مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

فضل نشر العلم من خلال حديث: نضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره .. “

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

    فإن أفضل ما صرفت فيه الأوقات، واستثمرت فيه الساعات، وأمضيت فيه الأعمار، الاشتغال بالعلم وتحصيله، والعناية به، سماعا وفهما، وحفظًا ومذاكرة، وتبليغا، بهذا دلت العديد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ” نضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه”([1])

     ففي هذا الحديث الشريف المتواتر يُذكِّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بفضل طلب العلم ونشره وتبليغه، وقد صدَّره بدعوة مباركة؛ وهي الدعوة بالنضارة لمن سمع حديثه صلى الله عليه وسلم ووعاه وفهمه، فبلغه كما سمعه منه، ومعنى النضارة كما قال الخطابي: “الدعاء له بالنضارة وهي: النعمة والبهجة يقال: بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودهما التخفيف”([2])، وقال ابن الأثير: “نضره، ونضره، وأنضره أي: نعمه، ويروى بالتخفيف والتشديد، من النضارة وهي في الأصل: حسن الوجه والبريق؛ وإنما أراد حسن خلقه وقدره”([3])، وقال الحافظ السيوطي: قال أبو عبد الله محمد بن جابر: أي: “ألبسه الله نضرة وحسنا، وخلوص لون وزينة، وجمالا أوصله لنضرة الجنة نعيما ونضارة، قال تعالى: (ولقاهم نضرة وسرورا) ([4])([5])، وقوله: (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) ([6])

قال ابن القيم: “ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفًا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامه ووعاه وحفظه وبلغه” ([7])

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “امرأً” أي: شخصا أيا كان من الصحابة رضي الله عنهم، ومن سمع منهم،وهذا عام لأمته صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.

وفي قوله: ” سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره “؛ فيه حث على سماع الحديث وحفظه وتبليغه للناس، قال الإمام الطيبي –رحمه الله-“وإنما خص حافظ سنته ومبلغها بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم وتحديد السنة فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة” ([8])

وفي قوله صلى الله عليه وسلم:(فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه”؛ فيه حث على التفقه في الحديث، واستنباط معانيه، وحكمه، وأسراره، وفيه أيضا إشارة إلى المحافظة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما سمعه السامع، وهذا فيه دلالة كما قال الخطابي: ” على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهم .” ([9])

      وختاما أرجو أن أكون قد وفقت في بيان معنى هذا الحديث، واللَّهَ أسأل أن يوفقنا لطاعته والعمل في مرضاته، وأن يوفقنا لاستغلال أوقاتنا، وأعمارنا في الاشتغال بالعلم وتحصيله سماعا وحفظا وتبليغا إنه سميع مجيب.

***********************

هوامش المقال:

([1]) رواه جمع من الصحابة وهو من الأحاديث المتواترة، وهذا لفظ الترمذي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه سنن الترمذي (4 /30) برقم: (2656)

([2]) معالم السنن (4 /187).

([3]) النهاية في غريب الحديث والأثر (4 /71).

([4]) سورة الإنسان  الآية: 11.

([5]) نقلا عن عون المعبود (10 /68).

([6]) سورة المطففين الآية: 24.

([7]) مفتاح دار  السعادة (ص: 71).

([8])شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (2 /683).

([9]) معالم السنن (4 /187).

*****************

المراجع المعتمدة:

الجامع الكبير. أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي – بيروت ط 1998.

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح. شرف الدين الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي. تحقيق ودراسة: د عبد الحميد هنداوي. مكتبة نزار مصطفى الاز مكة المكرمة الرياض. ط1/ 1417-1997.

عون المعبود شرح سنن أبي داود. أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. دار الكتب العلمية – بيروت. ط2/ 1415.

معالم السنن. أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي. طبعه وصححه: محمد راغب الطباخ المطبعة العلمية بحلب. ط1 /1352-1934.

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة. أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي. دار الكتب العلمية – بيروت لبنان. (د.ت).

النهاية في غريب الحديث والأثر. مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري. تحقيق: محمود محمد الطناحي- طاهر أحمد الزاوي. دار إحياء التراث العربي. بيروت لبنان. (د.ت).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق