مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قالوا في الموطأ

مزية المصفى شرح الموطأ:
إن ملاحظة هذه الأمور شوقتني أولا إلى رواية الموطأ، وثانيا إلى شرحه، فرتبت مسائله الفقهية حسب ترتيب كتب الفقه وزدت في كل باب الآيات الشريفة المناسبة لذلك الباب وترجمت الآيات والأحاديث بالفارسية “يعني اللغة الرسمية للسلطنة الإسلامية الهندية في ذلك العصر” وشرحت غريب ألفاظه وبينت اختلاف الفقهاء في كل مسألة ثم ذكرت تحديد الألفاظ الواردة في النصوص وكيفية استخراج علة كل حكم والتخلص بواسطته إلى القواعد الكلية الجامعة المانعة: وتعقبات الشافعي وغيرها، ولعلك تعلم أن هذه الأمور من غوامض أسرار الاجتهاد، وكذلك بينت وصل المرسل ومأخذ أقوال الصحابة والتابعين من غوامض علوم المحدثين، فإن تقاصر أذهان أهل الزمان عن مثله ولم يقدروه حق قدره فهم معذورون لأنهم معروضون عن غوامض علوم المجتهدين والمحدثين كليهما، والمرء لا زال عدوا لما جهل.
القواعد التي تستنبط من صنيع الإمام مالك وكان لسان عصر تبع التابعين:
اعلم أن مبنى فقه الإمام مالك على حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولا مسندا كان ذلك الحديث أو مرسل ثقات وبعده على قضايا عمر، وبعده على فتاوى ابن عمر، وبعد ذلك على فتاوى سائر الصحابة وفقهاء المدينة مثل: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقاسم، وسالم، وسليمان، وأبي سلمة، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبي بكر بن عمرو بن حزم، وعمر بن عبد العزيز الخليفة وغيرهم.
أما اختياره لقضايا عمر فلأن رأيه كان موافقا للوحي والتنزيل غالبا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى في المنام أنه شرب اللبن وأعطي عمر فضله وعبره بالعلم، ولهذا السبب في أغلب الأوقات كان يحصل الإجماع من الصحابة على قضايا عمر.
وأما اختياره لعمل ابن عمر فلأن أكابر الصحابة شهدوا له بالاستقامة وتفوقه على سائر الصحابة (الذين بقوا بعد الفتنة) في هذا الأمر.
قال حذيفة: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم توفي وما منا أحد إلا وغيره عما كان عليه إلا عمر وعبد الله بن عمر.
قال مالك قال بن شهاب: لا تعدلنَّ عن رأي ابن عمر فإنه قام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة فلم يخف عليه شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقالت أم المؤمنين عائشة: ما رأينا ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر وقال محمد بن الحنفية كان ابن عمر خير هذه الأمة، قال سعيد بن جبير: رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وغيرهم كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على الحال الذي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير ابن عمر.
قال جابر إذا سركم أن تنظروا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يغيروا ولم يبدلوا فانظروا إلى عبد الله بن عمر، ما منا أحد إلا غير، قال أبو جعفر: لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحذر أن لا يزيد ولا ينقص من ابن عمر، قال نافع: لو رأيت ابن عمر يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت إن هذا لمجنون، وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين أنه قال: ابن عمر أزهد القوم وأصوبهم رأيا أخرج هذه الآثار كلها الحاكم في المستدرك.
ومما يدل على استقامة ابن عمر عدم مداخلته في الفتن فإنه بايع عليا رضي الله عنه بشرط أن لا يقاتل مسلما، ورضي علي كرم الله وجهه بهذا الشرط منه، ومن أجل ذلك تخلف ابن عمر عن حروبه، قال نافع: إن ابن عمر دخل الكعبة فسمعته يقول في السجدة: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك.
أما اختياره لأقوال التابعين عن أهل المدينة فلأنها أي المدينة كانت روح البلاد وقلب الأمصار وكان العلماء يأتونها زمانا بعد زمان ويعرضون آراءهم على أهلها لأنه كانت عندهم علوم منقحة لا توجد عند غيرهم ومشائخ مالك كلهم من أهل المدينة إلا ستة أشخاص: أبو الزبير المكي، وحميد الطويل، وأيوب السختياني من البصرة، وعطاء بن عبد الله من خراسان، وعبد الكريم من الجزيرة، وإبراهيم بن أبي عبلة من الشام.
                                                                        (يتبع)

المسوى شرح الموطأ، شاه ولي الله الدهلوي، الجزء1 من ص31إلى33. علق عليها وصححها جماعة من العلماء بإشراف الناشر. الطبعة الأولى/1983م، دار الكتب العلمية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق