مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

فتوى ابن رشد في من يسب الأشاعرة

 

كُتِب إلى الإمام ابن رشد الجد من مدينة فاس بالسؤال عن الأشعرية، وعن أبي الحسن الأشعري ،وعن أبي بكر الباقلاني ،وأبي بكر بن فورك،وأبي المعالي الجو يني ،ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام ،ويتكلم في أصول الديانات،ويصنف في الرد على أهل الأهواء ، أهم أئمة رشاد وهداية،؟أم هم قادة حيرة وعماية؟،وما القول في من يسب الأشعرية وينتقصهم،ويسب كل من ينتمي إلى مذهبهم، ويكفرهم ويتبرأ منهم،ويعتقد أنهم على ضلالة وخائضون في جهالة،؟ ماذا يقال لهم،ويصنع بهم،ويعتقد فيهم؟ أيتركون على أهوائهم أم يكف على غلوائهم؟وهل ذلك جرحة في أديانهم ودخل في إيمانهم؟وهل تجوز الصلاة ورائهم أم لا؟

فأجاب – رحمه الله- بهذا الجواب ونصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه،وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى ،ممن يجب بهم الإقتداء،لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه الزيغ والضلالة،وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات،فهم،لمعرفتهم بأصول الديانات،العلماء على الحقيقة لعلمهم بالله عز وجل،وما يجب له،وما يجوز عليه،وما ينتفي عنه،إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول،فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم ،ويقر لهم بسوابقهم،فهم الذين عنى النبي عليه السلام- والله أعلم- بقوله:( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله،ينفون عنه تحريف الغالين،وانتحال المبطلين،وتأويل الجاهلين)[1]،فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبي جاهل،أو مبتدع زائغ عن الحق مائل،ولا يسبهم ،وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق،وقد قال الله عز وجل ( والذين يؤذون المومنين والمومنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإ ثما مبينا)[2]،فيجب أن يبصر الجاهل منهم ،ويؤدب الفاسق،ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مشتهرا ببدعته،فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوب كما فعل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بصبيغ المتهم[3] في اعتقاده من ضربه إياه حتى قال له يا أمير المؤمنين :إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء،وإن كنت تريد قتلي فأجهز علي ،فخلى سبيله.[4] وفي جواب آخر حين سئل عن أئمة الأشعريين هل هم مالكيون أم لا؟وهل ابن أبي زيد ونظراؤه أشعريون أم لا؟وهل أبو بكر الباقلاني مالكي أم لا؟

 قال:لا تختلف مذاهب أهل السنة في أصول الديانات ،وما يجب أن يعتقد من الصفات ،ويتأول عليه ما جاء في القرآن والسنن والآثار من المشكلات ،فلا يخرج أئمة الأشعرية بتكلمهم في الأصول ،واختصاصهم بالمعرفة بها عن مذاهب الفقهاء في الأحكام الشرعيات التي تجب معرفتها فيما تعبد الله به عباده من العبادات ،وإن اختلفوا في كثير منها ،فتباينت في ذلك مذاهبهم،لأنها كلها على اختلافها مبنية على أصول الديانات التي يختص بمعرفتها أئمة الأشعرية ،ومن عني بها بعدهم،فلا يعتقد في ابن أبي زيد وغيره من نظرائه أنه جاهل بها،وكفى من الدليل على معرفته بها ما ذكره في صدر رسالته مما يجب اعتقاده في الدين،وأما أبو بكر  الباقلاني فهو عارف بأصول الديانات وأصول الفقه على مذهب مالك رحمه الله وسائر المذاهب،ولاأقف هل ترجح عنده مذهب مالك على سائر المذاهب أم لا؟لأن المالكي إنما هو من ترجح عنده مذهب مالك على سائر المذاهب،لمعرفته بأصول الترجيح،أو اعتقد أنه أصح المذاهب من غير علم فمال إليه،والعالم على الحقيقة هو العالم بالأصول والفروع،لامن عني بحفظ الفروع،ولم يتحقق بمعرفة الأصول.[5]

 

 

 

 

 

 


[1]– أخرجه الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي هريرة في كتاب شرف أصحاب الحديث ص28 الحديث رقم 521

[2]– سورة الأحزاب الآية 58

[3]– أخرجه مالك بغير هذا اللفظ في كتاب الجهاد باب ما جاء في السلب في النفل تنوير الحوالك ج2ص 12

[4]– فتاوي ابن رشد ج2ص 802 وج2 ص تحقيق المختار بن الطاهر التليلي ،الطبعة الأولى 1407هـ/1987م دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان.943

[5] فتاوي ابن رشد ج2ص.1060

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق