مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

كيفية صناعة الشعر عند القدماء

1- المسرة: «وقيل للشّنفرى حين أسر: أنشد، فقال: الإنشاد على حين المسرّة، ثم قال:

فلا تدفنونى إنّ دفنى محرّم … عليكم ولكن خامرى أمّ عامر

إذا حملوا رأسى وفى الرأس أكثرى … وغودر عند الملتقى ثمّ سائرى

هنالك لا أرجو حياة تسرّنى … سمير الليالى مبسلا بالجرائر»(22)

وهذا لا ينفي أن يجود شعراء آخرون بالشعر في حالة الحزن، وإنما هو اختلاف الطبائع بين أصحاب الصناعة وتباينها من حين لآخر.

2- الغضب: و«هو من أشد الانفعالات النفسية عند الإنسان […] والغضب هو الرحم للعديد من المشاعر المتولدة منه، مثل البغض والضغينة وازدراء الآخر، وفي حالة الشاعر، فإن احتدام الشعور بالغضب في نفسه، لا بد أن يستدعي عنده نوبة الإبداع، ويحفزه على القول في موضوع الهجاء بالتحديد، وقد يصاحبه الفخر بالذات أو بالقبيلة»(23)، وقد مر معنا آنفا نص لعبد الملك بن مروان حينما قال لأرطاة بن سهيّة: هل تقول الآن شعرا؟ فقال: (كيف أقول وأنا) ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب، وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه(24). وهذا ما يجعل الغضب من محفزات القول والإبداع الفني.

3- الخلوة: المكان الذي يختلي فيه الإنسان بنفسه وينفرد بها، والخلوة من الحالات النفسية التي يستحبها بعض الناس لاستجلاء خواطرهم، واختبار ذواتهم، واستخراج مكنوناتها، وقد كان بعض الشعراء قديما يميلون إلى الخلوة قصد استدعاء الشعر.

وقد سُئِل ذو الرمة: «كيف تعمل إذا انقفل دونك الشعر؟ فقال: كيف ينقفل دوني وعندي مفتاحه؟ قيل له: وعنه سألناك، ما هو؟ قال: الخلوة بذكر الأحباب»(25)، قال: «فهذا لأنه عاشق، ولعمري إنه إذا انفتح للشعر نسيب القصيدة فقد ولج من الباب، ووضع رجله في الركاب، على أن ذا الرمة لم يكن كثير المدح والهجاء، وإنما كان واصف أطلال، ونادب أظعان، وهو الذي أخرجه من طبقة الفحول»(26).

وروى أن الفرزدق «كان إذا صعبت عليه صنعة الشعر ركب ناقته، وطاف خالياً منفرداً وحده في شعاب الجبال وبطون الأودية والأماكن الخربة الخالية، فيعطيه الكلام قياده. حكى ذلك عن نفسه في قصيدته الفائية:

عزفت بأعشاش وما كدت تعزفأ

وذكر أن فتى من الأنصار بحضرة كثير أو غيره فاخره بأبيات حسان بن ثابت:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى … وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فأنظره سنة فمضى حنقاً، وطالت ليلته ولم يصنع شيئاً، فلما كان قرب الصباح أتى جبلاً بالمدينة يقال له ذباب، فنادى: أخاكم يا بني لبني، صاحبكم، صاحبكم، صاحبكم، وتوسد ذراع ناقته، فانثالت عليه القوافي انثيالاً، وجاء بالقصيدة بكرة وقد أعجزت الشعراء وبهرتهم طولاً وحسناً وجودة»(27).

وقال الخليع: «من لم يأت شعره من الوحدة فليس بشاعر، قالوا: يريد الخلوة، وربما أراد الغربة، كما قال ديك الجن: ما أصفى شاعر مغترب قط»(28).

الحمَّام: وهي ساعة استرخاء وراحة وصفاء ذهن، قد تجود فيها القريحة بما لا تجود به في ساعة أخرى، قال ابن رشيق: «وسألت شيخاً من شيوخ هذه الصناعة فقلت: ما يعين على الشعر؟ قال: زهرة البستان، وراحة الحمَّام»(29)، وقالوا: «الحيلة لكلال القريحة انتظار الحمام، وتصيد ساعات النشاط»(30)، وقال بكر بن عبد الله المزني: «لا تكدوا القلوب ولا تهملوها، وخير الفكر ما كان في عقب الحمّام»(31).

***

الهوامش:

1- الموازنة 1/426.

2- العمدة 1/205.

3- الشعر والشعراء 1/81- 82.

4- العمدة 1/207.

5- فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ص: 44.

6- العمدة 1/114.

7- مفهوم الإبداع الفني في الشعر ص: 304.

8- العمدة 1/208.

9- العمدة 1/212.

10- الشعر والشعراء 1/80.

11- الشعر والشعراء 1/80.

12- الشعر والشعراء 1/80.

13- العمدة 1/206- 207.

14- العمدة 1/211.

15- العمدة 1/211- 212.

16- العمدة 1/209.

17- العمدة 1/207.

18- العمدة 1/209.

19- الشعر والشعراء 1/80، عيون الأخبار 2/200.

20- العمدة 1/211.

21- العمدة 1/206.

22- الشعر والشعراء 1/80- 81.

23- مفهوم الإبداع الفني في الشعر ص: 252.

24- الشعر والشعراء 1/80، عيون الأخبار 2/200.

25- العمدة 1/206.

26- العمدة 1/206.

27- العمدة 1/207.

28- العمدة 1/212.

29- العمدة 1/211.

30- العمدة 1/212.

31- العمدة 1/212.

***

المصادر والمراجع:

– الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، منشورات دار الحديث، القاهرة، عام النشر: 1423هـ/2006م.

– العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة: 1401هـ/1981م، منشورات دار الجيل.

– عيون الأخبار، لابن قتيبة، شرحه وضبطه وعلق عليه وقدم له ورتب فهارسه الدكتور يوسف الطويل، الطبعة الرابعة عام: 2009م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت.

– فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه، لمحمد صالح الشنطي، الطبعة الخامسة: 1422هـ /2001م، منشورات دار الأندلس للنشر والتوزيع، السعودية.

– مفهوم الإبداع الفني في الشعر، للدكتور جهاد المجالي، الطبعة الأولى عام: 2016م، منشورات دروب للنشر والتوزيع.

– الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، للآمدي، تحقيق السيد أحمد صقر، الطبعة الأولى عام: 1994م، منشورات مكتبة الخانجي.

الصفحة السابقة 1 2
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق