مركز الدراسات القرآنيةقراءة في كتاب

التسهيل لعلوم التنزيل

 

يعد “كتاب التسهيل لعلوم التنزيل” من أشهر كتب التفسير بالمأثور، ومؤلفه العلامة الحافظ المفسر محمد بن جزي الكلبي المالكي، أحد علماء غرناطة الأعلام، كان فذا في نباهته وإلمامه بالفقه والأصول وعلم الكلام والتفسير والحديث والقراءات، كما كان نابغة في اللغة والبلاغة والأدب، وكان إلى كل ذلك مؤرخا وشاعرا وخطيبا وكاتبا بارعا. وقد تجلت صفات هذا العالم وتبحره في شتى العلوم والفنون في كتابه التسهيل لعلوم التنزيل .

من أهم الأسس التي بنى عليها الإمام ابن جزي تفسيره هو التفسير بالمأثور، ويشمل : تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالمأثور من السنة النبوية، تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.

أما منهجه فيه فكان يرتب تفسيره حسب سور القرآن ابتداءً بسورة الفاتحة وانتهاء بسورة الناس، ويعتبر تفسيره من التفسير الجملي ؛ أي يجزئ الآية حسب جملها المتعددة، فيفسر أهم الجمل فيها، ولا يتعرض للواضح منها، كما أنه حينما يورد الآية في تفسيره لا يوردها تامة في كثير من الأحيان، بل يورد بعضها ثم يقول: الآية. وقد يترك تفسير الآية أو الآيتين، وليس الجملة والجملتين فقط بدون تفسير، وذلك إما لأنه فسر آية بمعناها أو تشبهها، أو يرى أنها من الواضح الذي لا يحتاج إلى تفسير.

والسمة البارزة في تفسيره هي الميل إلى الاختصار بقدر الإمكان مع التلخيص والجمع  للأقوال، لذا يكتفي غالبا بالإشارة، كما يهتم بأسباب النزول، والقراءات والإعراب، ويكثر من ذكر السؤال والجواب.

هذه نبذة يسيرة عن كتاب التسهيل لعلوم التنزيل، وأجد من المناسب بعدها  ذكر ما أورده المؤلف -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه التسهيل  إذ يقول:

“فإنّ علم القرآن العظيم: هو أرفع العلوم قدرا، وأجلها خطرا، وأعظمها أجرا، وأشرفها. ذكرا وإن الله أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن، وتعلّمه وتعليمه، وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه، فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف، فمنهم من آثر الاختصار، ومنهم من طوّل حتى كثّر الأسفار، ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس، ومنهم من عوّل على النظر والتحقيق والتدقيق، وكل أحد سلك طريقا نحاه، وذهب مذهبا ارتضاه، (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى) [النساء: 95]، فرغبت في سلوك طريقهم، والانخراط في مساق فريقهم، وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم، وسائر ما يتعلق به من العلوم، وسلكت مسلكا نافعا، إذ جعلته وجيزا جامعا، قصدت به أربع مقاصد: تتضمن أربع فوائد:

الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم، في كتاب صغير الحجم تسهيلا على الطالبين، وتقريبا على الراغبين فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم، ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها، وتنقيح فصولها، وحذف حشوها وفضولها ولقد أودعته من كل فنّ من فنون علم القرآن: اللباب المرغوب فيه، دون القشر المرغوب عنه، من غير إفراط ولا تفريط. ثم إني عزمت على إيجاز العبارة، وإفراط الاختصار، وترك التطويل والتكرار.

الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة، وفوائد غريبة، قلما توجد في كتاب لأنها من بنات صدري، وينابيع ذكرى. ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم، أو مما التقطته من مستظرفات النوادر، الواقعة في غرائب الدفاتر.

الفائدة الثالثة: إيضاح المشكلات، إما بحل العقد المقفلات، وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات، وبيان المجملات.

الفائدة الرابعة: تحقيق أقوال المفسرين، السقيم منها والصحيح، وتمييز الراجح من المرجوح. وذلك أن أقوال الناس على مراتب: فمنها الصحيح الذي يعوّل عليه، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد. ثم إنّ هذا الاحتمال قد يكون متساويا أو متفاوتا، والتفاوت قد يكون قليلا أو كثيرا، وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة، تعرف بها كل مرتبة وكل قول فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل، ثم ما أقول فيه إنه ضعيف أو بعيد، ثم ما أقول إنّ غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر ثم ما أقدّم غيره عليه إشعارا بترجيح المتقدّم أو بالقول فيه: قيل كذا، قصدا للخروج من عهدته، وأما إذا صرحت باسم قائل القول فإني أفعل ذلك لأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته، وإما لنصرته إذا كان قائله ممن يقتدى به، على أني لست أنسب الأقوال إلى أصحابها إلّا قليلا، وذلك لقلة صحة إسنادها إليهم، أو لاختلاف الناقلين في نسبتها إليهم، وأما إذا ذكرت شيئا دون حكاية قوله عن أحد فذلك إشارة إلى أني أتقلده وأرتضيه سواء كان من تلقاء نفسي، أو مما أختاره من كلام غيري، وإذا كان القول في غاية السقوط والبطلان لم أذكره تنزيها للكتاب، وربما ذكرته تحذيرا منه، وهذا الذي من الترجيح والتصحيح مبنيّ على القواعد العلمية، أو ما تقتضيه اللغة العربية، وسنذكر بعد هذا بابا في موجبات الترجيح بين الأقوال إن شاء الله. وسميته كتاب التسهيل: لعلوم التنزيل وقدّمت في أوّله مقدّمتين: إحداهما في أبواب نافعة، وقواعد كلية جامعة والأخرى فيما كثر دوره من اللغات الواقعة. وأنا أرغب إلى الله العظيم الكريم: أن يجعل تصنيف هذا الكتاب عملا مبرورا. وسعيا مشكورا، ووسيلة توصلني إلى جنات النعيم، وتنقذني من عذاب الجحيم، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم”.

الكتاب : التسهيل لعلوم التنزيل

المؤلف: الشيخ العلامة أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي المتوفى741هـ

تحقيق : محمد سالم هاشم

مصادر ترجمة المؤلف: نفح الطيب (30/8)، معجم الؤلفين (11/9)، أعلام الأندلس والمغرب ص: 165-166

ثناء العلماء عليه: قال ابن الخطيب: “كان -رحمه الله- على طريقة مثلى من العكوف على العلم والاقتصار   على الاقتيات من حر النشب، والاشتغال بالنظر والتقييد والتدوين، فقيها حافظا”.
قال بن الجزري:” إمام، مقرئ، عارف”.

 

إنجاز: رضوان غزالي

مركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق