مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

فوائد صيام رمضان الصحية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الأخيار الكرام الأطهار، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد؛

فقد بنى الله عز وجل دين الإسلام على شرائع وعبادات وفرائض وواجبات، أقامها على دعائم من الخير، وقواعد من البر، تفيد وتنفع المسلمين في الدنيا، وتسعدهم في الآخرة، وإن أعظم الشرائع وأجلها بعد الشهادتين والصلاة والزكاة، صوم شهر رمضان المبارك، الذي جعله الله فريضة على هذه الأمة، ووسيلة عظمى للتقوى، التي هي المقصد الأكبر من تشريع الصيام، وجماع خيري الدنيا والآخرة، قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[1] .

وإن كان الأصل في صيام رمضان الجانب التعبدي، فله فوائد أخرى كثيرة جدا منها الفوائد الاجتماعية والصحية، وسأقتصر في هذا المقال على الفوائد والمنافع الصحية؛ فأقول وبالله التوفيق:

إن للصوم فوائد لا تحصى على صحة الأبدان، خصوصا إذا اتبع الصائم المنهج السليم في صيامه لشهر رمضان الفضيل؛ لأن عادة ما يتغير نمط عيش الناس وسلوكاتهم، وأن التغيير الأكبر يكون في الغداء كما أو نوعا، مما قد يؤثر على صحة الصائم إيجابا أو سلبا.

وفوائد الصيام الصحية كثيرة منها:

* أن الصيام يجعل الصائم يتفادى كثيرا من المشاكل الصحية الجالبة للمفاسد كالسمنة وزيادة الوزن، فهو مفيد في تخفيف الوزن بأسرع وقت، وأيسر طريقة؛ لأن بعض الأمراض ليس لها علاج إلا الحمية، وهل الصوم إلا نوع من الحمية؟ بل فوق الحمية؛ فالمصاب بالتهاب الأمعاء المزمنة والتهاب القولون المزمن، يستفيد من الصوم كثيرا. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة-: “صوموا تصحوا”[2].

*أن في إراحة الجهاز الهضمي التخلص من بعض حالات الحساسية (الحكة) الناتجة عن الإفراط في بعض الأغذية.

* أن للصوم فائدة عظيمة على الجهاز العصبي؛ لأن روحانية الصوم، وما تفيضه من صفاء النفس، وتهذيب الروح، والصبر على احتمال المشاق، والعطف على الفقراء والمحتاجين، والبعد عن التردي في الشهوات وما تجره على الفرد من ويلات، وتزكية النفس بالأخلاق الفاضلة من صدق في المعاملة، وأمانة في تأدية العمل، والبعد عن الغضب، والانتقام، ونقاء النفس من الحقد والحسد، والبغض للناس؛ كل هذا يضفي على النفس البشرية روح السلام، والمودة، والمحبة، والصفاء التي بدورها تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، والذي يهدأ الجسم لهدوئه، ويمرض بمرضه.

*أنه مفيد في تعزيز صحة القلب والشرايين وحمايتها، لما له من أثر كبير في التخلص من دهنيات الدم، وتقليل الكولسترول  في الجسم، والمحافظة على معدلات ضغط الدم في الجسم.

قال المناوي: “فإن الصوم غذاء للقلب كما يغذي الطعام الجسم، ففيه صحة للبدن والعقل، وحمة مشروعية الصوم أن يجد الغنى ألم الجوع، فيعود بالفضل على الفقير”[3].

* أن الصوم فرصة للتخلص من المواد السامة، وتعزيز صحة الكبد، والمناعة، ومكافحة الالتهابات؛ إذ أن  أغلب الصائمين عادة ما يتبعون نمط عيش صحي في رمضان، حيث يقبلون على تناول الخضر والفواكه، ومصادر مضادات الأكسدة التي تدعم المناعة وتقويها.

*أنه فرصة للتخلص من الإدمان: بعدة أشكاله، مثل: التخلص من الإدمان على النيكوتين عن طريق الامتناع عن التدخين، والتخلص من الإدمان على الكافيين.

 قال الدكتور وهبة الزحيلي: إن الصوم يجدد البنية، ويقوي الصحة، ويخلص الجسد من الرواسب والتخمرات الضارة، ويريح الأعضاء، ويقوي الذاكرة إذا حزم الإنسان أمره، وتفرغ لعمله الذهني دون أن يشغل نفسه بتذكر المتع الجسدية، ويجمع ذلك كله”[4].

بالإضافة الى ما سبق علينا ألا ننسى أثر رمضان في تعزيز الروابط الاجتماعية والأسرية، وضبط النفس وتعويدها على الصبر، والتحلي بالاخلاق الحميدة، وتحقيق الراحة النفسية والشعور بالسلام والهدوء.

وفوائد  الصيام كثيرة لا يمكننا استيفاؤها، ولكن الغرض التنبيه على بعضها، وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله.

جريدة المصادر والمراجع:

التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة بن مصطفى الزحيلي، دار الفكر المعاصر ـ دمشق،ط2، 1418 هـ.

الطب النبوي لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: مصطفى خضر دونمز التركي، دار ابن حزم،ط1، 2006 م.

المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد، ‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة ، 1415هـ.

التيسير بشرح الجامع الصغير، لزين الدين عبد الرؤوف المناوي، دار: مكتبة الإمام الشافعي – الرياض ـ 1408هـ ـ 1988م.

[1]  سورة البقرة، الآية: 183.

[2]  أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، رقم: (8312)(8 /174)، وأخرجه أبو نعيم في الطب النبوي، باب تدبير الصحة وأن الصوم مصحة، رقم: (113)(1 /236).

[3]  التيسير بشرح الجامع الصغير(2 /187).

[4]  التفسير المنير(2 /132).

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق