مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

علو مكانة أهل البيت عند الصحابة والتابعين(1)

قال أبو بكر رضي الله عنه: >ارقبوا محمدا في آل بيته< ([1]).

لم يرد أيّ خلافٍ عن العلماء فيما يتعلّق بمودّة آل البيت، ومحبّتهم، بل ورد الاتِّفاق على ذلك؛ وعلى أهمية مكانتهم عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم  يعرفون قدر أهل البيت، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويحفظون وصية رسول الله فيهم، لأنّ محبّتهم فرعٌ من محبّته صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: >أذكركم الله في أهل بيتي<([2]).

ففي الصحيح عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه: >ارقبوا محمدا في آل بيته< ([3])، وقال رضي الله عنه: >صلة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من صلة قرابتي< ([4]).

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله: قوله: ارقبوا محمدا في أهل بيته يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به والمراقبة للشيء المحافظة عليه يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم([5])

وبلغ معاوية رضي الله عنه أن كابس بن ربيعة يشبهه عليه السلام، فكان إذا دخل عليه، يقوم عن سريره، ويتلقاه ويقبله، بين عينيه([6]).

وروى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: >اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا<، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ ([7]).

وفي تفسير ابن كثير لآيات الشورى: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: وَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إليَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ ([8]).

وفي سير أعلام النبلاء للذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر في ترجمة العبَّاس: وروي أن العباس بن عبد المطلب لم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز العباس إجلالا له، ويقولان: >عم النبي صلى الله عليه وسلم< ([9]).

وفي طبقات ابن سعد بإسناده إلى فاطمة بنت علي قَالَتْ: دَخَلْتُ على عمر بن عبدالعزيز وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ؛ فَأَخْرَجَ عَنِّي كُلَّ خَصِـيٍّ وَحَرَسِيٍّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْبَيْتِ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا بِنْتَ عَلِيٍّ، وَاللَّهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ بَيْتٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ، وَلَأَنْتُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي([10]).

قال ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ. وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: >أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي<([11]).([12])

وقال في الوصية الكبرى -مجموع فتاواه-: وكذلك  آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها ؛ فإن الله جعل لهم حقّاً في الخُمس ، والفيء ، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لنا : >قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد< ([13])  .

وقال – أيضاً: وكذلك أهل بيت رسول الله تجب محبتهم ، وموالاتهم ، ورعاية حقهم([14]) .

وفي كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه لَمَّا وضع ديوان العَطاءِ كتب الناسَ على قَدرِ أنسابِهم، فبدأ بأقربِهم فأقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انقضت العربُ ذكر العَجَم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بَنِي أُميَّة ووَلَدِ العباس إلى أن تغيَّر الأمرُ بعد ذلك)([15]) .

وقال أيضاً: (وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان، وقالوا له: يبدأ أميرُ المؤمنين بنفسِه، فقال: لا! ولكن ضَعُوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ مَن يليهِم، حتى جاءت نوبَتُه في بَنِي عديٍّ، وهم متأخِّرون عن أكثر بطون قريش)([16]).

فتحصل من جميع ما مر أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعرفون قدر آل بيت رسول الله باعتبارهم صفوة البشـر، وأنّ محبتهم، وتعظيمهم، وتوقيرهم، ومعونتهم، وبرهم وإكرامهم، ظاهرا وباطنا، والصبر على ما عسى أن يبدو من بعضهم، أمرٌ واجب في الدين بأمر رب العالمين، وفي ذلك توقير لنسبهم الشـريف إلى سيدنا رسول الله. حيث قال عليه الصلاة والسلام: >إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وخلق الخلائق قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا<([17]).

قال البوصيري([18]) رحمه الله في الهمزية: [بحر الخفيف]([19]).

آل بيت النَّبِيِّ طِبْتُمْ فَطَابَ آلْ مَدْحُ فِيكُمْ وَطَابَ الرِّثَاءُ
سُدْتُمُ الناس  بِالتُّقَى وَسِوَاكُمْ سَوَّدَتْهُ آلْبَيْضَاءُ  وَالصَّفْرَاءُ.

والحمد لله رب العالمين.

—————————————————————————

([1]) أخرجه البخاري في )الصحيح(: 3/27 –كتاب فضائل أصحاب النبي-باب مناقب الحسن والحسين- ]رقم:3751[ عن ابن عمر.

([2]) أخرجه مسلم في(الصحيح) ص:980 -كتاب فضائل الصحابة-باب فضل علي بن أبي طالب. – ]رقم:2408[

([3]) أخرجه البخاري في )الصحيح(: 3/27 –كتاب فضائل أصحاب النبي-باب مناقب الحسن والحسين- ]رقم:3751[ عن ابن عمر.

([4]) أخرجه البخاري في (الصحيح) ص: 3/21 -كتاب فضائل الصحابة- باب مناقب قرابة رسول الله-  ]رقم:3713[، عن عائشة إن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراث أبيها فقال في حديث طويل: (والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي).

([5]) فتح الباري 7 / 79  .

([6])  القاضي عياض في (الشفا) ص: 295.

([7]) أخرجه البخاري في (الصحيح) 2/27 -أبواب الاستسقاء- بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا-  ]رقم:1010[.

([8]) تفسير ابن كثير: 7/202.

([9]) ذكره ابن عبدالبر في «الاستيعاب»: 2/814، وابن عساكر في «مختصـر تاريخ دمشق»:11/348، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 3/399.

([10]) الطبقات الكبرى لابن سعد: 54/387.

([11])  تقدم تخريجه.

([12])  العقيدة الواسطية: 1/118.

([13]) مجموع الفتاوى  3 / 407.

([14]) مجموع الفتاوى 28 / 491 .

([15])اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم 1/446.

([16]) نفسه  1/453.

([17]) أخرجه الترمذي في (سننه)6/7  –كتاب المناقب- باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم -[رقم:3608[، عن المطلب بن أبي وداعة بلفظ –فجعلني في خيرهم فرقة- قال: هذا حديث حسن.

([18]) الإمام العارف الأديب البليغ أبو عبدالله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي الدلاصي المصري البوصيري، (608-696هـشاعر الديباجة، مليح المعاني، نسبته إلى بوصير(من أعمال بني سويف، بمصر) أمه منها، وأصله من المغرب من قلعة حماد، من قبيلة بني حبنون، ووفاته بالإسكندرية له (ديوان شعر- ط) وأشهر شعره البردة، والهمزية. ترجمته في: فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي 2/341، الوافي بالوفيات لابن خلكان 3/105-113، والأعلام للزركلي: 6/139.

([19]) أم القرى في مدح خير الورى (القصيدة الهمزية).تحقيق وتعليق الشيخ محمد الشاذلي النيفر. ص:37.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق