مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

في رحاب توحيد ابن عاشر

إعداد:

د/ عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

د/ مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل. 

قال الناظم رحمه الله:

يجب لله الوجــود والـقدم        كذا البقاء والغنى المطلق عـــــم

وخلفه لخلقه بلا مثـــــال        ووحدة الذات ووصف والفعـال

وقدرة إرادة علم حيـــــاة        سمع كلام بصر ذي واجبـــات

قال الشارح رحمه الله:

(و) السادسة (وحدة الذات) العلية، أي عدم تركبها من أجزاء المسمى بالكم المتصل، وعدم وجود ذات أخرى تماثلها ويسمى الكم المنفصل، فالوحدة عدم الكم مطلقا وليس المراد أن الذات العلية بلغت من الدقة إلى حد لا يمكن قسمه فتكون جوهرا فردا تعالى الله عن ذلك. (و) وحدة (وصف) لها بحيث لا يوجد له نظير قائم بها ولا بذات غيرها، فعلمه تعالى مثلا علم واحد لا تكثر فيه ولا تعدد، وهو مع ذلك متعلق بالمعلومات الغير المتناهية؛ أعني جميع الواجبات والجائزات والمستحيلات، وكذا غير العلم من سائر صفات الذات خلافا للصُّعلوكي في العلم والقدرة ولابن سعيد في الكلام.

(و) وحدة (الفعال) أي عدم مشاركة غيره له في اختراع فعل ما، ولو صدر على يد مخلوق فليس له فيه إذا كان اختياريا إلا الكسب الآتي، ودليل ذلك من السمع قوله تعالى: (الله خالق كل شيء) [ سورة الزمر، الآية: 62.]، في مقام التمدح، ولا مدح إذا اختص خلقه بما ظهر منه بلا واسطة مخلوق، وقوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) [سورة القمر، الآية: 49.]، على قراءة النصب؛ إذ يمتنع عليها كون خلقناه صفة مخصصة؛ لأنه مفسر للعامل في “كل”، فلو جعل صفة لم يصح أن يعمل في الموصوف أو فيما قبله بناء على جعله صفةَ “كل” أو “شيء”، وما لا يعمل لا يفسر عاملا فيبطل النصب، مع أنه صحيح متواتر، وإذا امتنع كون “خلقناه” صفة بقي “شيء” على عمومه، فتدخل أفعال العباد الاختيارية، وإذا تعين العموم في قراءة النصب تعين في قراءة الرفع أيضا، فيكون “خلقناه” خبرا لا صفة جمعا بين القراءتين لئلا يتناقضا. وقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) [سورة الصافات، الآية: 96.]، والاحتجاج بها تام سواء جعلنا ما مصدرية أو موصولا اسميا؛ أي خلقكم وخلق عملكم أي معمولكم، أعني الأثر الناشئ عن الإيقاع، أو خلقكم وخلق العمل الذي تعملونه، أي الأثر المذكور لا نفس الإيقاع لأنه أمر اعتباري، فالمآل واحد. وأما (فتبارك الله أحسن الخالقين) [سورة المؤمنون، الآية: 14.] فلا يدل على ثبوت الخلق لغيره، لأن المعنى أحسن الصانعين، وقوله: (وإذ تخلق من الطين) [سورة المائدة، الآية: 110.]معناه تصور بكسبك، وقال السعد: الخلق فيهما بمعنى التقدير، وكان الأوائل من المعتزلة يتحاشون عن إطلاق الخالق في حق العبد اكتفاء بالموجد والمخترع ونحو ذلك، ثم رأى الجبائي وأتباعه أن معنى الكل واحد وهو المخرجُ من العدم إلى الوجود، فتجاسروا على إطلاق الخالق.

 

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 هـ على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص: 55-56.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق