وحدة الإحياءدراسات عامة

في حفظ مقاصد الشريعة الإسلامية.. قراءة مقاصدية لشروط الوقف ودراسة الأبعاد المصلحية في ظل مدونة الأوقاف المغربية الجديدة

لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة، ودعا بنيه إلى التعارف والتعاون وإلى التكافل المجتمعي، وأهاب بأقويائهم أن يساندوا ضعفائهم، وبأغنيائهم أن يساعدوا فقرائهم حتى يسعدوا بسعادتهم، ويسيروا في مسيرة واحدة متراصة متلاحمة الأجزاء، ومن بين ما يقوي روابطهم ويشد أزرهم و يزرع المحبة في قلوبهم إحسان بعضهم لبعض، ومن بين مظاهر الإحسان: الوقف في سبيل الله قصد الخير ونفع الناس.

لقد كان جانب الوقف وما يزال محل اهتمام بالغ وموضع عناية فائقة النظير من المسلمين في كل مكان وحين، ومنذ عهد الرسول الكريم، صلى الله عليه و سلم، وعبر العصور المتوالية، فقد ظل المسلمون في مختلف عهودهم ومستوياتهم الاجتماعية يحرصون على الوقف والتسابق إلى تحبيس شيء من ممتلكاتهم في سبيل الله، من أجل صرف ريعها ومدخولها المالي في وجوه البر والإحسان وإقامة شعائر الدين، وتحقيق المنافع العامة للمسلمين، ويعتبرون ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله، عز وجل، ومن الصدقة الجارية التي شرعها الإسلام ورغب فيها الرسول الكريم والتي يبقى أجرها خالدا وثوابها مستمرا بعد حياة الإنسان مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (سبإ: 39).

فالوقف هو نظام مالي إسلامي تطوعي يتميز بالثبات والاستمرار، ويشكل إلى جانب نظام الزكاة، الصدقة الإلزامية، النواة الاقتصادية الإسلامية، التي تحفظ مقاصد الشريعة وتحقّق معانيها وتقف عند حِكمها وأسرارها، وتؤكّد قواعدها الشرعية وكليّاتها الأساسية التي تقوم على أساس حفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل والمال.

ونظام الوقف، أيضا، يرتكز على حقيقة مهمّة تتمثل في العقيدة الإيمانية التي تدفع بالمرء إلى تحبيس بعض ممتلكاته أو كلها على وجوه البرّ والخير، منقولا كان أو عقارا، ويتحمّل، بذلك، تحديد أركان الوقف وأحكامه بصورة منضبطة تضمن استمراره في أداء رسالته بعد موته إلى نهاية غير محددة أو محددة إذا اختار ذلك.

ولكي يتسنى لنا الوقوف بصورة واضحة على مدى رعاية هذا النظام وحفظه لمقاصد الشريعة الإسلامية وفق تصورات منهجية تبرز معالم أبعاده المصلحية التي تؤطّرها مدونة الأوقاف المغربية الصادرة  بتاريخ 08 ربيع الأول 1431ﻫ (23 فبراير 2010)، فقد ارتأيت أن أتناول هذا الموضوع انطلاقا من المحاور التالية:

المحور الأول: مفهوم الوقف، حكمه وسماته الأساسية

الوقف نظام إسلامي انبثق من الخلق الإسلامي الذي يسمو بالفرد سموّا يحقق له الجزاء في الدنيا والآخرة، ولذلك سأحاول من خلال هذا العنصر أن أقف باختصار عند بيان المفهوم والحكمة من تشريعه.

أولا: مفهوم الوقف

أ. مفهوم الوقف لغة واصطلاحا

لغة: الوقف والحبس والتسبيل بمعنى واحد. والوقف من وقف، يقف، وقوفا: دام قائما، ووقفته أنا وقفا: فعلت به ما وقف، والنصراني وقيفي كخليفي: خدم البيعة، والدار حبسه: كأوقفه، وهذه رديئة هي لغة تميمية وعكسها أحبس، فإنها أفصح من حبس التي هي لغة رديئة لكنها أي حبس هي الواردة في الأحاديث[1].

وفي لسان العرب يقال: حبست، أحبس، حبسا وأحبست أحبس أحباسا؛ أي وقفت، والاسم الحبيس بالضم، وكان الوقف أول عهده يسمى صدقة وحبسا وحبيسا[2].

اصطلاحا: الوقف له عند فقهاء المسلمين تعاريف ثلاثة:

ـ التعريف الأول لأبي حنيفة (توفي 150ﻫ): (حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة على جهة الخير)[3].

ومن تعريف أبي حنيفة للوقف، يظهر أن الوقف عنده بمنزلة العارية، ولم يجعله عارية حقيقية؛ لأنه لا يسلمه إلى المستوفي للمنفعة، بل يسلمه إلى المتولي، أو يجعله في يده ويصرف المنفعة إلى من أراد، وأما العارية فتسلم إلى من يستوفي منفعتها[4].

ـ التعريف الثاني للجمهور والصاحبان “أبو يوسف (توفي 182ﻫ) ومحمد بن الحسن الشيباني (توفي 189ﻫ) وبرأيهما يفتى عند الحنفية والشافعية والحنابلة على الأصح: “حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره على مصرف مباح موجود، أو بتصرف ريعه على جهة بر وخير تقربا إلى الله تعالى، ويصير حبسا على ملك الله تعالى ويمتنع على الواقف تصرفه فيه ويلزم التبرع بريعه على جهة الوقف[5].”

يفهم من هذا التعريف أن ما لا يمكن الانتفاع به أو لا يحقّق المنفعة لعموم المسلمين من المال لا يعتبر تحقّقَا مقاصديا لمعنى التحبيس.

ـ التعريف الثالث للمالكية: “جعل المالك منفعة مملوكة ولو كان مملوكا بأجرة أو جعل غلته كدراهم لمستحق بصيغة، مدة ما يراه المحبس”؛ أي أن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، ويتبرع بريعه لجهة خيرية تبرعا لازما مع بقاء العين مدة معينة من الزمان فلا يشترط فيه التأبيد[6].

وهذا التعريف الأخير يقف عند مسألة مهمة في نظام الوقف وهي مسألة التأبيد؛ لأن المدونة الجديدة للأوقاف التي صدرت بظهير شريف رقم 1.09.236 بتاريخ 08 ربيع الأول 1431ﻫ (23 فبراير 2010) لم تعتبر في التحبيس شرط التأبيد مادامت المنفعة ستتحقق بوقف ما ينتفع به مدة معينة، وهو شرط يؤكد مدى رعاية المصلحة العامة؛ لأن شرط التأبيد قد لا يحقق مصلحة تحبيس بعض ما ينتفع به عموم المسلمين لمن اختار مدة معينة من الزمن، وسيتضح أكثر تأكيد هذا الأمر حين مناقشة شروط الواقفين.

ثانيا: حكمة الوقف وسماته الأساسية

أ. حكمة الوقف

من الفقراء من هم عاجزون عن الكسب إما لصغر سن أو ضعف في القوى لمرض أو لغير مرض؛ كالنساء اللائي لا قدرة لهن على مباشرة الحرف والصنائع، وغير ذلك من أعمال الرجال، فهؤلاء هم أولى الناس بالرحمة والشفقة والحنان، “فإذا ما حبّست عليهم الأعيان وأجريت عليهم الصدقات، استراحوا من عناء الفقر وخرجوا من ربقة العسر وهانت عليهم مصائب الدهر[7].”

يقول صاحب “رد المحتار على الدر المختار” أن الحكمة من الوقف دنيوية وأخروية، ففي الدنيا: بر الأحباب، وفي الآخرة: تحصيل الثواب[8].

فبالوقف، إذن، تتحقّق مصلحة الواقف في الآخرة والموقوف عليه في الدنيا، يشير العز بن عبد السلام (توفي 660ﻫ) إلى هذا الأمر حين يقسّم الطاعات إلى نوعان: “أحدهما؛ ما هو مصلحة في الآخرة كالصوم والصلاة والنسك والاعتكاف، والثاني؛ ما هو مصلحة في الآخرة لباذله، وفي الدنيا لآخذيه، كالزكاة والصدقات والضحايا والهدايا والأوقاف[9].”

ب. السمات الأساسية للوقف

الوقف سمة من سمات المجتمع المسلم الذي يقوم على أساس التكافل والتعاون بين أفراده، تحقيقا لمعاني الأخوة الإسلامية التي نطق بها الحديث الشريف: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[10]“، فأساسه التعاون على البر والتقوى من خلال صرف المال في وجوه الخير المعلومة لتحقيق المنفعة العامة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وقامت عليها كركيزة أساسية مصداقا لقول الحق سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 3).

والوقف، أيضا، من التصرفات التطوعية النابعة من صدق عقيدة المسلم التي تتّسم بشمول أنواعه ومجالاته، لكل ما يعود بالخير على الواقف نفسه وعلى أفراد مجتمعه، تحقيقا لمجتمع الاستخلاف وحفاظا على غاياته المتميزة.

فالواقف ينزل عن شطر من أمواله العقارية أو المنقولة إيمانا بمبدأ الاستخلاف، فالكون وما فيه ومن فيه مملوك ملكية مطلقة لخالقه سبحانه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ (آل عمران: 26) وما ملكية المستخلفين إلا حيازة أمانة أو وديعة فهي ملكية منفعة على النحو الذي يحقّق إعمار الأرض وفق الشريعة.

والواقف، أيضا، بتنازله عن جزء من ماله “إنّما يحقّق الإيثار والسخاء واصطناع المعروف والتباعد عن الشح والبخل، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء، عليهم السلام، وهو أصل من أصول النجاة، وهو بذلك يجعل دنياه خير مزرعة لآخرته[11].”

كما أن من شأن الصدقة التي تخرج عن طريق الوقف “أن تبقى مستمرة العطاء بينما الصدقة تؤتي أكلها في حينها ثم تنقضي، فيحتاج الفقراء وذوو الحاجة إلى صدقات مثلها”[12].

العنصر الثاني: شروط الوقف وعلاقتها بمقاصد الشريعة الإسلامية

لنظام الوقف، كغيره من التصرفات التي تنبني على أساس مالي، شروط أسهبت في تفصيلها كتب الفقه، ولست هنا بصدد الحديث عن هذه الشروط بقدر ما أرصد الجوانب المقاصدية  فيها خاصة؛ أن نظام الوقف بأحكامه وفقهه وشروطه وأركانه يقوم على أساس رعاية المصالح كسائر المعاملات التي توخت الشريعة الإسلامية من وجودها تحقيق هذه المصلحة باعتبارها كلية أساسية في الدين، اعتبرها الإمام ابن قيم الجوزية (توفي751ﻫ) قاعدة جوهرية، حيث يقول: “فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ، فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَاد…[13].”

 فقد اجتهد فقهاء المسلمين منذ فتح باب الاجتهاد[14] في مسألة الوقف؛ كاجتهادهم في المسائل الفقهية الأخرى، وازداد اهتمامهم ودأبهم على ذلك مع توسّع وانتشار وتطوّر هذه المؤسّسة في أرجاء المجتمع الإسلامي وتنامي دورها عبر السنين، ليواكبوا كلّ مستجدٍّ يطرأ، وليبحثوا عن الحلول الشرعية المناسبة للقضايا الطارئة في هذا الشأن، حرصاً على استمراره بالشكل الذي يحقّق أغراضه في محيطٍ منبثقٍ من أحكام الشريعة الإسلامية الحكيمة وضوابطها، ومناخِ يعتمد عليها في تشريعه واستمراره.

 والشروط المرتبطة بنظام الوقف تقوم على أساس اعتبار أركان الوقف كالتالي: الواقف، الموقوف، الموقوف عليه والصيغة[15]، ولكل منها قضايا ترتبط بها، وسأستعرض هذه الشروط وفق التصور الفقهي قبل الحديث عن الجوانب المقاصدية فيها:

الشروط العامة المتعلقة بالواقف: الواقف هو من يوجد الوقف وينشئه، ولكي يصحّ وقفه، لابد له من شروط:

ـ أن يكون حرا، فلا يصح الوقف من الرقيق لأنه لا ملك له يتبرع به أو يسقطه..

ـ أن يكون بالغا، والبلوغ يكون بظهور أمارته أو ببلوغ السن، وهو خمس عشرة سنة للفتى والفتاة..

ـ أن يكون عاقلا، والمراد به كمال العقل، فلا يصح من فاقده كالمجنون والمعتوه[16].

وهذا يعني أن يتمتّع الواقف بالحرّية، فلا يجوز أن يكون الواقف عبداً لأنّ العبد لا يملك، ولا يجوز أن يكون الواقف غير مالكٍ للمال المراد وقفه، أو مالكاً له بغصبٍ أو بسببٍ باطلٍ؛ لأن في هذا مخالفة للكلّيات الشرعية التي تجيز التصرف في العين المملوكة بوجه شرعي، ويجب أن يكون بالغاً، فلا يصحّ وقف غير المميّز ولا المميّز إلا بالبلوغ، وينبغي أخيراً أن يكون الواقف رشيداً غير محجوز عليه لسفهٍ أو إفلاسٍ كما في كلّ المعاملات والعقود المالية، فالوقف يقوم على أساس تحويل المنفعة الشخصية، التي لا يمكن أن يخضع تغييرها أو تحويلها إلا بالملكية التامة، والسفيه والمحجور والصبي لا يتصرفون في ممتلكاتهم، وهو نفس ما صرّحت به مدونة الأوقاف المغربية في المادة الثامنة حين نصّت على أن: “وقف النائب الشرعي مال محجوره باطل”؛ لأنه تصرف قد ينبني عليه هدر لمال المحجور في الوقت الذي يصير بحاجة إليه بعد كِبره، وسدّا أيضا لذريعة وقف مال المحجور بإضاعته قصدا، لذلك لم يجز هذا الوقف، بعكس وقف الفضولي الذي اعتبرته المدونة باطلا إلا إذا أجازه مالك المال الموقوف[17]، ويجب أن يكون الواقف عاقلاً، فلا يجوز وقف المعتوه أو المجنون أو ناقص التمييز.

ـ الشروط الخاصة بالواقف وتحليلها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية

يعدّ الحديث عن الشروط التي قد يضعها الواقف عند إنشاء الوقف أمرا ذا أهمية بالغة؛ لأنّ هذه المسألة هي التي تحدّد مدى انسجام المطلوب من الوقف الذي انعقد صحيحاً بعد استكمال الوقف لشروط صحّته المطلوبة في أركانه وعناصره، وبين المطلوب من نظام الوقف تحقيقه والقصد من وراء إنشائه، فقد يكون الوقف صحيحاً من ناحية الشروط الواجب توافرها في أركانه؛ أي في الواقف والموقوف عليه والمال الموقوف وصيغة الوقف، ثمّ يَشترط الواقف في صيغة وقفه شرطاً مخالفاً لأحكام الشريعة، أو شرطاً فاسداً أو مخلاًّ بمصلحة الوقف أو الموقوف عليهم أو الناس عموماً، أو شرطاً غريباً وخارجاً عن مفهوم الوقف ذاته من حيث هو صدقةٌ موجّهةٌ إلى خير الناس وهادفةٌ إلى تحقيق مصالحهم، فيخرج الوقف عن سياقه الشرعي، ويبعده عن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، بل يبعده عن دوره في حفظ هذه المقاصد وخدمتها لتحقيق الغايات المرجوة من تشريع هذا النظام، ولهذا  احتلّت مسألة شروط الواقف تلك الأهمّية الكبيرة في كتب الفقه المالكي على الخصوص[18] ثم في مدونة الأوقاف المغربية  بعد ذلك، حيث سارت المادة 14 في اتجاه مراعاة جانب المقاصد وإصلاح الشروط التي يضعها الواقف، وفي سياقها مخالفة للمقاصد:

جاء في هذه المادة من المدونة: “يعتبر باطلا وقف الشخص على نفسه. وفي حالة الوقف على الذكور من أولاد الواقف دون الإناث أو العكس، أو على بعض أولاده دون البعض، اعتبر الوقف صحيحا لهم جميعا والشرط باطلا[19]“، فالوقف على النفس تمليك ولا يصح له أن يتملكه من نفسه لنفسه كالبيع والهبة، ولأن الوقف تحبيس للأصل قربة لله، وانتفاع بالعين مدة مؤبدة أو مؤقتة، والواقف المكلف بهذا العمل، يقف شيئا لله، ويتملّكه، فهو ذريعة لكسب الأجر الأخروي من التحبيس والانتفاع به في الدنيا، ويمكن تصنيف هذا العمل من المكلف بموافقته للشارع في الفعل ومخالف له في القصد[20]؛ لأن بيان الحكمة من تشريع الوقف كما سبق ذكرها تتحدد في مساعدة المحتاجين والفقراء وتحقيق المواساة الاجتماعية بين المسلمين، وهو بهذا الوقف لا يحقق هذه الحكمة، بخلاف لو كان وقفه على عامة المسلمين، كالمسجد أو الأرض المعدّة لأي مشروع صحّي أو ثقافي، وكان الواقف من جملة المستفيدين، فنيته لم تتّجه في هذا التحبيس لغير التقرب به إلى الله فعلا وقصدا.

كما أن الوقف على الذكور دون الإناث فيه مخالفة صريحة لكلّيات الشريعة التي تدعو إلى المساواة بين  الجنسين في التكريم والبذل والعطاء، ولقد نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن التفرقة بين البنات والبنين فكلّهم نعمة الله على الإنسان يقول، صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان بن البشير رضي الله عنه: “… اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم…[21]“، قال الإمام السخاوي (توفي 902ﻫ): “ولو لم يكن فيهن من البركة ما كانت العترة الطاهرة والسلالة النبوية المستمرة من الإناث[22].”

بل إن من المفاسد التي قد تتحقّق بهذا الفعل أي عدم المساواة بين الأولاد أو جعلها على الذكور دون الإناث: خلق العداوة بين الأبناء والتي قد تؤدّي إلى التقاتل فيما بينهم، ولذلك فسدّا لذريعة المفسدة العظيمة التي قد تحصل اعتبرت المدونة هذا الشرط باطلا، وأجرت الوقف على جميع الأولاد دون تمييز، فالوقف يتميّز عن غيره من المعاملات المالية  بطابعه التبرّعي، فلابدّ عند البحث في أصول علاقته وارتباطه بمقاصد الشريعة الإسلامية، البحث أيضاً في مقاصده الخاصّة والعامّة، والانتباه دائماً إلى أنّ المصلحة المطلوب تحقيقها من الوقف، هي التي كانت وراء إنشائه، فلا يجوز أن يُفضي الوقف إلى مفاسد، أو أن يخالف أحكام الشريعة التي أقرّته، وقد حدّد الشيخ محمّد الطاهر بن عاشور (توفي 1393ﻫ) مقاصد الشريعة في عقود التبرّعات، ومنها الوقف قائلا: “قد نجد في استقراء الأدلّة الشرعية منبعاً ليس بقليلٍ يرشدنا إلى مقاصد الشريعة من عقود التبرّعات على النحو التالي: المقصد الأول؛ التكثير منها لما فيها من المصالح العامّة والخاصّة، المقصد الثاني؛ أن تكون التبرّعات صادرةً عن طيب نفسٍ لا يخالجه تردّدٌ؛ لأنّها من المعروف والسخاء، ولأنّ فيها إخراج جزءٍ من المال المحبوب بدون عوضٍ يخلفه، فتتمخّض أن يكون قصد المتبرّع النفع العامّ والثواب الجزيل… المقصد الثالث؛ التوسّع في وسائل انعقاد الصدقات حسب رغبة المتبرّعين، ووجه هذا المقصد أنّ التبرّع بالمال عزيزٌ على النفس، فالباعث عليه أريحية دينية، ودافعٌ خلقي عظيم. المقصد الرابع: أن لا يجعل التبرّع ذريعةً لإضاعة مال الغير كالوارث والدائن[23]“، وقد حرصت المدونة على تأكيد هذه المقاصد بشكل جلي حين اعتبرت الوفاء بشرط الوقف واجبا بشرط أن تكون مشروعة أي موافقة لما جاءت به الشريعة، وتحقّق مقصودها ومعانيها، وبالتالي يصحّ الوقف ويبطل الشرط[24].

ـ شروط المال الموقوف: الموقوف هو ما وقفه الواقف على شيء، وهو محلّ الوقف، ويشترط فيه ليصحّ الوقف أن يكون مالا متقوّما[25] معلوما، مملوكا للواقف حين وقفه ملكا تاما مفرزا غير شائع[26]“، وهو نفس المعنى الذي سارت عليه مدونة الأوقاف حين نصّت على أنه: “يجب في المال الموقوف تحت طائلة البطلان: أن يكون ذا قيمة ومنتفع به شرعا، أن يكون مملوكا للواقف ملكا صحيحا[27]“، كما جوّزت في المادة التي بعدها “وقف العقار والمنقول وسائر الحقوق الأخرى[28]” ما دامت تحقّق المقصود منها وهو الانتفاع بها.

فلا يجوز وقف المال إذا كان غير شرعيٍ كالخمر والخنزير، فوقف هذه الأمور يخالف مقاصد الشريعة التي جاءت بحفظ الضروريات من جانبي الوجود والعدم، وبيع هذه المحرمات أو وقفها يفسد على الناس دينهم وعقلهم ومالهم؛ فالشريعة الإسلامية تؤكّد حرصها على تحريم البيع والشراء في المحرمات، بل حتى الاقتراب منها بالواسطة أو بغيره، وهكذا ما يقوم مقام هذه الأشياء، لذلك فمن المفروض أن يولى هذا النظام كلّ عنايةٍ تشريعيةٍ وفقهيةٍ تحقّق نقاءه من كلّ شائبة تخرجه عن إطار الشرعية، وتضمن له كمؤسّسة إسلامية اجتماعية اقتصادية وإنسانية عريقة بقاءه واستمراره وديمومته، واستعمال الوقف في المال الحرام أو الذي لا تتحقق به منفعة أو مصلحة خاصّة أو عامة هو من العبث الذي قد يقضي على سيرورة نظام جاء لينهض بجوانب اجتماعية إنسانية تكفل الاستمرار للعلاقات التعاونية كما حدّدتها أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، مثل: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[29]“.

والأمر نفسه ينطبق على ما لا يدوم نفعه؛ كالطعام والشراب، أو تستهلك عينه ولا ينتفع به؛ كالنقود والكنوز للاستهلاك، فأثر المصلحة في الوقف تظهر في أن كل وقف تستهلك عينه لا يمكن وقفه؛ لأنه لا يحقق المقصود والحكمة منه، ولهذا جوّز المالكية وقف الطعام للبذور، ووقف الأموال للقروض، والاستثمار؛لأن في تحبيسها تحقيق للنفع منها بخلق رواج اقتصادي وتحريك عجلة التنمية فيما يسمى في الاقتصاد بـ”حركية رأسمال”.

 ـ شروط الموقوف عليه: هو الجهة التي تستفيد من الوقف، وهي إما فرد واحد أو متعدّد أو مؤسسة دينية أو ثقافية أو غيرها من الأشخاص والحيوان، وقد نصّ الفقه على جملة شروط يمكن جمعها في شرطان لابد من اجتماعهما:

ـ أن يكون الوقف عليها قربة في ذاته.

ـ أن يكون الوقف قربة في اعتقاد الواقف[30]، أما التشريع الوقفي المغربي فلم يغفل هذا الجانب فاعتبر أن الغرض الشرعي من الوقف هو الذي يحدّد كونه وقفا أم لا[31]؛ بمعنى أن الوقف إذا كان بغرض غير شرعي فلا يمكن اعتباره وقفا؛ لأن قصد الواقف (المكلف) من الوقف (العمل) يكون مخالفا لقصد الشارع، والعبرة في مقاصد الشريعة بمقاصد المكلفين في ترتب الآثار عن التصرف[32].

بقي أمرٌ وجبت الإشارة إليه، أن الفقه الإسلامي يشترط في صحّة الوقف أن لا يكون الموقوف عليه غنيّا[33]، وهو شرط لم تنص عليه مدونة الأوقاف المغربية صراحة أو ضمنا؛ لأن الوقف على الغني لا تتحقق به منفعة، ولا يحقق مقصود الوقف في مساعدة الفقراء والمساكين وحفظ الضروريات الخمس للشريعة الإسلامية، بل يعتبر من باب الترف الإنفاقي، الذي وجب التنبيه عليه، فلا يحقق مقصدا أو مصلحة.

ـ الشروط المتعلقة بالصيغة: الصيغة هي ما يدل على إرادة الواقف من إنشائه للوقف، وتنعقد بكل ما يدل على أن المالك أوقف ملكه وتنازل عن منفعته للمحبّس عليه كأن يقول: حبست أو أجريت صدقه دائمة أو أوقفت…[34]، ويشترط الفقه الإسلامي فيها ألا تكون معلّقة على شرط يتعذر حصوله وأن تكون مؤبدة بخلاف المالكية الذين لا يشترطون التأبيد[35]. وإليه التبيالتالالوإليه أشارت مدونة الوقف حين نصّت على أن الوقف “يجوز أن يكون مؤبدا أو مؤقتا[36]“، فلم تشترط فيه التأبيد خلافا لجمهور العلماء، ووافقت بذلك مذهب المالكية في جواز وقف المنفعة مؤقتا، فمن استأجر داراً مدة معلومة فإنه يجوز له أن يقف منفعتها في تلك المدّة، وينقضي الوقف بانقضائها؛ لأنه لا يشترط عندهم تأبيد الوقف، وقد نفهم المقصد الأسمى من اختيار المدونة مذهب المالكية في جواب ابن تيمية رحمه الله (توفي 628ﻫ) حين سُئِل عمن استأجر أرضاً وبنى فيها داراً ودكاناً أو شيئاً يستحق له كري عشرين درهماً كل شهر إذا يعمر وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف؟ فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدا لله ويوقّف الملك على المسجد؟

فأجاب: “يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة، سواء وقفه مسجداً أو غير مسجد، ولا يسقط ذلك حقّ أهل الأرض فإنه متى انقضت مدة الإجارة وانهدم البناء: زال حكم الوقف سواء كان مسجداً أو غير مسجد وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها…[37].”

فنظام الوقف يختلف عن الصدقات أو أعمال البرّ الأخرى التي حضّ عليها التشريع الإسلامي، بتمليك منفعته، فكانت هذه المِيزة لها أبعادها المقاصدية: فالوقف يهدف إلى استدامة الانتفاع بعين المال الموقوف، والإفادة منه مادام محبّسا على منتفعيه، وذلك ببقاء إمكانية هذا الانتفاع وتجدّده. وفي هذا المقصد يقول الشيخ وليّ الله الدهلوي الهندي (توفي 1176ﻫ) رحمه الله: “فاستنبطه النبي، صلى الله عليه وسلم، لمصالح لا توجد في سائر الصدقات؛ فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالا كثيرا، ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، وتجئ أقوام من الفقراء،  فيبقون محرومين فلا أحسن ولا أنفع من أن يكون شيئا حبسا للفقراء وأبناء السبيل يصرف عليهم منافعه ويبقى أصله[38].”

 ومن جانبٍ آخر فإنّ من مقاصد الوقف حماية هذه الأموال الموقوفة من الهلاك أو من أيّ تصرّفٍ يمنع الخير عن الناس أو يجلب الضرر لهم، فبقاء المال دون تحديد الهدف من بقائه قد لا يفضي دائماً إلى نتائج حميدة، فقد يتعرّض للتبذير أو الإنفاق على ما ليس في وجوهه الشرعية والأخلاقية، ولكنّ الوقف بضوابطه الشرعية وقواعده المفروضة كنظامٍ وكتشريعٍ إسلاميٍ رصين، سيؤدّي الدور المطلوب في تأكيد شرعية إنفاق المال الموقوف وطريقة الاستفادة منه بما لا يخلّ بأحكام الشريعة الإسلامية وينسجم مع الغاية التي شُرِّع الوقف لتحقيقها، فإذا تحققت الغاية وانتهى المقصد لا مانع من رجوع أصله إلى صاحبه إذا اشترط في صيغة الوقف ذلك.

المحور الثاني: الأبعاد المقاصدية لنظام الوقف بالمغرب

 تتعدد الأبعاد المقاصدية التي يطرحها نظام الوقف بالمغرب، وذلك بالنظر إلى الزوايا المختلفة التي يشملها هذا النظام الاجتماعي، حيث أن استقلالية إدارته مادّيا ومعنويا، جعلت منه نظاما ماليا متكاملا، وسأحاول هنا أن أحدّد بعض الزوايا التي ترتبط بمقاصد الشريعة انطلاقا من تناول العلماء لمعنى مقاصد الشريعة الإسلامية.

العنصر الأول: دور نظام الوقف في حفظ الضروريات الخمس للشريعة الإسلامية

الوقف يحقّق المصالح الضرورية للناس، كما يحقّق مصالحهم الحاجيّة والتحسينية أيضاً، وهو أمر قد لا نلحظه في الكثير من المعاملات الشرعية الأخرى، لاتّساع المفاهيم التي يمكن أن ينصرف الوقف إليها واختلاف درجاتها، ابتداء بالضرورات الواجبة، ومرورا بالحاجات اللازمة، وانتهاءً بالتحسينات الجائزة. والتجربة الوقفية في المغرب عبر التاريخ تؤكّد على هذه الشمولية، من خلال ما يحقّقه من المصالح بدرجاتها، وهذه الشمولية هي التي أوجدت هذا الرابط العضوي المتين بين الوقف ومقاصد الشريعة، وما كرّس العلاقة البنيوية التبادلية بينهما. ويمكن القول بعد ذلك أنّ تحقيق الوقف لمقاصد الشريعة الإسلامية، هو علّة وجوده من جهة، وسبب استمراره من جهةٍ أخرى، لوضوح وجلاء المصالح التي يقيمها، وأهمّية الدور الإنساني الذي يؤدّيه.

وسأفصّل أكثر في محاولة توضيح هذا الدور المقاصدي الذي يقوم به الوقف، معتمدا في ذلك على ما ذهب إليه رائد علم المقاصد الإمام الشاطبي، رحمه الله، (توفي 790ﻫ) في تناوله للمقاصد وتفصيله لها؛ فالشاطبي يقول في الموافقات: “تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسامٍ، أحَدُها أن تكون ضرورية، والثاني أن تكون حاجيّة، والثالث أن تكون تحسينية[39].”

والضروريات تعود إلى حفظ خمسة أمور، لا يمكن استقامة حياة الإنسان في الدنيا وضمان سعادته في الأخرى إلا بها وهي: “حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل[40]“، وتسمى الكلّيات الخمس التي تختل الحياة بفقدان إحداها، والأدلّة التي تدلّ على وجوب المحافظة على هذه الأمور الخمسة كثيرة جدا، ولها ارتباط وثيق بنظام الوقف، وقد بيّن الإمام الغزالي (توفي 505ﻫ)، رحمه الله تعالى، في كتابه “المستصفى” أهمّية المحافظة على هذه المصالح فقال: “… لكننا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة: هو ما يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة[41].”

أولا: حفظ الدين

حفظ الدين هو أول ما دعا إليه القرآن والسنة النبوية، ومن أجله نزل القرآن الكريم، وأرسل الرسل، عليهم السلام، ولهذا أوجب الله تعالى على المسلمين قتل المشركين حالة كونهم بادئين بالعدوان، وحالة منعهم لنشر الدين الحق، حيث قال تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (التوبة: 5).

وفي نظام الوقف يتجلى حفظ الدين من خلال تحصين المقدسات الإسلامية ورعاية الشعائر الدينية وتيسير ممارستها بإقامة أماكن للعبادة والاعتناء بها وتجهيزها، وإحياء نفائس التراث الإسلامي المخطوط، وإشاعة العلوم الإسلامية عن طريق الحلقات الدراسية، إضافة إلى ما يحقّقه حاليا من النهوض بالأعمال الاجتماعية للقائمين على المساجد.

فقد احتلّ المسجد مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، وذلك راجع للدور الديني والثقافي والاجتماعي والحضاري الذي قام به في حياتهم؛ “فهو الخليّة التي انبثقت منها مختلف تيارات الفكر الإسلامي، ففي رحابه الطاهرة يمارس المسلمون شعائرهم الدينية ويتعلمون فيه مبادئ دينهم الحنيف، ومنه انطلقت جلّ الحركات التحريرية والإصلاحية في العالم الإسلامي[42]“.

وقد بنيت بالمغرب ومنذ عصوره الأولى مساجد كثيرة، اعتمدت في بنائها على الأوقاف الإسلامية، ومن أشهرها: جامعي القرويين والأندلس بفاس، جامع ابن يوسف وجامع الكتبيين بمراكش، وجامع حسان بالرباط، والمسجد الأعظم بسلا وعدة مساجد بسبتة[43].

 يقول الدكتور عبد الهادي التازي عن دور القرويين الديني: “… ولكأنما وضعها لمركز ديني ظل على مرمى الزمن قبلة للمؤمنين، يحجون إليها من مختلف الآفاق لتصفية نفوسهم وتبيين طريق وجهتهم[44]“، والحديث عن ما قامت به هذه المراكز الدينية، تكفي فيه الإشارة إلى أن أوّل من  أدخل مدونة الإمام مالك إلى المغرب هو من علماء القرويين درّاس بن إسماعيل[45] الذين استفادوا من نظام الوقف فأسهموا في رفع لواء العلم عبر الآفاق.

   ولم ينحصر إسهام الوقف بالمغرب على ما سبق ذكره، فمطالعة تراجم السلاطين والأمراء والعلماء ترشدنا إلى الأعمال الجليلة التي اشتغلوا عليها وأسهمت في رفع لواء الدين وحفظ وجوده انطلاقا من الأوقاف التي وجدت، فالملك السعدي أحمد المنصور الذهبي[46] استعان في الحرب بأموال الأوقاف لتسيير حملة عسكرية لقمع تمرد نشب بالبلاد[47] حفظا للدّين وردعا للفتنة التي تصيب المسلمين بالانشقاق والتمرّد والخروج عن طاعة ولي الأمر، وتأسيسا لمفهوم مساهمة الوقف في الجهاد في سبيل الله.

كما لا ينحصر قيام الوقف بحفظ الدين من جانب المساجد أو العناية بالقائمين عليها من أئمة وخطباء ومؤذنين وغيرهم، بل يتعدّاه إلى تحقيق مقاصد رعاية الشعائر الدينية بمعناها العام، من خلال إحياء سنّة حفظ القرآن الكريم بوساطة الكتاتيب القرآنية التي اشتهرت على مرّ العصور وطيلة فترات طويلة من تاريخ المغرب، وتكفي نظرة متمعنة ومتفحّصة لأغلب أئمة المساجد، لنجد أن غالبيتهم، إن لم نقل جلّهم، حفظوا القرآن الكريم والمتون الشرعية التي تعين على مهمة الإمامة في المساجد بالكتاتيب القرآنية المترامية بالبوادي والتي تم تحبيسها ووقف الأراضي عليها خدمة للدين الإسلامي.

ـ مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف وإسهامها في حفظ الدين

تحقيقا لمقاصد حفظ الدين، أنشئت مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف من أموال الوقف بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.09.198 الصادر في 8 ربيع الأول 1431ﻫ/موافق 23 فبراير 2010م لتضطلع بمهمّة العناية بكتاب الله، عز وجل، تسجيلا وطبعا ونشرا وتوزيعا مع كل ما يقتضيه ذلك من سهر على ضمان استمرار ضبطه ورسمه وقراءته بكامل الدقة والأمانة، كما أسند إليها الاختصاص من أجل منح الترخيص بطبع وتوزيع المصاحف الشريفة الرائجة داخل المملكة صونا لها من كل خطإ أو تحريف[48].

وحتى تنهض هذه المؤسسة بمهامها الجليلة تم بناء مقر لها بمدينة المحمدية، كما تم تجهيز المطبعة التابعة للمؤسسة بأحدث آلات الطباعة وصناعة الكتب والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية مليون نسخة من المصحف المحمدي الشريف سنويا، ستوزع على مساجد المملكة كما سترسل نسخ منه بالقدر الكافي إلى مساجد الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومساجد الدول التي تعتمد رواية ورش ولاسيما الدول الإفريقية[49].

وتشمل المهام المنوطة بالمؤسسة القيام بإعادة نسخ المصحف الشريف برواية ورش عن نافع وفق القواعد المعتمدة في علوم الرسم والوقف والضبط والقراءات، والإشراف على طبع المصحف الشريف، والعمل على نشره وتوزيعه، والإشراف على تسجيل تلاوة المصحف الشريف ولاسيما برواية ورش عن نافع عن طريق استعمال مختلف أنواع الدعائم المتعددة الوسائط.

كما ستتولى المؤسسة الترخيص للأشخاص الذاتيين والاعتباريين الراغبين في طبع المصحف الشريف أو توزيعه، والقيام بأعمال المراقبة والتدقيق للنسخ المطبوعة أو المسجلة من المصحف الشريف لضمان سلامتها من الأخطاء واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحجزها ومنعها من التداول عند الاقتضاء، علاوة على حفظ حق المؤسسة في اتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة تطبيقا للقوانين الجاري بها العمل[50].

فمقصد حفظ الدين يستدعي من جانب العدم  تشريع ما يؤدّي إلى حمايته، ولذلك فعمل هذه المؤسسة يحفظ ضرورة الدين من جانبي الوجود؛ بطبع وتوزيع ونشر المصحف الشريف بالرواية المتواترة والمعهودة عند المغاربة، ومن جانب العدم؛ بالترخيص للمؤسسات الخاصة التي تقدم نسخا مضبوطة للمصحف بإشراف لجن علمية ومراجعتها وضبطها قبل طبعها وتقديمها للناس، ومتابعة كل من يحرفّ قصدا أو عمدا في المصحف الشريف الذي بات حفظه ونشره بين يدي هذه المؤسسة التي تخضع في تمويلها إضافة إلى مساهمات الدولة إلى عوائد الأملاك المحبّسة لفائدتها.

ثانيا: حفظ النفس

من أوضح الأدلة على حفظ النفس قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ (الإسراء: 33). وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا[51].”

ومن الغني عن البيان أن الوقف قد أدّى أدوارا عظيمة في مكافحة كثير من الأمراض لدى الإنسان، وذلك بإنشاء مستشفيات ومصحات يعالج فيها، سواء كانت تلك المستشفيات أو المصحات تتعلق بعلاج أمراض عضوية أو بعلاج أمراض نفسية أو عقلية[52].

يقول الأستاذ السعيد بوركبة في ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي الإسلامي: “ولقد بلغ من عناية المسلمين بالمستشفيات لكي تقوم بأداء الخدمات الكاملة نحو مرضاها بصورة متكاملة وتساهم في تطور صحّة المجتمع، أنه كانت توقف الأوقاف الكاملة لبناء أحياء طبية متكاملة الخدمات والمرافق، كما تنشأ في العصر الحديث المدن الطبية الآن، ولم يقتصر اهتمام الأوقاف على إنشاء المستشفيات الخاصة بعلاج الأمراض العضوية فحسب، وإنما اهتمت بإنشاء البيمارستانات الخاصة بمعالجة الأمراض النفسية والعقلية والعصبية. وخصصت لها الأوقاف التي تجعلها تقوم بمهامها على شكل أفضل[53].”

فبالنسبة للأمراض العضوية، أسّس لها مستشفيات ومصحّات ورصدت لها أوقاف كثيرة، تجعلها تقوم بواجبها أحسن قيام مع تسيير الأطر التي تعنى بعلاج المصابين أو بالتخفيف عنهم مما يحسون به من آلام.

وبالنسبة للأمراض النفسية أو العقلية أو العصبية أنشأت لها بيمارستانات، تدأب على معالجة كل الأمراض المستعصية، ومحاربة مختلف العُقًد التي يمكن أن تكمن في نفسية الإنسان وتسيطر، تبعا لذلك، على إرادته.

وهذه المستشفيات العقلية عرفها المغرب في أبعد عصوره وخصصت لها أوقاف تجعلها تقوم بمهامها أحسن قيام.

ويرجع إنشاء البيمارستانات في المغرب إلى عهد الدولة الموحدية خلال القرن 6 الهجري، وقد استمرت هذه البيمارستانات حتى آخر الدولة المرينية حيث كان العهد المريني زاخرا بهذه المصحاّت، وكان ملوكه يتنافسون في كل أنواع البرّ والإحسان[54]، يدلّ على ذلك ما أورده الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه جامع القرويين: “أنه كان للسلطان أبي الحسن المريني فضل تجديد المرستان في مدينة فاس، واقتفى أثره السلطان أبو عنان المريني في العناية به والتحبيس عليه، فكان قدوة لعدد من المحسنين والموسرين الذين أشفقت قلوبهم على الأسرى والمنكوبين، فقدموا العطاءات الجزيلة المتوالية، فلم تمر مدة حتى كان للمارستان نظارة على حدة تتعهد المصابين بأمراض  نفسية والمحرومين والغرباء[55].”

ومن الجدير بالذكر أن إنشاء هذه البيمارستانات غالبا ما يكون خارج المدينة، بعيدا عن الناس، بينما المستشفيات التي تتعلق بالأمراض العضوية غالبا ما تكون في المدينة، وقد تكثر هذه المستشفيات والبيمارستانات أو تقل حسب الحاجة إليها، ومن بين المدن المغربية التي اشتهرت بالمارستانات؛ فاس، مراكش، الرباط، سلا، مكناس، تازة وآسفي.

أما فاس فقد تحول بيمارستانها إلى غابة وأرض فلاحية تابعة لنظارة القرويين، يستفاد من غلّتها، أما مراكش فكان بيمارستانها بالطالعة بين حومة سيدي إسحاق وأزلطن وحارة السُّورة، وقد حول هذا البيمارستان إلى مصنع للتجارة. وأما الرباط، فقد كان بيمارستانها قرب سوق “الصباط” الحذاء ما بين مطبعة المعارف ومدارس محمد الخامس، وقد تحول إلى دار القرآن. وأما سلا، فقد كان بيمارستانها قرب فندق أسكور في حي باب حسين وكان يعالج المرضى والمعتوهين.

وأما تازة، فقد كان يعرف مستشفاها بمستشفى أبي عنان.

وأما آسفي فيقول عن مستشفاها لسان الدين بن الخطيب أنه يرجّح أن يكون من تأسيس أبي عنان وقد دمّره الغزو البرتغالي بصفة نهائية[56].

وبالإضافة إلى اهتمام الأوقاف ببناء المصحات والبيمارستانات التي تعنى بصحة الإنسان، فقد اعتنت بتوفير السكن لبعض القائمين بالمساجد، وهذا ما نجده في الكثير من النوازل الفقهية، من تخصيص بعض الدور المحبّسة على المساجد لسكنى أئمة تلك المساجد، وكذلك ترميم وإصلاح تلك الدور من مال الأوقاف، فالفقيه قاسم القضاعي (وقيل عبد الله) خطيب جامع القرويين، يذكر عنه أنه ترك التعليم في آخر حياته و”اعتكف بالجامع وسكن بالدار المحبسة على أئمة الجامع”[57]، ورفع إلى الفقيه أبي الحسن الصغير سؤال يتعلق بالجهة التي عليها إصلاح دار الإمام إن احتاجت إلى ذلك، فأجاب:”إصلاح دار المسجد من غلة أحباسه واجب[58]“، فظهر ما كان يوليه الوقف من أهمية لضرورة السكن بالنسبة لهذه الفئة.

ـ مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين وإسهامها في حفظ النفس

من ثمرات نظام الوقف، وتحقيقا لأبعاده الاجتماعية المرتبطة بجميع الخدمات، تأسّست مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، فقد أحدثت هذه المؤسسة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.09.200 الصادر في 8 ربيع الأول 1431ﻫ (23 فبراير2010م) في إطار مواصلة الجهود الإصلاحية المرتبطة بالشأن الديني، وتتوخى تحسين الأوضاع الاجتماعية للقيمين الدينيين وتنميتها وتطويرها بكيفية دائمة ومتجدّدة من خلال الإعانات المالية التي تقدمها للقيمين الدينيين في المناسبات والأعياد الدينية كمناسبة عيد الأضحى المبارك، وإعانات الزواج، ومنح التفوق لأبناء هذه الفئة من المجتمع، وتوفير السكن عن طريق تقديم مساعدات للتعاونيات السكنية أو تقديم قروض بلا فائدة، إضافة إلى مساعدات اجتماعية أخرى تهدف إلى حفظ النفس البشرية لهذه الفئة بتوفير ما يلزمها لحياة كريمة.

وأعتقد أن مبادرة “إنشاء مؤسسة اجتماعية” يمكن تصنيفها ووضعها ضمن إطار منظومة متكاملة سعى الوقف الإسلامي بالمغرب إلى تثبيت قيمها، وأوضحت بمزيد بيان أن هذا النظام أسهم ولا زال في حفظ الحاجات الأصلية للإنسان المتمثلة في الضروريات الخمس، ولتأكيد هذه الحقيقة فإن مراجعة التشريع الوقفي الجديد نجد فيه أن بنود ميزانية التسيير الخاصة بمندوبيات الشؤون الإسلامية لا زالت تحتفظ بعادات راسخة تتمثل في اقتناء كسوة الشتاء للمؤذنين، مثلا، أو بعض الأمور الأخرى التي ساهم فيها الوقف، كما أن بناء المساجد وفق النمط العصري يشترط فيه توافره على سكنين خاصين: الأولى للإمام والثانية للمؤذن أو المنظف، وما ذلك إلا تحقيقاً لمصلحة حفظ ضرورة النفس التي جاءت الشريعة الإسلامية بتحقيقها.

ثالثا: حفظ النسل

جاءت الشريعة الإسلامية بما فيه مصالح الناس في العاجل والآجل، ومن مصالحهم حفظ النسل عن طريق تشريع الزواج، والحث على تزوج الولود الودود لحفظ نسل الأمة، وفي مقابله جاء النص القرآني بتحريم الزنى، والأمر بحفظ الفروج إلا على الأزواج أو ما ملكت الأيمان، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (الإسراء: 32).

والمحافظة على النسل تشمل حفظه من التعطيل؛ “لأنّ النسل هو خلفة أفراد النوع، فلو تعطل يؤول تعطيله إلى اضمحلال النوع وانتقاصه، فيجب أن تحفظ ذكور الأمة من الاختصاء مثلا، ومن ترك مباشرة النساء باطّراد العزوبة ونحو ذلك، وأن تحفظ إناث الأمة من قطع أعضاء الأرحام التي بها الولادة، ومن تفشّي إفساد الحمل في وقت العلوق[59].”

ولقد ساهم نظام الوقف في حفظ النسل من خلال الأوقاف التي وجدت بغرض مساعدة المعوزين والمحتاجين على الزواج، وذلك “بتعريس المستضعفين من الرجال والنساء والمكفوفين[60]“، بل اجتهد المحبّسون لخدمة هذه الضرورة من خلال إيجاد دور خصّصت لاستقبال العروس حين لا تجد مكانا تقيم به عرسها، وقد وجد بمدينة فاس “قصر يحمل اسم دار الشيوخ، واقع عند زقاق رياض جحا بين الصاغة ورحبة قيس أعدّ لتعريس المكفوفين الذين لا سكن لهم، فكلما اقترن كفيف بكفيفة أقاما بهذه الدار مراسيم الزفاف إلى جانب ثياب وحليّ يليق بالعرائس[61].”

 وكان الهدف من هذا الوقف هو المساهمة في تحصين الشباب الذي لا يجد قدرة على إقامة عرس المِثل، وحثّهم على المبادرة إلى الزواج بتقديم المساعدات الاجتماعية، كما وجدت “أربعة دور وقفية تبتدئ من دار بدرب السعود في حي  الجزيرة، وهذه الأخيرة خصّصت لسكنى الضعفة والمتوسطين الذين يريدون التزوج ولا يتوفرون على سكن يتّسع لهذه المناسبة، وقد جهّزت كل واحدة منها بالفرش والأثاث اللائق بوليمة التزويج[62]” وقد أرّخ الحاج أحمد بنشقرون[63] لهذا القصد في قصيدة تحدّث فيها عن مبرّات الوقف واجتهادات المحبّسين جاء في بعض أبياتها:

أصخ تدر ما أسدى أخ الذوق من جدا       وفي حبس يستحسن السبق للخير

إذا عطب اللقلاق يوما، فإنـــــه        بمال من الأوقاف يجبر من كسر

وإن لم تجد أنثى مكانا لعرســــها         فدار من الأوقاف تنقذ من فقر

وإن لم تجد عقدا لجيد، فإنـــــه          يعار من الأوقاف يوصل للخدر[64]

وهذه الإشارات تكفي لتوضيح ما قدّمه الوقف لخدمة ضرورة حفظ النسل، من خلال خلق مبادرات إحسانية تسهم في تزويج الشباب، ومحاربة الزنا الذي يهدّد هذه الفئة من المجتمع ويحدق بها من كل جانب، ويتهدّد نسل الأمة بالاختلاط والضياع، فالوقف يعبّر عن فلسفة الإسلام ورؤيته الدينية والدنيوية، فهو بذلك اعتمد كتقنين فقهي لأوضاع احتاجها المجتمع لصلاح حاله، واستحقّ بذلك أن يكون بحقّ بناءا حضاريا مبدعا.

ـ مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين وإسهامها في حفظ ضرورة النسل

تأسّست هذه المؤسسة كما سبقت الإشارة بموجب ظهير شريف بتاريخ 23 فبراير 2010، وتبرز ضرورة حفظ النسل في مبادرة المؤسسة صرف إعانة الزواج لأول مرّة٬ لفائدة القيمين الدينيين المتزوجين برسم سنتي 2011 و2012 الذين يقل دخلهم الشهري الصافي عن ثلاثة آلاف درهم[65]، وهي بذلك تربط هذه الخدمات بالحاجات الأصلية لهذه الفئة ضمانا لعيش كريم وتحقيقا لمقاصد الوقف في خدمة الدين والقائمين عليه.

رابعا: حفظ العقل

وردت الآيات الكثيرة تدل على وجوب حفظ العقل وتحريم إفساده، منها ما ذكرت سابقا في وجوب حفظ النفس؛ إذ العقل من ضمن النفس كسائر الأعضاء، كما ورد أيضا في تحريم شرب الخمر، وهي مما يغيّر العقل قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 92).

ويأتي حفظ الشريعة لمصلحة العقل من جانب الوجود من خلال الأمر بالتعلّم والحث عليه، فلا قيمة لعقل جاهل يكون عرضة لكل ما يخطر عليه من الأوهام والخرافات، فمثل هذا العقل لا يجيد إدراك وفهم الحقائق الدينية ولا المصالح الدنيوية فيصير فريسة للبدع والخرافات في أمور الدين قد تصل به إلى الشرك بالله ولا يحسن التصور في أمور الدنيا أيضا.

 كما دعت الشريعة إلى التفكّر واستخدام العقل في الحكم على كثير من الحقائق ووضعته في المكان الذي يليق به دون إفراط ولا تفريط.

ولا يخفى ما للعلم من أهمّية في حفظ العقل، بل جاء التأكيد القرآني واضحاً في قول الحق سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11)، وما رفع العلم للإنسان إلا تكريم لفهمه وتدبّره في ما بثه الله من أنظمة كونية، تستدعي إعمال العقل.

ويفتح نظام الوقف باباً لحفظ العقل عن طريق التثقيف والتهذيب بالعلم والمعرفة وتحرير العقل من الجهل، بإنشاء المدارس والمكتبات وتنظيم الدراسة فيها وطبع الكتب العلمية والدينية بما يفتح آفاق رحبة وواسعا للمعرفة ولتنوير العقول.

وإذا أردنا أن نمثّل لهذه الضرورة فلن نجد أفضل من جامع القرويين الذي أنشئ من طرف “فتاة مسلمة تدعى فاطمة الفهرية وتكنى أمّ البنين، وهي من جملة من هاجر من القيروان إلى المغرب، وكان ابتداء تأسيسه في يوم السبت فاتح رمضان عام 245ﻫ وذلك في عهد الملك الخامس من ملوك الأدارسة وهو يحي بن محمد بن إدريس بن إدريس[66]“، ولعل ما قام به هذا الجامع بفضل الأوقاف التي أقيمت على الكراسي العلمية أكثر من أن يحصى بأبعاده الدينية والتعليمية والاجتماعية، فقد خرّج أفواجا من العلماء والفقهاء استطاعوا أن يحرّروا مجتمعه من ربقة الجهل والأمية وأن ينيروا العقول بما استفادوا من علوم شرعية وكونية ازدانت بها رحاب هذه الجامعة، وقد أحصى الدكتور عبد الهادي التازي الكراسي العلمية التي كانت مدعومة من الوقف بـ(18) كرسي، منها ما هو مخصص لدراسة السيرة النبوية، ومنها ما هو مخصص للتفسير، ومنها ما هو مخصص للعلوم والفنون، ومنها ما هو مخصص للرقائق والزهد[67].

وما قيل عن جامع القرويين ينطبق بوصفه وأهدافه ومقاصده عن جامع ابن يوسف بمراكش الذي أسّسه علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي (توفي 537ﻫ) لتدرس فيه “العلوم الفقهية والكلامية والقرآنية والحديثية والتاريخية والأدبية والجغرافية والفسلفية وغيرها[68]“، فكانا الجامعان “يدعمان بالأوقاف الخيرية من طرف المحسنين على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية والسياسية وغيرهما، ومن هنالك كانت لهما أبعاد تنموية في الثقافة بصفة عامة، وفي الإسلامية بصفة خاصة[69].”

وينضاف إلى هذان الجامعان في العصر الحديث مؤسسة دار الحديث الحسنية التي أوقفها الحاج محمد بن إدريس البحراوي[70] لخدمة الثقافة الإسلامية وجعلها وقفا في سبيل الله، لتكون بذلك لبنة أساسية في سبيل تطوير المنظومة التعليمية الشرعية بالمغرب، وقد خرّجت أفواجا من العلماء أسهموا بدورهم في خدمة الدين والمجتمع من مختلف الأماكن التي اشتغلوا فيها، بل إن عددا منهم كوّنوا دعائم للمجالس العلمية التي صارت منابر للتوجيه والتوعية، وينطبق عليها بحق جانب حفظ العقل عن طريق الدروس الوعظية والمحاضرات العلمية، والندوات الثقافية، وتكوين الأئمة، وتوجيه الشباب، وإصلاح ذات البين بين الأزواج وغير ذلك مما يمكّن من حفظ مصالح الناس جميعا.

كما اهتم الوقف أيضا بطلبة العلوم الشرعية من حيث المعيشة والسكن ومن حيث الكتب بتأسيس مكتبات خاصة يراجعون فيها دراستهم ويتزودون بالمراجع اللازمة التي تعينهم على التحصيل وتساعدهم على تطوير معارفهم الفكرية والثقافية[71]، فقد وجدت بعض الأوقاف التي كانت تصرف “على تلاميذ المسلمين الواردين من مختلف الأقطار الإسلامية والأجنبية وذلك بمساعدتهم على متابعة دراستهم بالمعاهد المغربية والإقامة بالأقسام الداخلية في كل من الثانويات الآتية: القرويين/فاس؛ بن يوسف/مراكش؛ القاضي بن العربي/ تطوان؛ المعهد الإسلامي/مكناس؛ معهد محمد الخامس/تارودانت؛ ثانوية التعليم الأصيل/الجديدة. وقد استفاد من هذه المنح طلبة من المغرب والسينغال وموريتانيا وغينيا والتايلاند[72].”

قانون التعليم العتيق 13.01 وإسهامه في حفظ العقل

لقد كان لمؤسسة الكتّاب دور كبير في تثبيت قيم الإسلام النبيل لدى الناشئة المغربية على امتداد العصور، كما أن دوره لم يقتصر على تلقين هذا النشء للقرآن الكريم فقط، بل تعدّى ذلك في فترة الاستعمار إلى دعم “الزاويا” التي عرف عن رجالها مناهضة الانحلال والفساد الخلقي وتحلية النفس بالأخلاق والمبادئ السامية والحليمة، ولعلّ هذا الجانب قد أصّل لمفهوم واقعي في منهجية الكتّاب المغربي أثمر وأنتج مردودية طيبة على مستوى تخريج أفواج من القيمين الدينيين الذين التزموا وحدة الثوابت الوطنية والدينية: عقديا ومذهبيا وسلوكيا[73].

  ولخدمة هذا المنهج وبغية تحقيق مقاصد المحبّسين، وحفاظا على ضرورة العقل من جانبيها الوجودي والعدمي  كما استقري من نصوص الشريعة الإسلامية، صدر هذا القانون الذي ينظم الدراسة بالتعليم العتيق ويحدّد بتفصيل الآليات المكونة له والوسائل المساعدة في تطويره[74]، ويفتح الباب الواسع للاستفادة من المنظومة التعليمية الحديثة، وهو مقصد سامي يهدف إلى أن يكون للطالب المتخرج من مدرسة للتعليم العتيق آفاق واسعة تفيده في الاطلاع على باقي المواد العصرية التي تلزمه في ممارسة المهام الدينية لتنوير العقول عن علم ويقين ودراية بمختلف العلوم، وجاء القانون أيضا بقواعد زجرية عند الإخلال بهذه المنظومة التعليمية وهو بذلك يقصد إلى حفظ ضرورة العقل بتشريع ما يحقق مصلحتهم، ويضع القوانين الكفيلة بتحقيق هذه المصالح[75].

خامسا: حفظ المال

لقد أحل الله البيع والشراء وجميع أنواع التمليك المباح الذي لا يخالف نصّا شرعيا، وحرّم الربا والظلم والسرقة، وأكل مال اليتيم، والإسراف والبغي، ونقص المكيال والميزان، بنصوص صريحة، وهو الأمر الذي يدلّ على وجوب حفظ المال من الجرائم المالية، ومن تلك النصوص قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِّنْكُمْ﴾ (النساء: 29).

فالشريعة الإسلامية في نظرتها لضرورة المال أوجبت ما يحفظه بالعمل على استثماره وتنميته بعيدا عن أي مخالفة شرعية من بيع وشراء وسائر أنواع العقود الأخرى التي تضمن وجود إرادة مستقلة للمكلف، ثم الابتعاد عن ما يفسده ولا يكفله كتحريم السرقة والغبن.

ولتحقيق هذا المقصد التشريعي السامي وجدت أوقاف كثيرة تسعى إلى الحفاظ على أموال الناس عن طريق الاستثمار المنتج الذي يكفل استمرار رأسمال ولا يضيّعه، منها تلك الأموال التي “وضعت بخزينة في قبة القيسارية بفاس بغرض تسليفها للمحتاجين إليها بدون فائدة ولا عوض[76]” والعمل على إرجاعها بعد أن يكون المقترض، وغالبا ما يكون من التجار الصغار الموجودين بالسوق، قد توسّع واستثمر المال في تجارته أو بيعه، وهكذا.

وإذا كانت هذه القروض في النقود، فإن هنالك “قروضا أخرى في الطعام والبذور وقفها أصحابها من أجل تسليفها لصغار المزارعين المحتاجين إلى البذور على أساس ردّها إلى خزينتها متى تأتى لهم ذلك[77].”

وإذا كان حفظ المال في نظام الوقف يقوم من جانب وجوده في الاهتمام بالتحبيس على صغار الفلاحين، مثلا، لاقتناء البذور، أو تسليف المحتاجين للمساهمة في العمل المنتج وخلق رواج اجتماعي واقتصادي يقوم على أساس حركية رأسمال المقترض، أو إنشاء بعض الأوقاف لتُصرف على بعض الأعمال الاجتماعية؛ كاقتناء محلات تجارية وتحبيسها لينفق منها في فوائد أخرى، أو بناء مساجد بمرافق تحقق مردودا يصرف منها على تسيير المسجد، ويعّد أصلها سندا ماليا يحافظ على مقصد تشريعي مهم، فإنها في شقّها العدمي تقوم بتشريع القوانين التي تحفظ للوقف وجوده واستثماره وذلك بكراء الأراضي الفلاحية وباقي الغلال بسمسرات عمومية تعتمد نظام المنافسة مراعاة لمصلحة المال الموقوف، وكذا بردع كل مستغل للأراضي الحبوسية وغيرها بغير وجه حق.

 وما القضايا الواقعة على أنظار المحاكم والمتعلقة بمنازعات إدارة الأوقاف مع المكترين في شأن التماطل في أداء مستحقات الوقف تأكيد صادق على هذه المحافظة، وهو المقصد الذي انتبهت إليه مدونة الأوقاف المغربية في المادة 55 حين اعتبرت “الديون المستحقة لفائدة الأوقاف العامة ديونا ممتازة لا تسقط بالتقادم، ويكون لاستيفائها حق الأولوية بعد أداء الديون الناشئة عن مهر الزوجة ومتعتها ونفقتها ونفقة الأولاد والأبوين وغيرهم ممن تجب عليه نفقته طبقا لأحكام مدونة الأسرة”، حيث اعتبرت استيفائها قصدا أساسيا عند عدم وجود تعارض مع ضرورة أخرى تتقدّمها، وبالتالي يكون استيفاؤها رهين بما تبقّى، وهي ضرورة حفظ النفس بتقديم نفقة الزوجة والأبناء والآباء، ذلك أن ترتيب هذه الكليات هو استقراء تشريعي من مجموع النصوص التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، يقول د. محمد سعيد رمضان البوطي في تعريف المصلحة: “هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، طبق ترتيب معيّن فيما بينها[78]“، فإذا تعارضت ضرورة حفظ النفس مع المال قدّمت الأولى، وهكذا.

بل إن المادة 54 احتفظت للوقف العام بحق الاستثناء في قانون التحفيظ العقاري، إذا  ثبت أن العقار موضوع النزاع والصادر به حكم قضائي لفائدة الأوقاف العامة “فإن المحافظ يشطّب على كل تسجيل سابق ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الأوقاف العامة[79]“؛ فالرسوم العقارية والمسجلة بالمحافظة العقارية في اسم الغير لا تمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفّظ[80]؛ لأن تحفيظ العقار لا يعني  ضياع صفة الوقفية منه، فيحقّ المطالبة به ومراجعة السجلات والتشطيب على المسجل باسمه وإرجاعه للأوقاف العامة ليحقّق مصالح المحبسين ومقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ المال.

العنصر الثاني: نظام الوقف بين التعبّد والتعليل

قبل الحديث عن المصالح التي يحقّقها نظام الوقف بالنظر إلى التشريعات الحديثة التي يخضع لها، لابد من الوقوف عند نقطة أساسية تتمثل في اعتبار الوقف تعبديا أم تعليليا، بمعنى آخر، هل الوقف يتضمن معنى تعبديا لا تدرك له حكمة ولا معنى يوجب الحكم وبالتالي يمنع استغلال المال المحبّس بأي نوع من أنواع الاستغلال أم يتضمّن معنى مصلحيا معقوليا؟ ذلك أن مفهوم التعليل يقوم على أساس النظر في “الحكمة والمصلحة التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة[81]“، فإذا وجدت الحكمة والعلة والمصلحة في معاوضة أو بيع الموقوف أو العكس حُكِم بها، وإلا فلا.

والواقع أن الرجوع إلى التدوينات الفقهية في عمومها يسعفنا في تحديد مدى معقولية معني الوقف، ذلك أن عددا من الفقهاء يتحدثون عن الوقف الإسلامي بتحديد ما يحقّقه من منافع على الأمة، وما يرتّبه من مصالح، ولذلك أجاز بعضهم معاوضة الملك الوقفي باستبداله أو بيعه، وتحريك الأموال المحبّسة لاستثمارها والمحافظة على الأعيان؛ لأن الحكم بكون الوقف تعبديا يقضي بعدم التصرّف في العين الموقوفة بأي أنواع التصرف الأخرى مادام التحبيس غير معقول المعنى، فلا نبحث فيه عن حكمة ولا إلى ما يسعى إليه من مصلحة.

 وقد جرى مذهب الإمام مالك إلى التشدّد في هذا الجانب حيث نصّ فقهاء مذهبه “على أن ملكية الموقوف لا تخرج أبدا عن ملكية واقفه، بل تبقى ثابتة له، حيا كان أو ميتا، وأن ملكيته له تبقى مقيّدة بعدم بيعه، ولا هبته ولا إرثه[82]“، واستدل لذلك، كما ورد عن سحنون بما جرى عليه الأمر ممن مضى من سنّة الأقدمين في بقاء العين الموقوفة خربة دون المساس بها، أو تغييرها، قال سحنون (توفي 240ﻫ): “فبقاء هذه خرابا دليل على أن البيع فيها غير مستقيم؛ لأنه لو استقام لما أخطأه من مضى من صدر هذه الأمة وما جهله من لم يعمل به حين تركت خرابا[83]“.

 وحكى ابن أبي زيد القيرواني (توفي 386ﻫ) في رسالته اختلافا في معاوضة حبس خرب بآخر غير خرب، ونصّ على عدم جواز بيعه، فقال: “ولا يباع الحبس وإن خرب[84]“، وبعده اختصر الشيخ خليل (توفي 776ﻫ) العبارة بقوله: “ولا عقار وإن خرب[85]“؛ أي لا يباع العقار الوقفي وإن خرب وأصبح لا يحقّق نفعا، ووجه الاختلاف في المسألة أن “من قال بالجواز نظر إلى مصلحة الحبس[86]“، ومن قال بالمنع اعتبر المعاوضة بيع، وأن التصرف في أصل الوقف لا يجوز لعدم البحث في المصلحة من بيعه، غير أن المتأخرين من الفقهاء وكذا التشريع المغربي، بناء على فتاوى المجالس العلمية، استند في شرعية جواز تصفية الحبس المعقب[87] ومعاوضة الوقف أو التصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف إلى ما يحقّقه هذا النظام من منافع تدفع بضرورة إصلاحه والمبادرة إلى إنقاذه من الإهمال والضياع بما يحقق الأغراض المتوخاة منه، أو المختلف في قبولها، وقد أوردت فتوى المجلس العلمي بفاس ثلاثة حلول مرتّبة فيما بينها بحيث لا يلجأ إلى الثاني منها إلا عند عدم تاتّي الأول أو عدم ترقّب جدواه، ولا إلى الثالث إلا كاستثناء عند عدم صلاحية الثاني، وهذه الحلول هي:

“الحل الأول؛ استصلاح الحبس، وذلك عن طريق التغيير فيه إما في النظارة أو في الرقبة باستبدالها، أو بيع بعضها أو في المصرف، وهو تدبير لبعض الحالات مثل ضآلة المنفعة، أو سوء النظارة أو خراب يمكن تلافي عمارته ونحو ذلك، ويتلخص في الإرشاد إلى تنشيط استثمار الحبس وتحديد عمارته…

الحل الثاني؛ توزيع رقبة الحبس على المستحقين وإنهاء حكم شياع الحبس في مثقاله بسبب هذا التوزيع…

الحل الثالث؛ إنهاء الحبس ببيع رقبته وتوزيع ثمنها على المستحقين…[88].”

أما المجلس العلمي لمكناس فأورد جملة آراء فقهية تنص على مفهوم معقولية معاني الوقف منها ما نقله ابن سلمون عن الاستغناء: “قال فضل بن مسلمة في حبس المساكين يكون في البلد، فتيبس أشجارها، وتقحط، فيحبس الماء عنه، فقال: يرى القاضي فيه رأيه في بيع أو غير ذلك، قال ابن اللباد: أرى أن يباع إذا كان لهذه الحال”، لتختم هذه الفتوى بخلاصة جاء فيها: “وبتأمل ما تقرر وتحرر، يعلم أن الشريعة لا تسمح ببقاء تلك الأحباس على تلك الحالة المؤدية لقطع ما أراده المحبّس من إدامته النفع لحبسه، وعليه، فتجب المبادرة للأعمال المتعينة، وفق ما ذكر وتقرر واجتمع عليه رأي المجلس العلمي بمكناس[89].”

كما استشير أيضا المجلس العلمي بمراكش، الذي ارتكز في بناء فتواه على مقاصد الشريعة والمتمثلة في المحافظة على المال والنهي عن إضاعته بالإهمال والإغفال الذي يطال الوقف إذا بقي  خربا لا ينتفع به، فقد ذكرت الفتوى “أن الحبس إذا وصل إلى هذه المرحلة، بحيث أصبحت منفعته ضئيلة، أو عديمة النفع بالمرة، وتضرر بذلك المحبس عليهم، ولا من يقوم بإصلاحه وترميمه، فإنه يصار إلى تحقيق غرض المحبس عليهم وقصده، ولا ينظر إلى لفظه وشرطه، ويجوز الإقدام على إجراء المعاوضة فيه، أو بيعه وجعل ثمنه في مثله…[90].”

كما استفتيت المجالس العلمية بتارودانت، تطوان والأمانة العامة لرابطة علماء المغرب بطنجة، وهي المجالس العلمية التي كانت موجودة آنذاك، وبنفس المعنى أجابت، وكلها أفادت أن المعتبر في الوقف هو المقاصد والمعاني، وبذلك تترتب عنه مصالح ومنافع تظهر الحكمة من تشريعه.

العنصر الثالث: رعاية الوقف للمصالح العامة والخاصة

الوقف باب من الأبواب الخيرية التي سارت عليه الأمة الإسلامية لقصد تحقيق القربات والأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله تعالى، وفق ما هو مؤصل في المنظومة الفقهية وهو يعكس حِكمة الإسلام في وقف الأموال والاستفادة من منافعها في شتى المجالات خاصة منها ما تحقّق الحاجات الضرورية للناس، فهو بذلك مغايرٌ للفهم المعروف من الإنفاق، والمحصور بالصدقات على الفقراء والمساكين فقط بغرض كفٌّ أيديهم عن السؤال أو إشباع حاجاتهم بصفة مؤقتة، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً… وهو اختيار أكثر الفقهاء والمتأخرين… قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)[91]، فالإسلام جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وهي القاعدة التي ينبغي مراعاتها في مقاصد الوقف، فينظر إلى مصلحة الوقف من حيث المحافظة عليه ورعايته (مصلحة عامة)، مع مصلحة الناس في مدى حاجتهم إلى تحقيق هذا المقصد (مصلحة خاصة).

فنظام الوقف يعدّ من التشريعات التي تحقق المصلحة العامة والخاصة على حدّ سواء، ولهذا جاءت أبواب مدونة الأوقاف المغربية مراعية في مضامينها لهذه الأهداف الشرعية، ومحدّدة لما توافق عليه الفقهاء، حيث نصّت على أن ” الوقف هو كل مال حبّس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة وخصّصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة…[92].”

أ. رعاية الوقف للمصلحة العامة: بناءً على أن المشرّع المغربي قصد بإصدار مدونة للأوقاف الحماية القانونية للوقف العام لتحقيق مصالح العباد منه، فإن موادها ونصوصها ينبغي أن تفسّر ويحدد نطاق تطبيقها ومجال إعمالها في ضوء مقاصد الشريعة التي وردت هذه النصوص لتحقيقها والحكم والمصالح التي قصد بها حمايتها، فالاعتناء بالمصلحة العامة كما حدّدتها الشريعة الإسلامية في كلياتها الأساسية منهج قام عليه نظام الوقف بالمغرب، وبما أن أحكام الوقف لم ترد بنصوص شرعية وافية، فقد فُتح الباب أمام الاجتهاد الفقهي بقصد الوصول إلى الحكمة التي من أجلها شرع الوقف، ومع تطور منظومة الوقف، وخضوع الظهائر المنظمة لمجالاته لقضايا العصر ومستجداته، بات لزاما تطوير المنظومة الاجتهادية الوقفية لتواكب هذا التطوّر وتراعي المصالح العامة التي يطرحها الواقع المعاصر باقتصادياته المختلفة وانفتاحه على عوالم جديدة من شأنها أن تخدم نظام الوقف وتصل به إلى السبل التي تبتغي مقاصد الشريعة من تشريعه.

وهكذا نهجت مدونة الأوقاف المغربية مقاربة تتمثل في تيسير شروط الموقوف عليه دون إغفال للضوابط التي تعين على فهم مقاصد هذه الشروط، حيث نصّت على ضرورة تعيين الموقوف عليهم، وفي حالة عدم تعيينهم، ووفاة الواقف قبل تعيينهم يعود الوقف إلى الأوقاف العامة الذي يشمل عموم المستفيدين بما يحقق لهم ضرورياتهم من حفظ دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم[93]، فلو بطل الوقف في هذه الحالة وأرجع إلى الورثة بداعي عدم تحديد الموقوف عليهم، فلن تتحقّق مصلحة الواقف في قصد التحبيس، وإن لم يحدّد الجهة التي يصرف لها الوقف: خاصة أو عامة، فرد أو مؤسسة، ومصلحة العامة في الاستفادة من هذا الوقف، وكذالك الحال بالنسبة لمن وقف على أهله أو قرابته أو ذريته فانقطع الموقوف عليهم سواء كان هذا الوقف خاصا بشخص معيّن أو عائلة معينة أو معقبا على أولاده، ففي هذه الحالة يضم هذا الوقف إلى الأوقاف العامة[94] لتصرف في وجوه البر ولتعين على أداء نفقات المساجد والقائمين عليها والأنشطة الدينية التي تنظم بالمساجد وغيرها.

ولم يكتف هذا القانون المنظّم للوقف بتوضيح معاني رعاية المصالح العامة من الوقف، بل رتّب مسؤوليات على من يتسبب في ضياع أو إهمال الوقف الخاص، لأنه سيؤول إلى الوقف العام ويصبح ملكا لجميع المسلمين، ولذلك يتعين عليه أن يبذل “في حفظ المال الموقوف العناية التي يبذلها في حفظ أمواله، ويسأل عن كل ضرر يصيب المال الموقوف بسبب خطئه أو إهماله أو تقصيره[95].”

وحماية للمال الموقوف، وحفاظا على المصالح العامة أوجب القانون في المادة 61، بأن “تخضع جميع المعاوضات والأكرية المتعلقة بالأموال الموقوفة وقفا عاما، وكذا البيوعات المتعلقة بمنتوج الأشجار والغلل ومواد المقالع العائدة للوقف العام، لإجراءات السمسرة أو لطلب العروض شريطة التقيد بمبادئ المنافسة والمساواة بين المتنافسين والالتزام بقواعد الشفافية والإشهار المسبّق”، وبذلك تتم حماية المال الوقفي من سوء التدبير ومن الخلل المترتب عن عدم خضوعه لمسطرة تضمن استمرارية الانتفاع بما تم تحبيسه لوجوه الخير العامة على الوجه الأمثل.

ـ معاوضة الأوقاف رعاية للمصلحة العامة

معاوضة الأوقاف تعني استبدال العين الموقوفة بغيرها إما بالبيع واقتناء غيرها أو تبديلها بغيرها، بالنظر إلى أن المصلحة التي كان يحققها الوقف في هذا العين لم تعد موجودة، وبالتالي جّوزت فتاوى المجالس العلمية السابقة الذكر[96] معاوضة الأوقاف باستبدالها بأخرى أو بيعها واقتناء مثلها رعاية للمصالح العامة وفق شروط محدّدة، وسارت مدونة الأوقاف على نفس نسق رعاية المصلحة العامة في هذه المعاوضة بعد أن جوزتها في المادة 63 و72، حيث قيّدت في المادة التي بعدها القيم التقديرية التي تتأتى من معاوضة الوقف النقدية، حيث أن ما تصل قيمة معاوضته إلى عشرة ملايين درهم فيخضع لموافقة أمير المؤمنين، الذي ينظر فيما تحقّقه من مصلحة، وباعتباره السلطة الدينية التي تجب مراجعتها في القضايا الكبرى التي تهم النظر في مصالح الرعيّة، في حين أن ما تفوق قيمته خمسة ملايين درهم فيخضع لموافقة مجلس أعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة[97]، مهمته مراقبة وضبط مصاريف الأوقاف العامة، في حين أن ما تقل قيمته عن خمسة ملايين درهم فيخضع لإدارة الأوقاف التي تراعي الجانب المصلحي في المعاوضة.

أما المعاوضة العينية، والتي تعني استبدال عين موقوفة بأخرى فتظهر رعاية المدونة للمصلحة العامة في اشتراطها لجواز هذه المعاوضة أن تكون العين المقترحة للمعاوضة بالموقوفة محفّظة تفاديا لما قد يترتب عن هذا الأمر من ضياع أموال الوقف، وأن تكون قيمتها التقديرية مساوية أو تفوق قيمة العين الموقوفة[98]، وهو الأمر الذي ينبغي الحرص على تطبيقه بمعيّة الخبراء حفاظا على المصلحة العامة التي تحقّقها المعاوضة العينية للأحباس.

ـ استثمار أموال الوقف رعاية للمصلحة العامة

نعني باستثمار أموال الوقف تصريف السيولة المالية التي تتأتى من موارد الأوقاف من خلال جمع أكرية العقارات والأراضي الفلاحية والمقالع وباقي الأعيان التي تدرّ مدخولا شهريا أو سنويا في مشاريع تنموية تحافظ على الأعيان الموقوفة.

وبالرجوع إلى مدونة الأوقاف نجدها تنصّ صراحة على جواز استثمار الأموال الموقوفة وقفا عاما، بهدف الحفاظ على أصولها أوّلا، ثم تنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة للوقف[99]، ولذلك خصّصت جزءًا من نفقات إدارة الأوقاف لمبالغ التوظيفات المالية المخصّصة لتنمية عائدات الأوقاف، واقتناء أمأملاك جديدة لفائدة الأوقاف العامة[100]، تسعى من خلالها إلى خلق توازن بين الموارد والنفقات، وحماية العين الموقوفة من الاستهلاك، فلا تتحقق بهذا الاستهلاك مصلحة أو مقصد، لأن الاعتناء بالعين الموقوفة الموجودة دون الاهتمام باستثمار مواردها العامة قد يؤدّي إلى استهلاك الأعيان المحبّسة وبالتالي ضياع المصلحة العامة التي من أجلها شرع الوقف.

ب. رعاية المصلحة الخاصة: باستقراء نصوص الشريعة الإسلامية، نجد أنها ترعى المصالح الخاصة بقدر رعايتها للمصالح العامة شريطة عدم تعارضها مع هذه المصلحة، وألا يكون في هذا المصلحة الخاصة تعارض مع نصوص الشريعة وإلا فيتم تغليب المصلحة العامة لما فيها من خدمة الجماعة.

وباستقراء نصوص مدونة الأوقاف أيضا نجد هذا المبدأ حاضراً بقوة، حيث أن رعاية المصلحة الخاصة محلّ اهتمام عدد من موادّها، فالموقوف عليه “يحق له أن يستعمل المال الموقوف وأن يستغله وفق شرط الواقف بكيفية تتوافق مع الأغراض المتوخاة من الوقف، ويجوز له أن ينتفع بالمال الموقوف بنفسه، أو أن يفوّت حق الانتفاع به إلى الغير، ما لم يكن حق الوقف مقصورا على شخصه[101]“، فمن وقف عليه شيء فمِن مصلحته الاستفادة منه والانتفاع منه شريطة عدم تعارض هذا الانتفاع وهذا الحق مع شرط الواقف الذي يتوافق مع مقاصد الشريعة، ومن حقّه أيضا إذا كان المال الموقوف عقارا “أن يتمتع بجميع الحقوق المقررة لفائدة العقار الموقوف، وبكل الزيادات التي تلحق به عن طريق الالتصاق[102].”

 فالمدونة بهذه المواد تنظر إلى ما يحقق مصلحة الموقوف عليه حتى يتسنى له الانتفاع بالوقف على الوجه الأكمل، تحقيقا لقصد الواقف من وقفه، ولهذا، ورعاية لمصلحته أيضا، نصّت المادة 46 من المدونة أنّه “إذا تهدم العقار الموقوف كلا أو جزءًا، فلا يلزم الموقوف عليه بإعادة بنائه ما لم يكن ذلك ناتجا عن خطئه أو إهماله أو تقصيره”؛ لأن من شأن إهماله أن يتسبب في ضياع العين الموقوفة التي ستؤول إلى الأوقاف العامة بعد انقطاع أو وفاة أو غير ذلك من الأسباب الموجبة لهذا النقل، والمشار إليها سابقا، وبالتالي ضياع المنفعة العامة لجميع المسلمين من هذه العين.

ومن قبيل هذه الرعاية للمصلحة الخاصة أوجبت المدونة على مكتري العين الموقوفة والذي يتعرّض لتشويش مادّي من الغير يحول دون انتفاعه من العين المكتراة أن يخطر إدارة الأوقاف فورا حتى لا يفقد حقه في الرجوع بالتعويض[103] لعدم تحقق مصلحة خاصة تمنعه من الانتفاع بالموقوف على الوجه السليم، كما تتحمل هذه الإدارة إصلاح العين الموقوفة المكتراة بما يرمي إلى المحافظة عليها[104] ضمانا لمصالح المكتري، وقد يعفى مكتري الأرض الوقفية الفلاحية من سومة الكراء ويستردّ واجب الكراء إذا هلك ما قام بزرعه في هذه الأرض نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي[105] أهلك الزرع، فرعاية لمصلحة هذا المكتري المادّية جوّزت المدونة إعفائه من الكراء أو استرداده كليا.

   وأعتقد أن المدونة بهذه المادة وغيرها راعت مقاصد الشريعة التي تقوم على أساس رعاية المصالح الخاصة بموازاة رعايتها للمصالح العامة، ومادامت الأهداف التي وجد من أجلها الوقف تقوم على أساس اجتماعي، اقتصادي، فإن مساعدة المحتاجين، ورفع الغبن عنهم يحقق هذه الأهداف والمقاصد.

ج. تعارض مصلحة خاصة مع عامة: يقول الشاطبي: “إن تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة مقصد شرعي وأصل كلي لم يؤخذ من نص واحد ولم يدلّ عليه دليل معين، وإنما أُخذ معناه من عدة نصوص وجملة أدلة بطريق الاستقراء الذي يفيد القطع[106]“، ولم يدل دليل منها على هذا الأصل أو المقصد بانفراده، ولكنه يؤخذ من مجموع هذه النصوص وتلك الأحكام. فإذا تعارضت مصلحة خاصة للموقوف عليه أو المكتري مع مصلحة عامة للوقف، فإن المصلحة العامة تقدم على هذه المصلحة الخاصة، وأبواب المدونة تقوم على احترام هذا المبدأ بكيفية منسجمة مع قواعد الشرع، فمكتري العين الموقوفة يلزم بإعادة هذه العين فور انتهاء مدة الكراء على الحالة التي تسلّمها[107]، ضمانا لتحقيق المصلحة العامة في الاستفادة منها، رغم أن إصلاحها قد يتعارض مع مصلحته الخاصة، لكن المصلحة العامة هنا مغلّبة، بل يحق لإدارة الأوقاف أن تنهي عقد كراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية في أي وقت، رغم تعارض هذا الإنهاء مع مصلحة المكتري، إذا احتاجت إلى العين الموقوفة لإقامة مؤسسة ذات صبغة دينية أو علمية أو اجتماعية أو إدارية[108]، تحقّق بذلك مصلحة لعموم المسلمين، أو إذا كان الغرض إعادة بناء هذه العين وإدخال تغييرات من شأنها تعميم الاستفادة منها، وتحقيق مصلحة أكبر بهذا التغيير، كهدم منزل صغير لبناء عمارة سكنية يستفيد منها عدد من الناس.

ختاما، وبعد هذه الجولة في توضيح الأبعاد المقاصدية التي يطرحها نظام الوقف، والبنية الترابطية بين مقاصد الشريعة الإسلامية وما يحقّقه هذا النظام من مصالح عامة وخاصة، وما يحفظه من كلّيات أساسية للشريعة الإسلامية، والمنهجية التقاربية التي سلكتها مدونة الأوقاف المغربية من خلال الرؤى المقاصدية التي جعلت من مواد هذه المدونة نموذجا يحتدى به.

أمكن القول بعد ذلك: أن تكاملية النظام وشموليته لملامسة الحاجات الأساسية للمسلمين، تنبع أوّلا؛ من قوّة العقيدة الإيمانية للمحبّسين، وثانيا؛ من الفلسفة العامة التي تسعى إلى تطوير منظومته حتى تواكب تشريعاته التغيّرات الاقتصادية التي يعرفها العالم، فاستثمار الأموال المحبّسة قصد تنمية أصولها وفق ضوابط شرعية تؤسّس لمعاني مقاصدية هو القصد الأول الذي ينبغي الاهتمام به، وتشريع ما يكفله ويحفظه بطريقة سليمة وواضحة.

وأعتقد أن ما تم تحديده من خدمات جليلة ومنافع مصلحية، ومقاصد عامة، يؤطرها الوقف المغربي، كفيلة بتحفيز الأمة على المزيد من التحبيس، بغية الوصول إلى معاني وتصورات نفعية تحقّق مصلحة الجماعة، كما أن هذا التطور لا يمنع من اقتراح بعض الأفكار الأخرى، منها على وجه الخصوص:

  1. توجيه الاهتمام أكثر للجانب الاجتماعي من خلال إرجاع بعض المبادرات التي شكّلت خدمات أساسية للمحتاجين، كبناء دور مخصصة لتزويج المحتاجين، والإقامة بها مدة معينة حسب الحاجة، إنشاء صناديق خاصة للقروض دون فائدة ووفق معايير دقيقة تمكّن من إرجاع ثقة المحبسين فيما يحققه هذا النظام من رفع أعباء اجتماعية واقتصادية.
  2. إنشاء مؤسسات صحية وقفية مستقلة، تقدم خدمات مجانية للمحتاجين، ويحبّس عليها بعض الأصول لتصرف منها على أجور الأطباء والممرضين والأدوية وباقي العلاجات الأخرى.
  3. توفير مصادر ثابتة لإمداد المصالح العامة، والمؤسسات الاجتماعية بما يلزمها من أدوات لتلبية حاجات المجتمع.
  4. القيام بحملات توعوية هادفة تسعى إلى إبراز قيمة وعظمة ثواب الصدقات والإنفاق في سبيل الله، وخاصة الصدقة الجارية لإثارة الوازع الديني لدى المسلمين للإقبال على التحبيس مع تبيين ما يحققه هذا النظام من مصالح، وما يقدمه من خدمات.
  5. توسيع مفهوم الوقف، وعدم ربطه بالعقار فقط، بل هناك العديد من المشاريع سواء كانت زراعية أو صناعية أو تجارية تتناسب مع هذا المفهوم ما دام في تحبيسها مصلحة ومقصد يتحقق للمجتمع.

الهوامش

[1]. للفيروز آباد، القاموس المحيط، مج 3، باب الفاء فصل الواو، دمشق: مكتبة النوري، د. ت.

[2]. ابن منظور، لسان العرب، مج6، دار الفكر، د. ت.

[3]. ابن الهمام، فتح القدير، مج5، طبعة القاهرة، مصر، 1316ﻫ، ص37.

[4]. علي فكري، المعاملات المادية والأدبية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1، 1938م، 2/299.

[5]. وهبة الزحيلي، الوصايا والوقف في الفقه الإسلامي، بيروت: الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت، ط4، 1982، ص154.

[6]. المرجع نفسه، ص155.

[7]. المعاملات المادية والأدبية، م، س، 2/326.

[8]. محمد أمين المشهور بابن عابدين، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر سنة 1326ﻫ، 3/392.

[9]. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دراسة وتحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، بيروت: دار المعارف/لبنان، ص17.

[10]. البخاري.ح.5552. مسلم، ح 4586.

[11]. أثر الوقف في تنمية المجتمع، م، س، ص39-400. بتصرف.

[12]. السعيد بوركبة، الوقف الخيري في الإسلام وأبعاده التنموية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط1، ص24.‌

[13]. ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، ط1، (1411ﻫ/1991م)، 3/12.

[14]. علما أن باب الاجتهاد أغلق حين توسع اهتمام الفقهاء بالمختصرات وشروحها وحواشيها والتعليقات عليها، وأقصد بفتح باب الاجتهاد التدوينات الفقهية الحديثة المتعلقة بالأسرة، وبباقي المعاملات.

[15]. الوصايا والوقف في الفقه الإسلامي، م، س، ص159. التنظيم القانوني بالمغرب فتمثله مدونة الأوقاف المغربية الصادرة في 23 فبراير 2010، وقد جاء في المادة الثالثة من الفصل الأول منها: أركان الوقف أربعة وهي: الواقف والموقوف عليه والمال الموقوف والصيغة”.

[16]. محمد مصطفى شلبي، أحكام الوصايا والوقف، بيروت: الدار الجامعية للطباعة والنشر، ط4، 1982، ص345. وانظر: زهدي يكن، الوقف في الشريعة والقانون، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر/لبنان 1388ﻫ، ص26. وقد منعت مدونة الأوقاف المغربية وقف مال المحجور واعتبرته باطلا. المادة8 من الفصل الأول.

[17]. المادة 9 من المدونة.

[18]. انظر، مثلا، تفصيل هذه الشروط في كتابي: أبو البركات أحمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. وحاشية الصاوي المالكي عليه، مصر: دار المعارف، (1410ﻫ/1989م)، ج4، ص118 وما بعدها.

[19]. وجاء أيضا في المادة 110 من مدونة الأوقاف: “يدخل في الوقف على الذرية الذكور والإناث من الطبقة الأولى والثانية والثالثة”. علما أن المالكية اختلفوا على خمسة أقوال إذا اشتمل الوقف على شرط البنات دون الذكور منها أنه إذا حيز الوقف لا يدخل البنات. انظر محمد أبي زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، ط2، 1971، ص145-146.

[20]. انظر: الشاطبي، الموافقات، 2/214 وما بعدها.

[21]. مسلم، 5/65-66.

[22]. المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، بيروت: دار الكتاب العربي، 1985، 3/434.

[23]. مقاصد الشريعة الإسلامية. تحقيق ودراسة: محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، ط2، (1421ﻫ/2001م)، ص494. فوقف الدائن الذي يستغرق الدين ماله باطل؛ لأن فيه ذريعة لإضاعة مال المدين، وهو نفس ما سارت عليه مدونة الأوقاف في المادة 10، حيث نصت أنه: إذا استغرق الدين جميع مال الواقف وقت التحبيس أو قبل حوز المال الموقوف بطل الوقف ما لم يجزه الدائنون.

[24]. جاء في المادة 34 من مدونة الأوقاف المغربية: يجب التقيد بشرط الواقف والوفاء بها إذا كانت مشروعة وقابلة للتنفيذ، فإذا اقترن الوقف بشرط غير مشروع أو استحال تنفيذه صحّ الوقف وبطل الشرط.

[25]. المال المتقوم هو المال المباح الذي يجوز الانتفاع به شرعا.

[26]. أحكام الوصايا والوقف، م، س، ص357. وانظر: محمد أبي زهرة، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، دار الفكر العربي، د. ت، ص48-54.

[27]. المادة 15 من المدونة.

[28]. المادة 16.

[29]. البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس بالبهائم: 3/77 الحديث(5665). مسلم، 3/1999، الحديث رقم (2586).

[30]. انظر: أحكام الوصايا والوقف، م، س، ص 357.

[31]. جاء في المادة الرابعة من مدونة الأوقاف المغربية: “يمكن أن يكون الواقف شخصا ذاتيا كما يمكن أن يكون شخصا اعتباريا ما لم يكن غرضه غير مشروع”.

[32]. انظر: الموافقات، م، س، 2/252.

[33]. انظر: الوقف في الشريعة والقانون، م، س، ص57.

[34]. محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، 1990، ص383.

[35]. انظر: ابن قدامة المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: زهير الشاوش، بيروت: المكتب الإسلامي، 1982. وانظر: أحمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، م، س، 4/105. وجاء عند الخرشي على مختصر الشيخ خليل قوله: “ولا يشترط في صحة الوقف التأبيد، بل يصح ويلزم مدة سنة، ثم يكون بعدها ملكا” الطبعة الأميرية، د. ت، ج7/91.

[36]. المادة: 23.

[37]. ابن تيمية، مجموع فتاوى، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط (1416ﻫ/1995م) 8/31.

[38]. حجة الله البالغة، مطبعة القاهرة. د. ت، ج2، ص116.

[39]. الموافقات، م، س، 2/7.

[40]. المصدر نفسه، 2/8. وانظر: أبو حامد الغزالي، المستصفى، دراسة وتحقيق: د. حمزة بن زهير: حافظ المدينة المنورة، كلية الشريعة، المدينة المنورة، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط2، (1403ﻫ/1983م)، 1/287.

  وترجع الحاجيات إلى رفع الحرج والمشقة عن المكلفين، لذلك شرعت من أجله الرخص الشرعية، أما التحسينيات فتعود إلى بث محاسن العادات والترفع عن الأحوال المدنسات، سواء في العبادات أم المعاملات والعادات.

[41]. المستصفى، م، س، 2/481.

[42]. مجلة دعوة الحق، العدد3 يناير1966.

[43]. انظر: محمد زنير الحبس، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي، كمظهر من مظاهر السياسة الاجتماعية في تاريخ المغرب بغداد 1983، ص203.

[44]. عبد الهادي التازي، جامع القرويين، المسجد والجامعة بمدينة فاس، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1973م، ج1، ص125.

[45]. هو الشيخ أبو ميمونة دراس بن إسماعيل دفين خارج باب الفتوح بمحروسة فاس. ارتبط اسم درَّاس بن إسماعيل بالجهود التي بذلها في نشر المذهب المالكي بالمغرب، وقد كانوا قبله على مذهب أبي حنيفة، وفي هذا السياق اعتبر غير واحد من مترجميه أنه أول من أدخل مدونة سحنون مدينةَ فاس، وكان له مسجد بحي يسمى مصمودة من عدوة الأندلس؛ يتجمع فيه الطلبة لقراءة الفقه، ويقال: إن قبلته أقوم قبلة بفاس… قال القاضي عياض: “كان أبو ميمونة من الحفاظ المعدودين، والأئمة المبرزين من أهل الفضل والدين، ولما طرأ إلى القيروان اطلع الناس من حفظه على أمر عظيم حتى كان يقال: ليس في وقته أحفظ منه”،(.توفي 357ﻫ). انظر: القاضي عياض، ترتيب المدارك،  ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 6/81. وانظر كذلك: أحمد بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، ط طرابلس: كلية الدعوة الإسلامية، 1989م، ص175.

[46]. السلطان أحمد المنصور الذهبي بن محمد الشيخ المهدي بن محمد القائم بأمر الله الزيداني الحسني السعدي، واسطة عقد الملوك السعديين، وأحد ملوك المغرب العظام وباني قصر البديع، ولد بفاس عام (956ﻫ/1549م)، وبويع في ساحة معركة وادي المخازن الظافرة يوم الاثنين متم جمادى الأولى سنة 986ﻫ/ 4 غشت 1578 م بعد مقتل السلطان عبد الملك. يعتبر عهده الذي دام حوالي ست وعشرين سنة أزهى عهود الدولة السعدية رخاء وعلما وعمرانا وجاها وقوة. انظر: محمد حجي، معلمة المغرب، إشراف مطابع سلا (1410ﻫ/1989م)، 1/173-175.

[47]. انظر جامع القرويين، م، س، 2/476.

[48]. جاء في ديباجة الظهير الشريف: “وصونا لسلامة المصاحف الرائجة داخل مملكتنا الشريفة من كل خطإ أو تحريف، أسندنا الاختصاص إلى هذه المؤسسة من أجل منح الترخيص بطبعها وتوزيعها”.

[49]. انظر الموقع الإلكتروني: maroc.ma /بوابة إبحار.

[50]. جاء في النقطة الخامسة من المادة 2 من الظهير الشريف المحدد لمهام المؤسسة: “القيام بأعمال المراقبة والتدقيق للنسخ المطبوعة أو المسجلة من المصحف الشريف، لضمان سلامتها من الأخطاء، وللتأكد من حصولها على الترخيص المشار إليه في البند 4 أعلاه، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحجزها ومنعها من التداول عند الاقتضاء، علاوة على حفظ حق المؤسسة في اتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة تطبيقا للقوانين الجاري بها العمل”.

[51]. رواه مسلم في صحيحه، 4/38-43.

[52]. مجلة الأحياء، ص46.

[53]. ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي، م، س، ص203.

[54]. مجلة الأحياء، م، س.

[55]. جامع القرويين، م، س، 2/457.

[56]. انظر: مجلة الأحياء، م، س، ص48.

[57]. القاضي المكناسي، جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، الرباط: دار المنصور للطباعة والوراقة،1/60.

[58]. أبو زكريا المازوني، الدرر المكنونة في نوازل مازونة، الجزائر: المكتبة الوطنية، 2/1336.

[59]. الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ط3، تونس: الشركة التونسية للنشر والتوزيع. 1988م. ص304.

[60]. الوقف الخيري في الإسلام وأبعاده التنموية، م، س، ص93.

[61]. المرجع نفسه، ص95.

[62]. المرجع نفسه، ص93.

[63]. رئيس رابطة علماء المغرب ورئيس المجلس العلمي بفاس، وعميد كلية الشريعة بفاس سابقا.

[64]. القصيدة وعددها 64 بيتا قدّمت في تحية مدينة فاس بمناسبة أسبوع فاس لتحقيق فكرة الإنقاذ التي دعت إليها منظمة اليونسكو أبريل (1400ﻫ/1980م)، انظر: السعيد بوركبة، الوقف وآثاره في الحياة الاجتماعية بالمغرب، مطبعة استانسيل، ص62.

[65]. انظر موقع المؤسسة على الإنترنت: alqayyim.com

[66]. الوقف الخيري في الإسلام، م، س، ص69-70.

[67]. جامع القرويين، م، س، 2/372-373.

[68]. الوقف الخيري في الإسلام، م، س، ص71.

[69]. المرجع نفسه.

[70]. أوقف قصره الرائع الأنيق على القرآن والحديث، عام 1388ﻫ، وقد جاء نص خطابه لدى إعلان الوقفية:

“إنني أحبس هاته الدار على القرآن والحديث، ولا أريد أن تكون في المستقبل إلا لهاته الغاية، ولا تحول إلى أية غاية أخرى، بحيث تركت الحق للورثة بالرجوع في هذا التحبيس فيما إذا أريد تحويلها عن غايتها”. قوبلت هذه الوقفية بالاستحسان، تجاوب فيها الملك الحسن الثاني، رحمه الله، “وقد أجابه على لسانه الوزير الفقيه السيد الحاج أحمد بركاش بتأثر بالغ، وانفعال مثير، وهو يتسلم مفاتيح دار الحديث الحسنية بيد الشكر والتقدير، قائلا: “إنني جئت مرسلاً من قبل صاحب الجلالة الملك المعظم جلالة الحسن الثاني، حفظه الله، لأتسلم الدار، وأنه يعدكم بأن الدار ستبقى موقوفة على القرآن، والسنة، والحديث، ولا تتحول إلى أي هدف آخر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين”. انظر: محمد بنعبد العزيز، الوقف في الفكر الإسلامي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، (1416ﻫ/1996م)، 1/358.

[71]. انظر كتاب: السعيد بوركبة، دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب في عهد الدولة العلوية، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1/114.

[72]. التنمية والتعبئة، وزارة الإعلام والشبيبة والرياضة، ط3 -مارس 1984، ص643 بتصرف.

[73]. انظر مقال: الكتاتيب القرآنية بالمغرب أسلوب ومنهج، لصاحب البحث، منشور بمجلة التجديد عدد 22-06-2011.

[74]. جاء في المادة الأولى من هذا القانون:

 يهدف التعليم العتيق إلى تمكين التلاميذ والطلبة المستفيدين منه من إتقان حفظ القرآن الكريم، واكتساب العلوم الشرعية، والإلمام بمبادئ العلوم الحديثة، وتنمية معلوماتهم ومعارفهم في مجال الثقافة الإسلامية وضمان تفتحهم على العلوم والثقافات الأخرى في ظل مبادئ وقيم الإسلام السمحة.

 ويلقن التعليم العتيق بالكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة وبمؤسسات التعليم النهائي العتيق بما فيها جامع القرويين والجوامع الأخرى وفق الأنماط العتيقة، مع مراعاة القوانين والأنظمة المعمول بها في ميدان التربية والتكوين، وطبقا لأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه.

[75]. جاء في المادة 22:

 كل إقدام على فتح مؤسسة للتعليم العتيق دون ترخيص مسبق، يعاقب عليه بغرامة من ألف (1.000) درهم إلى خمسة آلاف (5.000) درهم، علاوة على إغلاق المؤسسة.

ويعاقب بغرامة من ألف (1.000) درهم إلى خمسة آلاف (5.000) درهم:

 ـ  كل توسيع أو تغيير لمؤسسة التعليم العتيق دون ترخيص مسبق؛

 ـ  كل مخالفة لأحكام هذا القانون وللنصوص المتخذة لتطبيقه والمتعلقة بالأطوار والبرامج الدراسية؛

 ـ كل رفض للخضوع للمراقبة التربوية والإدارة المنصوص عليها في هذا القانون، وكل عرقلة تحول دون القيام بها.
وفي حالة العود، ترفع العقوبة بالغرامة المشار إليها إلى الضعف.

 ويعتبر في حالة عود كل شخص صدر في حقه حكم أصبح نهائيا بسبب إحدى المخالفات المنصوص عليها في هذه المادة، وقام بارتكاب مخالفة مماثلة داخل السنة التي تلي صدور الحكم المذكور.

[76]. مجلة الإحياء، م، س، ص38.

[77]. المصدر نفسه.

[78]. رمضان البوطي، ضوابط المصلحة، بيروت: مؤسسة الرسالة، دمشق: الدار المتحدة، ط6، (1421ﻫ/2000م)، ص23.

[79]. انظر المادة 54 من مدونة الأوقاف المغربية.

[80]. الفقرة الأولى من المادة 54.

[81]. الموافقات، م، س، 1/196.

[82]. انظر: محاضرات في الوقف، م، س، ص164. الوقف الخيري في الإسلام، م، س، ص26 وما بعدها.

[83]. أحمد بن محمد بن الصديق الغماري، مسالك الدلالة في شرح مسائل الرسالة، دار الكتب العلمية، ط1، (1433ﻫ/2002م)، ص314.

[84ة]. الرسالة، بيروت: دار الكتب لعلمية/لبنان، ط1، (1418ﻫ/1998)، ص87.

[85]. مختصر الشيخ خليل، مطبوع مع منح الجليل شرح مختصر خليل، دار الفكر، (1409ﻫ/1989م)، د. ط، 8/154.

[86]. مسالك الدلالة، م، س، ص314.

[87]. صدر ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.88 بتاريخ 24 شوال1397ﻫ الموافق لـ08 أكتوبر 1977م، بتصفية الحبس المعقب إذا تبينت المصلحة العامة ومصلحة المستفيدين بعد استشارة المجالس العلمية الموجود آنذاك.

[88] . الوقف الخيري في الإسلام، م، س، ص49.

[89] . المرجع نفسه.

[90]. الوقف الخيري، م، س، ص50.

[91]. الموافقات، م، س، 1/2-4-5.

[92]. المادة الأولى من مدونة الأوقاف المغربية.

[93]. جاء في الفقرة الثانية من المادة 12 من مدونة الأوقاف المغربية: “… وفي حالة ما إذا لم يعين الواقف الموقوف عليه وقت إنشاء الوقف جاز له تعيينه طيلة حياته، فإذا مات ولم يعينه عاد الوقف إلى الأوقاف العامة”.

[94]. المادة 52 من المدونة: “يؤول كل وقف مؤبد موقوف على جهة خاصة إلى الأوقاف العامة في حالة انقطاعه”. والمادة 109جاء فيها: “… يرجع الوقف المعقب بعد انقراض الموقوف عليهم إرثا إلى ورثة الواقف إن وجدوا، وإلا إلى الأوقاف العامة…”.

[95]. المادة 45.

[96] .انظر: العنصر الثاني: الوقف بين التعبد والتعليل.

[97]. تأسّس بموجب الظهير الشريف رقم 1.09.236 الصادر في 8 ربيع الأول 1431ﻫ (23 فبراير 2010م) والمتعلق بمدونة الأوقاف وإحداث المجلس الأعلى لمراقبة الأوقاف العامة.

[98]. انظر المادة 72 من المدونة.

[99]. انظر المادة60 و63 من المدونة.

[100]. انظر المادة 136 من المدونة.

[101]. المادة 40 من المدونة.

[102]. المادة 41.

[103]. المادة 88 من المدونة.

[104]. المادة 89 من المدونة.

[105]. المادة 101.

[106]. الموافقات، م، س، 2/34.

[107]. المادة91.

[108]. جاء في المادة 96: “يحق لإدارة الأوقاف إنهاء عقد كراء الأملاك الوقفية الغير الفلاحية في الحالتين التاليتين: إذا احتاجت إلى العين المكراة لإقامة مؤسسات ذات صبغة دينية أو علمية أو اجتماعية أو إدارية. إذا كان الغرض إعادة بناء العين المكراة أو إدخال تغييرات هامة عليها”.

Science
الوسوم

د. عبد الكريم بناني

دار الحديث الحسنية/الرباط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق