مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

كتاب الخصال

كان من مناهج التأليف لدى بعض العلماء أن يؤلف كتابا يعارض به كتابا آخر أُلف وفق مذهب مخالف لمذهبه، وهو ما يسمى بطريقة المعارضة أو المحاكاة، ويحتاج من يسلك هذا الضرب من التأليف إلى ملكة راسخة في العلم، وقدرة كبيرة على تحليل المسائل، وفي هذا السياق يندرج كتاب الخصال للقاضي أبي بكر محمد بن يبقى بن زَرب القرطبي المتوفى سنة 381هـ ، فقد ذكر كثير من مترجميه أنه عارض به كتاب الخصال في الفقه الحنفي، لأبي القاسم علي بن محمد بن الحسن النخعي المعروف بابن كاس (ت324هـ)، فجاء ـ كما قال القاضي عياض ـ غاية في الإتقان.

ويعد كتاب الخصال على صغر حجمه مصدرا مهما في الفقه المالكي؛ فقد جمع فيه مؤلفه أحكام العبادات والمعاملات، واقتصر فيه على المشهور من الأقوال دون الخوض في الاختلاف والترجيح بين الآراء؛ فالكتاب يشبه في اختصاره ومنهجه إلى حد كبير صنيع ابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ) في رسالته، وأبي الحسن علي بن عيسى بن عبيد الطليطلي (ق4) في مختصره، وقد رام فيه مؤلفه العلامة ابن زرب حصر مسائل الكتاب في أعداد معينة؛ مثل قوله:«النية في الوضوء خمس خصال»، وقوله:«باب خصال لا تنقض الوضوء، وذلك أربع عشرة خصلة»،وسار على هذا النهج في سائر الكتاب.

كما نجده يستشهد أحيانا بالأدلة الشرعية من قرآن وسنة، ليبني عليها ما قرره من المسائل الفقهية كقوله:«وفرض الوضوء أربع خصال، قال الله تبارك وتعالى»، ثم ذكر آية المائدة، وقوله في منع الضرر:«والنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار».

ويلاحظ أن ابن زرب كان يرجع في بعض المسائل إلى أقوال  الفقهاء المالكية الأوائل مثل ابن نافع، وابن القاسم، وعلي بن زياد، وأشهب، وابن عبد الحكم، وعبد الملك ابن الماجشون،  وأصبغ، وغيرهم من أعلام المذهب، وأحيانا يُعمل بعض الأصول المقررة في المذهب المالكي مثل الاستحسان، والعرف؛ فمن الأول قوله:«واستحسن مالك أن يكون في الجنين الكفارة إذا ضربها خطأً»، ومن الثاني قوله في صداق الزوجة:«والواجب أن يكون الصداق معلوما… ولا بأس أن يتزوجها على شُوار بيت ـ أي متاعه ـ إذا كان الشُّوار معروفا عند أهل ذلك البلد».

ولما كان كتاب الخصال بهذه الأهمية فقد كثرت النقول عنه ممن جاء بعده، مثل القرافي في الذخيرة، والمواق في التاج والإكليل، والحطاب في مواهب الجليل، وغيرهم.

وأما ما يُحكى في بعض المصادر أن القاضي ابن زرب أخفى رسالة ابن أبي زيد القيرواني لما بعث بها إليه، ولم يظهرها للناس، وأخذ في تأليف كتاب الخصال لينال ما نالته الرسالة من شهرة، فيمكن رده انطلاقا من وجود بعض الاختلاف بين الكتابين في طريقة عرض المسائل، وافتتاح ابن أبي زيد رسالته بمقدمة عقدية بين فيها ما يجب على المسلم اعتقاده، بينما لم يتعرض ابن زرب لذلك أصلا، وعلى فرض صحة حجبه لرسالة ابن أبي زيد فإن ذلك يحمل على أنه اعتبرها هدية تخصه ولا يلزمه نشرها.

ثم إن المصادر لم تذكر أنه كان بينه وبين ابن أبي زيد ما يكون عادة بين الأقران والمتعاصرَين من المنافسة، أو غيرها.
طبع كتاب الخصال بتحقيق الدكتور عبد الحميد العلمي، ونشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1426هـ / 2005م.

الكتاب كتاب الخصال
المؤلف أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي (ت381هـ)
مصادر ترجمته تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس (1/96)، جذوة المقتبس (93)، ترتيب المدارك (7/114)، الديباج المذهب (2/213)
دار النشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1، 1426هـ/2005م
الثناء على المؤلف قال القاضي عياض:«وألف كتاب الخصال المشهور في الفقه على مذهب مالك … فجاء غاية في الإتقان»

إعداد: ذ. جمال القديم

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق