مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات عامة

قيمة التسامح : المرجعية الإسلامية في مواجهة العنف المرتبط بالتطرف 3/4

3. كيفية العمل للحد من الإرهاب كسلوك خطر:

باعتماد عدة مقاربات ومداخل منها:

*  طب المجتمع

إن توجه الرابطة المحمدية للعلماء ينطلق، حسب ما تقدم، من المنظور المتطور لمفهوم الصحة والذي أصبح يعرف ب“طب المجتمع” الذي تطور خلال القرن العشرين في اهتماماته ومجالاته، حيث يلاحظ أنه ركز في البداية على صحة البيئة بمختلف أصنافها وانتهى بالنظرة الشمولية التي تربط بين الصحة والسلوك. وتحيل مسؤولية الحفاظ على صحة الإنسان إلى مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع عبر مؤسساته المختلفة وليس المؤسسات الصحية فقط.وهكذا فإن طبيب المجتمع هو الطبيب القادر على أداء المهام والمهارات التالية:

 – تحديد المشاكل الصحية في المجتمع وتقييم الاحتياجات الصحية؛

 – القيام بالخدمات الوقائية والتي تعزز الصحة في مجتمعه؛

 – القيام بمسؤوليات إدارية داخل المنظومة الصحية؛

 – جمع المعطيات وتحليلها والاستفادة منها؛

 – تقديم الخدمة الصحية الملائمة للمجتمع؛

 – القيام بالبحوث المتعلقة بصحة المجتمع والخدمات الصحية؛

 – القدرة على التعلم الذاتي بما ينسجم مع تطوير مهنته؛

 – القدرة على التواصل مع الأفراد والمجتمع وأعضاء الفريق الصحي.

 

* مكافحة العدوى الاجتماعية أو التقليد

يرتبط تنامي السلوك الخطر ب “العدوى الاجتماعية أو التقليد”. وتستعمل لفظة “العدوى” في الميدان الاجتماعي لتشبيه حالة الانتشار العفوي لبعض الظواهر المرضية اجتماعيا، بحالة انتقال المرض من شخص إلى شخص. فكما أن انتقال المرض يتم بدون إرادة المريض ولا إرادة الشخص الذي انتقل إليه المرض، كذلك تنتقل الظاهرة السلوكية المرضية، من شخص إلى آخر بشكل لا إرادي. وقد تكون عبارة عن رأي أو اتجاه أو مشاعر معينة أو اندفاع عاطفي في وجهة معينة. وفي كل هذه الحالات يتم تقبل الظاهرة المنتقلة من الشخص الآخر بشكل “آلي” أي بدون تدخل الإرادة الواعية. ويمكن اعتبار التدخين والموضة والشائعة، بمثابة ظواهر تنتقل بواسطة العدوى الاجتماعية. وفي هذا الإطار يمكن تفسير كيف يتم انتقال نماذج السلوك من شخص إلى آخر، وكيف يصبح نموذج ما للسلوك مسيطرا. إن “العدوى الاجتماعية” التي يكون موضوعها “آفة اجتماعية” أو “شرا اجتماعيا” تسمى أيضا ب”التلويث الاجتماعي”.

تميز الرابطة المحمدية للعلماء في هذا المشروع بين العلاج والتثقيف الصحي وذلك حسب توجهين اثنين:

التوجه الأول: إذا ما تم حصر السلوكيات الخطرة في مفهومها المرضي الضيق فإن الاهتمام بها سيكون على مستوى العلاجات الطبية التي تتم في المصحات والمستشفيات ومختلف المرافق الصحية. وقد يدخل ضمن هذه المرافق الصحية بعض المزارات والأضرحة. وهذا ما هو عليه الأمر في بعض المعاجم الطبية التي تكتفي بتعريف الكلمة بمرادفاتها كقولهم: المرض هو السقم أو الداء، وبعض آخر يعرف الشيء ببيان نقيضه فيقولون: المرض هو انتفاء الصحة، وبعض يعرفه بدلالته: المرض ما احتاج صاحبه إلى علاج .ومجمل ذلك أن المرض هو حالة من الاضطراب الذي يعتري الصحة بسبب تلف أو نقص أو خلل عضوي أو وظيفي في البدن أو النفس، مما يؤدي إلى معاناة ذاتية لصاحبه أو إلى قصور في أدائه البيولوجي أو العاطفي أو الاجتماعي.

التوجه االثاني: أما إذا ما تم النظر إلى السلوك الخطر في مشموله العام فإن التثقيف الصحي هو أنجع أداة وأكمل أسلوب في التعامل مع هذه السلوكيات.

ويقصد ب”التثقيف الصحي” تطوير المعلومات والمفاهيم والسلوك الصحي عند الأفراد، فمعرفة الناس بالأمور الصحية هي الخطوة الأولى لتبنيهم سلوكا صحيا سليما لتحملهم مسؤولية تعزيز الصحة ومكافحة المرض. ووسائل التثقيف هي الكلمة والصورة والحوار والنموذج والقدوة والتعليم بالممارسة.

والتثقيف الصحي يتسم بالصعوبة والبساطة في آن واحد حيث يتحدث عنه الناس كما لو كانت قضيته تنتهي بإيصال المعلومة إلى الآخرين، في حين تتمثل صعوبته في أن إيصال المعلومة لا يكفي إذا لم تتحول هذه المعلومة إلى دافع نفسي (موقف)، ثم يتحول الموقف إلى سلوك. فكم قيل عن أضرار التدخين حتى لم يعد أحد من الناس تقريبا لا يدركها ولكن المعرفة شيء وأن يقتنع الإنسان بهذه الخطورة (دافع)، ويقلع عن التدخين (سلوك) شيء آخر. والتثقيف الصحي عمل يضطلع به الطبيب وغير الطبيب، بل كل من لديه القدرة على التعبير عنها، فهو مثقف صحي.

وهكذا فإن التثقيف الصحي لا يرى في السلوك الخطر مجرد عارض عشوائي وموضعي، وإنما يعتبره حلقة في سلسلة لها حلقات تتداخل وتتفاعل على نحو بالغ التعقيد والدلالة.

إن نظرة من هذا القبيل هي وحدها القادرة على التصدي للأسئلة الكبرى من مثل:

* لماذا يمارس هذا الشخص بالذات؟

* هذا السلوك بالذات؟

* في هذا الوقت بالذات؟

* بهذه الطريقة بالذات؟

قد تبدو أسئلة من هذا القبيل نظرية وفضولية وعديمة الدلالة، ولكن طرحها قد يكون الفارق الذي يميز التعامل مع السلوك الخطر من حيث العلاج الضيق أو التثقيف الشامل. من أجل هذا عملت الرابطة المحمدية للعلماء على إنشاء مركز الدراسات والأبحاث في القيم وضمنه وحدة مكافحة السلوكيات الخطرة التي تنتهج مسارا علميا يقوم على مقاربة التثقيف بالنظير عير مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.

                                                                                                  يتبــــع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق