مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

فرق مغربية مخالفة لاعتقادات الجمهور

 تعددت هذه الفرق، ونشطت في بعض المناطق المغربية، وتصدت بأساليبها الغالية وعبأت أنصارها، معتمدة منظومات فكرية معينة لتسنم مقاعد الحكم، فكادت تتسبب في تفتيت وحدة البلاد السياسية والعقدية.
أ‌-فرقة المهدوية: تنسب هذه الفرقة إلى المهدي المنتظر، الذي يعتقد فيه الشيعة اعتقادا أعمى، ويؤمنون برجعته بعد اختفائه، ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا، وهي دعوى اعتنقها الفاطميون، فبوأتهم أعلى المراتب بين العامة، حتى أسسوا أركان دولتهم في المشرق والمغرب على السواء. وقد تبناها بدوره زعيم الموحدين أبو عبد الله محمد بن تومرت السوسي لتثبيت دعائم دولتهم، حين عرف كيف يستثمر قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفائدة مطامحه السياسية، ويركز بالخصوص على تجديد الفكر العقدي عن طريق النظم والتأليف باللغة العربية واللهجة البربرية.
وقد عششت المنظومة الفكرية للطائفة التومرتية، وأفرخت من كان يحتج لدعوتها من أهل الفكر عامة. ذلك أنه فضلا عن المؤرخين الذين نشأوا في كنف هذه الدولة، وخلدوا مآثرها، نجد الصوفية أيضا يسيرون في ركابها وينتصرون لمؤسسها، كشأن أبي زيد عبد الرحمن اللجائي مؤلف كتب:” قطب العارفين” و”شمائل الخصوص” و”المقصد الأسنى في المهدي الأقنى” تحدث في هذا الأخير كما يتضح من عنوانه عن مناقب المهدي بن تومرت منافحا دونه وأنه المهدي المنتظر، وأنه امتحن على يد قضاة الوقت في ذلك، حتى دعي إلى فاس ثم إلى مراكش، وأنه أنقذه الله من المحنة، ورجع إلى بلده سالما.
فلا غرو إذن، أن يشهد القرن الحادي عشر الهجري امتدادا للتيار الشيعي، ولعل في النموذجين التاليين ما يغني عن كل إطالة: أحمد بن أبي محلي، ومحمد الكراري.
مهدوية أحمد بن أبي محلي: هو الفقيه الصوفي أحمد بن عبد الله أبو محلي، درس على ابن مبارك التستاوتي، وصنف كتبا ضمنها أفكاره الشيعية، التي جاء فيها قوله:« ثم إن قيل بعد هذا كله، كلامك أيها الإنسان كله يحوم حول مقام المهدي المشهور عند العامة، بالفاطمي المنتظر…فإن كنته حقا فاصدع بما تؤمر، وبشرنا تؤجر..فالجواب: أن الأمر كذلك»
وكان مهد دعوة ابن أبي محلي في أول الأمر بلاد القبلة، حيث ادعى أنه المهدي المنتظر، ثم سجلماسة، ثم درعة، فالحضرة المراكشية، التي تربع على كرسي الحكم وقتل سنة1022هـ. ويبدو أن الندم قد عصر قلبه بعد أن حقق مرغوبه، كما يستفاد من قوله:«رمنا أن نحيي الدين فأتلفناه».
مهدوية محمد بن إسماعيل المسناوي الكراري: ينتمي إلى قبيلة تيكورارين بالصحراء، أعلن مذهبه في السوس الأقصى، ثم رحل إلى الشرق فزار اليمن والعراق وتركيا وليبيا فعاد إلى المغرب عام1060هـ، حيث استمر ناشرا دعوته بجبل العلم، وقد اتصل به أبو سالم العياشي بفجيج سنة1064هـ «فطلب-يقول العياشي- منا المساعدة على ما يحاوله، فلم يصادف عندنا ما يحب وأظهر، وأظهرنا له جلية أمرنا، وأنا لسنا ممن يتعرض لما ليس من شأننا، ولا ممن له قدرة على أقل ما يحاوله، فلما تحقق ذلك منا، أظهر التأسف والتلهف على ما مضى من عمره، وسعيه من غير طائل. فقال: إني جلت جوانب الأرض كلها، فلم أجد من يبكي الإسلام بالعين التي أبكي، والله فوالله ما كذبت ولا كذبت، إلا أني عسى أن أكون قد غلطت فيما أخبرت به».
ومن خلال هذين النموذجين، يتضح أن لذة الرياسة وحب الامتياز بالاختصاص، كانت من الأسباب الرئيسية والمباشرة، في تحريك همم هؤلاء”العلماء السلاطين”، اعتمادا على الرؤى المنامية، والأحوال التي ترد عليهم، وكلها أمور لا تنضبط ولا يعول عليها.
ب‌- فرقة العكاكزة: اختلفت آراء المؤرخين في أصل وتاريخ هذه الطائفة الضالة، والثابت أنها تنتمي إلى أحمد بن عبد الله المنزولي، تلميذ الشيخ يوسف الراشدي الملياني، وقد أظهرت المروق في الدين بشكل خطير، حتى إنها سنت لأتباعها تعاليم وقواعد دينية خاصة بها، وكثر أتباعها من أغمار الناس في مناطق مختلفة، ذكرها صاحب الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، نقلا عن مخطوط لمؤلف مجهول.
وأمام خطر العكاكزة على أصول العقائد، أجمع العلماء المصلحون أمرهم لكسر شوكتهم، وتفنيد مزاعمهم بالقلم واللسان، وخاطبوا في شأنهم الحكام، ومن هؤلاء أحمد بن يوسف الراشدي الملياني الذي يزعمون الانتساب إليه، وهو منهم بريء «وقاتلهم وبلغ المجهود في تشريديهم» وابن عسكر، والعربي الفاسي، والحسن اليوسي.
جـ- طائفة الأندلسيين: رئيس هذه الطائفة، هو الفقيه أبو عبد الله الأندلسي، الذي استوطن مدينة مراكش، جاهر بالوقوع في الأئمة، فتلقف نحلته أصحابه، وشاع فيهم حتى لقبوا بالمحمدية، وسموا من خالفهم بالمالكية، نسبة إلى الإمام مالك، فانساقت العامة وراءهم وكثر أتباعهم، وفشا التعصب، ووقعت المجاهرة بالقتال وسفك الدماء.
وقد ذهب الأندلسي إلى أبعد حدود الغلو في الدين، حتى شنعوا عليه أنه يقول: «الاشتغال بالصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم فتور في الذكر، وأشياء مستغربة..» فأمضى فيه السلطان محمد بن عبد الله الغالب بن محمد الشيخ سنة984هـ فتوى الفقهاء بتضليله وقتله.
ومن العلماء الذين انتقدوا الفقيه الأندلسي هذا، ودحضوا أقواله، ابن القاضي في”درة الحجال”، والمؤلف المجهول صاحب كتاب”تبصرة الرئيس الأمين”، وعبد الكبير بن عبد المجيد الكثيري”عليوات”، في مؤلفه”سراج الغيوب في أعمال القلوب”، الذي ألفه على إثر ليلة اجتمع فيها باليوسي بزاوية وزان..
د- طائفة سجلماسة المغالية في تلقين العقائد: وقعت هذه الطائفة بدورها في حبائل الغلو الديني، فغالت في فهم وتفهيم مسائل العقيدة، إلى حدّ حُكمها بالكفر على العامة، لقصور أنظارهم-في رأيها- عن فهم قضايا التوحيد على سنن النظار من أهل الفن، مع أن رئيس هذه الطائفة لم يكن من ذوي الشأن في العلوم النظرية، وإنما هو فقيه عارف بأحكام النوازل والفروع.
وقد اشتدت فتنتهم، وانتشر الشغب في العامة بسببهم حينما «جعلوا يسألون الناس عما يعتقدون، فإذا وجدوا واحدا منهم جاهلا ببعض ما يعتقد ضللوه وشنعوا عليه، وربما رموه بالكفر، وإن كان غير منازع ولا منكر ما علم من الدين ضرورة، وحكموا على غيره من العامة بذلك على ضرب من القياس، فأشاعوا أن جل العامة كفارا أو كلهم».

 

[مقدمة تحقيق كتاب مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص لليوسي

بقلم: حميد حماني-ج/1-ص:45 فما فوق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق