كان لاهتمام فقهاء المالكية بموضوع القواعد الفقهية أثر ظاهر على المذهب عموماً، وبرز أثره أكثر في مؤلفاتهم المتخصصة التي أظهرت اجتهاداً ينم على شموخ فكري، وسموق غير مسبوق في البحث الفقهي. ومن أهم المؤلفات في هذا الجانب كتاب: «قواعد الفقه» لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقري (تـ759هـ).
ولا غرابة في ذلك؛ إذ يُعدُّ العلامة الرُّحلة أبو عبد الله المقري قاضي الجماعة بفاس وتلمسان، والمُشار إليه بالعُدوة المغربية اجتهاداً، وحفظاً، واطلاعاً ـ كما قال ابن الخطيب ـ، وقد قصد ـ رحمه الله ـ في كتابه المذكور إلى تقرير ما يقارب 1250 قاعدة فقهية مرتبة على الأبواب الفقهية، منها ما يتعلق بباب واحد، ومنها ما يسري على أبواب عدة، وكذلك منها ما يتعلق بالمذهب المالكي، ومنها ما يحكي خلافاً بين مذهبين أو أكثر، كما يستدل المؤلف في إقراره للقواعد الفقهية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويورد آراء فقهاء المذاهب ويوازن بينها، وينتصر لما ترجح لديه من آراء دون تعصب لمذهبه، كما عند حكايته قولي مالك والشافعي في القاعدة 1059، فقال: «... ومذهب النعمان أصح».
وقد اعتمد المؤلف في صياغة مادة كتابه على مصادر مختلفة المشارب ومتنوعة الأغراض، ابتداءً بالقرآن الكريم، فكتب التفسير، فأمَّات الفقه كالمدونة، والواضحة، والبيان والتحصيل، والنوادر والزيادات، والوجيز للغزالي، وكتب العز بن عبد السلام وغير ذلك. كما نجد في الناقلين عن الكتاب جمعاً من الأئمة أثنوا على الكتاب واقتبسوا منه إما تصريحاً أو إضماراً؛ منهم: ابن الأزرق في بدائع السلك، والمنجور في شرح المنهج المنتخب، والحطاب في شرحه على خليل، وبناني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل، وغيرهم.
صدر كتاب القواعد الفقهية في طبعة ناقصة بتحقيق أحمد بن عبد الله بن حميد، عن مركز إحياء التراث بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، ثم صدر في طبعة أخرى كاملا بتحقيق الدكتور محمد الدردابي عن دار الأمان ـ الرباط، الطبعة الأولى 2012م، ويشرف مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بتنسيق مع مجموعة من الباحثين على إخراج طبعة أوفى وأكمل وأليق بقيمة الكتاب، اعتمادا على عشر نسخ خطية.
الكتاب: قواعد الفقه.
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد المقري التلمساني (تـ759هـ).
المحقق: الدكتور محمد الدردابي.
من مصادر ترجمة المؤلف: الإحاطة(2/191-226)، أزهار الرياض (2/12- 78)، نفح الطيب (5/203- 340).
بيانات النشر: دار الأمان ـ الرباط، الطبعة الأولى 2012م.
الثناء على الكتاب: قال أبو العباس الونشريسي: «إنه كتاب غزير العلم، كثير الفوائد، لم يسبق إلى مثله».
إعداد: ذ.نورالدين شوبد.