كتاب “وعاظ الإسلام” يرتحل مع الواقع المُركّب للأئمة في ألمانيا
أئمة ألمانيا وعاظ ومصلحون في الخلافات الزوجية ومستشارون لدى السلطات
"وعاظ الإسلام"، هو أحدث مؤلفات أستاذ الدراسات الدينية في جامعة أوسنابروك الألمانية، رؤوف سيلان ويسلط الكتاب الضوء على حياة الأئمة اليومية الذين لا يعرف عنهم تقريبًا أي شيء في ألمانيا، كما يبين دورهم في تعزيز عملية الاندماج. (صدر الكتاب في أبريل 2010)
وحسب قراءة استطلاعية في الكتاب أنجزها تيلو غوشاس لموقع "قنطرة" الإلكتروني، فإن الموضوع الذي يعالجه رؤوف سيلان في كتابه الجديد ليس موضوعًا جديدًا، ولكن الجديد يكمن في أسلوبه الذي اتّبعه في معالجته؛ إذ يعد أوَّل من حمَّل نفسه مشقة القيام شخصيًا بزيارة لهؤلاء الأشخاص الذين يدور حولهم الكثير من الكلام، معتبرا أن هذا الكتاب النفيس يتألَّف من أربعين حوارًا أجراها ويتَّضح بسرعة في الكتاب أنَّ الأئمة ليسوا رجال دين آليين لم يكن يدور ببالهم منذ بداية طفولتهم إلاَّ حياة التقوى.
ومن خلال مثل هذه القصص يساهم الكاتب في إزالة الصور النمطية. ولكن سيلان لا يكتفي بالوصف وحسب؛ بل يقيِّم عمل الأئمة.
ويعمل رؤوف سيلان أستاذًا للدراسات الدينية في جامعة أوسنابروك الألمانية، ولد في مدينة دويسبورغ لأبوين كرديين، وتعلَّم منهما اللغة التركية، التي تعدّ مفتاحه للمساجد والسلاح الفكري الذي يحمله هذا الأستاذ الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، ويرسم المؤلف صورة جماعية للأئمة، غالبًا ما يتصارعون مع مهام يزيد حملها عن طاقتهم. وهؤلاء الأئمة معظمهم "مستوردون" من تركيا يأتون إلى ألمانيا للإقامة هنا أربعة أعوام، وغالبًا ما يحتاجون هذه المدة للتأقلم مع الحياة هنا. وعلاوة على ذلك، تثقل على كاهلهم أنواع من المهام التي لا يعرفونها من تركيا. وبعكس عملهم هناك، فهم لا يقومون هنا فقط بإلقاء خطبة الجمعة؛ بل يتم طلبهم أيضًا كوعَّاظ ومصلحين في الخلافات الزوجية وكمستشاري ديون ومساعدين في إنجاز المعاملات الرسمية، ويعلقون بالإضافة إلى ذلك بين "فكي كماشة" الجماعة والإدارة.
ويُقسّم سيلان الأئمة المسلمين إلى عدة مجموعاتأ، منها "الأئمة البروسيون"، أي الأئمة المحافظين على القيم الذين يشكِّلون حسب رأي سيلان ثلاثة أرباع جميع الأئمة. وهم يؤيِّدون التصوّرات القديمة الخاصة بدور الرجل والمرأة ويركِّزون على السلطة. ولكن من ناحية أخرى لا يتوقَّع منهم اتِّخاذ مواقف متطرفة. وذلك لأنَّ النظام الاجتماعي المتوازن الذي يدعو إليه القرآن، يعدّ من أعلى قيمهم. ويقول أحدهم: "الدولة الألمانية تطلق عليه اسم المساعدة الاجتماعية، ولكنها تقوم من حيث المبدأ بتنفيذ واجب إسلامي". وبالتالي يبدو الإسلام هنا مختلفًا تمام الاختلاف، إذ تعتبر ألمانيا كونها دولة تهتم بالرفاه الاجتماعي من وجهة نظر "الأئمة البروسيين" إسلامية أكثر من تركيا!
تختلف الحال تمامًا لدى نوع "الأئمة الهجوميين المثقفين"، الذين يكوِّنون لأنفسهم صورة مستقلة وعقلانية عن الإسلام. ويلاحظ سيلان كيف تنعزل هذه الطليعة من الأئمة عن الجماعات التي يجدونها قديمة الطراز للغاية ويقومون بتأسيس أوساط جديدة خاصة بهم، أوساط يفصلون أنفسهم من خلالها عن غالبية المسلمين الألمان؛ وهذه قوة مجدِّدة، ربَّما لا تنتهي على هذا النحو بشكل تام، لكنها تبقى محدودة جدًا.