مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

“في بيان أصناف أهل السنة والجماعة”

يقول عبد القاهر البغدادي:

    «… اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:
1– صنف منهم: أحاطوا عِلماً بأبواب التَّوحيد والنبوَّة، وأحكام الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، وشروط الاجتهاد، والإمامة، والزعامة، وسَلَكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرءوا من التشبيه والتعطيل، ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية والنجارية، وسائر أهل الأهواء الضَّالة.
2- والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث، من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية، وتبرءوا من القدر والاعتزال، وأثبتوا رؤية الله تعالى بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل، وأثبتوا الحشر من القبور، مع إثبات السؤال في القبر، ومع إثبات الحوض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التي دون الشرك. وقالوا: بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة. وقالوا: بإمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة. ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرءوا من أهل الأهواء الضالة. ورأوا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إجماع الصحابة. ورأوا جواز المسح على الخفين، ووقوع الطلاق الثلاث. ورأوا تحريم المتعة. ورأوا وجوب طاعة السلطان فيما ليس بمعصية.
     ويدخل في هذه الجماعة: أصحاب مالك، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وابن أبي ليلى، وأصحاب أبي ثور، وأصحاب أحمد بن حنبل، وأهل الظاهر، وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا في الأبواب العقلية أصول الصفاتية، ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
3- والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علما بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.  
4- والصنف الرابع منهم: قوم أحاطوا علما بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف، وجروا على سمت أئمة اللغة كالخليل، وأبي عمرو بن العلاء، وسيبويه، والفراء، والأخفش، والأصمعي، والمازني، وأبى عبيد، وسائر أئمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع القدرية أو الرافضة أو الخوارج، ومن مال منهم إلى شيء من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة، ولا كان قوله حجة في اللغة والنحو.
5- والصنف الخامس منهم: هم الذين أحاطوا علما بوجوه قراءات القرآن، وبوجوه تفسير آيات القرآن، وتأويلها على وفق مذاهب أهل السنة، دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
6- والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور، وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسئول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدوا خير الإعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقي العبارة والإشارة على سمت أهل الحديث، دون من يشترى لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، والقناعة بما رزقوا، والإعراض عن الاعتراض عليه ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُوتِيهِ مَنْ يَّشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ اِلْعَظِيمِ ﴾[سورة الحديد آية 21].
7-والصنف السابع منهم: قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين، ويذبون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة، وهم الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله: ﴿وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾سورة العنكبوت آية 69]، زادهم الله تعالى توفيقا بفضله ومنه.
 8-والصنف الثامن منهم: عامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة.
     وإنما أردنا بهذا الصنف من العامة الذين اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، ورجعوا إليهم في معالم دينهم، وقلدوهم في فروع الحلال والحرام، ولم يعتقدوا شيئا من بدع أهل الأهواء الضالة، وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية «حشو الجنة».
     فهؤلاء أصناف أهل السنة والجماعة ومجموعهم، أصحاب الدين القويم، والصراط المستقيم. ثبتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه بالإجابة جدير، وعليها قدير.

      كتاب :” الفرق بين الفرق”– تأليف: الإمام عبد القاهر البغدادي (ت429هـ)
             تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد – مكتبة دار التراث – القاهرة –
                                طبعة/2007 –  ص:319 -323

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق