، ويصلون عليهم، ويقطعون السارق ويصلبون قاطع الطريق، إلى غير ذلك مما كان فيهم من بقايا ملة أبيهم إبراهيم؛ فكانوا على ذلك إلى أن جاء الإسلام، فبقوا على حكمه حتى أحكم الإسلام منه ما أحكم وانتسخ ما خالفه فدخل ما كان قبل ذلك في حكم العفو مما لم يتجدد فيه خطاب زيادة على التلقي من الأعمال المتقدمة، وقد نسخ منها ما نسخ، وأبقي منها ما أبقي على المعهود الأول[31].

رابعا: امتدادات مرتبة العفو في النظر الأصولي والمقاصدي: حدود وإمكانيات الاستفادة

إذا كانت مرتبة العفو منزلة واقعة بين الحلال والحرام، وهي خارجة عن الأحكام الشرعية الخمسة، فهي بذلك مغايرة للمباح، وقد يلتبس تحديدها ومعرفتها بسبب تداخلها مع المباح الذي هو أحد الأحكام الشرعية الخمسة.

بعد أن ذكر الإمام الشاطبي أدلة إثبات مرتبة العفو في الشريعة، وكشف عن ضوابطها، ومسالك الكشف عنها، تساءل كعادته في ختام كبريات مسائل موافقاته، هل العفو حكم أم لا؟ فقال في آخر المسألة العاشرة من كتاب الأحكام؛ “فقد ظهر بهذا البسط مواقع العفو في الشريعة، وانضبطت، والحمد لله، على أقرب ما يكون، إعمالا لأدلته الدالة على ثبوته، إلا أنه بقي النظر في العفو هل هو حكم أم لا؟ وإذا قيل: حكم؛ فهل يرجع إلى خطاب التكليف أم إلى خطاب الوضع؟ هذا محتمل كله، ولكن لما لم يكن مما ينبني عليه حكم عملي، لم يتأكد البيان فيه، فكان الأولى تركه. والله الموفق للصواب”.

وهو ما يستفاد منه أن البحث في مرتبة العفو هل هي حكم، أو ليست بحكم، تكليفيا كان أو وضعيا؟ لا يحقق فائدة، أو بلغة الشاطبي نفسه، عارية في زماننا هذا[32]، ويكتفى بمعرفة العفو، مع أدلته وضوابطه، ومختلف امتداداته.

 والأجمل من ذلك؛ هو معرفة الإمكانات الوظيفية التي توفرها هذه المرتبة النفيسة في المجال التداولي الإسلامي، وفي ما تسمح به من فضاءات رحيبة للاجتهاد وإيجاد الجوابات عن سؤالات مختلف المستجدات والنوازل التي تطرأ في هذا الكون.

كما أن التمكين لهذه المرتبة، وإعادة اكتشافها، وطرق قضاياها، سيسهم في تحقيق مقصد التيسير والتخفيف والتسهيل، ورفع المشقة، ودفع الحرج، ويمكّن لشرعة التخفيف والرحمة، الممهدة لقيومية هذا الدين وكونيته، وخاتميته المقرونة بالرحمة والسعادة في الدارين.

 مما يستلزم تسلح أهل الفقه وأصوله والمقاصد.. لإعادة إحياء ركائز هذه المرتبة، وبثها في عقول أبناء الأمة، وتأسيس أنماط للتفكير وَفقها، والكدّ في إعادة بناء التصورات والاجتهادات، والمقررات الأصولية في ضوء إمكاناتها المتاحة، لكن، بطبيعة الحال، دون إفراط أو تفريط، حتى لا تتخذ مطية، ومدخلا  للهدم عوض البناء والتمكين.

الهوامش

[1]. انظر الراغب الأصفهاني، المفردات، ص574. الزبيدي، تاج العروس، مادة (عفا)، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4/56، ابن منظور، لسان العرب، مادة (عفا).

[2]. أشار ابن رشد الحفيد (ت 595ﻫ) إلى مفهوم العفو، عند حديثه عن مسألة: متى يستحب أن يقام إلى الصلاة عند الإقامة؟ انظر بداية المجتهد لابن رشد 1/150. كما نص العز بن عبد السلام (ت 660ﻫ) على مواضع العفو، وأعطى لها حكما زائدا على الأحكام التكليفية الخمسة المعلومة، انظر قواعد الأحكام، 1/34، و2/194.

كما تحدث ابن تيمية (ت 728ﻫ) عن مرتبة العفو في سياق استدلاله على إبطال التحليل في النكاح، انظر “إقامة الدليل على إبطال التحليل” ضمن الفتاوى الكبرى 3/291. كما أن ابن قيم الجوزية ذكر  العفو في بعض كتبه، ويطلق عليه: المباح إباحة العفو، وذلك عند حديثه عن المسكوت عن حكمه، كما ناقش بعض قضايا في معرض حديثه عن أدلة نفاة القياس. انظر أعلام الموقعين، 1/186، 4/85.

للمزيد يراجع كتاب يوسف صلاح الدين طالب، العفو عند الأصوليين والفقهاء، دار النوادر، ط1، 2008م.

[3]. أبو زهرة، أصول الفقه، ص44.

[4]. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، 1/115.

[5]. تعليق الشيخ دراز على نص الشاطبي، انظر هامش الموافقات، م، س، 1/115.

[6]. الموافقات 1/115

[7]. حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره.

[8]. الموافقات، م، س، 1/115-116

[9]. المصدر نفسه، 1/116.

[10]. المصدر نفسه.

[11]. المصدر نفسه، 1/117-118.

[12] . المصدر نفسه، 1/118.

[13] . الموافقات، م، س، 1/121.

[14] . الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء، رقم الحديث 904، ومسلم في صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو، رقم الحديث 1770.

[15] . الموافقات، م، س، 1/121.

[16] . الموافقات، م، س، 1/120.

[17] . جاء هذا الحديث عن: عبد الله بن عباس، وأبي ذر، وأبي بكرة، وعقبة بن عامر، وابن عمر، وثوبان، وأبي الدرداء، وأم الدرداء، رضي الله عنهم، والحسن البصري، والشعبي، وعطاء، وعبيد بن عمير، وقتادة مرسلاً.

وقد أنكر الحديث أفاضل، وأثبته أفاضل كذلك، منهم: ابن حبان؛ حيث أخرجه في صحيحه. وابن حزم؛ وقد تقدم نقل كلامه والضياء المقدسي؛ حيث أخرجه في المختارة، والحاكم في المستدرك. والنووي؛ قال في الأربعين (رقم 39)، وفي الفتاوى (138) حديث حسن، زاد في الفتاوى: (حجة)، وقال في المجموع (6/309) رواه البيهقي بأسانيد صحيحة.

وقال السخاوي في المقاصد (240): “ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلاً، لاسيما وأصل الباب حديث أبي هريرة في الصحيح من طريق زرارة بن أوفى عنه بلفظ: “إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به، أو تكلم به”.

وقال السيوطي في الأشباه والنظائر (339): فهذه شواهد قوية، تقضي للحديث بالصحة. ورمز له في الجامع الصغير بالصحة، كما في فيض القدير (4/34).

وقد ألف الشيخ أحمد بن الصديق الغماري؛ رسالةً بعنوان: “شهود العيان”، بثبوت حديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان”، وقال واصفاً لكتابه، وذلك في الهداية في تخريج أحاديث البداية (1/168):  في جزءٍ خصصته لبيان صحة هذا الحديث.

[18]. الموافقات، م، س، 1/122.

[19]. المصدر نفسه، 1/121-122، وقد روي عن مالك أنه كان لا يرى تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، ويراه من التعمق، حتى بلغه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يخلل، فرجع إلى القول به، وكما اتفق لأبي يوسف مع مالك في المد والصاع، حتى رجع إلى القول بذلك.

[20]. انظر هامش الموافقات، م، س، رقم 2، 1/122.

[21]. الموافقات، م، س، 1/121-122.

[22]. انظر الموافقات، م، س، 1/123، والأثر في مصنف عبد الرزاق، رقمه: 17076،

وقد نقل الإمام الشاطبي في كتاب الأدلة الشرعية، الطرف الثاني في الأدلة على التفصيل، مسائل الكتاب في الأدلة على التفصيل، المسألة الثانية: معرفة أسباب النزول وأهميته، الأثر نفسه زيادات وإضافات، جاء فيه:

وروي أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين؛ فقدم الجارود على عمر، فقال: إن قدامة شرب فسكر فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول وذكر الحديث؛ فقال عمر: يا قدامة! إني جالدك قال: والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني قال عمر: ولم؟ قال: لأن الله يقول: ﴿ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا﴾ (المائدة: 95) إلخ:  فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله.

وفي رواية: فقال لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله فقال عمر وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك قال: إن الله يقول في كتابه: ﴿ليس على الذين ءامنوا﴾ (المائدة: 95) إلى آخر الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس:  إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين، وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول: (يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر) (المائدة:  92) ثم قرأ إلى آخر الآية الأخرى فإن كان من الذين: ﴿ءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقوا وأحسنوا﴾ (المائدة: 95)؛ فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر: صدقت الحديث وحكى إسماعيل القاضي؛ قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر،  وعليهم يزيد بن أبي سفيان، فقالوا: هي لنا حلال، وتأولوا هذه الآية: ﴿ليس على الذين ءامنوا﴾ (المائدة: 95)، قال:  فكتب فيهم إلى عمر، قال:  فكتب عمر إليه: أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين! نرى أنهم قد كذبوا على الله،  وشرعوا في دينه ما لم يأذن به إلى آخر الحديث. انظر الموافقات، م، س، 4/150-151.

[23]. الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه، رقنم الحديث 4375.

[24]. انظر الموافقات، م، س، 1/122.

[25]. انظر تعليق الشيخ دراز في الهامش 2 و3، من الموافقات، م، س، 1/122.

[26]. انظر تفصيل المثال ووجوهه في الموافقات، م، س، 1/124.

[27]. انظر الموافقات، م، س، 1/124.

[28]. انظر الموافقات، م، س، 1/125.

[29]. الاعتصام، 2/368.

[30]. الموافقات، م، س، 1/124.

[31]. الموافقات، م، س، 1/125-126.

[32]. ومما لا ينبني عليه أصلا أي حكم بل ربما قد ينقلب الأمر وتنبني عليه أمور أخر.

Science

د.محمد المنتار

• مدير البوابة الإلكترونية للرابطة المحمدية للعلماء.
• رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق