قضايا المولد النبوي الواردة في كتاب الشفا للقاضي عياض (544هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي أكرم الوجود بمولد نبينا المصطفى ﷺ ذي الصفات والفضائل ، فاللهم صل عليه صلاة دائمة سرمدية، ما هبت الشمائل على الخمائل، وما تمايلت الأشجار عن اليمين والشمائل.
وبعد؛ فلا شك أن الميلاد النبوي الميمون قد خصه العلماء بالتأليف والذكر والتصنيف ما بين مقل ومستكثر، ومن بين هؤلاء المعتنين به العلامة حافظ المغرب القاضي عياض بن موسى السبتي رحمه الله (544هـ) في كتابه الشفا؛ حيث خصص للميلاد النبوي فصلا من فصول كتابه، وهوالفصل التاسع والعشرون من الباب الرابع، والذي عنونه بـ: (ما حدث عند مولده ﷺ).
ولأهمية هذا الموضوع، فقد خصصته بهذا المقال الذي سأتناول فيه إن شاء الله تعالى المطالب الآتية: المطلب الأول: التعريف بالقاضي عياض، وبكتابه الشفا تعريفا موجزا. والمطلب الثاني: أذكر فيه بعض القضايا المطروقة في كتاب الشفا لعياض في موضوع: المولد النبوي المنيف، الأحداث التي وقعت فيه.
المطلب الأول:
التعريف بالقاضي عياض تعريفا موجزا.
وسأعرف في هذا المطلب بالعلامة عياض رحمه الله تعريفا موجزا -باعتباره علما مشهورا - وذلك من خلال ذكر: اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ومولده، ووفاته، وبعض من آثاره في الحديث والسيرة النبوية.
فأقول وبالله التوفيق:
1- اسمه ، ونسبه، وكنيته ، ولقبه:
هو الإمام الحافظ القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى اليحصبي السبتي المالكي أبو الفضل[1].
2 - مولده:
ولد عياض رحمه الله تعالى في مدينة سبتة بالمغرب، في منتصف شهر شعبان عام (476هـ) [2].
3 - وفاته:
توفي رحمه الله تعالى بعد عمر مبارك ملأه بالإفادة، والتحديث، والإفتاء والقضاء، عام (544هـ)، ودفن بمدينة مراكش.
4 - آثاره:
خلف القاضي عياض إرثا علميا عظيما في الحديث، والفقه، والسيرة، واللغة والأدب، والرجال والتاريخ، وسأذكر هنا بعضا من مؤلفاته في الحديث والسيرة، من ذلك مثلا: إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم، وبغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، والإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، ومقدمة إكمال المعلم، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار، وغريب الشهاب، واختصار كتاب شرف المصطفى ﷺ ، وكتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ[3]....وغيرها.
المطلب الثاني:
التعريف بكتاب الشفا تعريفا موجزا:
أما كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ فهو كتاب مبارك جليل، وسفر نفيس حفيل، أبدع فيه القاضي عياض أيما إبداع، وطرق فيه موضوعا عظيما ألا وهو شرف المصطفى ﷺ، وحقوقه، وما يجوز في حقه، وما لا يجوز، وحكم منتقصه؛ حيث أخلص فيه مؤلفه لرسول الله ﷺ عظيم المحبة والتوقير؛ فحصل لكتابه بذلك من الشفوف، والبركة، والشرف ما لم يحصله كتاب آخر في فنه، ولا شك أن قيمة وشرف أي كتاب إنما يسمو ويعلو بشرف موضوعه، ولهذا حاز كتاب الشفا هذا الشرف الأسنى، والفضل الأعلى قال عنه ابن فرحون :" إن القاضي عياض أبدع فيه كل الإبداع، وسلم له أكفاؤه كفاءته فيه، ولم ينازعه أحد في الانفراد به، ولا أنكروا مزية السبق إليه؛ بل تشوفوا للوقوف عليه، وأنصفوا في الاستفادة منه، وحمله الناس عنه، وطارت نسخه شرقا وغربا " [4].
أما الموضوعات الكبرى التي تطرق إليها عياض رحمه الله في كتابه الشفا فهي على أربعة أقسام: الأول في تعظيم قدر النبي ﷺ، والقسم الثاني: فيما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام، والقسم الثالث: فيما يستحيل في حقه وما يجوز، وما يمتنع وما يصح، والقسم الرابع: في تصرف وجوه الأحكام على من تنقصه ، أو سبه.
ولأهمية الكتاب، فقد طبقت شهرته الآفاق، وتنافس العلماء في الاعتناء به قديما وحديثا، مشرقا ومغربا، وترجم للغات العالم.
المطلب الثالث:
قضايا المولد النبوي الواردة في كتاب الشفا لعياض:
لقد اعتنى العلامة حافظ المغرب القاضي عياض السبتي (544هـ) رحمه الله تعالى بالجناب النبوي، والمقام المصطفوي، في كتابه الشفا ويعد كتابه مرجعا مهما في هذا الموضوع الشريف؛ حيث جعل كتابه كله يحوم حول هذا المقام المنيف.
أما ما يخص قضايا وموضوعات المولد النبوي المذكورة في كتابه ؛ فقد خصص لها عياض فصلا خاصا من فصول كتابه وجاء في خمس صفحات[5]، وهو الفصل التاسع والعشرون من الباب الرابع، والذي عنونه بـ: (ما حدث عند مولده ﷺ) .
ذكر فيه ما يخص مولد النبي ﷺ بشكل مقتضب، من خلال إيراد رؤوس عناوين مسائل المولد ، دون الدخول في تفاصيل الموضوعات، أو الاستدلال عليها من خلال الأحاديث النبوية، أو القرآن الكريم، أو ما قرره العلماء المعتنين بالسيرة، والمولد الشريف في الموضوع.
وقد أورد أيضا قضايا المولد دون ذكر الأسانيد التي تحيل عليها، أو الرواة لها؛ حيث جمع في موضوع المولد الصحيح، وغيره، وقد يشير أحيانا إلى كون بعض منها لا يصح من خلال استعماله لكلمة: (من العجائب) في بداية سرد أحداث المولد.
وأترك القاضي عياض يفصح بلسانه عن موضوعاته التي سطرها في مولد النبي ﷺفي كتابه، يقول رحمه الله : "فصل: [في الآيات التي ظهرت عند مولده ﷺ]:
ومن ذلك ما ظهر من الآيات عند مولده، وما حكته أمه، ومن حضره من العجائب[6].
وكونه رافعا رأسه عندما وضعته، شاخصا ببصره إلى السماء[7].
و ما رأته من النور الذي خرج معه ولادته[8].
وما رأته إذ ذاك أم عثمان بن أبي العاص من تدلي النجوم، و ظهور النور عند ولادته؛ حتى ما تنظر إلا النور[9].
وقول الشّفَاء أم عبد الرحمن بن عوف : لما سقط صلى الله عليه و سلم على يدي واستهل سمعت قائلا يقول : "رحمك الله[10]، وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب؛ حتى نظرت إلى قصور الروم"[11].
وما تعرفت به حليمة وزوجها - ظئراه - من بركته، و درور لبنها له، و لبن شارفها، وخصب غنمها، و سرعة شبابه، و حسن نشأته[12].
وما جرى من العجائب ليلة مولده: من ارتجاج إيوان كسرى، وسقوط شرفاته، وغيض بحيرة طبرية، وخمود نار فارس، وكان لها ألف عام لم تخمد[13].
وأنه كان ﷺإذا أكل مع عمه أبي طالب وآله - وهو صغير -شبعوا ورَوُوا؛ فإذا غاب فأكلوا في غيبته لم يشبعوا[14] .
وكان سائر ولد أبي طالب يصبحون شعثا، ويصبح صلى الله عليه و سلم صقيلا دهينا كحيلا[15] .
قالت أم أيمن حاضنته : "ما رأيته ﷺشكا جوعا قط، ولا عطشا صغيرا و لا كبيرا"[16] .
ومن ذلك حراسة السماء بالشهب، وقطع رصد الشياطين، ومنعهم استراق السمع[17].
وما نشأ عليه من بغض الأصنام[18]، والعفة عن أمور الجاهلية[19]، وما خصه الله به من ذلك و حماه..
وقد روي أن حليمة رأت غمامة تظله وهو عندها [20]، وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة[21].
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن القاضي عياض رحمه الله ذكر أيضا في هذا الباب الخاص بالمولد مواضيع أخرى لا تدخل في صلب المولد بصفة مباشرة من ذلك مثلا:
ستره وحفظه من التعري حين شارك ﷺقومه في بناء الكعبة[22]، وإظلال الغمام له في سفره [23]، والحديث عن تحبيب الخلوة إليه[24]، والوحي إليه، وإعلامه بموته ودنو أجله[25]، و أن قبره في المدينة و في بيته[26]، وأن بين بيته و منبره روضة من رياض الجنة[27]، وتخيير الله له عند موته[28]، وما اشتمل عليه حديث الوفاة من كراماته وتشريفه، وصلاة الملائكة على جسده[29]، واستئذان ملك الموت عليه[30]، ولم يستأذن على غيره قبله، ونداؤهم الذي سمعوه ألا ينزعوا القميص عنه عند غسله[31]، وما روي من تعزية الخضر والملائكة أهل بيته عند موته[32]، إلى ما ظهر على أصحابه من كرامته و بركته في حياته وموته؛ كاستسقاء عمر بعمه[33]، وتبرك غير واحد بذريته.
الخلاصة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:
1- أن الميلاد النبوي الميمون قد خصص له العلماء مؤلفات وكتب ما بين مقل ومستكثر، ومن بين هؤلاء المعتنين به العلامة حافظ المغرب القاضي عياض السبتي رحمه الله (544هـ) في كتابه الشفا.
2- أن القاضي عياض رحمه الله خصص للميلاد النبوي فصلا من فصول كتابه، وهوالفصل التاسع والعشرون من الباب الرابع، والذي عنونه بـ: (ما حدث عند مولده ﷺ).
3- أن القاضي عياض رحمه الله خلف أثارا عليمة من خلال مصنفات نفيسة في الحديث والسيرة النبوية تشهد له بالبراعة، والنبوغ، والشفف العلمي.
4- نفاسة كتاب الشفا، وما حصل له من البركة والقبول من الخلق، مرده إخلاص مؤلفه رحمه الله في محبته للنبي ﷺوللجناب المصطفوي؛ ولذلك، طبقت شهرة كتابه الآفاق، وتنافس العلماء في الاعتناء به قديما وحديثا، مشرقا ومغربا، وترجم للغات العالم.
5- أن القاضي عياض رحمه الله ذكر في كتابه ما يخص مولد النبي ﷺ بشكل مقتضب، من خلال إيراد رؤوس عناوين مسائل المولد ، دون الدخول في تفاصيل الموضوعات، أو الاستدلال عليها من خلال الأحاديث النبوية، أو القرآن الكريم، أو ما قرره العلماء المعتنين بالسيرة، والمولد الشريف في الموضوع.
6 - أن القاضي عياض رحمه الله أورد أيضا قضايا المولد دون ذكر الأسانيد التي تحيل عليها، أو الرواة لها؛ حيث جمع في موضوع المولد الثابت الصحيح وغيره ، وقد يشير أحيانا إلى كون بعض منها لا يصح من خلال استعماله لكلمة: (من العجائب) في بداية سرد أحداث المولد.
7- أن القاضي عياض رحمه الله ذكر أيضا في هذا الباب الخاص بالمولد مواضيع أخرى لا تدخل في صلب المولد بصفة مباشرة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
**********************
هوامش المقال:
[1] - انظر: ترجمته في: التعريف بالقاضي عياض: لابنه محمد (ص: 2)، والمعجم في أصحاب الصدفي (ص: 301)(ترجمة: 279)، وأزهار الرياض في أخبار عياض: للمقري (ص: 23)، والديباج المذهب في أعيان المذهب: لابن فرحون (2/46).
[2] - انظر: التعريف بالقاضي عياض: لابنه محمد (ص: 3).
[3] - وكلها مطبوعة.
[4] - الديباج المذهب: لابن فرحون (2 /46).
[5] - من الصفحة (459) إلى الصفحة (463) طبعة دبي.
[6] - انظر كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى (ص: 459).
[7] - المصدر السابق (ص: 459).
[8] - المصدر السابق (ص: 459).
[9] - المصدر السابق (ص: 459).
[10] - المصدر السابق (460).
[11] - المصدر السابق (460).
[12] - المصدر السابق (460).
[13] - المصدر السابق (460).
[14] - المصدر السابق (460).
[15] - المصدر السابق (460).
[16] - المصدر السابق (461).
[17] - المصدر السابق (461).
[18] - المصدر السابق (461).
[19] - المصدر السابق (461).
[20] - المصدر السابق (462).
[21] - المصدر السابق (462).
[22] - المصدر السابق (461).
[23] - المصدر السابق (461).
[24] - المصدر السابق (462).
[25] - المصدر السابق (462).
[26] - المصدر السابق (462).
[27] - المصدر السابق (463).
[28] - المصدر السابق (463).
[29] - المصدر السابق (463).
[30] - المصدر السابق (463).
[31] - المصدر السابق (463).
[32] - المصدر السابق (463).
[33] - المصدر السابق (463).
**********************
لائحة المصادر والمراجع:
أزهار الرياض في أخبار عياض: لأحمد بن محمد المقري، ت: مصطفى السقا - إبراهيم الإبياري - عبد العظيم شلبي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1358هـ/1939م.
التعريف بالقاضي عياض: لولده محمد، ت: محمد بن الشريفة، وزارة الأوقاف المغربية، ط2، 1402هـ.
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: لإبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري، ت: د. محمد الأحمدي أبو النور، دار الحديث، القاهرة. (د. ت).
الشفا بتعريف حقوق المصطفى: لعياض بن موسى اليحصبي السبتي، ت: عبده علي كشك، والتي حازت على جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، ط1، 1434هـ/2013م.
المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المشهور بابن الأبار، دار الكتاب المصري، القاهرة، ودار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1410هـ/1989م.
*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري