مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

مجالس في البلاغة (1)

 

 

في إطار مجالس العلم التي تعقد في مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات والبحوث اللغوية والأدبية، انعقد مجلس درس البلاغة ليوم الأربعاء 07/03/2018 بإشراف الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي، وذلك لمدارسة كتاب البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور فضل عباس حسن.

 

وقد استهل رئيس المركز كلامه بمقدمة تمهيدية في الموضوع حول الكلمات التي نتداولها  الآن والتي وُضع أكثرها لتدل على أشياء مادية محسوسة، مشيرا  إلى أن العرب لم تكن لهم في نشأتهم الأولى إلا الأمور الضرورية التي يتعاملون معها ويحتاجون إليها،مبينا  أن أي كلمة حينما ترجعها إلى أصل وضعها ستجد أنها وضعت لتدل على شيء محسوس، ثم تدرجوا في استعمالها إلى ما كانت تدعو الحاجة إليه من أمور طارئة.
ثم قدم الدكتور محمد الحافظ الروسي مثالا تجلى في كلمة «كتاب» التي لا نكاد اليوم نذكر لها غير هذا المعنى الذي هو آلة الثقافة ووسيلة للعلم، كما أنه ذلك الشيء الذي يصلنا بما حولنا وبما هو بعيد عنا من شتى العوالم والمعارف. 
وذكر في تفسيره لمادة: « ك ت ب» أن العرب لم يضعوها لهذه الدلالة التي نجدها اليوم لأنهم لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة وإنما كان وضْعُهَا لشيء هم في أمس الحاجة إليه؛ ذلك أنهم كانوا يريدون أن يستروا أجسامهم وأن يتقوا الحر والبرد فكان لا بد لهم من لباس وهذا اللباس لا بد له من خياطة وحياكة ونسج، وأشار إلى أن كلمة «كتب» تدلّ على ضمّ الخيوط بعضها إلى بعض، ثم خلص إلى أن كلمة الكَتْب لغة هي: الضمّ والجمع. ثم تُوسع في هذه الكلمة حيث دعت الضرورة إلى ذلك؛ وأصبح العرب قبائل متعددة يغزو بعضهم بعضا، فكان لا بد لكل قبيلة من أشداء يدافعون عنها، وتتقي بهم شر الأعداء، وعندما رأوا هؤلاء المدافعين وهم يتجمعون وينضم بعضهم إلى بعض كان لا بد من كلمة توضع لهم وتناسب في الدلالة عليهم فوضعت كلمة «كتيبة».
وأشار إلى أنه عندما امتدت جذور الأمة واتسعت أصبح العرب لهم صلتهم بغيرهم من الأمم وصارت هناك معاملات وأغراض، دعتهم إلى أن يعرفوا الخط ورسم الأحرف، فكان لا بد لهم من كلمة يضعونها وهي ضم الحروف بعضها إلى بعض فوضعوا لذلك كلمة كتب.
وخلص من خلال هذه المقدمة التمهيدية إلى أن هناك صلة قوية بين هذه المعاني الثلاثة من الناحية الشكلية والناحية الوظيفية المعنوية، فكما أن النسج الذي ضمت فيه الخيوط يقيهم الحر والبرد كذلك الجند تقيهم الاعتداء، وهكذا الكتابة والقراءة تقيهم أنواعا كثيرة من الأذى، وأكد أن أي كلمة من الكلمات قد مرت بهذه المراحل وتُدُرِّجَ في استعمالها من معنًى إلى معنًى.
وبعد ذلك تحدث الدكتور محمد الحافظ الروسي عن معنى الفصاحة شارحا وباسطا القول في ذلك، وموضحا أن للبيانيين في الفصاحة أقوالا مضطربة وآراء متباينة، وقد وضعها العرب لمعان تشف عن الظهور والإبانة، يقولون: فَصُحَ اللبنُ وَأَفْصَحَ : إذا أُخِذَتْ رَغْوَتُهُ وأفصح الصبح إذا بدا ضوؤه، ومنه المثل: أفصحَ الصبحُ لذي عينين، وأفصح الأعجمي بالعربية، وفصُح لسانه بها: خلصت لغته من اللُّكْنَة وتغلب عليها وأصبح نطقه بالحروف العربية سليما صحيحا لا تشوبه شائبة، مضيفا ما جاء عند علماء البيان أن الكلام الفصيح هو ما كان سهل اللفظ واضح المعنى جيد السبك متلائم الحروف غير مستكره فج ولا متكلف وخِم ولا مما نبذته العرب وعدلت عن ألفاظه البلغاء، أو ما كان بنجوة من تنافر الحروف وغرابة الألفاظ ومخالفة ما ثبت عن الواضع وتنافر الكلمات والتعقيد في النظم والمعنى ومخالفة القانون النحوي.
وأضاف أن الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم:
فالفصاحة في المفرد هي خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس. أما تنافر الحروف فهو وصف في الكلمة ينجم عنه ثقل محملها على اللسان، ومثال ذلك كلمة «مستشزرات» كما جاء في قول امرئ  القيس :
غَدائِرُه مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى العُلَا *** تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنًّى وَمُرْسَلِ
 كما أشار إلى أن الاستشزار الارتفاع والرفع جميعا فيكون الفعل منه تارة لازما إن كسرت زايه ومتعديا إن فتحتها، والعلا: جمع علياء، والمقصود بها الجهات العلا. والعقاص: جمع عقيصة وهي الخصلة من الشعر تأخذها المرأة فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثم تجعلها وسط رأسها كالرمانة وهي الغديرة.
ومنه كذلك:
وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ *** وَلَيْسَ قربَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
ومن جهة أخرى فقد بسط القول في كلمة الغرابة وهي أن يكون اللفظ حوشيا غير مألوف الاستعمال ولا ظاهر المعنى، نحو:
  ومُقْلة وحَاجِبا مُزَجَّجَا ***وفَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا
أي كالسيف السريجي في الدقة والاستواء، أو كالسراج في البريق واللمعان، وهو يقرب من قولهم سرِج وجهه بكسر الراء أي حسُن، وسرَّج الله وجهه أي بهَّجه وحسَّنه.
 وهو نوعان: حَسَنٌ لا يعاب استعماله على العرب القحّ وهو في النظم أحسن منه في النثر، ومثال ذلك مشمخرّ، كما جاء في قول البحتري حين وصف إيوان كسرى:
مُشْمَخِرٌّ تَعْلُو لَهُ شُرُفَاتٌ *** رُفِعَتْ فِي رُؤُوسِ رَضْوَى وَقُدْسِ
وقبيح يعاب استعماله على سائر الفصحاء وهو أن يكون مع ذلك كزا غليظا، مثل جحيش في قول تأبط شرا:
يَظَلُّ بِمَوْمَاةٍ وَيُمْسِي بِغَيْرِهَا *** جَحِيشاً وَيَعْرَوْرِي ظُهُورَ المَهَالِكِ
ومثل اطلخم في قول أبي تمام:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا اطْلَخَمَّ الأَمْرُ وَانْبَعَثَتْ *** عَشْوَاءُ تَالِيَةً عُبْساً دَهَارِيسَا
وفي هذا الصدد قدم الدكتور محمد الحافظ الروسي طريقة نعرف بها مخالفة الشاعر الحضري لطبعه وبيئته فيما قدم ابن الجراح ووافقه على ذلك الآمدي وهو أن ننظر هل اللفظ الذي يستعمله في شعره هو من جنس ما يستخدمه في نثره وبهذه الوسيلة استطاع أن ينتقد على أبي تمام قوله: «قَدْكَ اتَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلواء» لأن هذا الكلام لو جاء في شعر أعرابي لم ينكروه عليه، لأن الأعرابي إنما ينظم كلامه المنثور الذي يستعمله في مخاطباته ومحاوراته، ولو خاطب أبو تمام بهذا المعنى في كلامه المنثور لما قال لمن يخاطبه إلا: حسبك استح زدت وغلوت. وإذا كان الشاعر الحضري لا يستعمل في معهود كلامه ومنثوره الألفاظ الوحشية ولا الألفاظ البدوية فقد أصبحت القاعدة كما جاء في «الموازنة»: أن يأتي في شعره بالألفاظ العربية المستعملة في كلام الحاضرة. وأما إذا أحب أن يدل على فصاحته وعلمه وأن يوسع من معجمه الخاص فمن سبيله أن يجعله من المستعمل في كلام أهل البدو دون الوحشي الذي يقل استعمالهم إياه، وأن يجعله متفرقا في تضاعيف ألفاظه، ويضعه في مواضعه فيكون قد اتسع مجاله للاستعانة به ودلَّ على فصاحته وعلمه وتخلص من الهجنة.
وبيَّن الدكتور محمد الحافظ الروسي نقطة مهمة في هذا الصدد بخصوص لفظة اللُّكنة بضم اللام وهي عدم النطق بالحروف على وجهها الصحيح، ممثلا لذلك بالشاعر سحيم المشهور بعبد بني الحسحاس الذي كانت في لسانه لُكنة، وكان من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام، جيد الشعر، وكان أسود شديد السواد يرتضخ لكنة حبشية، وكان عبد الله بن أبي ربيعة قد اشتراه وكتب إلى عثمان بن عفان: إني قد ابتعت لك غلاما شاعراً حبشيا، فكتب إليه عثمان: لا حاجة إليه فاردده؛ فإنما قصارى أهل العبد الشاعر إن شبع أن يشبب بنسائهم، وإن جاع أن يهجوهم. فرده عبد الله وقتل في خلافة عثمان، ومثال لكنته في الكلام ما جاء في قوله عند إنشاد قصيدته بحضور عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي يقول في أولها:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا*** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال له عمر: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فقال له: ما سعرت، يريد ما شعرت؛ جعل الشين المعجمة سينا غير معجمة .

وقد استهل رئيس المركز كلامه بمقدمة تمهيدية في الموضوع حول الكلمات التي نتداولها  الآن والتي وُضع أكثرها لتدل على أشياء مادية محسوسة، مشيرا  إلى أن العرب لم تكن لهم في نشأتهم الأولى إلا الأمور الضرورية التي يتعاملون معها ويحتاجون إليها،مبينا  أن أي كلمة حينما ترجعها إلى أصل وضعها ستجد أنها وضعت لتدل على شيء محسوس، ثم تدرجوا في استعمالها إلى ما كانت تدعو الحاجة إليه من أمور طارئة.

ثم قدم الدكتور محمد الحافظ الروسي مثالا تجلى في كلمة «كتاب» التي لا نكاد اليوم نذكر لها غير هذا المعنى الذي هو آلة الثقافة ووسيلة للعلم، كما أنه ذلك الشيء الذي يصلنا بما حولنا وبما هو بعيد عنا من شتى العوالم والمعارف. 

وذكر في تفسيره لمادة: « ك ت ب» أن العرب لم يضعوها لهذه الدلالة التي نجدها اليوم لأنهم لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة وإنما كان وضْعُهَا لشيء هم في أمس الحاجة إليه؛ ذلك أنهم كانوا يريدون أن يستروا أجسامهم وأن يتقوا الحر والبرد فكان لا بد لهم من لباس وهذا اللباس لا بد له من خياطة وحياكة ونسج، وأشار إلى أن كلمة «كتب» تدلّ على ضمّ الخيوط بعضها إلى بعض، ثم خلص إلى أن كلمة الكَتْب لغة هي: الضمّ والجمع. ثم تُوسع في هذه الكلمة حيث دعت الضرورة إلى ذلك؛ وأصبح العرب قبائل متعددة يغزو بعضهم بعضا، فكان لا بد لكل قبيلة من أشداء يدافعون عنها، وتتقي بهم شر الأعداء، وعندما رأوا هؤلاء المدافعين وهم يتجمعون وينضم بعضهم إلى بعض كان لا بد من كلمة توضع لهم وتناسب في الدلالة عليهم فوضعت كلمة «كتيبة».

وأشار إلى أنه عندما امتدت جذور الأمة واتسعت أصبح العرب لهم صلتهم بغيرهم من الأمم وصارت هناك معاملات وأغراض، دعتهم إلى أن يعرفوا الخط ورسم الأحرف، فكان لا بد لهم من كلمة يضعونها وهي ضم الحروف بعضها إلى بعض فوضعوا لذلك كلمة كتب.

وخلص من خلال هذه المقدمة التمهيدية إلى أن هناك صلة قوية بين هذه المعاني الثلاثة من الناحية الشكلية والناحية الوظيفية المعنوية، فكما أن النسج الذي ضمت فيه الخيوط يقيهم الحر والبرد كذلك الجند تقيهم الاعتداء، وهكذا الكتابة والقراءة تقيهم أنواعا كثيرة من الأذى، وأكد أن أي كلمة من الكلمات قد مرت بهذه المراحل وتُدُرِّجَ في استعمالها من معنًى إلى معنًى.

وبعد ذلك تحدث الدكتور محمد الحافظ الروسي عن معنى الفصاحة شارحا وباسطا القول في ذلك، وموضحا أن للبيانيين في الفصاحة أقوالا مضطربة وآراء متباينة، وقد وضعها العرب لمعان تشف عن الظهور والإبانة، يقولون: فَصُحَ اللبنُ وَأَفْصَحَ : إذا أُخِذَتْ رَغْوَتُهُ وأفصح الصبح إذا بدا ضوؤه، ومنه المثل: أفصحَ الصبحُ لذي عينين، وأفصح الأعجمي بالعربية، وفصُح لسانه بها: خلصت لغته من اللُّكْنَة وتغلب عليها وأصبح نطقه بالحروف العربية سليما صحيحا لا تشوبه شائبة، مضيفا ما جاء عند علماء البيان أن الكلام الفصيح هو ما كان سهل اللفظ واضح المعنى جيد السبك متلائم الحروف غير مستكره فج ولا متكلف وخِم ولا مما نبذته العرب وعدلت عن ألفاظه البلغاء، أو ما كان بنجوة من تنافر الحروف وغرابة الألفاظ ومخالفة ما ثبت عن الواضع وتنافر الكلمات والتعقيد في النظم والمعنى ومخالفة القانون النحوي.

وأضاف أن الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم:

فالفصاحة في المفرد هي خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس. أما تنافر الحروف فهو وصف في الكلمة ينجم عنه ثقل محملها على اللسان، ومثال ذلك كلمة «مستشزرات» كما جاء في قول امرئ  القيس :

غَدائِرُه مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى العُلَا *** تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنًّى وَمُرْسَلِ

 كما أشار إلى أن الاستشزار الارتفاع والرفع جميعا فيكون الفعل منه تارة لازما إن كسرت زايه ومتعديا إن فتحتها، والعلا: جمع علياء، والمقصود بها الجهات العلا. والعقاص: جمع عقيصة وهي الخصلة من الشعر تأخذها المرأة فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثم تجعلها وسط رأسها كالرمانة وهي الغديرة.

ومنه كذلك:

وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ *** وَلَيْسَ قربَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ

ومن جهة أخرى فقد بسط القول في كلمة الغرابة وهي أن يكون اللفظ حوشيا غير مألوف الاستعمال ولا ظاهر المعنى، نحو: 

ومُقْلة وحَاجِبا مُزَجَّجَا ***وفَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا

أي كالسيف السريجي في الدقة والاستواء، أو كالسراج في البريق واللمعان، وهو يقرب من قولهم سرِج وجهه بكسر الراء أي حسُن، وسرَّج الله وجهه أي بهَّجه وحسَّنه.

 وهو نوعان: حَسَنٌ لا يعاب استعماله على العرب القحّ وهو في النظم أحسن منه في النثر، ومثال ذلك مشمخرّ، كما جاء في قول البحتري حين وصف إيوان كسرى:

مُشْمَخِرٌّ تَعْلُو لَهُ شُرُفَاتٌ *** رُفِعَتْ فِي رُؤُوسِ رَضْوَى وَقُدْسِ

وقبيح يعاب استعماله على سائر الفصحاء وهو أن يكون مع ذلك كزا غليظا، مثل جحيش في قول تأبط شرا:

يَظَلُّ بِمَوْمَاةٍ وَيُمْسِي بِغَيْرِهَا *** جَحِيشاً وَيَعْرَوْرِي ظُهُورَ المَهَالِكِ

ومثل اطلخم في قول أبي تمام:

قَدْ قُلْتُ لَمَّا اطْلَخَمَّ الأَمْرُ وَانْبَعَثَتْ *** عَشْوَاءُ تَالِيَةً عُبْساً دَهَارِيسَا

وفي هذا الصدد قدم الدكتور محمد الحافظ الروسي طريقة نعرف بها مخالفة الشاعر الحضري لطبعه وبيئته فيما قدم ابن الجراح ووافقه على ذلك الآمدي وهو أن ننظر هل اللفظ الذي يستعمله في شعره هو من جنس ما يستخدمه في نثره وبهذه الوسيلة استطاع أن ينتقد على أبي تمام قوله: «قَدْكَ اتَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلواء» لأن هذا الكلام لو جاء في شعر أعرابي لم ينكروه عليه، لأن الأعرابي إنما ينظم كلامه المنثور الذي يستعمله في مخاطباته ومحاوراته، ولو خاطب أبو تمام بهذا المعنى في كلامه المنثور لما قال لمن يخاطبه إلا: حسبك استح زدت وغلوت. وإذا كان الشاعر الحضري لا يستعمل في معهود كلامه ومنثوره الألفاظ الوحشية ولا الألفاظ البدوية فقد أصبحت القاعدة كما جاء في «الموازنة»: أن يأتي في شعره بالألفاظ العربية المستعملة في كلام الحاضرة. وأما إذا أحب أن يدل على فصاحته وعلمه وأن يوسع من معجمه الخاص فمن سبيله أن يجعله من المستعمل في كلام أهل البدو دون الوحشي الذي يقل استعمالهم إياه، وأن يجعله متفرقا في تضاعيف ألفاظه، ويضعه في مواضعه فيكون قد اتسع مجاله للاستعانة به ودلَّ على فصاحته وعلمه وتخلص من الهجنة.

وبيَّن الدكتور محمد الحافظ الروسي نقطة مهمة في هذا الصدد بخصوص لفظة اللُّكنة بضم اللام وهي عدم النطق بالحروف على وجهها الصحيح، ممثلا لذلك بالشاعر سحيم المشهور بعبد بني الحسحاس الذي كانت في لسانه لُكنة، وكان من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام، جيد الشعر، وكان أسود شديد السواد يرتضخ لكنة حبشية، وكان عبد الله بن أبي ربيعة قد اشتراه وكتب إلى عثمان بن عفان: إني قد ابتعت لك غلاما شاعراً حبشيا، فكتب إليه عثمان: لا حاجة إليه فاردده؛ فإنما قصارى أهل العبد الشاعر إن شبع أن يشبب بنسائهم، وإن جاع أن يهجوهم. فرده عبد الله وقتل في خلافة عثمان، ومثال لكنته في الكلام ما جاء في قوله عند إنشاد قصيدته بحضور عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي يقول في أولها:

عميرة ودع إن تجهزت غاديا*** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

فقال له عمر: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فقال له: ما سعرت، يريد ما شعرت؛ جعل الشين المعجمة سينا غير معجمة .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق