غيث النفع في توجيه القراءات السبع
الحمد لله الذي أنزل القرآن على نبيه على سبعة أحرف تخفيفا عن هذه الأمة وتيسيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرسله الله للناس بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه التّالين لكتاب الله تجويدا وتحبيرا.
وبعد:
فهذه وريقات أبتغي من خلالها توجيه القراءات السبع، قراءات الأمصار الخمسة: المدينة ومكة والبصرة والشام والكوفة، وعلم توجيه القراءات، أو إن شئت قلت علم القراءات دراية هو «علم يعنى ببيان وجوه القراءات القرءانية، ومعاني تقلباتها في مختلف مآخذها اللغوية والدلالية.
ويفهم من هذا التقريب أنه: علم كبير من علوم الشريعة والعربية، ناظر في خصوص التشاغل بفقه الكلمة القرءانية حين يتعاورها خلف القرأة، فتلابس ضروبا من الاستعمال النطقي وأوضاعا من هيئات الملافظة لا تلبث أن يكون لها صدى في سماعات المأثور اللغوي، وأوضاع سواد المرسوم المصحفي، وأنحاء من دلالات المعاني في مختلف حقولها المعرفية، وهو وإن خرج من رحم الرواية القرائية، فإنه يرتدف على مسموع مفرداتها وتراكيبها، ملحفا في السير في ركاب مدونات علم اللغة والمعاني والتفسير، فهو بهذا المعنى علم «فقه المقارئ»، أو علم «تفسير القراءات»، أو «علم القراءات دراية»»(1).
من أسامي هذا العلم:
علم الاحتجاج، علم وجوه القراءات، علل القراءات، معاني القراءات، علم إعراب القراءات.
وقد اعتمدت في ذلك على المؤلفات في هذا الباب ككشف مكي وشرح الهداية للمهدوي وحجة الفارسي وغيرها من المصنفات التي عنيت بهذا العلم كالتفاسير وكتب اللغة.
وقد رأيت أن أبدأ أولا بتوجيه فرش الحروف ثم أتبعه بقسم الأصول، والله أسأل أن يعينني على إتمام هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
قوله تعالى: ﴿مَلِكِ يَوْمِ اِ۬لدِّينِ﴾، ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اِ۬لدِّينِ﴾
قال أبو عمرو الداني: «قرأ عاصم والكسائي ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اِ۬لدِّينِ﴾ بالألف، والباقون(2) بغير ألف»(3).
قال مكي بن أبي طالب: «وقد قرأ ﴿مَلِكِ﴾ بغير ألف جماعة من الصحابة وغيرهم، منهم: أبو الدرداء وابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم ومجاهد ويحيى بن ثواب والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جريج والجحدري وابن جندب وابن محيصن»(4). وذكر(5) أنه قرأ بالألف جماعة أيضا، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
قال الأدفوي: «فمن قرأ ﴿مَلِكِ﴾ فإنه مأخوذ من المُلك، و﴿مَٰلِكِ﴾ مأخوذ من المِلك، يقال: هذا مَلِكٌ عظيم المُلْكِ، وهذا مَالِكٌ صحيح المِلْكِ»(6).
وقال أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم ابن القراب: «من قرأ ﴿مَلِكِ﴾ بغير ألف جعله اسما من «المُلك» بضم الميم، يقال منه: مَلَكَ يَمْلِكُ مُلْكاً فهو: مَلِكٌ، ومعناه: أن المُلك له يوم الدين، لا مَلِكَ معه في ذلك اليوم، وجميعُ ملوك الدنيا فقراء إليه، عز وجل، يوم القيامة. ومن قرأ ﴿مَٰلِكِ﴾ جعله اسما من «المِلك» بكسر الميم، يقال منه: ملَكَ يملِك مِلكا فهو «مالِك»، ومعناه: أنه ذو الملكة في يوم الدين»(7).
قال ابن عطية: «و «المُلك» و«المِلك» بضم الميم وكسرها، وما تصرف منهما، راجع كله إلى مَلَكَ بمعنى: شد وضبط، ثم يختص كل تصريف من اللفظة بنوع من المعنى»(8).
قال مكي: «وحجة من قرأه بألف إجماعهم على قوله: ﴿قُلِ اِ۬للَّهُمَّ مَٰلِكَ اَ۬لْمُلْكِ﴾ [آل عمران 26]، ولم يقل «ملك»، وأيضا فإن «مالكا» معناه المختص بالملك، و«ملكا» معناه: سيد ورب، فيقول: هو ملك الناس، أي: ربهم وسيدهم، ولا يحسن هذا المعنى في «يوم الدين»، لو قلت: هو سيد يوم الدين، لم يتمكن المعنى، وإذا قلت: هو مالك يوم الدين، تمكن المعنى؛ لأن معناه: هو المختص بملك يوم الدين»(9).
وقال: «وحجة من قرأ ﴿مَلِكِ﴾ بغير ألف إجماعهم على ﴿اَ۬لْمَلِكُ اُ۬لْقُدُّوسُ﴾ و﴿اُ۬لْمَلِكُ اُ۬لْحَقُّ﴾ و﴿مَلِكِ اِ۬لنَّاسِ﴾، وروي عن أبي عمرو أنه قال: ﴿مَلِكِ﴾ يجمع معنى ﴿مَٰلِكِ﴾، و﴿مَٰلِكِ﴾ لا يجمع معنى ﴿مَلِكِ﴾؛ لأن مالك يوم الدين معناه: مالك ذلك اليوم بعينه، وملك يوم الدين معناه: ملك ذلك اليوم بما فيه فهو أعم»(10).
الهوامش:
- مدخل إلى علم القراءات القرءانية ص36- د. توفيق العبقري.
- وهم: نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي وحمزة الكوفي.
- التيسير ص 18.
- الكشف 1/ 27-28.
- نفسه 1/ 30.
- الاستغناء في علوم القرآن للأدفوي ص244. رسالة ماجيستير، تحقيق: محمد يحيى سعد آل منشط.
- الشافي في علل القراءات لابن القراب ص177. رسالة دكتوراة، تحقيق إبراهيم بن محمد السلطان.
- المحرر الوجيز 1/ 68.
- الكشف 1/ 25-26.
- نفسه 1/ 26-27.