قراءة في كتاب «الأدب السنغالي العربي» للدكتور عامر صمب – رحمه الله – (الحلقة الثانية)
- منهجه:
ضمَّ «الأدب السنغاليّ العربيّ» بين دفتيهِ طائفةً كبيرةً من الأدباء السنغاليين كُتّابًا وشعراءَ، وصنفهم المؤلّف الدكتور عامر صمب – رحمه الله – حسب الزوايا الصوفية التي ينخرطون في سِلكها، ويُبين منهجه هذا بقوله:"وعلينا أن نجعل قبول السنغالي للتأثير من قبل العرب في ميدانه الجغرافي والتاريخي والثقافي، وهذا حثنا على تقسيم كتابنا وأدبائنا وشعرائنا بحسب مدنهم وقراهم وميولهم التصوفية وتعلقهم بشيخ طريقة اعتبروه حجة فيها والمرجع في كل أمرٍ عظيما كان أو زهيدا، وليس بحسب أغراضٍ وفنون أدبيةٍ طرقوا أبوابها. ولما ذهبنا هذا المذهب واتخذنا هذا المنهج تركنا تصنيفهم على حسب التاريخ بل خططنا حدود عملنا ورسمنا سطور كتابنا بوجه أوضح وهذا التقسيم مع استوائه وإيضاحه جعلنا قادرين على أن نستخرج من أدب السنغال باللغة العربية منظرا جماليا منذ نشأته في القرن التاسع عشر للميلاد حتى أيامنا هذه "(1).
ويمكن إجمال منهجه في النقاط الآتية:
♦ أن المؤلف صنَّف الأدباء "بحسب مدنهم ومراكز تعليمهم ومدارسهم، أو كما قالوا بحسب «دارهم» أي زواياهم التصوفية "(2).
♦ تقسيم المدارس إلى أربع عشرة مدرسة؛ وقد يَذكُر المؤلفُ في المدرسة أديبًا واحداً، أو أكثر، وذلك حسب المادة المحصلة.
وقد تخلل كل ذلك كلامُه عن الحركة العلميّة، وعما ألفه هؤلاء الأعلام من مؤلفات نفيسة في مختلف العلوم.
موضوعات الكتاب
توطئة
استهل بها المؤلف الدكتور كتابَه وحسر فيها الخمار عن دوافع تأليف الكتاب، وعن المنهج الذي سيسلكه فيه، إلى ما كابدهُ من مشاقّ من أجل جمع مادة الكتاب، بالتطوف في القرى، والاختلاف إلى البيوتات الدينية، منتهجاً نهج المثل العربي القائل:«الإيناس قبل الإبساس»، يقول:"قبل تأليف كتابنا هذا افتقرنا إلى البحث عن خزائن المحفوظات الوطنية والوثائق التاريخية لكل صاحب قلم واحتجنا إلى زيارة أهله وذريته أو أحفاده واستملنا القلوب إما بدراهمَ، وإما بمحادثات طويلةٍ تحت شجرة التمر الهنديّ.... (3) ".
وعقد الشيخ المؤلف بعد مقدمته وتوطئتهِ أبوابًا ومباحثَ، وهي:
- النطاق الجغرافي للسنغال:
وتكلم فيه عن موقع سنغال الجغرافي، وعن جبالها وسهولها، وأنهارها، وعن مناخها، وعن مناطقها، وذكر انقسام السنة إلى فصلين: فصل أمطار من حزيران إلى تشرين الأول، وفصل يابس لما بقي في السنة من أشهر. وكذلك ذكرَ ما في السنغال من أشجار، وحيوانات، وطيور، إلى شواطئها الممتدة (4)، التي تهوي إليها أفئدة السيّاح.
- باب شعوب سنغال:
وتكلم فيه عن شعوب البلاد السنغالية، وفي مقدمتها «وُلُفْ»، فهم أكثرُ عددًا، ولهجتهم أكثر ذيوعاً وانتشاراً، ثم ذكر المناطق التي يسكنونها، مثل «والو» و«جامبر» و«كجور» و«بول» وغربي «جلف»، ومدنَهم مثل: «اندر» و«لوغا»......، كما ذكر أن أكثرهم يشتغلون بالزراعة والتجارة والصناعة......
وقد ذكر أمرًا مهمًّا جداً، وهو النظام الطبقيّ للمجتمع، وذكر طبقتين لازمٌ للباحث في التاريخ السنغاليّ معرفتها، وهما:
- الطبقة الأولى، ومنهم – حسب تعبيره - الأشراف ورؤساء الدين والفلاحون، ويُطلق عليهم «جَامْبُرْ Diambour » أي من لا يعنيهم شيءٌ.
- الطبقة الثانية، وينتمي إليها كلُّ من له حرفة كالحدَّادِين، وكالقَوَّالِين الذين همْ – حسب تعبير المؤلف -:"مؤرخون ومغنون، وعازفون، ونسَّابون"، ويطلق عليهم «جِيجُ Niénio».
ثم ذكرَ من ضمن شعوب سنغال أيضا:«الفُلَّان»، و«التكرور» و«السيرير»، و«المندنغ»، و«الجولا»، وكذلك الأماكن التي يسكنونها، وبعض مميزاتهم.
- باب النطاق التاريخي:
وهنا تكلم عن تاريخِ سنغال، وجعله على ثلاث مراحل، أو ثلاثة مراكز – حسب تعبيره-، وهي:
1- مركز الممالك الأصلية
2- مركز تأصيل الإسلام في البلاد
3- مركز الاستعمار.
وتكلم هنا عن المرحلة الأولى، حين كانَت تحكم هذا القطر ممالكُ، ثم ذكر مملكة «جُلفْ» التي أسسها انجاجانْ انجاي في القرن الثالث عشر الميلادي، وولاياتِهَا التي استقلَّتْ وانفصلتْ عنها بعدُ مثل «والو» و«كجور» و«بول»، كما ذكر بعض ألقابِ الملوك؛ كـ«دميل» لقب ملك «كجورْ»، و«بُورْبَ» لقب ملك «جلف» و«تينج» لقب ملك «بول»، و«بُورْ» لقب ملك «سينْ» و«سالم»، و«بَركْ» لقب ملك «والو».
ولم يغفُل عن «كاسمنسا»، وعن الحديث عمّن استولوا هذه المنطقة وحكموها، إلى بعض الشعوب التي يسكنونها.
- باب الإسلام وبلاد سنغال
وهنا تكلم عن المرحلة الثانية، وهي تاريخ دخول الإسلام في بلاد السنغال، وذكر أن المؤورخين يرجعون ذلك إلى أيام عقبة بن نافع الذي وصل بجنوده إلى شاطئ نهر «سنغال». وذكر أيضا الملكَ وَارجابي الذي كان له الفضل في نشر الإسلام في مملكة التكرور، ليوكِّدَ أن الدين الحنيف انتشر عند أهل السودان قبل فتح المرابطين، لكن بيد هؤلاء دخل الإسلامُ الصوفيُّ السنغال أول مرة، مصطبغاً بالمذهب المالكيّ الذي كان المذهب الرسميّ للدولة المرابطية.
وقد تكلم أيضا عن انتشار الطرائق الصوفية بالسنغال، وعن الأئمة المصلحين الذين شدوا حيازيمهم للإصلاح وأعدوا ما استطاعوا من قوةٍ ذوداً عن شعائر الله وحفاظًا على صفاء العقيدة الإسلامية، وحرصاً على تنقيتها مما لاط بها من أوضارِ الوثنية القديمة، ومنهم الإمام سليمان بالْ، والإمامُ عبد القادر في «فُوت تورُو»، والحاج عمر الفوتيّ تالْ، ومابَهْ جخُ، "وكانوا كلهم مجاهدين، وكل منهم أخذ السيف لنشر الإسلام "(5)، وقد واجههم الزعماء المحليُّون حيناً، والمستعمرون الفرنسيون حيناً آخر، ثم ذكر مَنْ لفَّ لفَّهم من مشايخ الصوفية كالحاج مالك سه، والشيخ أحمد بمب البكي المعروف بالشيخ الخديم – رحمهم الله أجمعين – ممن جاهدوا بالقلم، وقاموا بـ"تأسيس طريقة صوفية وتعليم الشريعة وعلوم دين الإسلام في أيامهم "(6).
- الاستعمار الفرنسي:
وهذه هي المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الاستعمار، فقد تكلم الدكتور عن تاريخ نزول هذا البلاء بالسنغال، وعما تلاه من بيع الأرقاء السودِ، وحروبٍ ومعارك، لاسيما بعد تعيين القائد فيدربِ أميراً لجزيرة «سانلويس» التي كانت مقاما للسلطة الاستعمارية، ففي عهده بدأ الاستعمار بالقوة، وظلَّ بجيشهِ يتغلبون على الممالك واحدة تلو الأخرى، فسقطت على براثنهم مملكةُ فوت تورو، ومملكة والو، ومملكة سين، وكذلك مملكة كجور التي كان البطل الشجاعُ الأمير لتجور جوب آخرَ ملوكها، فهو «الممثل الأخير للسلطان الأهليّ وهو من الأبطال السنغاليين الذين أحيتْ الجمهوريةُ الناشئة ذكراهم إحياءً تعظيميّا»(7).
وقد ذكر الدكتور ثلةً من المجاهدين الذين جاهدوا العلوج الاستعمارية حيناً، والوثنيين حيناً آخر، ومنهم الحاج عمر الفوتيّ ومابه جخ، وأحمد شيخُ التجاني، وذكر أنهم جاهدوا لأمرين اثنين:
أحدهما: أنهم كانوا يرغبون في إحياء الإيمان بالإسلام الفاتر،
والثاني: كانوا يريدون إجبار الوثنيين في بلادهم على اعتناق الإسلام، إما بمواعظهم المستحرة، وإما بالسيف.
- الثقافة السنغالية:
وقد استهل هذا المبحث بقوله: إن «ثقافة السنغالي متألفة من أدب شفوي وأغان وموسيقى ورقص وفنون، وزد تربية شاقة بتهذيب الخلق وتدريب الإرادة، ويكتسب الولد من شتى ألعاب عبرا متنوعة، وزد الإخلاص في التفاني وفي التطوع ثم في المغامرة وحب إبقاء المجد القديم واكتساب الحسب والعرض النقي والقيام بالواجبات في الكرامة وفي الحوار واستعمال البلاغة وحب الجمال والسلام والتسامح »(8).
فهو إلى كل ذلك وشجاعته «أبي الضيم كثير الرماد وحليم ومحب للأمداح»(9)، وللشيخ الكبير الذي عرك الدهر أشطره مكانةٌ، فهو «قائد وحكيم وفيلسوف »(10).
ثمَّة ذكر أن هذه الثقافة تمتاز بالانفتاح، لكن مع كل ذلك لم تذهب الثقافات الأجنبية الوافدة بقيمها العليا من «شعور بالوفاء ومكارم الأخلاق وتعظيم البطولة...»، إلى أن يقول:«ولقد أغنى التراث الزنجي الإفريقي هذا ما هو أحسن في قيم الاستعمار وفي فضائل الإسلام إذ صارت لغة المستعمر لغة رسمية للسنغال، وتكتب أغلب لهجات البلاد بحروف العربية... »(11).
- اللغة العربية في السنغال:
وهذا المبحث فرع عن المبحث السابق، خصصه الدكتور للكلام عن الثقافة العربية بالسنغال، وعن التواصل الثقافي الذي كان بين العدوتين الموريتانية والسنغالية، كان منه شد السنغاليين الرحال إلى موريتانيا للتعلم والتربية والسلوك، ونزوح بعض الموريتانيين إلى السنغال، وإقامتهم فيها، وكذلك فإن مملكة «والو» السنغاليةَ كانت تضمُّْ عدة نواح شمالية من موريتانيا الحاضرةِ، إلى أن أول عاصمة لهذه المملكة – وهي «اجربيلْ» - كانت واقعة على الشاطئ الأيمن لنهر «سنغال».
وقد تكلم الدكتور في هذا المبحثِ أيضاً عن الأعيادِ الّتي يحتفل بها الشعب السنغاليّ، وهي عيد الأضحى الذي يسمونه «تَبَسْكِي»، وعيد الفِطر أي: «كُورِ»، وعاشوراء أي: «تَمْخَرِتْ»، كما تكلم عن الكتب التي تعتمدها المجالس والكتاتيب في التدريس، مصنَّفةً حسبَ العلومِ:
- القرآن، قال:«فيبنغي للأطفال أن يقرؤوه ويحفظوهُ عن ظهر قلب، ثم يتعلموا الأصول الخمسة لدين الإسلام، نعني الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج إلى بيت الله الحرام »(12).
– تفسير القرآن، وذكر أن من كتب التفاسير التي يعنون بها، «تفسير الجلالين»، و«تفسير البيضاوي»، و«تفسير النسفيّ».
- الحديث وعلومه، وذكر من الكتب المعتمدة عندهم «الصحيحين»، وألفية الحديث للسيوطي.
- وفي الفقه وأصوله يقرؤون:«مختصر الأخضري» في الفقه المالكي، و«متن العشماوية»، و«المقدمة العزية للجماعة الأزهريّة»، و«المرشد المعين على الضروريّ من الدين»، المشهورة بـ«منظومة ابن عاشر»، لأبي محمد عبد الواحد بن عاشر . مع الشرح الكبير للشيخ أبي عبد الله ميّارة الفاسيّ، والمسمّى بـ«الدر الثمين والمورد المعين».
5- سراج السالك شرح أسهل المسالك، للشيخ عثمان بن حسنين بري الجعلي المالكي، و«أسهلُ المسالك لنظم ترغيب المريد السالك» منظومة لمحمد البشار.
6- الرسالة، لابن أبي زيد القيرواني، بشروحها، ومنها: «الثمر الداني» للشيخ صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري، و«الفواكه الدواني» لشهاب الدين النفراوي. و«كفاية الطالب الرباني» لأبي الحسن علي بن محمد المنوفي المصري الشاذلي مع حاشية العدوي عليه، وغيرهما.
7- تحفة الأحكام في نكت العقود والأحكام، لأبي بكر ابن عاصم الغرناطي.
8- أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك، بشرحه الموسوم بـ«الشرح الصغير» وكلاهما للشيخ الدردير، مع حاشيته المشهورة للشيخ أحمد الصاوي.
9- مختصر الشيخ خليل ، بشروحه.
10- ورقات إمام الحرمين أبي المعالي الجويني في أصول الفقه.
11- الموطأ للإمام مالك بن أنس وهو كتاب فقه وحديث.
ففي النّحو والصرف يقرؤون:
1- الآجرومية، لابن آجروم.
2- ملحة الإعراب» للحريري.
3- لامية الأفعال،
4- والألفية لابن مالك بشروحها، وأكثرها تداولا عند السنغاليين شرح ابن عقيل، و«أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك» لابن هشام، وشرح الأشموني مع حاشية الصبان.
5- الاحمرار للمختار بن بونه الجكني الشنقيطي.
6- المقدمة الككية، وهي لأحد العلماء السنغاليين، واسمه الشيخ مور قج كمب جوب الككيّ.
وفي العروض، يقرؤون:
1- مبين الإشكال للقاضي مجخت كل.
2- متن الخزرجية أو الرامزة بشرح بدر الدين الدماميني المسمى بـ«العيون الغامزة في خبايا الرامزة».
وفي البلاغة والمنطق يقرؤون:
1- عقود الجمان لجلال الدين السيوطي.
2- الجوهر المكنون لأبي زيد عبد الرحمن الأخضري.
3- متن السلّم المرونق في فنّ المنطق لعبد الرحمن الأخضري،
وكانوا يجمعون إلى ذلك قراءة بعض المصادر الأدبية وتعلمها على أيدي العلماء، ومنها:
1- أشعار الشعراء الستة الجاهليين، للأعلم الشنتمري.
2- المعلقات السبع، بشرح الزوزني.
3- مقامات الحريري.
4- مقصورة ابن دريد.
5- قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير .
6- البردة والهمزية للإمام البوصيري.
7- دالية اليوسي، بشرحها: نيل الأماني في شرح التهاني.
8- مختار الأدب، وهو كتاب ذائع الصيت بالسنغال ينطوي بين دفتيه عيون من الشعر العربي، وهي: بانت سعاد، لامية العرب، لامية العجم، القصيدة الزينبية، لامية ابن الوردي، الشمقمقية، ولم يُعرَفْ جامعه!
9- ديوان الوسائل المتقبلة في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم - للشيخ أبي زيد عبد الرحمن بن أبي سعيد يخلفتن بن أحمد الفازازي الأندلسي وتخميسه للشيخ الإمام أبي بكر محمد بن المهيب المغربي، والديوان مشهور ومعروف بـ«ابن المهيب.
وكانوا يتعلمون إلى ما ذكرنَا الجغرافيا وعلم الحساب وعلم النجوم، وكذلك فمنهم من تعلم هذه العلومَ كلا، ومنهم من اجتزأ ببعض منها.
وقد تكلم الدكتور في هذا المبحث أيضاً عما يعانيه كثير من السنغاليين من صعوبةٍ في النطق ببعض الحروف، فينطقون الضاد لاماً، والشين والصاد والزاي والذال سيناً.... حتى يعزّ على العربيّ تارةً أن يفهم عنهم، وقد يسلم من هذه اللُّكنة الذين درسوا في البلاد العربية كموريتانيا وغيرها.
- المدارس الأدبية:
وسنرجئ الكلام عنها في الحلقة اللاحقة، مع تقديم نماذج وأمثلة إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1. الأدب السنغالي العربي (1/7)
2. المصدر السابق(1/8)
3. المصدر السابق(1/8)
4. المصدر السابق(1/11-14)
5. المصدر السابق(1/21)
6. المصدر السابق(1/21)
7. المصدر السابق(1/23)
8. المصدر السابق(1/24)
9. المصدر السابق(1/24)
10. المصدر السابق(1/24)
11. المصدر السابق(1/24)
12. المصدر السابق(1/29)