مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

قصة أبي العاص بن الرَّبيع، رضي الله عنه.

“حَدَّثني أبو العاص فَصَدَقَنِي، ووعدني فَوَفَى لِي”.]محمد رسول الله[

كان أبو العاص بنُ الرَّبيع العَبْشَمِي([1]) القُرَشِي، شابّاً مَوْفُورَ الشَّباب، بَهِيَّ الرَّوْنق، رائع المُجْتَلَى([2])، بَسَطَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ ظِلاَلَهَا، وَجَلَّلَهُ الحَسَبُ بِرِدَائِه، فَغَدَا مَثَلاً للفروسية العربية بكلِّ ما فيها من خصائل الأَنَفَةِ والكبرياء، وَمَخَايِلِ([3]) المروءة والوفاء، ومآثر الاعتزاز بتُراث الآباء والأجداد.

وقد وَرِثَ أبو العاص حُبَّ التِّجارة عن قريش صاحبةِ الرِّحْلَتَيْنِ: رحلةِ الشِّتاء ورحلةِ الصَّيْف([4])؛ فكانت رَكَائِبُهُ لا تَفْتَأُ ذاهبةً آبِيَةً بين مكَّة والشَّام، وكانت قافلتُهُ تَضُمُّ المائةَ من الإبل والمائتيْنِ من الرِّجال، وكان الناس يَدْفَعُونَ إليه بأموالهم لِيَتَّجِرَ لهم بها فوق ماله؛ لِمَا بَلَوْا([5]) مِنْ حِذْقِهِ، وصدقه، وأمانته.

وكانت خالته خديجةُ بنتُ خُويْلِدٍ زَوْجُ محمَّدِ بنِ عبد الله تُنْزِلُهُ مِنْ نَفْسِهَا مَنْزِلَةَ الوَلَدِ من أُمِّه، وَتَفْسَحُ له في قلْبها وبيتها مكاناً مرمُوقاً يَنْزِلُ فيه على الرَّحْبِ والحُبِّ.

ولم يكن حُبُّ محمَّدِ بنِ عبد الله لأبي العاص بِأَقَلَّ من حُبِّ خديجةَ له ولا أَدْنَى.

وَمَرَّتِ الأعوام سِرَاعاً خِفافاً على بيت محمد بن عبد الله، فَشَبَّتْ زَيْنَبُ كُبْرَى بناته، وَتَفَتَّحَتْ كما تَتَفَتَّحُ زَهْرَةٌ فوَّاحةُ الشَّذَى بَهِيَّةُ الرُّوَاءِ. فَطَمَحَتْ إليها نفوسُ أبناء السَّادة البَهَالِيلِ([6]) من أشْراف مكة…

وكيف لا ؟!…وهي مِنْ أَعْرَقِ بنات قريشٍ حَسَباً وَنَسَباً، وَأَكْرَمِهِنَّ أُمّاً وَأَباً، وَأَزْكَاهُنَّ([7]) خُلُقاً وَأَدَباً.

ولكنْ أَنَّى لهم([8]) أَنْ يَظْفَرُوا بها؟!…

وقد حال دُونَهُمْ وَدُونَهَا ابْنُ خالتها أبو العاص بنُ الرَّبيعِ فَتَى فِتْيَانِ مكَّة!!.

لَمْ يَمْضِ على اقتران زينبَ بنتِ محمدٍ بأبي العاص إلاَّ سنواتٌ معدوداتٌ حتَّى أَشْرَقَتْ بِطَاحُ مكَّةَ بالنُّور الإلهيِّ الأَسْنَى، وَبَعَثَ الله نبيَّهُ محمَّداً، صلى الله عليه وسلم، بِدِينِ الهُدَى والحَقِّ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأقربين، فكان أَوَّلَ مَنْ آمن به مِنَ النِّساء زوجتُهُ خديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ، وَبَنَاتُهُ: زينبُ، وَرُقَيَّةُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ، وفاطمةُ، على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ فاطمةَ كانت صغيرةً آنذاك.

غير أَنَّ صِهْرَهُ أبا العاص، كَرِهَ أَنْ يُفَارِقَ دِينَ آبائه وأجداده، وَأَبَى أَنْ يَدْخُلَ فيما دخلتْ فيه زوجته زينب، على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كان يُصْفِيها([9]) بِصَافِي الحُبِّ، وَيَمْحَضُهَا([10]) مِنْ مَحْضِ الوِدَاد([11]).

وَلَمَّا اشْتَدَّ النِّزَاعُ بين الرَّسُولِ، صلواتُ الله وسلامه عليه، وبين قُرَيْشٍ؛ قال بعضُهم لبعض:

وَيْحَكُمْ…إِنَّكُمْ قَدْ حَمَلْتُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ هُمُومَهُ بِتَزْوِيجِ فِتْيَانِكُمْ مِنْ بَنَاتِه، فلو رَدَدْتُمُوهُنَّ إليه لاَنْشَغَلَ بهنَّ عَنْكُمْ…

فقالوا: نِعْمَ الرَّأْيُ ما رَأَيْتُمْ، وَمَشَوْا إلى أبي العاص، وقالوا له:

فَارِقْ صاحِبَتَكَ يا أبا العاص، وَرُدَّهَا إلى بيْت أبيها، ونحنُ نُزَوِّجُكَ أَيَّ امرأةٍ تشاءُ مِنْ كَرَائِمِ عَقِيلاَتِ قُرَيْشٍ([12]).

فقال: لا والله، إِنِّي لا أُفَارِقُ صاحبتي، وما أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا([13])، نِسَاءَ الدُّنْيَا جميعاً…

أَمَّا ابْنَتَاهُ: رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُوم([14])؛ فقد طُلِّقَتَا وَحُمِلَتَا إلى بيْتِهِ، فَسُرَّ الرَّسُول، صلواتُ الله  وسلامُه عليه، بِرَدِّهِمَا إليه، وَتَمَنَّى أَنْ لَوْ فَعَلَ أبو العاصِ كما فَعَلَ صَاحِبَاهُ، غَيْرَ أَنَّه ما كان يَمْلِكُ من القوَّةِ ما يُرْغِمُهُ به على ذلك، ولم يكن قد شُرِعَ- بَعْدُ- تَحْرِيمُ زواج المُؤْمنة مِنَ المُشْرِكِ.

وَلَمَّا هاجر الرسول، صلواتُ الله وسلامه عليه، إلى المدينة، واشْتَدَّ أَمْرُهُ فيها، وَخَرَجَتْ قريشٌ لقتاله في “بَدْرٍ” اضْطُرَّ أبو العاصِ للخروج معهم اضْطِرَاراً.

إِذْ لم تَكُنْ به رغبةٌ في قتالِ المسلمين، ولا أَرَبٌ([15]) في النَّيْلِ منهم، ولكنَّ مَنْزِلَتَهُ في قومهِ حَمَلَتْهُ على مُسايرتهم حَمْلاً…وقد انْجَلَتْ “بَدْرٌ” عَنْ هزيمةٍ مُنْكَرَةٍ لقريشٍ أَذَلَّتْ مَعَاطِسَ([16]) الشِّرْكِ، وَقَصَمَتْ ظُهُورَ طَوَاغِيتِهِ([17])؛ فَفَرِيقٌ قُتِلَ، وفريقٌ أُسِرَ، وفريقٌ نَجَّاهُ الفِرار.

وكان في زُمْرَةِ الأَسْرَى أبو العاصِ زَوْجُ زينبَ بنتِ محمَّدٍ، صلواتُ الله وسلامُه عليه.

فَرَضَ النبي، عليه الصلاة والسلام، على الأَسْرَى فِدْيَةً يَفْتَدُونَ بها أنفُسَهم مِنَ الأَسْرِ، وَجَعلَها تتراوح بين ألفِ درهم وأربعةِ آلافٍ حَسَبَ مَنْزِلَةِ الأسير في قومه وغِنَاه.

وَطَفِقَتِ([18]) الرُّسُلُ تَرُوحُ وَتَغْدُو بين مكَّة والمدينة حَامِلَةً مِنَ الأموال ما تَفْتَدِي به أَسْرَاهَا.

فَبَعَثَتْ زينبُ رَسُولَهَا إلى المدينة يَحْمِلُ فِدْيَةَ زوجِها أبي العاص، وَجَعَلَتْ فيها قِلاَدَةً كانت أَهْدَتْهَا لها أُمُّهَا خديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ يوم زَفَّتْها إليه…فلمَّا رأى الرَّسُول، صلَّى الله عليه وسلم، القِلاَدَةَ غَشِيَتْ وَجْهَهُ الكَرِيمَ غِلاَلَةٌ([19]) شَفَّافَةٌ مِنَ الحُزْنِ العَمِيقِ، وَرَقَّ لابْنَتِهِ أَشَدَّ الرِّقَّةِ، ثم الْتَفَتَ إلى أصحابه وقال: (إنَّ زينبَ بَعَثَتْ بهذا المال لافتداء أبي العاص، فإنْ رأيتُمْ أنْ تُطْلِقُوا لها أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عليها مالها فَافْعَلُوا).

فقالوا: نَعَمْ، وَنَعْمَةَ عَيْنٍ([20]) يا رسول الله.

غَيْرَ أَنَّ النبيَّ، عليه الصَّلاة والسَّلام، اشْتَرَطَ على أبي العاص قَبْلَ إِطْلاَقِ سَرَاحِهِ أَنْ يُسَيِّرَ إليه ابْنَتَهُ زينبَ مِنْ غَيْرِ إِبْطَاءٍ…([21]).

فما كاد أبو العاص يَبْلُغُ مَكَّةَ حتَّى بادر إلى الوفاء بِعَهْدِهِ…

فَأَمَرَ زوجتَهُ بالاستعداد للرَّحيلِ، وأخبرها بأنَّ رُسُلَ أبيها ينتظِرُونها غَيْرَ بعيدٍ عن مكة، وأَعَدَّ لها زَادَهَا وَرَاحِلَتَهَا، وَنَدَبَ أخاهُ عمْراً بْنَ الرَّبيع لِمُصَاحَبَتِهَا وتَسْلِيمِهَا لِمُرَافِقِيهَا يَداً بِيَدٍ.

تَنَكَّبَ([22]) عمْرو بن الرَّبيعِ قَوْسَهُ، وَحَمَلَ كِنَانَتَهُ([23])، وَجَعَلَ زينبَ في هَوْدَجِهَا([24])، وَخَرَجَ بها من مكَّةَ جِهَاراً نَهَاراً على مَرْأًى من قُريش، فَهَاجَ القومُ وَمَاجُوا([25])، وَلَحِقُوا بهما حتَّى أَدْرَكُوهُمَا غَيْرَ بَعِيدٍ، وَرَوَّعُوا زَيْنَبَ وَأَفْزَعُوهَا…

عند ذلك وَتَرَ عمْرٌو قَوْسَهُ، وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ بين يديْه، وقال: والله لا يَدْنُو رَجُلٌ منها إلاَّ وَضَعْتُ سَهْماً في نَحْرِهِ([26])، وكان رَامِياً لا يُخْطِئُ له سَهْمٌ…

فَأَقْبَلَ عليه أبو سفيان بنُ حَرْبٍ- وكان قد لَحِقَ بالقوم- وقال له: يا ابن أخي، كُفَّ عَنَّا نَبْلَكَ حتَّى نُكَلِّمَكَ؛ فَكَفَّ عَنْهُمْ، فقال له: إنَّكَ لَمْ تُصِبْ فيما صَنَعْتَ…

فَلَقَدْ خَرَجْتَ بِزَيْنَبَ عَلاَنِيَةً على رُؤُوسِ الناس، وَعُيُونُنَا ترى…وقدْ عَرَفَتِ العَرَبُ جَمِيعُهَا أَمْرَ نَكْبَتِهَا في “بَدْرٍ”، وما أصابنا على يَدَيْ أَبِيهَا مُحَمَّدٍ.

فإذا خَرَجْتَ بابْنَتِهِ علانيةً- كما فَعَلْتَ- رَمَتْنَا القبائل بالجُبْنِ وَوَصَفَتْنَا بالهَوَانِ والذُّلِّ، فَارْجِعْ بها، وَاسْتَبْقِهَا في بَيْتِ زَوْجِهَا أَيَّاماً حتَّى إذا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِأَنَّنَا رَدَدْنَاهَا فَسُلَّهَا([27]) مِنْ بين أَظْهُرِنَا سِرّاً، وَأَلْحِقْهَا بأبيها، فما لنا بِحَبْسِهَا عنه حاجةٌ…

فَرَضِيَ عَمْرٌو بذلك، وأعاد زينبَ إلى مكة…

ثُمَّ ما لَبِثَ أَنْ أَخْرَجَهَا منها لَيْلاً بعد أَيَّامٍ معدوداتٍ، وَأَسْلَمَهَا إلى رُسُلِ أبيها يداً بِيَدٍ كما أَوْصَاهُ أَخُوهُ.

أقام أبو العاصِ في مكة بَعْدَ فِرَاقِ زوجتهِ زَمَناً، حتى إذا كان قُبَيْلَ الفَتْحِ بقليلٍ، خَرَجَ إلى الشَّامِ في تجارةٍ له، فلمَّا قَفَلَ راجعاً إلى مكة ومعهُ عِيرُهُ التي بَلَغَتْ مائةَ بعيرٍ، ورجالُه الَّذِينَ نَيَّفُوا([28]) على مائةٍ وسبعينَ رَجُلاً، بَرَزَتْ له سَرِيَّةٌ من سرايا الرَّسُول، صلوات الله وسلامه عليه، قريباً من المدينة؛ فَأَخَذَتِ العِيرَ وَأَسَرَتِ الرِّجالَ، لكنَّ أبا العاصِ أَفْلَتَ منها فَلَمْ تَظْفَرْ به.

فلمَّا أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ اسْتَتَرَ أبُو العاص بِجُنْحِ الظَّلاَمِ، ودخل المدينة خائفاً يَتَرَقَّبُ، ومضى حتَّى وَصَلَ إلى زينبَ، واسْتَجَارَ بها فَأَجَارَتْهُ…

وَلَمَّا خَرَجَ الرَّسُول، صلوات الله وسلامه عليه، لصلاة الفجرِ، واسْتَوَى قائماً في المحراب، وكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وكبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ، صَرَخَتْ زينبُ من صُفَّةِ النِّساء وقالت:

أَيُّهَا الناس، أنا زينبُ بنتُ محمَّدٍ، وَقَدْ أَجَرْتُ أبا العاصِ فَأَجِيرُوهُ. فَلَمَّا سَلَّمَ النبي، صلى الله عليه وسلَّم، مِنَ الصَّلاَة؛ الْتَفَتَ إلى النَّاسِ وقال:

(هل سَمِعْتُمْ ما سَمِعْتُ؟!).

قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بيدِهِ ما عَلِمْتُ بشيءٍ مِنْ ذلك حتَّى سَمِعْتُ ما سَمِعْتُمُوهُ، وَإِنَّهُ يُجِيرُ من المسلمين أَدْنَاهُمْ)، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بيته وقال لابنته:

(أَكْرِمِي مَثْوَى أبي العاصِ، وَاعْلَمِي أَنَّكِ لا تَحِلِّينَ له).

ثُمَّ دَعَا رِجَالَ السَّرِيَّةِ التي أَخَذَتِ العِيرَ وَأَسَرَتِ الرِّجَالَ وقال لهم:

(إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حيثُ قد عَلِمْتُمْ، وقد أَخَذْتُمْ مالَه، فإنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدُّوا عليه الَّذِي له؛ كان ما نُحِبُّ، وإنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْئُ([29]) الله الذي أَفَاءَ عليكم، وأنتم به أَحَقُّ).

فقالوا: بل نَرُدُّ عليه مَالَهُ يا رسول الله.

فلمَّا جاء لِأَخْذِهِ قالوا له: “يا أبا العاص، إنَّكَ في شَرَفٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رسول الله وَصِهْرُهُ، فَهَلْ لك أَنْ تُسْلِمَ، ونحنُ نَنْزِلُ لك عن هذا المالِ كُلِّهِ فَتَنْعَمَ بما معكَ من أموالِ أهلِ مكَّةَ وَتَبْقَى معنا في المدينة؟.

فقال: بِئْسَ ما دَعَوْتُمُونِي أن أَبْدَأَ دِينِي الجديدَ بِغَدْرَةٍ.

مضى أبو العاصِ بالعِيرِ وما عليها إلى مكَّةَ، فلمَّا بَلَغَهَا أَدَّى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، ثُمَّ قال:

يا معشر قُريشٍ هل بَقِيَ لِأَحَدٍ منكم عندي مالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟.

قالوا: لا…وجزاك الله عنَّا خيراً، فقد وَجَدْنَاكَ وَفِيّاً كريماً.

قال: أَمَا وإنِّي قد وَفَّيْتُ لكم حُقُوقَكُمْ، فأنا أَشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ مُحَمَّداً رسول الله…

والله ما مَنَعَنِي مِنَ الإسلام عند محمَّدٍ  في المدينة إلاَّ خَوْفِي أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّما أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ…

فلمَّا أَدَّاهَا اللهُ إليكم، وَفَرَغَتْ ذِمَّتِي منها أَسْلَمْتُ…

ثُمَّ خَرَجَ حتَّى قَدِمَ على رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم، فَأَكْرَمَ وِفَادَتَهُ([30])، وَرَدَّ إليه زَوْجَتَهُ، وكان يقول عنه:

(حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي)([31]).

الدروس والعبر المستخلصة من القصة:

  • الشخصيةُ المتوازنة الأفكار، والأقوال، والأفعال، الملتزمةُ بِالصِّدْقِ والوفاء، تَضْمَنُ لِنَفْسِهَا المحبة والتقدير والإعجابَ، وتكون خير خَلَفٍ لخير سَلَف.
  • البُرُورُ بالأهل والأقارب مِنْ أسباب حصول البركة في العُمُر، والرِّزْق، وبقاء الذِّكْرِ الحَسَن، الذي دعا به سَيِّدُنَا إبراهيم الخليل، عليه السَّلاَم: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِين)([32]).
  • اجتماع الحَسَبِ، والنَّسَبِ، وطَيِّبِ الأخلاق، وحُسْن الأدب من أجمل ما تَعْتَزُّ به الأُنْثَى، وَتَتَجَمَّلُ به في المَحَافِلِ المُخْتَلِفَة.
  • أعظمُ قُدْوَةٍ وأحسنُ نموذج لكل امرأة مؤمنة يَتَمَثَّلاَنِ في خديجة بنت خُوَيْلِد وبناتها الأربع اللاَّتِي كُنَّ أوائل مَنِ اعْتَنَقَ الإسلام، رضي الله عنهنَّ.
  • العلاقة الزَّوْجِية هِبَةٌ مِنَ الله عزَّ وجل، ومودَّة ورحمة بين الزَّوجين؛ لقوله تعالى: (وَمِنَ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنَ اَنْفُسِكُمُ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة)([33]).
  • أَلْوَانٌ مِنَ الابتلاء والامتحان مَرَّتْ على النبي، صلَّى الله عليه وسلم، وعلى أزواجه، وبناته، وصحابته، وكل المؤمنين بِدَعْوَتِه.
  • مِنْ حقوق المرأة في الإسلام: أنَّها تُجِيرُ الأَسِيرَ كما يُجِيرُهُ الرَّجُل؛ لقوله، صلَّى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ…”([34]).
  • استشارة النبي، صلَّى الله عليه وسلم، لصحابته، امتثالاً لما خاطبه به ربه عزَّ وجل: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَمْر)([35])؛ أي: فيما لم ينزل فيه وَحْيٌ.
  • لا تَحِلُّ المرأة المُسْلِمَةُ لِغَيْرِ المُسْلِم؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُومِنُوا)([36]).
  • الغَدْرُ والخيانة لَيْسَا مِنَ الشَّهامة العربية، ولا من الأخلاق الإسلامية؛ فقد جاء الإسلام بتحريمها، وتحقير فاعلها، وعقابه أشد العقاب، في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.

 والحمد لله رب العالمين

—————————————————————————

([1]) العَبْشَمِي: المنسوب إلى عبد شمس.

([2]) رائع المُجْتَلَى: يروع من ينظر إليه.

([3]) مَخَايِل: علامات.

([4]) رحلة الشِّتاء إلى اليمن، ورحلة الصَّيْف إلى الشَّام.

([5]) بلوا: جَرَّبُوا واختبروا.

([6]) البهاليل: السَّادة الجامعون لكل فضل.

([7]) أَزْكَاهُنَّ: أرفعهن.

([8]) أَنَّى لهم: من أين لهم.

([9]) يُصْفِيها: يَخُصُّهَا.

([10]) يَمْحَضُهَا: يَسْقِيهَا.

([11]) مَحْضِ الوِدَاد: خالص الوداد وصافيه.

([12]) عَقِيلاَتِ قُرَيْشٍ: أنْفَس نساءِ قريش.

([13]) أَنَّ لِي بِهَا: أَنَّ لي بدلاً منها.

([14]) كانت رُقَيَّةُ زوْج عُتْبَة بن أبي لهب. وكانت أُمّ كلثوم زوج عُتَيْبَة بن أبي لَهَب.

([15]) أَرَبٌ: غاية وغرض.

([16]) المَعَاطِسُ: الأُنُوف.

([17]) طواغيت: جمع طاغوت، وهو رأس الضَّلال أو المعبود من دون الله.

([18]) طَفِقَت: أَخَذَتْ.

([19]) الغِلاَلَةُ: ثوب رقيق شفاف يُلْبَسُ على الجَسَدِ مباشرة. والغِلاَلَةُ –هنا- شيء معنوي هو عبارة عن شِدَّةِ التأثُّر.

([20]) نَعْمَةَ عَيْنٍ: أي سنفعل ما طلبته لِنُقِرَّ عينَك ونسرَّك.

([21]) مِنْ غير إبطاء: من غير تأخير.

([22]) تنكَّبَ قوسَه: ألقاها على منكبه، والمنكب: الكتف.

([23]) الكنانة: جَعْبَة السِّهام.

([24]) الهَوْدَجُ: مَحْمَلٌ له قُبَّةٌ تركب فيه النساء على ظهر الجِمَال.

([25]) هاجُوا وماجُوا: ثاروا واضطربوا.

([26]) في نحره: أي في صدره.

([27]) سُلَّهَا: استَخرجها برفق.

([28]) نَيَّفُوا: زَادُوا.

([29]) الفيْء: ما يَغْنَمُهُ المسلمون من غنائم الحرب، بدون قتال.

([30]) أَكْرَمَ وِفَادَتَهُ: أحسنَ ضيافته.

([31]) القصة من كتاب: “صور من حياة الصحابة”؛ للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، ص: 373- 380.

([32]) سورة: الشعراء، آية: 84.

([33]) سورة: الروم، من آية: 21.

([34]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، رقم: (27968) 5/ 459، وابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، رقم: (2683) 2/ 895، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السَّرِيَّة تَرُدُّ على أهل العسكر، رقم: (2751) 3/ 80، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم: (3475) 2/ 1033.

([35]) سورة: آل عمران، من آية: 159.

([36]) سورة: البقرة، من آية: 221.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق