مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةقراءة في كتاب

فقه الحديث عند أبي العباس أحمد ابن عمر بن المزين القرطبي (656ه) من خلال كتابه “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم”

أولا: ترجمة المؤلف[1]:

هو: أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري الأندلسي القرطبي المالكي، أبو العباس الإمام الفقيه، المحدث، المعروف بابن المُزَيِّن، والمقلب بضياء الدين، من أعيان المالكية نزل بالإسكندرية واستوطنها ودرّس بها. ولد سنة 578هـ في قرطبة، ورحل لطلب العلم مع والده في سن مبكرة، فأخذ عن ثلة من العلماء والمحدثين، منهم: أبو الحسن اليحصبي، وأبو محمد بن حوط الله، وأبو الحسين المقدسي، وأبو ذر الخشني، وأبو الصبر السبتي وغيرهم.    

ولما بلغَ شأوا من العلم، أتيح له أن يتصدر حلقات العلم في قرطبة ومساجدها. ثم هاجر من الأندلس بعد أن ظهر نبوغه وذاع صيته وعم نفعه، وتسنم عن جدارة منصب المدرس النحرير البليغ في علوم العربية، والمحدث الحافظ الثبت في علوم الحديث رواية ودراية، والفقيه المبرز المستحضر في المذاهب الفقهية، والشاهد العدل الحصيف في الحياة العلمية والاجتماعية.

وبعد هذا المسار العلمي الرصين، أصبح المؤلف منارة شامخة للعلم، تتوسط بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه، ويرتحل الناس إليه من جميع الأمصار، يأخذون عنه العلم والسماع والفقه، وينتفعون بكتبه ومروياته، ومن أهم مصنفاته كتابه الذي بين أيدينا” المفهم في شرح مسلم”، وهو من أجل الكتب، ويكفيه شرفا اعتماد الإمام النووي في كثير من المواضع، و”كشف القناع عن الوجد والسماع”، وله غير ذلك، وتوفي رحمه الله تعالى بالإسكندرية سنة656ه.

ثانيا: منهج أبي العباس في فقه الحديث من خلال كتابه “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم”.

تأتي أهمية “المفهم” في كونه من أشهر مؤلفات فقه الحديث في الغرب الإسلامي، انطلاقا من المصادر التي تحدثت عنه، أو شراح صحيح مسلم الذين نقلوا عنه، وعلى رأسهم الإمام النووي في المنهاج، والأبي في إكمال الإكمال. والمطلع على “المفهم” يجد في ثناياه نفائس وفوائد في اللغة وشرح الغريب، ومشكل الحديث ومختلفه، وشرح معانيه واستنباط الأحكام منه.

وقد حدد المؤلف معالم منهجه الأصيل في مقدمة كتابه، إذ يقول:”وبعد فلما حصل من تلخيص كتاب مسلم وترتيبه وتبويبه المأمول، وسهل إلى حفظه وتحصيله الوصول: رأينا أن نكمل فائدته للطالبين، ونسهل السبيل إليه على الباحثين؛ بشرح غريبه، والتنبيه على نكت من إعرابه، وعلى وجوه الاستدلال بأحاديثه، وإيضاح مشكلاته حسب تبويبه، وعلى مساق ترتيبه، فنجمع فيه ما سمعناه من مشايخنا، أو وقفنا عليه في كتب أئمتنا، أو تفضل الكريم الوهاب بفهمه علينا على طريق الاختصار، ما لم يدع الكشف إلى التطويل والإكثار، حرصا على التقريب والتسهيل، وعونا على التفهم والتحصيل، وسميته بـ: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم.

وقد اجتهدت في تصحيح ما نقلت ورأيت، حسب وسعي فيما علمت، غير مدع عصمة، ولا متبرئ من زلة، والعصمة من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ووجه الله الكريم لا غيره قصدت، وثوابه أردت، وهو المسؤول في المعونة عليه، والانتفاع به؛ إنه طيب الأسماء، سميع الدعاء.

فلنشرع فيما ذكرناه، مستعينين بالله تعالى”[2].

في هذه المقدمة رسم أبو العباس القرطبي صورة منهجه في فقه ما لخصه من أحاديث صحيح مسلم.

إن المتفحص لكتاب “المفهم” يجد أبا العباس يتناول الحديث من جهات ثلاث أولها: شرح غريبه، وثانيها: شرح معانيه، وثالثها: استنباط الأحكام الشرعية منه.

يستحضر المؤلف في شرحه لغريب الحديث أقوال العرب وأشعارهم وينقل عن فطاحلة اللغة وبلغائهم، ويستشهد لكل ذلك بآيات من القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

شرح غريب الحديث بالقرآن:

يقول أبو العباس القرطبي في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام: (أن تلد الأمة ربتها)[3]، :”والأمة هنا هي: الجارية المستولدة، وربها سيدها، وقد سمي بعلا في الرواية الأخرى، كما سماه الله تعالى بعلا في قوله: “أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين”. في قول ابن عباس، وحكي عنه أنه قال: لم أدر ما البعل حتى قلت لأعرابي: لمن هذه الناقة؟ فقال: أنا بعلها. وقد سمي الزوج بعلا، ويجمع: بعولة؛ كما قال تعالى: “وبعولتهن أحق بردهن في ذلك”، “وهذا بعلي شيخا” وربتها: تأنيث رب.

واختلف في معنى قوله: (أن تلد الأمة ربتها) على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المراد به: أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر، فيكثر التسري؛ فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها؛ لشرفه بأبيه، وعلى هذا: فالذي يكون من أشراط الساعة: استيلاء المسلمين على المشركين، وكثرة الفتوح والتسري.

وثانيها: أن يبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك؛ فتتداول الأمهات المستولدة، فربما يشتريها ولدها أو ابنتها ولا يشعر بذلك؛ فيصير ولدها ربها، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط، غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد، والاستهانة بالأحكام الشرعية؛ وهذا على قول من يرى تحريم بيع أمهات الأولاد، وهم الجمهور؛ ويصح أن يحمل ذلك على بيعهن في حال حملهن، وهو محرم بالإجماع.

وثالثها: أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب؛ ويشهد لهذا قوله في حديث أبي هريرة: المرأة مكان الأمة. وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظا[4][5].

وبين معنى كلمة “الحمائل”[6] الواردة في الحديث فقال: “والحمائل جمع حمولة بفتح الحاء؛ ومنه قوله تعالى:(حمولة وفرشا)، وهي: الإبل التي تحمل عليها الأثقال، وتسمى رواحل؛ لأنها يرحل عليها، وتسمى نواضح؛ إذا استقي عليها”[7].

شرح غريب الحديث بالحديث:

ومن ذلك معنى العصمة، قال القرطبي:” وقوله: “فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه”[8]، عصم: منع، والعصمة: المنع والامتناع، والعصام: الخيط الذي يشد به فم القربة، سمي بذلك لمنعه الماء من السيلان، والحق المستثنى: هو ما بينه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر بقوله: “زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل النفس التي حرم الله”[9].

وقال في شرحه لكلمة الكفر: “(أيما امرئ قال لأخيه: كافر)[10]، وأصل الكفر: التغطية والستر؛ ومنه سمي الزارع: كافرا؛ ومنه قوله تعالى: “أعجب الكفار نباته” أي: الزراع، ومنه قول الشاعر:

………. في ليلة كفر النجوم غمامها[11]

أي: ستر وغطى، والغمام: السحاب.

وأما الكفر الواقع في الشرع، فهو جحد المعلوم منه ضرورة شرعية، وهذا هو الذي جرى به العرف الشرعي، وقد جاء فيه الكفر بمعنى جحد المنعم، وترك الشكر على النعم، وترك القيام بالحقوق؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام  للنساء:”يكفرن الإحسان، ويكفرن العشير”[12]، أي: يجحدن حقوق الأزواج وإحسانهم؛ ومن هاهنا صح أن يقال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وسيأتي لهذا مزيد بيان”[13].

شرح غريب الحديث بأقوال علماء اللغة:

قال القرطبي شارحا لمعنى “أجهشت” من:”(قوله: أجهشت بكاء)[14] أي: تهيأت له وأخذت فيه؛ قال أبو عبيد: الجهش: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان مريدا للبكاء؛ كالصبي يفزع لأمه، فقال: جهشت، وأجهشت: لغتان، وقال أبو زيد: جهشت للبكاء والحزن والشوق جهوشا”[15].

ومن شرحه لغريب الحديث بمعهود العرب، قوله:”(وقوله: فاكتنفته أنا وصاحبي) [16]أي: صرنا بكنفيه. والكنف والكنيف: الساتر؛ ومنه قول العرب: أنا في كنفك، أي: في سترك.

وإنما جاءاه كذلك تأدبا واحتراما؛ إذ لو قاما أمامه، لمنعاه المشي، ولو صارا له من جانب واحد، لكلفاه الميل إليهما، وكانت هذه الهيئة أحسن ما أمكنهما”[17].

ومنه أيضا شرحه لمعنى (يأرز) من قوله صلى الله عليه وسلم:”إن الإيمان ليأرز إلى المدينة”[18]، قال أبو عبيد: أي: ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض كما تنضم الحية في جحرها. وقال ابن دريد: أرز الشيء يأرز، إذا ثبت في الأرض، وشجرة أرزة، أي: ثابتة.

وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم، من حيث إن المدينة دار هجرتهم ومقامهم، ومقصدهم وموضع رحلتهم”[19].

شرح غريب الحديث بأشعار العرب:

تنوعت المادة الشعرية المبثوثة في الكتاب؛ إذ نجد عشرات الأبيات الشعرية، يوظفها المؤلف في فك ما انغلق من ألفاظ الحديث، فالشعر ديوان العرب وسر فصاحتها، ومثاله شرح لفظة “الأناة “[20]: الرفق والتثبت في الأمور؛ يقال منه: تأنى الرجل يتأنى تأنيا؛ ومنه قول الشاعر:

أَناة وحلما وانتظارا بهم غدا[21][22].

وقال المؤلف في شرحه لكلمة:(الملائكة)[23]: جمع ملك، وقد اختلف في اشتقاقه ووزنه؛ فقال ابن شميل: لا اشتقاق له، وقال ابن كيسان: وزنه: فعل من الملك، وقال أبو عبيدة: هو مفعل من: لأك، أي: أرسل، وقال غيره: إنه مأخوذ من الألوكة، وهي الرسالة، فكأنها تؤلك في الفم، قال لبيد:

وغلام أرسلته أمه…بألوك فبذلنا ما سأل[24]

فأصله على هذا: مألك؛ فالهمزة فاء الفعل، لكنهم قلبوها إلى عينه، فقالوا: ملأك، ثم سهلوه، فقالوا: ملاك، وقد جاء على أصله في الشعر؛ قال:

فلست لإنسي ولكن لملأك…تنزل من جو السماء يصوب[25][26].

ومن ذلك أيضا قوله:” (قوله: مثل المؤمن كخامة الزرع)[27] الخامة هي: الغضة الرطبة من النبات. وأنشدوا:

إنما نحن مثل خامة زرع…فمتى يأن يأت محتصده[28][29].

والأمثلة في صور شرح الغريب كثيرة ومتعددة في الكتاب.

رسم أبو العباس قواعد التعامل مع غريب الحديث، من خلال نقله الكلمة إلى أصل استعمالها في أقوال العرب، ثم يستدل على ذلك بما حضر من شعر، أو نص شارح من القرآن، أو السنة، أو ينقل من علماء العربية وفقهائها أقوالهم، ثم يبني من كل ذلك المعنى المناسب للفظ الحديث في سياقه ومضمونه، وعلى ذلك يبني المعاني والأحكام المستنبطة من النص.

بيان مختلف الحديث:

إن منهج أبي العباس في التعامل مع المختلف الحديث (الأحاديث المتعارضة ظاهرا) يعتمد طرقا في بيان أوجه الجمع بينها أو ترجيح ما ترجح منها. وهناك مادة دسمة صاغها المؤلف في هذا المجال، تبرز جهدا كبيرا في تقريب سنة رسول الله عليه وسلم إلى الناس، من ذلك قوله:”(وقوله: ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)[30]: هذا يؤذن بأن وقت المغرب موسع كسائر أوقات الصلوات، وهو موافق لحديث أبي موسى: حيث صلى المغرب في اليوم الأول عند وقوع الشمس، وفي الثاني حين غاب الشفق، وهو قول مالك في الموطأ، وأحد قولي الشافعي، وقول الثوري، وأصحاب الرأي على اختلافهم في الشفق ما هو على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وقد عارض هذا الحديث في المغرب حديث جبريل[31]؛ فإن فيه: إنه صلاها في اليومين في وقت واحد حين غابت الشمس، وصار أيضا إليه جمهور من العلماء، وهو مشهور قول مالك والشافعي والأوزاعي وغيرهم، وقالوا: هو محدود الأول بمغيب قرص الشمس، وغير محدود الآخر، بل مقدرا آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف. ولما تعارض الحديثان اختلف العلماء في الأرجح منهما، فرجح كل منهم بحسب ما ظهر له .قلت: ويمكن الجمع والبناء بينهما بأن يقال: إن إيقاع المغرب في حديث جبريل في وقت واحد، لعله: إنما كان ليبين: أن إيقاعها في ذلك الوقت أفضل، ولذلك اتفقت الأمة على ذلك .وقد قال صلى الله عليه وسلم:”لا تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة  ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم”[32]. وليس فيه ما يدل على منع تأخيرها عن ذلك الوقت. وتكون أحاديث التوسعة تبين وقت الجواز، فيرتفع التعارض، ويصح الجمع، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين؛ لأن فيه إعمال كل واحد من الدليلين، والترجيح إسقاط أحدهما، والله أعلم”[33].

وقال فيما روي عن علي رضي الله عنه:”(قوله: وهذا أحب إلي)[34]، ظاهره: أنه أشار إلى الأربعين التي أمر بالإمساك عليها. وقد روي: أن المعروف من مذهبه الثمانون. فيكون له في ذلك القولان، لكنه دام هو على الثمانين لما كثر الإقدام على شرب الخمر.

وحاصل هذا الاختلاف في الأحاديث، وبين الصحابة راجع إلى أنه لم يتقدر في الخمر حد محدود. وإنما كان الأدب والتعزير، لكن استقر الأمر: أن أقصى ما بلغ فيه إلى الثمانين، فلا يزاد عليها بوجه. وقد نص على هذا المعنى السائب بن يزيد فيما خرجه البخاري قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإِمرة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين[35]. وعلى هذا: فلا ينبغي أن يعدل عن الثمانين؛ لأنه الذي استقر عليه آخر أمر الصحابة أجمعين”[36].

وهكذا بين أبو العباس سبب الاختلاف الصحابة في حد شارب الخمر، لأن الأمر يعود إلى فسوق الناس واستباحتهم للخمر، فجرت عليهم قاعدة:”تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور”[37]، فاتفاق الصحابة على ثمانين جلدة مؤكد لما روي من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بنعيمان، فضربه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أربع مرات. قال: فرأى المسلمون أن الحد قد وقع، وأن القتل قد رفع”[38].

وقد استثمر المؤلف القواعد الشرعية (الأصولية، والفقهية، والمقاصدية) في الجمع بين الروايات المتعارضة في ظاهرها، وبيان مختلف أوجه دلالة النصوص بتوجيه علمي معتبر لا تعسف فيه، مراعيا بذلك قواعد فقه النصوص كتقديم العام على الخاص، وبيان المجمل، والنص والظاهر، والناسخ والمنسوخ، وتقديم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم على أفعاله إلى غير ذلك.

توجيه مشكل الحديث:

أما بحث أبو العباس القرطبي في الكشف عن مشكل الحديث، فهو من غايات تأليف كتابه “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم”، وعلى حد قوله:”وإيضاح مشكلاته حسب تبويبه وعلى مساق ترتيبه”، مفسرا بذلك ما كان من النصوص في ظاهرها مستحيلا، أو معارضا للقواعد الشرعية الثابتة، ومن ذلك قوله:”وقوله صلى الله عليه وسلم:(أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا)[39] هذا خطاب منه لزوجاته خاصة، ألا ترى أنه قال لفاطمة رضي الله عنها: أنت أول أهل بيتي لحوقا بي[40]، وكانت زينب أول أزواجه وفاة بعده، وفاطمة أول أهل بيته وفاة، ولم يرد باللحاق به الموت فقط، بل: الموت والكون معه في الجنة والكرامة.

وتطاول أزواجه بأيديهن مقايسة أيديهن بعضهن ببعض، لأنهن حملن الطول على أصله وحقيقته، ولم يكن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما كان مقصوده طول اليد بإعطاء الصدقات، وفعل المعروف، وبين ذلك أنه: لما كانت زينب أكثر أزواجه فعلا للمعروف والصدقات كانت أولهن موتا، فظهر صدقه، وصح قوله صلى الله عليه وسلم”[41].

وبين معاني النظر في النصوص فقال:”(قوله: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[42]، نظر الله تعالى الذي هو رؤيته للموجودات، واطلاعه عليها لا يخص موجودا دون موجود، بل يعم جميع الأشياء؛ إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. ثم قد جاء في الشرع نظر الله تعالى بمعنى: رحمته للمنظور إليه، وبمعنى: قبول أعماله، ومجازاته عليها. وهذا هو النظر الذي يخص به بعض الأشياء، وينفى عن بعضها، كما قال تعالى:(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة) وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان. فقوله هنا: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم أي: لا يثيبكم عليها، ولا يقربكم منه، ذلك كما قال تعالى:(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) ثم قال:(إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون)”[43].

ومن بيانه أيضا قوله في الحديث:(لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر)[44]، “فاعلم: أنه لما كان اعتقاد الجاهلية: أن الدهر هو الذي يفعل الأفعال، ويذمونه إذا لم تحصل أغراضهم: أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله يفعل كل شيء، فإذا سبوا الدهر من حيث: إنه الفاعل، ولا فاعل إلا الله، فكأنهم سبوا الله تعالى، فلذلك قال الله تعالى:(يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر) أي: أنا الذي أفعل ما ينسبونه للدهر، لا الدهر، فإنه ليل ونهار، وأنا أقلبهما؛ أي: أتصرف فيهما بالإطالة، والإقصار، والإضاءة، والإظلام.

وفيه تنبيه: على أن ما يفعل، ويتصرف فيه، لا يصلح لأن يفعل. وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الحكماء بقولهم: ما له طبيعة عدمية يستحيل أن يفعل فعلا حقيقيا. والله تعالى أعلم”[45].

إن الناظر في هذه الأمثلة وغيرها، مما هو مبثوث في كتاب “المفهم”، يجد أن المؤلف يستعمل كل الأدوات العلمية  التي منها: ما هو نقلي كالبحث في روايات أخرى للحديث نفسه لاستخراج المعنى المناسب، أو التفتيش في  أقوال أرباب اللغة، أو نقل شواهد من السيرة والتاريخ، ومنها ما هو عقلي كتأويل نصوص الأحاديث وعدم حملها على حقيقتها، إذا استدعى الأمر ذلك، مع ذكر الاحتمالات المختلفة للمعنى، والترجيح بينها إن أمكن بالنقل، أو العقل، ملتزما بضوابط التأويل المعهودة عند العلماء.

يسلك المؤلف في شرحه للحديث منهجا علميا محكما، بحيث يلجأ إلى القرآن أولا، ثم السنة النبوية، ثم ما يرد بعد ذلك من أقوال العلماء وأحداث السيرة والتاريخ، فيلقي بالقارئ في بحر من المعارف المتنوعة. وبتتبع كتاب “المفهم” يستطيع الباحث أن يستخرج قواعد شرح الحديث، وهذه القواعد يمكن تلخيصها في ما يلي:

أولا: شرح السنة بالقرآن الكريم: نجد المؤلف يسوق الآيات لفهم الحديث، أو يذكر أقوال المفسرين في شرح كلمة في القرآن ورد مثلها في السنة، ومثاله: قال القرطبي:(وقوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام)[46]؛ السلام الأول: اسم من أسماء الله تعالى، كما قال تعالى: السلام المؤمن المهيمن”، والسلام الثاني: السلامة، كما قال تعالى: فسلام لك من أصحاب اليمين، ومعنى ذلك: أن السلامة من المعاطب والمهالك إنما تحصل لمن سلمه الله تعالى، كما قال:(وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)”[47].

ومن أغراض عرض السنة على الكتاب عند أبي العباس، نفي ما قد يتوهم من تعارض بينهما، وذلك بعد التسرع إلى رفض الحديث بدعوى مخالفته للكتاب، ولا تأويل لفهم القرآن بدعوى صحة الحديث، ولكن بالبحث الدقيق عن أوجه الجمع، قبل اللجوء إلى الترجيح، ومما يصح مثالا في هذا الباب، “قول عمر رضي الله عنه  في هذا الحديث أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟[48] يحتمل أن يقال: كان هذا قبل نزول قوله تعالى:(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا)، ويظهر من هذا المساق أن عمر رضي الله عنه وقع له في خاطره أن الله نهاه عن الصلاة عليه قبل نزول الآية، ويكون هذا من قبيل الإلهام والتحديث،  الذي شهد له به النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من سياق قوله تعالى:(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم)، وهذان التأويلان فيهما بعد، والذي يظهر لي – والله تعالى أعلم- أن البخاري ذكر هذا الحديث من رواية ابن عباس وساقه سياقة هي أتقن من هذه، وليس فيها هذا اللفظ، فقال عنه عن عمر: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله  صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: وثبت إليه فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أعدد عليه. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني. فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، لو أني أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا. قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم…قلت: وهذا مساق حسن وترتيب متقن، ليس فيه شيء من الإشكال المتقدم، فهو الأولى”[49].

يمكننا أن ننظر كيف استطاع المؤلف جمع الحديث والآية عن طريق رواية أخرى من صحيح البخاري، لتأويل متن الحديث؛ بمعرفة المتقدم والمتأخر من الحديث والآية، وعدم الوقوع في تعارض موهوم، يمكن رفعه بترتيب نزول النصوص على النبي صلى الله عليه وسلم، قبل اللجوء إلى الترجيح، وكل هذا من ثمرة عرض صور الوحي على بعضها من القرآن والسنة، لأنهما يصدران من مشكاة واحدة.

ثانيا: شرح السنة بالسنة: يعتمد أبو العباس القرطبي السنة لشرح بعضها البعض، حيث يوظف أسباب ورود الحديث في غير ما موضع، ويطبق قواعد المحدثين في الكشف عن المختلف والمشكل، ويعرض الروايات المختلفة للنص الواحد المتضمنة لزيادة بيان، بل ويسوق النصوص الشارحة لبعضها البعض إجمالا وتفصيلا، كما يجمع النصوص الواردة في نفس موضوع الحديث المشتغل بشرحه؛ لكشف غوامض الأسماء الموجودة فيه سندا أو متنا، إن كان لذلك أثر في توضيح معنى، أو صياغة تأويل.

ويورد المؤلف في شرحه للحديث روايات مختلفة لنفس الحديث متضمنة لزيادة تفسير، أو اختلاف في اللفظ، ومن ذلك قوله:” قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس[50]…وحديث ابن عمر هذا قد روي من طرق: ففي بعضها: شهادة أن لا إله إلا الله، وفي بعضها: على أن تعبد الله، وتكفر بما دونه، فالأولى نقل للفظ، والأخرى نقل بالمعنى، والأصل نقل اللفظ، وهو المتفق عليه…وقد وقع في بعض الروايات في الأصل تقديم الحج على الصوم، وهي وهم، والله أعلم؛ لأن ابن عمر لما سمع المستعيد يقدم الحج على الصوم، زجره ونهاه عن ذلك، وقدم الصوم على الحج، وقال: هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك في أن نقل اللفظ كما سمع هو الأولى والأسلم، والأعظم للأجر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)[51][52].

ومن ذلك تفسيره لمعنى الأيم؛ إذ يقول:”(قوله: الأيم أحق بنفسها من وليها)[53]، اتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل: هي المرأة التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. ومنه قوله تعالى:(وأنكحوا الأيامى منكم). تقول العرب: تأيمت المرأة: إذا أقامت لا تتزوج. ويقال: أيم بينة الأيمة، وقد آمت هي، وإمت أنا. قال الشاعر:

لقد إمت حتى لامني كل صاحب…رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت[54]

قال أبو عبيد: يقال: رجل أيم، وامرأة أيم. وأكثر ما يكون في النساء، وهو كالمستعار في الرجال.

قلت: والأيم في هذا الحديث هي: الثيب؛ بدليل الرواية المفسرة التي جعل فيها الثيب مكان الأيم[55]، وبدليل: أنها قوبل بها البكر، وفصل بينهما، فأعطيت كل واحدة منهما حكمهما. وهذا واضح جدا”[56].

وعلى هذا المنوال سار أبو العباس القرطبي في شرحه السنة بالسنة، بإيراد روايات أخرى لنفس الحديث تتضمن شرحا وزيادة تفسير.

ثالثا: الاستعانة بأسباب ورود الحديث: يلجأ أبو العباس إلى أسباب ورود الحديث حين لا يفهم الحديث أو يستعصي عليه فهم بعضه، ومنه شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم:”من صلى عليه مائة من المسلمين، شفعوا فيه”[57]، وفي الحديث الآخر:(أربعون)[58]، قيل: سبب هذا الاختلاف، اختلاف السؤال، وذلك أنه سئل مرة أخرى عمن صلى عليه مائة واستشفعوا له، فقال:(شفعوا). وسئل مرة أخرى عمن صلى عليه أربعون، فأجاب بذلك. ولو سئل عن أقل من ذلك، لقال ذلك، والله أعلم؛ إذ قد يستجاب دعاء الواحد، ويقبل استشفاعه. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من صلى عليه ثلاثة صفوف شفعوا فيه)[59]، ولعلهم يكونون أقل من أربعين”[60].

ومن ذلك قوله لحديث عروة:”ما أرى على أحدلم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي ألا أطوف بهما”[61]؛ إنما فهم هذا عروة من ظاهر قوله تعالى:(فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، ووجه فهمه أن رفع الحرج عن الفعل إنما يشعر بإباحته، لا بوجوبه، وهو مقتضى ظاهرها؛ إذا لم يعتبر سبب نزولها. فإذا وقف على سبب نزولها تحقق الواقع عليه: أنها إنما أتت رافعة لحرج من تحرج من الطواف بينهما على ما يأتي”[62].

نرى أن أبا العباس في شرحه للأحاديث يستعين بأسباب النزول وما ورد عن الصحابة الذين شهدوا نزول الوحي؛ لرفع كل إشكال، يؤول إلى تفسير خاطئ، يفسد المعنى من الحديث.

رابعا: الاستعانة بتأويلات العلماء في شرح السنة: يستعين أبو العباس القرطبي في كشف معاني الأحاديث بما يحفظ من أقوال العلماء جملة وتفصيلا موضحا أوجه الدلالة فيها، ومعضدا بالأثر تأويلاتها، ومرجحا لما كان منها أقوم حجة، ومن أمثلة ذلك شرحه لحديث الأعرابي الذي سأل رسول الله عن فرائض الإسلام وحين أخبره قال:”والله لا أزيد على هذا ولا أنقص”[63]، قال المؤلف:”قوله: فأدبر الرجل وهو يقول:”والله لا أزيد على هذا ولا أنقص”، قيل معناه: لا أغير الفروض المذكورة بزيادة فيها ولا نقصان منها. ولا يصح أن يقال: إن معناه: لا أفعل شيئا زائدا على هذه الفرائض المذكورة من السنن، ولا من فروض أخر إن فرضت، فإن ذلك لا يجوز أن يقوله ولا يعتقده؛ لأنه منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على مثله”[64].

وفي نفس السياق شرحه حديث:”أن من لقي الله تعالى وهو يشهد أن لا إله إلا الله، دخل الجنة، ولا يدخل النار”[65]، وهذا صحيح فيمن لقي الله تعالى بريئا من الكبائر. فأما من لقي الله تعالى مرتكب كبيرة ولم يتب منها، فهو في مشيئة الله تعالى التي دل عليها قوله تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الصحيحة المفيدة بكثرتها حصول العلم القطعي: أن طائفة كثيرة من أهل التوحيد يدخلون النار، ثم يخرجون منها بالشفاعة، أو بالتفضل المعبر عنه بالقبضة في الحديث الصحيح[66]، أو بما شاء الله تعالى، فدل ذلك على أن الحديث المتقدم ليس على ظاهره، فيتعين تأويله، ولأهل العلم فيه تأويلان: 

أحدهما: أن هذا العموم يراد به الخصوص، ممن يعفو الله تعالى عنه من أهل الكبائر، ممن يشاء الله تعالى أن يغفر له ابتداء، من غير توبة كانت منهم، ولا سبب يقتضي ذلك غير محض كرم الله تعالى وفضله؛ كما دل عليه قوله تعالى:(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وهذا على مذهب أهل السنة والجماعة؛ خلافا للمبتدعة المانعين تفضل الله تعالى بذلك، وهو مذهب مردود بالأدلة القطعية العقلية والنقلية، وبسط ذلك في علم الكلام.

وثانيهما: أنهم لا يحجبون عن الجنة بعد الخروج من النار، وتكون فائدته الإخبار بخلود كل من دخل الجنة فيها، وأنه لا يحجب عنها، ولا عن شيء من نعيمها، والله تعالى أعلم”[67].

لقد أشار المؤلف في هذا الحديث إلى التأويل الفاسد لأهل البدع، تنبيها للقارئ، ليأخذ حذره من المعاني البعيدة المتكلفة، مع كشفه لفسادها بالدليل والتأويل الصحيح.  

نجد المؤلف في ثنايا كتابه يلجم أفواه المذاهب الباطلة التي تنكر أمورا كثيرة أقرها الشرع الحكيم، ويلزمها بالحجة والبرهان، قبل أن يتهم أصحابها في دينهم وعقيدتهم، وما هذا إلا حرص منه لإنصافهم واتباع سبيل الحق، ولحفظ الحديث النبوي من كل الاتهام أو التكذيب، ومن ذلك قوله:”(قوله: العين حق) [68]أي: ثابت موجود، لا شك فيه. وهذا قول علماء الأمة، ومذهب أهل السنة. وقد أنكرته طوائف من المبتدعة، وهم محجوجون بالأحاديث النصوص الصريحة، الكثيرة الصحيحة، وبما يشاهد من ذلك في الوجود. فكم من رجل أدخلته العين القبر، وكم من جمل ظهير أحلته القدر، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال:(وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل، يتمسك في إنكار ذلك؛ باستبعاد ليس له أصل، فإنا نشاهد من خواص الأحجار، وتأثير السحر، وسموم الحيوانات ما يقضى منها العجب، ويتحقق أن كل ذلك فعل مسبب كل سبب. ولا يلتفت أيضا إلى قول من قال من المثبتين للعين: إن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك، أو يفسد، كما تنبعث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فتهلكه؛ لأنا نقول لهؤلاء: إن كنتم تريدون بالقوة أن هناك معنى يقتضي ذلك الضرر بذاته، وأن ذلك ليس فعلا لله تعالى فذلك كفر؛ لأنه جحد لما علم من الشرع والعقل؛ من: أنه لا خالق إلا الله عز وجل، ولا فاعل على الحقيقة إلا هو. وإن كان يريد بذلك: أن الله تعالى هو الفاعل للسبب والمسبب؛ فهو الحق الصريح، غير أن إطلاق لفظ القوة في هذا المعنى ليس بحسن عند المتشرعين ولا صحيح”[69].

منهجه في بنائه الفقهي واختياراته:

قد تميز منهج أبي العباس القرطبي بالجمع بين الفقه والحديث، وعرض آراء المذاهب الفقهية في المسألة، والترجيح بينها إن كان الأمر يقتضي الترجيح، أو لا يفعل ذلك، حتى يترك في الأمر سعة، وخاصة فيما لا يضر الخلاف فيه.

ثم يناقش مذاهب المخالفين، ويستعرض آراءهم، ويوضح أدلتهم إنصافا لهم، ثم يعترض ويحاجج، وينتقد ما يجب انتقاده بقوة الحجة، مع التزامه بالأدب الجم، الذي لا تعصب فيه ولا امتنان، تستوي في ذلك عنده كل المذاهب الفقهية والكلامية واللغوية، ممن عرض كلامهم في فهم نصوص الحديث والاستدلال بها، ثم يبني في كثير من الأحيان اختيارات فقهية بناء على ما انقدح في ذهنه من قوة حجة، أو دليل عقلا كان أو نقلا، كقوله في رؤية نور الله تعالى:”وأنى أراه استفهام على جهة الاستبعاد؛ لغلبة النور على بصره كما هي عادة الأنوار الساطعة كنور الشمس، فإنه يعشي البصر، ويحيره، إذا حدق نحوه، ولا يعارض هذا: رأيت نورا، فإنه عند وقوع بصره على النور رآه، ثم غلب عليه بعد، فضعف عنه بصره. ولا يصح أن يعتقد أن الله نور كما اعتقده هشام الجواليقي وطائفة المجسمة ممن قال: هو نور لا كالأنوار؛ لأن النور لون قائم بالهواء، وذلك على الله تعالى محال عقلا ونقلا. فأما العقل فلو كان عرضا أو جسما، لجاز عليه ما يجوز عليهما، ويلزم تغيره وحدثه. وأما النقل فقوله تعالى:)ليس كمثله شيء)، ولو كان جسما أو عرضا لكان كل شيء منهما مماثلا له.

وقول هذا القائل: جسم لا كالأجسام، أو نور لا كالأنوار متناقض، فإن قوله: جسم أو نور، حاكم عليه بحقيقة ذلك، وقوله: لا كالأجسام يعني لما أثبته من الجسمية والنورية، وذلك متناقض، فإن أراد أنه يساوي الأجسام من حيث الجسمية ومفارق لها من حيث وصف آخر ينفرد به، لزمت تلك المحالات من حيث الجسمية، ولم يتخلص منها بذكر ذلك الوصف الخاص؛ إذ الأعم من الأوصاف تلزمه أحكام من حيث هو لا تلزم الأخص كالحيوانية والنطقية”[70].

وقد وجدنا المؤلف في غير ما موضع يميل إلى مذهب أهل الحديث والأثر؛ إذ يقف عند الدليل من السنة لا يتعداه، بل وينص على ذلك في شكل قاعدة للاستنباط، حيث قال في مسألة الاستلحاق:”(وقول عبد بن زمعة في الغلام: أخي، وابن وليدة أبي)[71]، تمسك به الشافعي: على أن الأخ يستلحق، ومنعه مالك وقال: لا يستلحق إلا الأب خاصة؛ لأنه لا يتنزل غيره في تحقيق الإصابة منزلته. وقد اعتذر لمالك عن ذلك الظاهر بوجهين:

أحدهما: أن الحديث ليس نصا في أنه ألحقه به بمجرد نسبة الأخوة، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم علم وطء زمعة تلك الأمة بطريق اعتمدها من اعتراف، أو غيره، فحكم بذلك، لا باستلحاق الأخ.

والثاني: أن حكمه به لم يكن لمجرد الاستلحاق، بل بالفراش. ألا ترى قوله:(الولد للفراش)؟ وهذا تقعيد قاعدة، فإنه لما انقطع إلحاق هذا الولد بالزاني، لم يبق إلا أن يلحق بصاحب الفراش؛ إذ قد دار الأمر بينهما. وهذا أحسن الوجهين.

وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، حيث يقول: إن الولد لا يلحق إلا إذا تقدمه ولد سابق، على ما حكاه عنه الإمام أبو عبد الله المازري”[72].

كما ينسب أبو العباس القرطبي نفسه في مواضع كثيرة إلى مذهب مالك، فيقول:”ونحا إلى هذا بعض شيوخنا المالكية”[73]، “ونحوه عن الأبهري من شيوخنا”[74]، ومع عنايته بالحديث يجعلنا نصنفه ضمن الاتجاه الأثري في مدرسة مالك. وإننا نعرف أن أبا العباس القرطبي يقصد استنباط الأحكام، حين نقف على العبارات التالية (وقوله كذا دليل على كذا) أو (هذا الحديث دليل على كذا) أو ما شاكل ذلك.

ومن استنباطاته الفقهية قوله:”قم يا بلال فناد بالصلاة”[75]، حجة الأذان والقيام فيه، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماء إلا أبا ثور، وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجازه مالك وغيره لعلة به إذا أذن لنفسه.

ويحصل من الآذان إعلام بثلاثة أشياء: بدخول الوقت، وبالدعاء إلى الجماعة ومكان صلاتها، وبإظهار شعار الإسلام.

وقد اختلف في حكمه؛ فقال داود والأوزاعي، وهو ظاهر قول مالك في الموطأ بوجوبه في المساجد والجماعات، وقيل: إنه فرض على الكفاية. وبه قال بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي، وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة في مساجد الجماعات والعشائر، وهو المشهور من مذهب مالك وغيره، وسبب الاختلاف اختلافهم في قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: قم يا بلال فناد بالصلاة؛ هل هو محمول على ظاهره من الوجوب؟ أم هو مصروف عن ذلك بالقرائن؟ أعني قرائن التعليم. وأما من صار إلى أنه على الكفاية فيراعي ما يحصل منه من الفوائد الثلاثة المتقدمة الذكر”[76].

من خلال هذا الحديث وغيره نستشف أن المنهج التحليلي للقرطبي في استنباطاته الفقهية، يتسم بتقسيم الحديث إلى أجزاء، يخص كل جزء بالشرح والتحليل، بحسب ما تستدعيه الحاجة من بيان للقضايا اللغوية والحديثية والفقهية، مفصلا حكم المسألة عند الفقهاء، ومذاهبهم فيها، وأسباب اختلافهم، مع استحضاره للقول المشهور عند المالكية، ومرجحا للقول الذي يراه موافقا لمقصد الشارع.  

ورغم أن مذهب مالك أخذ النصيب الأكبر في “المفهم”، فإننا لم نلحظ من المؤلف تعصبا للمذهب، ولا تحيزا له من غير دليل مقنع، بل إنا وجدناه يخالف المذهب في كثير من الأحيان، ويرى أن مذهبه في المسألة فيه نظر، فيعيد النظر في كثير من الأحكام الواردة في المذهب، حين تكون الحجة إلى جانب غيره، بعقلية منصفة مدركة أن عزة مذهب مالك هي في قوة الدليل، وأن الحق تنشده كل المذاهب، فينبغي أن يكون هو القصد. بهذه العقلية الناقدة الفاحصة بنى أبو العباس القرطبي اختياراته الفقهية، خالف في بعضها مذهب مالك، نسوق منها مثلا يوضح جهد الرجل واتباعه للدليل حيث ما وجد، قوله:”وقال في الرواية الأخرى: (إما لا، فاذهبي حتى تلدي)[77]،  إما بكسر الهمزة التي هي همزته (إن) الشرطية، زيدت عليها(ما) المؤكدة؛ بدليل دخول الفاء في جوابها. و(لا) التي بعدها للنفي. فكأنه قال: إن رأيت أن تستري على نفسك وترجعي عن إقرارك فافعلي، وإن لم تفعلي فاذهبي حتى تلدي. ثم اختلف العلماء فيها إذا وضعت. فقال مالك: إذا وضعت رجمت، ولم ينتظر بها إلى أن تكفل ولدها. وقاله أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه. وهذا قول من لم تبلغه هذه الرواية التي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها. وقد روي عن مالك: أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع. وهو مشهور قول مالك، والشافعي، وقول أحمد، وإسحاق.

وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟ هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه. والأولى: رواية من روى: أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها، ووجدت من يكفله؛ لأنها مثبتة حكما زائدا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حق الولد. وإذا روعي حقه وهو جنين، فلا ترجم لأجله بالإجماع، فمراعاته إذا خرج للوجود أولى”[78].

ومنه أيضا قوله:”وقد تأول بعض أصحابنا الأذان في حديث أبي قتادة بمعنى الإعلام، وهو تكلف، بل الذي يجمع بين الأحاديث أنه إن احتيج إلى الأذان بحيث يجمع متفرقهم فعل، وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة، وإن كانوا مجموعين لم يحتج لذلك؛ إذ ليس وقتا راتبا فيدعى إليه الجميع ويعلمونه ويكون شعارا، وقد قدمنا أن هذه فوائد الأذان، وعلى هذا يحمل حديث أبي قتادة، والله أعلم”[79].

ونجده في مواطن عديدة يستدرك على أعلام المذهب المالكي، حيث يعيد النظر في كثير من الأحكام الواردة عندهم، حين تكون الحجة إلى جانب غيرهم، مدركا أن العزة للمذهب والانتصار له تكون بقوة الدليل ورجحانه، لأن الحق تنشده كل المذاهب، فينبغي أن يكون هو المقصد، ومن ذلك قوله:”ولا شك في أن الماء أولى من الحجارة؛ ولأجل هذا أنزل الله تعالى في أهل قباء: فيه رجال يحبون أن يتطهروا، قال أبو داود: عن أبي هريرة: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم[80]. وقد شذ ابن حبيب من أصحابنا، فقال: لا يجوز استعمال الأحجار مع وجود الماء. وهذا ليس بشيء؛ إذ قد صح في البخاري من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم  استعمل الحجارة مع وجود الماء في الإداوة مع أبي هريرة يتبعه بها[81]. ولبعد قياس إزالة النجاسة -والمقصود به النظافة- على التيمم وهو محض العبادة، والله أعلم”[82].

وحيث إن المؤلف يلتمس الدليل في الأثر حيثما يكون، فإننا نورد أمثلة من وقوفه عند الحديث في تقرير الحكم، أو حسم الخلاف، في حديث عباد بن تميم المازني عن عمه يقول:”خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين”[83].

قال أبو العباس:”(وقوله: استسقى، وحول رداءه، وقلب رداءه): استسقى: استفعل؛ أي: طلب السقيا بتضرعه ودعائه، وإنما قلب رداءه على جهة التفاؤل؛ لانقلاب حال الشدة إلى السعة. وجمهور العلماء على أنه سنة، على ما تضمنه هذا الحديث، وأنكره أبو حنيفة، وضعفه بن سلام من قدماء العلماء بالأندلس، والحديث حجة عليهم”[84]

وقال في بناء القبور:”وبظاهر هذا الحديث[85] قال مالك، وكره البناء والجص على القبور، وقد أجازه غيره، وهذا الحديث حجة عليه، ووجه النهي عن البناء والتجصيص في القبور أن ذلك مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبه بمن كان يعظم القبور ويعبدها. وباعتبار هذه المعاني وبظاهر هذا النهي ينبغي أن يقال هو حرام، كما قد قال به بعض أهل العلم”[86].

وفي غسل النبي صلى الله عليه وسلم مع إحدى زوجاته يحتج بقوله:”ولا شك في أن هذه الأحاديث أصح وأشهر عند المحدثين، فيكون العمل بها أولى، وأيضا فقد اتفقوا على جواز غسلهما معا، مع أن كل واحد منهما يغتسل بما يفضله صاحبه عن غرفه”[87].

هذه الحزمة من الأحاديث دليل لاتباع المؤلف الأثر حيثما يكون، مع تحرره من الترديد والتعصب المذهبي، بعقلية فاحصة ناقدة، مكنته من بناء اختيارات فقهية محكمة وموافقة لمقصود الشرع. 

وختاما، يمكننا أن نلخص أهم مرتكزات منهج أبي العباس في فقه الحديث من خلال كتابه “المفهم” فيما يلي:

تبصره بعلوم الحديث والفقه والتفسير واللغة وغيرها دليل على حنكته العلمية التي استطاع من خلالها أن يصوغ قواعد فقه الحديث.

عنايته بغريب الحديث؛ إذ لا نكاد نقف على شرحه للأحاديث إلا ومادة اللغة بارزة ظاهرة.

النقل عن العلماء لم يمنعه من أن يكون له رأي واجتهاد في شرح الأحاديث، بل براعة في التأويل والاستنباط وتتبع أوجه دلالة الحديث.

مخالفة مذهب مالك وانتقاده لبعض مسائله، لا يفكه عنه لأنه بسط أدلته، وانتصر له بالدليل في غير ما مسألة.

عرض خلاف المذاهب الفقهية بأمانة وأدب، وتتبع الدليل والوقوف عنده بعقلية منصفة، أسهمت في بنائه لاختيارات فقهية رزينة.

الاختصار وعدم الاستطراد في القضايا لغوية كانت أو فقهية، مقتديا في ذلك اختصاره لصحيح مسلم.

**************************

هوامش المقال:

[1] – الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، 1 /524-525. الوافي بالوفيات، 7 /174. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، 1 /240-242. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 2/ 615. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 7/ 473.

[2] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /83-84.

[3] – صحيح البخاري، كتاب: العتق، باب أم الولد، برقم:(2395). صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، برقم: (8).

[4] – المعجم الأوسط للطبراني، برقم:(6427).

[5] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، ، 1 /148.

[6] – من حديث عن أبي هريرة قال:”كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير. قال فنفذت أزواد القوم. قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم”. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، برقم:(27). سنن النسائي، كتاب السير  جمع زاد الناس إذا فني زادهم، وقسم ذلك كله بين جميعهم، برقم: (8743).

[7] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /197.

[8] – صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب: قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة، برقم:(6526). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، يؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق، برقم:(20). 

[9] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /188-189.

[10] – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، برقم:(5753). كتاب الإيمان، باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر، برقم:(60).

[11] – ديوان لبيد بن ربيعة، حرف الميم، عفت الديار (المعلقة)، ص111.

[12] – صحيح البخاري، كتاب: الإيمان، باب: كفران العشير، وكفر بعد كفر، برقم:(29). صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم:(907).

[13] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /252-253.

[14] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، برقم:(31).

[15] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /208.

[16] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، برقم:(8). سنن أبي داود، كتاب السنة  باب في القدر، برقم:(4695). سنن الترمذي، أبواب الإيمان، باب: ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام، برقم:(2610).

[17] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1/ 134.

[18] – صحيح البخاري، أبواب فضائل المدينة ، باب: الإيمان يأرز إلى المدينة، برقم:(1777). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، وإنه يأرز بين المسجدين، برقم:(147).

[19] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1/363.

[20] – من قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس:”إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب، الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه، برقم:(18). سنن أبي داود، أبواب النوم  باب في قبلة الرجل، برقم:(5225).

[21] – الحماسة الصغرى، لأبي تمام، ص167.

[22] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1/ 178.

[23] – من حديث جبريل وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم:”قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته…”. صحيح البخاري، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، برقم:(50). صحيح مسلم،كتاب الإيمان،  باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، برقم:(8).

[24] –  ديوان لبيد بن ربيعة، حرف اللام،  وأرى أربد قد فارقني، برقم:(91).

[25] – شرح ديوان علقمة الفحل، وفيه:(وليست بأنسي ولكن مألكا) بدل (فلست لإنسي ولكن لملأك)، ص16.

[26] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /147.

[27] – صحيح البخاري، كتاب: المرضى، باب: ما جاء في كفارة المرضى، برقم:(5319). صحيح مسلم، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: مثل المؤمن كالزرع، ومثل الكافر كشجر الأرز، برقم:(2810).

[28] – ديوان الشماخ، ص435.

[29] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 7/ 126.

[30] – صحيح مسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس، برقم:(612).

[31] – سنن النسائي، كتاب: المواقيت، أول وقت المغرب، برقم:(519).

[32] – سنن أبي داود، كتاب: الصلاة، باب: في وقت المغرب، برقم:(418). سنن ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب، برقم:(689).

[33] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2/ 237-238.

[34] – صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب: الحد في الخمر، برقم:(4480).

[35] – صحيح البخاري، كتاب الحدود ، باب: الضرب بالجريد والنعال، برقم:(6397).

[36] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 5/ 136-137.

[37] – رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ص131-132.

[38] – السنن الكبرى للنسائي، كتاب: الحد في الخمر ، نسخ القتل، برقم:(5284).

[39] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب: من فضائل زينب، أم المؤمنين، رضي الله عنها، برقم:(2452).

[40] -صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، برقم:(3426). صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب: من فضائل فاطمة، بنت النبي، عليها الصلاة والسلام، برقم:(2450).

[41] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 6/ 360.

[42] – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، برقم:(2564). سنن ابن ماجه،  كتاب الزهد، باب القناعة، برقم:(4143).

[43] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 6 /537-538.

[44] – صحيح مسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها ، باب: النهي عن سب الدهر، برقم:(2246).

[45] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 5 /549.

[46] – صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفة، برقم:(592). سنن أبي داود، باب: تفريع أبواب الوتر، باب: ما يقول الرجل إذا سلم، برقم:(1512). سنن الترمذي، أبواب الصلاة  باب ما يقول إذا سلم، برقم:(298). سنن النسائي، كتاب السهو، باب: الاستغفار بعد التسليم، برقم:(1337). 

[47] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2 /211.

[48] – صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: الكفن في القميص الذي يكف، أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص، برقم:(592). صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، برقم:(2400). 

[49] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2 /539-540.

[50] – صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب، الإيمان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس)، برقم:(8). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم:(16).

[51] – سنن أبي داود، كتاب العلم، باب: فضل نشر العلم، برقم:(3660). سنن الترمذي، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، برقم:(2658). سنن ابن ماجه، فتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب: من بلغ علما، برقم:(231).

[52] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1/ 168-169.

[53] – صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، برقم:(1421). سنن أبي داود، كتاب النكاح  باب في الثيب، برقم:(2098). سنن النسائي، كتاب النكاح، استئذان البكر في نفسها، برقم:(3260).

[54] – البيان والتبيين للجاحظ، نسبه لابن المعذل وفيه: (تأيمت) بدل (لقد إمت)، 2/210.

[55] – من حديث ابن عباس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الأيم أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها. وإذنها صماتها؟”. صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، برقم:(1421).

[56] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 4/ 114-115.

[57] – لفظ الحديث، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه”، صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب: الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح برقم:(815).

[58] – من حديث:”ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه”. صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم:(948).

[59] – سنن أبي داود، كتاب الجنائز ، باب: في الصفوف على الجنازة، برقم:(3166). سنن الترمذي،  أبواب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت، برقم:(1028).

[60] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2/ 505-506.

[61] – صحيح البخاري، أبواب العمرة، باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، برقم:(1698). صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم:(1277).   

[62] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 3 /382-383.

[63] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم:(8).

[64] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2/159.

[65] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم:(93).   

[66] – عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، أو قال: حمية السيل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تروا أنها تخرج صفراء ملتوية”. صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، برقم:(6192). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، برقم:(184).

[67] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /199-200.

[68]- صحيح البخاري، كتاب الطب، باب: العين حق، برقم:(5408). صحيح مسلم، كتاب السلام، باب: الطب والمرض والرقى، برقم:(2188).

[69] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 5/ 566.

[70] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1 /407-408.

[71] –  صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب: الولد للفراش، حرة كانت أو أمة، برقم:(6368). صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب: الولد للفراش، وتوقى الشبهات، برقم:(1457).

[72] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 4/ 195.

[73] – المصدر السابق، 3/ 125.

[74] – المصدر السابق، 3 /124.

[75] – صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب: بدء الأذن، برقم:(579). صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، برقم:(377).

[76] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2 /6-7.

[77] – صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم:(1695). سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب: المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، برقم:(4442).

[78] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 5 /97.

[79] – المصدر السابق، 2/309.

[80] – سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب: في الاستنجاء بالماء، برقم:(44). سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، باب: ومن سورة التوبة، برقم:(3100).

[81] – صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب: ذكر الجن، برقم:(3647).

[82] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 1/ 520.

[83] – صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، برقم:(894).

[84] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2/ 542.

[85] – من حديث جابر رضي الله عنه قال:”نهى رسول الله  صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه”. صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب: النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، برقم:(970). سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب: في البناء على القبر، برقم:(3225). 

[86] – المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم، 2/ 626-627.

[87] – المصدر السابق، 1 /584.

***************************

لائحة المصادر والمراجع

 البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، دار ومكتبة الهلال، بيروت، سنة النشر: 1423هـ.

الحماسة الصغرى، لأبي تمام حبيب بن أوس، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، وزاد في حواشيه: محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة ط3.

الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب،  إبراهيم بن فرحون، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطبع والنشر، القاهرة.

 ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني، حققه وشرحه صلاح الدين الهادي، دار المعارف-مصر.

ديوان لبيد بن ربيعة العامري، اعتنى به: حمدو طماس، دار المعرفة الطبعة الأولى: 1425هـ- 2004م.

  الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة،  أبو عبد الله محمد الأوسي المراكشي، تحقيق: إحسان عباس، محمد بن شريفة، بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، تونس، الطبعة: الأولى، 2012 م.  

الرسالة، أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، دار الفكر.

سنن ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،  دار إحياء الكتب العربية-فيصل عيسى البابي الحلبي.

سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت.

سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي-مصر، الطبعة الثانية: 1395ه-1975م.

السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، مؤسسة الرسالة–بيروت الطبعة: الأولى، 1421هـ -2001م.

سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية-حلب، الطبعة الثانية: 1406هـ- 1986م.

  شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي ابن العماد الحنبلي، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، الطبعة: الأولى، 1406ه- 1986م.

شرح ديوان علقمة الفحل، السيد أحمد صقر،  مكتبة المحمودية التجارية بالقاهرة، ط1: 1335ه-1935م.

صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، سنة النشر: 1374ه-1955م.

 المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان الطبراني، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله – أبو الفضل عبد المحسن الحسيني.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم،  أبو العباس أحمد القرطبي، حققه وعلق عليه وقدم له: محيي الدين ديب ميستو-أحمد محمد السيد-يوسف علي بديوي-محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دار الكلم: دمشق-بيروت، الطبعة الأولى: 1417هـ-1996م.

 نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر- بيروت– لبنان، الطبعة: الأولى، 1997م.

الوافي بالوفيات،صلاح الدين خليل الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث-بيروت، سنة النشر:1420هـ- 2000م.

*راجع المقال الباحثة: خديجة ابوري، والباحث: يوسف أزهار

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق