مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويمفاهيم

في الإسناد المالكي عند علماء الصحراء (2) الأسانيد بين الأسر العلمية

لقد ظهرت عناية علماء الصحراء بالإسناد الفقهي، ولوحظ السعي في طلبه وتحصيل عاليه بين الفقهاء، والتسابق نحو الاندراج في سلسلة من سلاسله المتصلة التي انتشرت بين الأسر العلمية والأشياخ، ومن المفيد الإشارة إلى أن تلقّي الفقه قد انتشر بين العلماء في هذه الربوع عبر أعْلام تشكلت حولها مدارس عرفت طيلة القرون أخذا وعطاء وتلقيا وتلقينا، ويكفي في هذا المقام أن نشير إلى ثمرة ذلك والمتمثلة في انتقال الأسانيد وتداخلها.

فعلى سبيل المثال برز الأسْرِيرِيُّونَ في القرن السادس الهجري في وادنون وأولهم الشيخ محمد بن اعْمر اللمطي[1]، وفي القرن الرابع عشر كذلك برز منهم الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد بن محمد بن عبد الواسع الوادنوني (ت نحو 1369هـ)، وقبله الفقيه القاضي محمود بن عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 1333هـ) الذي تخرج بالشريف الكثيري علامة سوس (ت 1296)، وهذا عن الفقيه أحمد بن محمد بن إبراهيم الميموني في تِيمْكِّيدْشْتْ، وبهذا تعلم ما بين هؤلاء الأسْريريّين وبين التيمكيدشتيين من السند العلمي والفقهي. وقُل مثل ذلك عن ثلة من الفقهاء الأعلام الذين قصدهم التلاميذ للاستجازة والتفقه كالعلامة عبد الواحد بن حسين الوادنوني (ت حوالي 900ه)، شارح المدونة وصاحب أُرجوزَة القراءات في زهاء مائتي بيت معروفة عند القراء السوسيين إلى عهد قريب فكان مدرسة مستقلة بالجنوب[2]، والأسرة المبارَكيّة بأقا نسبة إلى سيدي مُحمد بن مبارك العلامة الشهير في القرن التاسع والعاشر[3].

وتتصل هذه الأسانيد بالشناقطة والمغاربة والمشارقة كما نراه عند الجكنيين من أسرة آل بلعمش الكبير (ت قبل 1260ه) وأبنائه، والمجْلِسِيِّين أو (المدلشيين) نسبةً للعلامة محمد بن محمد سالم المجلسي (1302هـ) والبَارِكيِّين المامِيِّين نسبة للشيخ محمد المامي بن البخاري (ت 1282هـ)، والمعينِيِّين نسبة للشيخ ماء العينين مصطفى دفين تيزنيت (1328هـ)، والصالِحيِّين نسبة إلى محمد بن محمد بن صالح الفلالي الصحراوي، الذي ترك لنا نصه النفيس في إجازة شيخه.

وبرز كذلك من التَّكنيين المتأخرين الشيخ أبو الاعراف التكني المتوفى آخرا سنة 1955م الذي عني بجمع النوازل الفقهية وفهرستها والتعريف بالكتب وجمعها، وهو عمل إسنادي جليل اضطلع به هذا العلامة الوادنوني،[4] ورسائله مع فقهاء عصره لا يزال بعضها محفوظا بمالي والجزائر.

والأسرة الشريفة البوعيطية نسبةً للشريف بوعيطة الذي عاش في حوالي القرن العاشر، ومن يليه من سلالته حيث برز منهم فقهاء ومجاهدون، آخرهم الفقيه القاضي لعبيد الوادنوني (ت حوالي 1396هـ)، وتعلم من ترجمته اتصالَ سنده بالشناقطة -فضلا عن السوسيين- عن طريق الفقيه سيدي محمد بن عبيدة الشنقيطي الإِدِغْبِـي دفين مقبرة أسرير (ت1339ه) والذي أخذ عن محمد سالم المجلسي.

فتتبع مشيخات وأسانيد العلوم الشرعية -ومنها الفقه- في تراجم رواد هذه المدارس والمحضرات، يثمر نتيجة مفادها تشابك هذه الأسانيد على مستوى داخلي بعضها مع بعض، وعلى مستوى خارجي متمثل في الصلات مع بقية حواضر ومشيخات العلم مشرقا ومغربا، فلذلك يبقى تحرير مفاصل هذا التشابك والتواصل بحاجة إلى جهود مجموعات بحثية كبيرة جدا حتى نخلص إلى مشجرات تحدد خريطة المعارف الدينية في الصحراء وما ستكشف عنه من فوائد للتاريخ والعلم.

[1] انظر ترجمته في التشوف (ص:344).  وطبقات الحضيگي (1/233). والمعسول للمختار السوسي (12/188)

[2] سوس العالمة: ص:122 و 178.

[3] سوس العالمة: ص: 144

[4] انظر مجموعة مؤلفاته المخطوطة في مركز أحمد باب التنبكتي ، مالي.

ذ. وديع أكونين

  • باحث بمركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع لكن لم يتم ذكر الكنتيين خصوصا الشيخ سيدي المختار الكنتي وأسانيده العلمية تم إهمالها بشكل كبير خصوصا أن جل المشيخات والأسانيد منبثقة من المدرسة الكنتية التي لها امتداد فؤ الصحراء المغربية وموريتانيا والجزائر وأزواد والسودان الغربي، وأغلب العلماء الشناقطة تخرجوا من مدرسته كالشيخ سيديا الكبير والمختار بلعمش وجد الشيخ ماء العينين وغيرهم من العلماء،ولايسعني إلا أن أثمن مجهوداتك الكبيرة في التعريف بالتراث العلمي للمنطقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق