مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

قراءةٌ في كتب الأفعال الأندلسية – الحلقة الثانية –

2- كتاب الأفعال لابن الحداد السرقسطي (ت:بعد 400هـ)(1)

هذا الكتاب لأبي عثمان سعيد بن محمد المعافري اللغوي، من أهل قرطبة، وعرف بابن الحداد، قال عنهُ ابن بشكوال –رحمه الله تعالى -: «أخذ عن أبي بكر بن القوطية وهو الذي بسط كتابه في الأفعال وزاد فيه. وتوفي بعد الأربعمائة شهيدا في بعض الوقائع».

ولم نعثر في كتب التراجم على نشأته العلمية وعلى مزيد من حياته وأحواله، لكن عثرنا أن من تلامذته ابن طريف الأندلسى (ت:400هـ) الذي يقول عنه ابن بشكوال –رحمه الله تعالى -: «عبد الملك بن طريف: من أهل قرطبة، يكنى: أبا مروان، أخذ عن أبي بكر بن القوطية وغيره. وكان حسن التصرف في اللغة، أصلٌ في تثقيفها وله كتابٌ حسنٌ في الأفعال، هو كثيرٌ بأيدي الناس. وتوفي في نحو الأربعمائة »(2).

مقدمة الكتاب والدوافع على وضعه:

تكلم المؤلف -رحمه الله تعالى – في مقدمة كتابه على فضل لسان العرب، وأنها أشرف ما عني به الطالب والمتأَدِّب بعد القرآن الكريم؛ لكونها «أفصح اللغات لسانا، وأوضحها بيانا، وأقومها مناهج، وأثقفها أبنية، وأحسنها بحسن الاختصار تألّفا، وأكثرها بقياس أفعالها تصرّفا»(3).

ثم ذكر المؤلف – رحمه الله تعالى – ضرورة العناية بتصريف الأفعال وأن إحكامَه «أول ما يجب للناظر فى كلام العرب بعد إحكام قياس حركات الإعراب أن يحكم تثقيف الأفعال، لما يدخلها من القياس بالتصرف، ليتصل له قياس التصرف فى الأفعال بقياس تصرف الإعراب فى الأسماء. وأيضا فإن أكثر الكلام مشتق منها، وأكثر ما تسأل الطلبة، والقراء، والفقهاء فعن التصريف والاشتقاق فى القرآن والسنة وكلام العرب»(4)، ثم أشار إلى بعض العلماء المتقدمين الذين عنوا بالأفعال مثل أبي إسحاق الزجاج (ت:311هـ)،  وأبي حاتم السجستاني (ت:255هـ)، وقطرب (ت:206)، –رحمهم الله تعالى-، ونص على أنَّ «تواليفهم فى الأفعال غير موعبة، ولا مقتضية لإتقان ما قصدوه بزعمهم»(5).

ثم أثنى على ابن القوطية –رحمه الله تعالى -، وعلى كتابه البارع، وذكر أنه جبر ما كان مكسورا في كتب من سبقوه، و«ألف فى الأفعال كتابا حاز به قصب السبق، واستولى به على أمد الغاية، لم يتقدّمه إلى مثله فى هذا الفن أحد من العلماء الماضين»(6).

ولم يسلم كتاب ابن القوطية من مغمز، ولم يخْل من مطعنٍ، فقد ذكر السرقسطي أن في الكتاب خللا، تولّد من مبالغة المؤلف في الاختصار، يقول: «قصد فى هذا الكتاب مقصد الغاية فى الاختصار، حتى أخلّ ذلك بتبيّن كثير مما جلب من الأفعال»(7)، ثم أورد مثالا لمادة (عقل)، وقال: «عقل الرجل عقلا: راجعَه عقله بعد شيءٍ أذهبه، والصبىُّ عقلا: ذكا بعد الصِّبا، والبعيرَ: شددته بالعقال، والظلُّ: إذا قام قائم الظهيرة، والشيءَ عُقلة: حبسته، والرجل عُقلةً: شغزبيّةً فصرعته، والأوعالُ والوحوش: صارت فى معاقل الجبال، والقتيل عقْلا غرمت ديته، وعن القاتل: غرمت عنه الدية، والرجلَ أعقُله: صرت أعقل منه، والرجلَ على القوم: سعى فى صدقاتهم، والطعامُ البطن: أمسكه، والبطن: استمسك»(8).

ثم قال المؤلّف بعد ذلك: «والكتاب كله مبنى على هذه الرتبة فتعسّر من هذه الجهة على الطالب وصعب على الدارس إلا من أفرغ فيه تدبيره، وأجهد فكرته، وأتعب استطاعته، فأعمل الفكرة مع كل لفظ فى الرجوع إلى الأصل الأول، فصار الكتاب بذلك مخالفا لما بين أيدينا من كتب اللغة، وما عهدناه من التواليف القديمة»(9).

وذلك مما دفع السرقسطي –رحمه الله تعالى – إلى خدمة هذا الكتاب الجيل، وروض حرونه، حتى تكون قطوفه دانية للمتأدبين والقراء، ويمكن رد الدوافع التي بعثته على وضع الكتاب إلى ما يلي:

– الرغبة في إعادة ترتيب مادة الكتاب وتذليل صعابه، لتكون قطوفه دانية للطلبة والمتأدبين، فلا يعانون في قراءته وتفهمه عنتا ولا رهقا.

– الاستدراك على كتاب ابن القوطية؛ إذ فاته جملة من أبنية الأفعال وندّت عنه معاني بعض الأبنية؛ يقول السرقسطي: «إنما كان غرضه – رحمه الله – فى هذا الكتاب: فعلت وأفعلت خاصة، وترك ما جاوز ذلك من الأفعال الرباعية الأصلية مثل: دحرج، وسلهب وما جاوزها بالزيادة مثل: اقشعرّ، واحرنجم، ومثل: احمارّ، واشهابّ»(10).

– التقرب زلفى إلى الحاجب المنصور بن أبي عامر (ت:392هـ)، يقول: «وكان الذى دعانا إلى العناية بهذا الكتاب ما علمته من الحاجب المنصور أبى عامر محمد بن أبى عامر – وفقه الله – من حسن اهتباله بالعلم والأدب ورسوخه فيه، وبحثه عن غوامضه، وتقديمه أهله، وتشريفه حامليه، وأهل العناية به، فاعتمدته – أبقاه الله -، بعنايتى تزلفا إليه، وتقمّما لمسرته؛ لعلمى أن الأدب أشرف البضائع عنده، وأقرب الوسائل لديه، أبقاه الله عزيزا مكرما مصونا، مسلما، وبالله العون والتوفيق».

منهجه في الكتاب:

يمكن أن نذكر من منهج المؤلف -رحمه الله تعالى -:

– تقسيم الكتاب إلى ثمانية وعشرين بابا عددَ الحروف الهجائية، ورتَّبها حسب المخارج الصوتية، هكذا: (الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الخاء، الغين، القاف، الكاف، الضاد، الجيم، الشين، اللام، الراء، النون، الطاء، الدال، التاء، الصاد، الزاي، السين، الظاء، الذال، الثاء، الفاء، الباء، الميم، الواو، الياء).

– جعل كل فصل على أربعة مناح:

الأول: ما جاء على فعل وأفعل مع اتحاد المعنى.

الثاني: ما جاء على فعل وأفعل مع اختلاف المعنى.

الثالث: باب الثلاثي المفرد.

الرابع: باب الرباعي المفرد، وما جاوزه بالزيادة، مما لم يستعمل منه ثلاثي في معناه. وتطرق فيه لبناء أفعل وفعَّل وتفعّل واستفعل وافتعل.

– الاستشهاد بكتاب الله تعالى وحديث رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأشعار العرب، والرجوع إلى كلام أئمة اللغة الحفّاظ.

هذا، ولم يسلم منهج السرقسطي –رحمه الله تعالى- من اضطراب، ولم يسلك في سرد الأبنية منحى مطرداً، لكنه على العموم، حرص على تفريع الفعل الثلاثي بذكر الصيغ المتولدة من اختلاف حركة عينه، وعُني في فصول الكتاب بذكر المضاعف والصحيح والمهموز والمعتل، إلى عنايته بتفصيل مجمل كتاب ابن القوطية وتبيين مشكله.

مكانة الكتاب:

لكتاب السرقسطي مكانة عند العلماء واللغويين، وذلك لكثرة فوائده ووفرة نفعه وعوائده، ومن الذين ذكروه في تصانيفهم ورجعوا إلىه:

–  أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي، المعروف ببطال (ت: 633هـ) في كتابه: النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب.

– جمال الدين ابن مالك الطائي الجياني (ت:672هـ) في كتابه: الاعتماد في نظائر الظاء والضاد.

– أبو العباس أحمد الفيّومي (ت:770هـ) في: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.

–  جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي الدمشقي الصالحي، المعروف بـابن المبرد (ت:909هـ) في كتابه: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي.

– شهاب الدين الخفاجي (ت:1069هـ) في كتابيْهِ: حاشيته على تفسير البيضاوي، وشرحه على «درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ» للحريري.

– عبد القادر البغدادي (ت: 1093هـ) في كتابه النفيس: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب.

– مرتضى الزبيدي (1205هـ) في كتابه: تاج العروس من جواهر القاموس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) ترجمته في: الصلة لابن بشكوال (ص:209)، وبغية الوعاة (1/589)

(2) الصلة (ص:340)، وانظر: البلغة (ص:188)، وبغية الوعاة (2/111)

(3) كتاب الأفعال (1/51)

(4) كتاب الأفعال (1/52)

(5) كتاب الأفعال (1/52)

(6) كتاب الأفعال (1/52)

(7) كتاب الأفعال (1/53)

(8) كتاب الأفعال (1/53)

(9) كتاب الأفعال (1/53)

(10) كتاب الأفعال (1/53)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق