مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

غيث النفع في توجيه القراءات السبع قوله تعالى: ﴿وَمَا يُخَٰدِعُونَ﴾، و﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾

 الحمد لله الذي أنزل القرآن على نبيه على سبعة أحرف تخفيفا عن هذه الأمة وتيسيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرسله الله للناس بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه التّالين لكتاب الله تجويدا وتحبيرا.سورة البقرةقوله تعالى: ﴿وَمَا يُخَٰدِعُونَ﴾، و﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾قال مكي بن أبي طالب القيسي: «قرأ الكوفيون وابن عامر بفتح الياء وإسكان الخاء من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الياء وبألف بعد الخاء وكسر الدال»(1).قال أبو محمد ابن القراب: «من قرأ ﴿يُخَٰدِعُونَ﴾ فهو من «المخادعة»، وهو من الفعل مفاعلة، والمفاعلة إنما تكون بين اثنين يقابل كلّ واحد منهما صاحبه بمثل فعله، يقال: ضاربته وجادلته وقاتلته ونحو ذلك، ومعناه: أن كل واحد منهما فَعَلَ مثل فِعلِ صاحبه ..وتصديق هذه القراءة قوله تعالى: ﴿يُخَٰدِعُونَ اَ۬للَّهَ وَالذِينَ ءَامَنُواْ﴾، ولم يختلفوا فيه أنه بالألف، والعرب تردُّ الفعل الثاني على الفعل الأول بلفظه وإن لم يكن على بنائه ليتفق اللفظ بهما ويكونا على نظم واحد، فما كان من جنسه وبنائه فهو أولى بذلك؛ ألا تراهم يقولون: «هَنَانِي الشيء ومَرَاني» فيسقطون الألف من «مراني» لمجيئه بعد «هناني»، فإذا انفرد لم يقولوا إلا «أمراني» بالألف، ويقولون «إنا ألقاه بالغدايا والعشايا»؛ فيجمعون «الغداة»: غدايا، لمجيء «العشايا» بعدها ليتفق بناؤهما، وإذا انفردت «الغداة» جمعت «غدوات»»(2).وقال المهدوي: «وعلة من قرأ ﴿وَمَا يُخَٰدِعُونَ﴾، ذكر اليزيدي عن أبي عمرو أنه قال: «الإنسان لا يَخدع إلا نفسه وإنما يُخادعها» .. ويجوز أن تكون قراءة من قرأ ﴿يُخَٰدِعُونَ﴾ بمعنى ﴿يَخْدَعُونَ﴾، فيكون مثل ما جاء عن العرب من قولهم: «عاقبت اللص وطارقت النعل وعافيته»، فبنوا هذا كله من المفاعلة، والفعلُ من واحد»(3).قال أبو محمد ابن القراب: «ومن قرأ ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ فعلى معنى أن الفعل منفرد بهم راجع عليهم، أي: وما يغرون إلا أنفسهم، وما يغبنون إلا آراءهم وألبابهم، وتصديق هذه القراءة قوله تعالى ﴿اِنَّ اَ۬لْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ اَ۬للَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ﴾، ولم يقل: وهو مخادعهم، ولم يردّ الفعل الثاني على اللفظ الأول، ولكنه جمع بين اللغتين في الآية الواحدة، وخالف بين الفعل الأول والثاني وهما جميعا واردتان في شأن المنافقين. وتصديقه أيضا السواد؛ لأنه كتب في جميع المصاحف بغير ألف. ولأن قوله تعالى ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ تقوية لها؛ لأن رؤوس الآي وما جاورها إذا كانت على نظم واحد كانت أحسن، ولأنه قوله عز وجل ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ﴾ يقوي هذه القراءة؛ لأن معنى المكر والخديعة واحد»(4).وقال المهدوي: «وعلة من قرأ ﴿يَخْدَعُونَ﴾ أنه جعل الفعل من واحد، وكان ذلك أشبه بما قبله، لأن الله تبارك وتعالى قد أخبر عنهم في أول الكلام أنهم يخادعونه، فإذا قال بعد ذلك ﴿وَمَا يُخَٰدِعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ﴾ صار معناه: يخادعون الله وما يخادعون الله، فيصير قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوله»(5).قال مكي: «وحمل القراءتين على معنى واحد أحسن، وهو أن «خادع» و«خدع» بمعنى واحد في اللغة، فيكون ﴿وَمَا يُخَٰدِعُونَ﴾، ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ بمعنى واحد من فعل واحد»(6).الهوامش:
  • الكشف 1/ 224.
  • الشافي في علل القراءات ص 500-501.
  • شرح الهداية 1/ 153- 154.
  • الشافي في علل القراءات ص 501- 502.
  • شرح الهداية 1/ 154.
  • الكشف 1/ 227.
Science

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق