كيف تعامل عمر مع الصّحابة والتّابعين؟ (1)
صاحب كتاب الوهمي والحقيقي في سيرى عمر بن الخطاب طرح هذا السؤال وأجاب عنه في صفحات، ونحن سنكشف ما في إجابته في حلقات، وهذه الحلقة الأولى:
قال: (هذا سؤال يجيب عنه الخليفة بعده عثمان بن عفّان الأموي، فقد قال عثمان يوما: لقد وطئكم ابن الخطّاب برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدِنْتُم له على ما أحببتم وكرهتم.. وعليه، فإذا كان رسول الله (ص) (حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم) فإن عمر بن الخطّاب شديد عليهم عنيف إلى درجة أنّ عثمان يشهد أنّه وطئهم برجله، وهذه كلمة عظيمة، لأنّه لا يحلّ لأحد أن يطأ برجله أقواما انطوت صدورهم على كلمة "لا إله إلا الله"..)([1]).
وقد عزا الخبر في الهامش لتاريخ الطبري، والكامل في التاريخ، والمنتظم، وتاريخ الرسل والملوك، والبداية والنهاية، ونهاية الأرب في فنون الأدب.
هكذا بهذا الترتيب، ولا أدري لم ذكر في البداية (تاريخ الطبري) ثم (تاريخ الرسل والملوك) وهما كتاب واحد، فلا داعي للإعادة.
وأغلب هذه الكتب لا عبرة بها لأنها محذوفة الأسانيد؛ سوى الطبري فننظر في إسناده، قال: (وأما الواقدي؛ فإنّه زعم أنّه عبدالله بن محمد حدّثه عن أبيه؛ قال: لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض أنْ أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يرون ويسمعون، ليس فيهم أحد ينهى ولا يذبّ؛ إلا نَفِيرٌ منهم: زيد بن ثابت، وأبو أُسَيْد السّاعدي، وكعب بن مالك، وحسّان بن ثابت؛ فاجتمع الناس وكلّموا علي بن أبي طالب، فدخل على عثمان، فقال: الناس ورائي، وقد كلموني فيك، والله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء، فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنُبلّغكه، وما خُصصنا بأمر دونك، وقد رأيت وسمعت، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك، وإنّك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رَحِمًا، ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا، ولا سبقاك إلى شيء، فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل، وإنّ الطريق لواضح بَيِّنٌ، وإنّ أعلام الدين لقائمة، تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله: إمام عادل، هُدي وهَدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة متروكة، فوالله إنّ كُلًّا لَبَيِّنٌ، وإنّ السُّنن لقائمة لها أعلام، وإنّ البدع لقائمة لها أعلام، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر، ضَلَّ وضُلَّ به، فأمات سنة معلومة، وأحيا بدعة متروكة، وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر، فيُلقى في جهنّم، فيدور في جهنّم كما تدور الرّحا، ثم يرتطم في غمرة جهنم". وإني أحذرك الله، وأحذرك سطوته ونقماته، فإن عذابه شديد أليم، وأحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه يُقال: يقتل في هذه الأمة إمام، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، وتُلبس أمورها عليها، ويتركهم شِيَعًا، فلا يبصرون الحقّ لعُلُوّ الباطل، يموجون فيها مَوْجًا، ويمرجون فيها مَرْجًا، فقال عثمان: قد والله علمت، ليقولن الذي قلت، أما والله لو كنتَ مكاني ما عنفتك، ولا أسلمتك، ولا عبت عليك، ولا جئتُ منكرا إنْ وصلتَ رحما، وسددتَ خَلّة، وآويت ضائعا، وولّيت شبيها بمن كان عمر يُولّي، أنشدك الله يا علي، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنّ عمر ولاّه؟ قال: نعم. قال: فلم تلومني أنْ وليتُ ابن عامر في رحمه وقرابته؟ قال علي: سأخبرك إنّ عمر بن الخطاب كان كلّ من ولّى فإنما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه، ثم بلغ به أقصى الغاية، وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك. قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا. فقال علي: لعمري إنّ رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلها، فقد وليته؟ فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يَرْفَأُ غلام عمر منه. قال: نعم. قال علي: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك، وأنت تعلمها، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك، ولا تغيّر على معاوية. ثمّ خرج عليّ من عنده، وخرج عثمان على أثره، فجلس على المنبر، فقال: أما بعد؛ فإن لكل شيء آفة، ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة، وعاهة هذه النعمة: عيّابون طعّانون، يرونكم ما تحبّون، ويسرّون ما تكرهون، يقولون لكم وتقولون، أمثال النّعام يتبعون أول ناعق، أحبّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلا نَغَصًا، ولا يَرِدُون إلا عَكِرًا، لا يقوم لهم رائد، وقد أعيتهم الأمور، وتعذرت عليهم المكاسب، ألا فقد والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدِنْتُمْ له على ما أحببتم أو كرهتم..)([2]).
وهذا الخبر الطويل، مصدره الواقدي محمد بن عمر فقد أجمع النقاد على توهينه:
(قال أحمد بن حنبل: هو كذّاب، يقلب الأحاديث، يلقى حديث ابن أخي الزُّهْري على معمر ونحو ذا. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: لا يكتب حديثه. وقال البخاري وأبو حاتم: متروك. وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث. وقال الدارقطني: فيه ضعف. وقال ابن عدى: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه)([3]).
وشيخه هو: عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب العلوي الملقّب ب: دافن. قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني: هو وسط. وذكره ابن حبان في الثقات([4]).
وأبوه هو: محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب العلوي من أتباع التابعين، قال محمد بن سعد: (كان قليل الحديث، وكان قد أدرك أوّل خلافة أبي العباس)([5]).
إذن السّند منقطع، علاوة على نكارته لأجل الواقدي.
فهل بمثل هذه الأخبار نَزِنُ مكانة مكانة عمر في تعمله مع الأصحاب رضي الله عنهم؟ اللهم هذا بهتان عظيم.
والله الموفق لإيضاح الحق.
--------------------------------------------------------------------